يوميات صائم.. صغاري والصيام!
18 رمضان 1431
خالد عبداللطيف

ما أجمل مشاهد رمضان في البيت المسلم .. بين مشاعر روحية عالية وتحرر من ثقل المادة، وبين تربية كريمة، ومرح ودعابة، تظلل ذلك كله سكينة عجيبة.. لا يعرفها ويحس بها إلا من يعيشون حقيقة الشهر!

ورب عابد صائم قائم (يغتنم ثواني الشهر قبل الدقائق في العبادة والتلاوة، فلا يكاد يكون لأهل بيته منه نصيب) يخسر كثيرا مما يربحه عابد مثله، حريص كحرصه، لكنه يضع نصب عينيه قول الحكيم العليم جل وعلا:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم: 6).

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ..} (الطور:21).

 

فلله در صائم مبارك يحيط صومه بأحسن الأخلاق، ويوطّن نفسه على حقيقة الصبر والاحتساب؛ فإذا انتهى من عمله وسعيه على قوت بيته؛ وصله بشيء من معاونة زوجه، وملاطفة صغاره، ومتابعة للصائمين الجدد منهم؛ ينافسهم وينافسونه في التلاوة والختمات، ويسرّي عنهم بالمرح والمداعبات، والوعود بالهدايا والهبات!

 

أما البراعم الأحباب الذين يرون شاناً عجيبا من حولهم من أبيهم وأمهم وإخوتهم؛ من امتناع عن الطعام والشراب فيما هم يأكلون ويشربون على غير ما كانوا يألفون! فشأنهم أعجب، ومتعة التواصل معهم نعمة من الكريم المنان، وذكريات رائعة نظل نرويها عبر السنين!

 

ها هي ابنتي الصغيرة التي لمّا تكمل عامها الثالث تحمل بعض طعامها وتصر على إطعامي بعد العصر! فأضحك وأهمس لها بهدوء لئلا تنزعج أو تصدم من رفضي دعوتها الكريمة:
- حبيبتي.. أنا صائم!
لكنها تعيد الكرّة دون هوادة: خُـذْ.. كُـلْ معي!
فآخذها بيدي وأقول: طيب.. سآكلها عندما يقول المؤذن: الله أكبر.. لأني صائم.

حتى إذا آنست منها مزيد إصرار؛ ازددت تبسُّماً واضطررت لمداراتها وإظهار موافقتها وإخفاء ما أعطتني بيدها الصغيرة البريئة؛ فتتوهم أني استجبت لها؛ فتفرح وتقر عينها!

 

إنها رحمة أوصانا بها معلم البشرية صلى الله عليه وسلم، و"إنما يرحم الله من عباده الرحماء"، وهي في الوقت نفسه تربية بالحدث؛ تنمو بها بين جوانح فلذات الأكباد معانٍ يفقهونها لاحقا بعد أن تشربوها بالسمع والبصر سنين عددا.

وإنها لهمسة تتردد وتتجدد في آذان أولياء البيوت بإشاعة الرفق: فإن الله جل وعلا "إذا أراد بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق" (كما صح عن جابر رضي الله عنه مرفوعا).

 

فإذا كنت متعباً بعد يوم عمل وأنت صائم في حر الصيف؛ فإن أم أولادك في جهاد آخر، بل أكبر، من ورائك في بيتك، فعاملها بالرفق، وقدم لها العون.
 وإذا لاحظت على الصغار الصائمين تغيراً وحدة تعتريهم؛ جرّاء معاناة العطش والجوع، فاعذرهم ولاطفهم وخفف عنهم، وإياك أن تزجرهم وتعنفهم؛ فتزيد معاناتهم وتكسر خواطرهم.
وأما لطائف البراعم المتفتحة وعجائبهم.. فاجعلها فرصا للاستثمار التربوي، والغرس المبكر، وسبباً لتذكيرك بشكر نعمة المولى الجليل:
{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.