روسيا تحرم القمار
15 رمضان 1430
د. محمد يحيى

منذ فترة قليلة أصدرت الحكومة الروسية قرارًا بتحريم كازينوهات القمار في جميع أراضيها باستثناء أربعة أقاليم صغيرة ونائية قيل أنها بالفعل لا توجد بها أية استعدادات لمثل هذا النوع من الألعاب، وهذا القرار هو قرار مهم للغاية لأسباب عديدة، ذلك لأنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت روسيا الاتحادية مكانًا مفتوحًا لممارسة العديد من النشاطات التي كانت محرمة قبلاً وعلى رأسها نشاط لعب القمار ومعه أيضًا نشاط شبكات الرقيق الأبيض من خلال المئات أو الآلاف من الملاهي الليلية والشقق السرية، وأصبحت روسيا في نظر الكثيرين مقصدًا لما كان يسمى ومازال بالسياحة الجنسية ونشطت على هذه الأنشطة المحرمة والإجرامية عصابات خطيرة عرفت باسم المافيا الروسية، وكانت هذه الأنشطة تدر على خزينة البلاد بشكل مباشر كما في حالة كازينوهات القمار أو بشكل غير مباشر كما في حالة أنشطة الملاهي الليلية وشبكات الرقيق الأبيض أموالاً ضخمة تستأثر منها بالطبع شبكات المافيا بنصيب كبير.

كذلك فقد وضعت هذه النشاطات روسيا على قائمة مقاصد السياحة الدولية حيث أن هذا التحرر المشبوه أدى إلى وفود أعداد كبيرة من السياح من بلاد غربية وشرقية على حد سواء حتى اليابان والصين لكي يلعبوا القمار أو يزاولوا النشاطات الأثيمة الأخرى.
وكانت هذه النشاطات مصدر إزعاج ورفض للعديد من السكان كذلك كانت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية القوية في البلاد ترفضها وتعلن ضرورة وقفها حفاظًا على السمعة الأخلاقية لروسيا ولم تكن الكنيسة وحدها في هذا الموقف، بل إن الكثيرين من المواطنين الروس كانوا يرفضون هذه النشاطات، إما لما تسببه من إزعاجات إجرامية ونشاطات غير قانونية أو لأرباح سهلة للكثير من الأفراد والجماعات وإما لأنها كانت تسيء إلى سمعة روسيا الأخلاقية وتفسد شبابها وبناتها إلى الحد الذي أصبح فيه معروفًا في بعض الدوائر الغربية الأثيمة أن روسيا هي مصدر توريد الفتيات لشبكات الدعارة والرقيق الأبيض وما شابهها، وقد جاء الآن قرار الحكومة الروسية بإيقاف نشاط كازينوهات القمار المنتشرة في طول البلاد وعرضها، ومعه أيضًا نشاط الملاهي الليلية التي تزاول فيها الأعمال المؤثمة كضربة قاضية لمثل هذه الأعمال وأتت معه موافقة إجماعية من الشعب على هذا القرار، رغم أنه كما ذكر في أكثر من مصدر سوف يكبد خزينة البلاد أموالاً طائلة تفقدها من جراء فقدانها لعوائد وضرائب كازينوهات القمار أو للعوائد غير المباشرة المتأتية من أعمال الملاهي الليلية، وأيضًا من خلال فقدان أعداد كبيرة من السياح إلا أنه رغم كل هذه المشاكل التي قد تترتب على القرار، ومعها أيضًا وهو الأهم فقدان الآلاف من وظائف العمل من اللذين كانوا يعملون في هذه الأمكنة والذين سوف يصبحون الآن بلا عمل، رغم كل هذا أقدمت الحكومة الروسية على القرار.
ولنا أن نتساءل: ما الذي يمكن أن يحدث لو أن دولة عربية إسلامية معينة تمارس فيها هذه النشاطات وبالذات نشاط القمار قد أقدمت على قرار إغلاق هذه الأندية، فما الذي كان يمكن أن يحدث؟
إننا لسنا بحاجة إلى التكهن أو إلى أن نذهب بعيدًا وراء الظنون والأفكار، ففي مصر مثلاً ومنذ سنوات قليلة مضت اقترح الكثيرون على الحكومة إلغاء نشاط أندية القمار التي تنتشر في بعض أنحاء القاهرة والمنتجعات السياحية في البحر الأحمر مثلاً، فكان رد الفعل هو الرفض والتعلل بأن إغلاق هذه الأندية التي لا يختلف أحد على حرمتها دينًا وشرعًا وعلى حرمتها أيضًا حتى من النواحي الأخلاقية العلمانية العامة سوف يؤدي إلى ضياع فرص للعمل وإلى ضياع موارد للدولة تأتي إما ضرائبً على هذه النشاطات أو تأتي من خلال السياح القادمين الذين ينفقون أموالهم في البلاد، وهم يأتون بغرض لعب القمار.
ولم ينفذ قرار أو رغبة وقف أندية لعب القمار في مصر لهذه الأسباب، وحتى لو طرحت هذه الفكرة مرة أخرى تأثرًا بالتجربة الروسية فإنها لن تجد لها صدى رغم أن مصر هي بلد الأزهر وهي بلد التاريخ الإسلامي العريق، وهي البلد الذي حافظ على القرآن وعلى الشريعة طوال قرون طويلة وعديدة، وسوف نجد نفس الظاهرة في بلدان أخرى في المغرب مثل تونس مثلاً وربما نجدها في بلدان أخرى عربية صغيرة وسوف تكون الحجة دائمًا هي السياحة والأموال الآتية للدولة من الضرائب.
وإذا كنا سوف نجد هذه الحجج إلا أننا لم نجد موقفًا قويًا وشجاعًا في الحق كما هو موقف الحكومة الروسية التي لا تنطلق من شريعة ولا عقيدة إسلامية، وإنما تنطلق من رغبة في الحفاظ على سمعة البلاد وعلى أخلاق المواطنين وأيضًا من رغبة في إتباع نصائح الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، رغم أن ذلك البلد هو علماني حسب القانون إلا أن للكنيسة فيها أوضاع محترمة وكلمة تسمع بينما في الدولة الإسلامية بنص الدستور والتي فيها الأزهر والتي فيها علماء الإسلام وصوت القرآن والمآذن مرفوع عاليًا نجد من العلمانيين أصحاب النفوذ في دوائرهم من يصرون دائمًا على إفشال أية محاولة لوقف أنماط السياحة الجنسية أو لعب القمار رغم أن تقارير بعض الجهات الدولية ومنها التقارير الواردة من الحكومة الأمريكية نفسها تصر على أن مصر قد أصبحت أحد مقاصد السياحة الجنسية في العالم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.