يوميات صائم.. بث روحي في فضاء النفس
28 رمضان 1431
خالد عبداللطيف
حمى مستعرة تدب في أوصال الأمة كل عام في استقبال الشهر العظيم؛ لتبث فيها عبر الأقمار الصناعية مزيدا من الوهن والغثائية.. وكأنها محادة لنداء: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"!
فأين المفر؟!
لن يفل البث إلا البث!!
نعم.. بوسع رعاة الديار والقوّامين عليها الكثير مما يكسر شوكة هذا البث الخطير، الذي يتزين بالمغريات ويتلون كحرباء تتربص بفريستها؛ ليسرق من أعمارنا شهرنا الفضيل!
إن مكمن الداء - معاشر الصائمين المربّين - إنما هو في الفراغ والخواء؛ ومن ثم قابلية النفس للاستهواء والإغواء، ولو أن أرباب البيوت أحسنوا في غرس حِكم الصيام، وبث همم التلاوة والقيام؛ لما بقي في النفوس مواضع لبث فضائي يغريها ويغويها!
فالدواء – بإذن العليم الحكيم – هو "بث روحي في فضاء النفس"  يشعل همتها ويضيء دروبها بنداءات توقد عزيمتها:  
{فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ}..{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}.. {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.
تؤازر ذلك البث والحث: قدوة حية؛ فكلما رأى أهل البيت من القائم عليه مصداق ما يسمعونه منه؛ كان أدعى لقبولهم وإقبالهم!
ألا ترى كيف إصرار الصغير على الصيام رغم إشفاق أبويه؛ لأنه يراهما صائمين؟!
أو فرحته الغامرة وهو يتعلق بيدي والده في صحبته إلى المسجد عقب الإفطار ليجد لنفسه مكانا وسط صفوف الراكعين الساجدين؟!
أو تذكير ريحانة الدار لأمها بالمبادرة إلى صلاة المغرب في غمرة انشغالها بإعداد الطعام قبل حضور الوالد والأبناء من المسجد؟!
إلى غيرها من الصور المشرقة التي تضيء جنبات البيوت بأنوار التقوى؛ فتبدد ظلمات "الشاشات السود" التي تريد أن تغتال فرحة الصائمين مع سبق الإصرار!
ما زال في الوقت متسع رحيب، وما لا يدرك كله لا يترك جله.. فلنعد ترتيب أوراق الشهر؛ ولنعن أنفسنا وذوينا على التماس رحمة الله وعفوه ورضوانه جل في علاه.
وتحضرني في السياق قصيدة جميلة لشاعر مبدع كتب قبل سنين في وصف تحرر "قيرغيزستان" المسلمة من قبضة الشيوعية السوفيتية، كان مما قاله فيها:
يا قيرغيزستان..
ما زال لدينا وقت لصلاة وصيام..
ونجاهد كي ترقى النفس بسجدة طهر في اطمئنان!
ولسنا وبيوتنا بأقل حاجة من "قيرغيزستان" للتحرر من أسر التسويف وتضييع الأعمار!
فهل من وقفة تدارك لما تبقى من شهر الخير، يتحلق فيها رب البيت وراعيه مع الزوجة والأبناء مبشرا وداعياً: "ما زال لدينا وقت لصلاة وصيام... "!
"ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".