يوميات صائم .. الحياة مع اليوم الآخر
21 رمضان 1431
د. خالد رُوشه

إن الذي يحيا متيقنا بالحياة الآخرة يقينا لا غبش فيه ولا شك , تتغير حياته تغيرا إيجابيا يكاد يرفعه إلى مصاف الصالحين فور إيمانه بذلك .. والذي يعيش منتظرا النهاية والموت في كل حين يعيش معدا لها.. والذي يحب الجنة لاشك يبذل لها .. والذي يخشى النار لاشك يهرب منها .. لذا كان عجب السلف الصالحين أكثر ما يكون ممن ( أيقن بالجنة ولم يفر إليها وأيقن بالنار ولم يهرب منها )

 

 إن عقيدة المؤمن الراسخة لتشده إلى الحياة الروحانية في ظل وارف من ظلال الجنة و يستهين في الحياة فيها بزخرف الدنيا ومتاعه ويستصغر كل زينة فيها لمل يقارنها بموعود صادق من ربه له في الآخرة ... وإذا كان المسلم بالشهادتين ينطلق ويندفع إلى التضحية، فإن عقيدته وتصوره عن الآخرة تشده إلى العطاء الدائم شدا، وتملأ قلبه بالشوق إلى الشهادة، لأن هذه العقيدة تعرفه على حقيقة هذه الدنيا، وقيمة متاعها، وأنها ليست سوى مرحلة من مراحل وجوده، وممر ووسيلة إلى مرحلة نهائية، فيها القيم الخالدة، والتجارة الرابحة، والفوز الحقيقي .

 

يروى عن صلاح الدين الأيوبي أنه كان يحمل معه صناديق مقفلة في أيام جهاده، وكان يحرص عليها أعظم الحرص، ويرعاها أشد الرعاية، وبعد وفاته فتحت هذه الصناديق فوجد الذين فتحوها أنها تحوي وصية صلاح الدين وكفنه وكمية من التراب من مخلفات ايام جهاده .. فانظر الى حياة القائد المنتصر كيف يراها موصولة في سبيل الله أرضها وسماءها , موتها وحياتها ..

 

ورد عن أم حارثة سراقة أنها أتت النبي صلى الله وسلم فقالت: يا نبي الله، ألا تحدثني عن حارثة ـ وكان قتل يوم بدر بسهم  ـ فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ قال: يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى. فانظر إلى هذه الصحابية الجليلة كيف استقر في قلبها أن الخسران الذي يستحق البكاء هو فوات الجنة، بعدم إحراز الشهادة .

 

وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لما طعن حرام بن ملحان، قال بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، وقال: فزت ورب الكعبة. و أن الذي قتله جبار بن سلمى الكلابي. قد سأل ما قوله فزت ؟ متعجبا .. قالوا يعنى الجنة فقال: صدق الله، ثم أسلم !!