رمضان في بلاد السعودية.. نظرة نقدية
19 رمضان 1430
إبراهيم الأزرق
ما أن دخل رمضان حتى رأيت عدة مقالات عن رمضان في بلاد كذا... غرباً وشرقاً، وكثير منها اعتنى بالمطاعم والمشارب وبعض الظواهر، وجميل أن يطالع الناس أحوال إخوانهم، ويتعرفوا على عادات جيرانهم.
 
غير أن الألزم من ذلك التعرف على مآسيهم ولا سيما في موسم الخير والقرآن! والعمل على علاجها.
ومن هذا المنطلق كتبت هذا المقال النقدي وإلاّ لو جئت أكتب عن المظاهر الإيجابية في رمضان السعودية لما وفَّت مقالات، بل إني لأحسب أن ما في رمضان من الخير في هذه البلاد لا يعدله مثله في بلد آخر، لكن ليس هذا موضوعي وإنما أشرت إليه من باب الإنصاف والتحرز من سوء الفهم.
 
والحق في أول المقالة يقال: يغبط كثير من الموظفين في المؤسسات والشركات الخاصة نظراءهم في الشركات والمؤسسات الرسمية أو الكبرى... فهذه تتقيد في الغالب بقانون العمل والعمال الذي يكفل للموظف شيئاً من حقوقه -مع أن حقوق الموظف في رمضان لا تزال مهضومة في تقديري- أما المؤسسات الأخرى فقد لا تتقيد ولاسيما بالمواد المتعلقة بحق الموظف من نظام العمل، وهذا الكلام خرج مخرج الغالب –فيما نشاهد بالنظر القاصر- وإلاّ ففي بعض المؤسسات الخاصة التي عرفناها من النظم التي تراعي مواسم الخير، والإدارة التي تحترم إرادة الموظفين، ما يغبطهم عليه غيرهم... غير أن الشاذ لا حكم له!
 
وعوداً على الموضوع أحسب أن كثيراً من الموظفين ولاسيما في القطاع الخاص –وبالأخص التجاري- لا يجدون لرمضان طعماً في السعودية، فليلهم نهار، ونهارهم ليل! وتلك آفة رمضان في هذه البلاد وربما في غيرها مما لم أخبر وهذا متوقع حيث تزدهر التجارة وتكثر مظاهر الحضارة، ولكن الأسى يزيد هنا لوفرة القراء الذين حباهم الله من مزامير آل داود نصيباً، ولكثرة المساجد المتهيئة، وقرب الحرمين، وتيسر كثير من شؤون الحياة، وسبل الخير، وكل هذا يفتح للخير أبواباً غير أن قيد الوظيفة يمنع كثيرين من دخولها! وذلك لأن كثيراً من المؤسسات التي تتقيد بالنظام –دعك من غيرها- يكون العمل فيها على دوامين (مدتين)، يبدأ دوامها الأول في الساعة العاشرة صباحاً وينتهي في الثانية فتلك أربع ساعات شداد، ثم يُستأنف الدوام الساعة التاسعة أو العاشرة لينتهي في الثانية عشرة أو الواحدة، وتلك ثلاث ساعات حسوماً.
 
ثم الموظف أحد ثلاثة نفر؛ رجل ابتدر الدوام في أول وقته الساعة التاسعة وأعرض عن صلاة التراويح أو صلاها مع إمام لا يتم ركوعها وسجودها! وثان: يتأخر من أجل إتمام الصلاة ويتحمل ما يلقاه في سبيل ذلك سواء كان خصماً أو حتى فصلاً –وقد تشرف به بعض من أعرف من الطيبين- وثالث: يبدأ دوامه في العاشرة –وهو وقت كاف لإكمال التراويح في هذا العام- غير أن دوامه ينتهي في الواحدة فلا يتسع له الوقت بقية ليلته ليرقد غير ساعتين! بعد خصم وقتي العشاء والسحور... فإذا صلى الفجر ابتدر الفراش ليرقد نحو ثلاث ساعات ونصف لينهض بعدها راكضاً نحو الدوام، ثم يرجع في آخر اليوم مجهداً –وهي نتيجة بديهية بالنسبة لمن حرص على الصلاة والقيام ولم يهنأ من النوم بسوى خمس ساعات! فمن العادي أن يبتدر كثير من هؤلاء الفراش لأخذ قسط من الراحة قبل العصر وبعده! لتصفو لهم سبع ساعات استجمام في يومهم كله... وكما ترى لا موضع للذكر الحكيم والقرآن العظيم فيها إلاّ إن تُفُضِّل عليه في وقت العمل بالإذن في التلاوة! والمجتهد من الموظفين هو الذي يخرج في اليوم بجزء أو جزأين! فإذا جاءت العشر الأخيرة تقلصت من ساعات راحتهم ساعة أو ساعتان بسبب القيام، فهل يجد مثل هذا طعماً للصلاة والصيام؟
 
فهذا على صعيد من يتقيد بنظام العمل! وأما الذين يهضمون حقوق الموظفين وفقاً للقانون الذي هضمهم أصلاً بعضاً من حق رمضان فلم يراع لياليه الشريفة، فتجد دوام الموظف سبع ساعات أو ثمان أو تسع في الستة أيام وربما في جميع الأسبوع فلا وقت بحال للتراويح لدى هؤلاء.. وقد اتصل أحد الفضلاء يسأل ويقول ما حاصله: دوامهم مرهِق، لا يرجع إلى منزله من العاشرة مساء إلاّ بعيد الثانية صباحاً، ثم يبدأ مرة أخرى في العاشرة وينتهي نحو الثانية ليرجع بعدها منهك القوى.. قال: هل يجوز لي أن أتعشى بعد المغرب، وأضبط المنبه بعدها على الثامنة والنصف أو التاسعة، لألحق الركعات الأخيرة من التراويح مع الجماعة فتكون لي عشاءً وقد تحصل لي ركعتين بعدها معهم نافلة؟ أم يلزمني أن أصلي العشاء مع الإمام؟ وهذا يشق عليَّ لأني إن صليت ورجعت مباشرة فلن أظفر بغير نوم ساعة! فتأمل هذه حال موظف حريص على صلاة العشاء جماعة مع المسلمين!
 
إنها حالة مزرية تذهب بلذة رمضان وترمي بالموظف المسكين في حيز الحرمان... ولا عزاء له إلاّ في حسن قصده وصدق عزيمته، فالنية تبلغ ما لا يبلغ العمل!
 
أخي صاحب العمل –رعاك الله- خفف على عباد الله الموظفين في رمضان، فإن لهذا الشهر خصوصية عند أهل الإسلام، ولتكن نيتك أن يتفرغوا لوظيفتهم التي خلقوا لها عسى الله أن يخفف عنك، فإن لم يقوموا بتلك الوظيفة فقد قمت أنت بما ينبغي عليك، وذهب اعتذارهم بك، فلا تلزمهم بأكثر من ست ساعات عمل في رمضان وذلك أضعف الإيمان إذ هو حقهم الذي يكفله لهم النظام، ولو جعلت هذه الست في الوقت الذي اختاره الله للناس معاشاً يوم جعل النهار معاشاً، وتجنبت الوقت الذي جعله الله للناس سباتاً فقد وُفِّقت، بل لو زادت ساعات العمل في الصباح ووُفِر الليل لكان خيراً من أن تقل ساعات العمل إجمالاً وتُشغل بجلها ليالي الشهر الفضيلة التي يتوق فيها كثير من المسلمين إلى ما تتوق إليه من العبادة؛ ذكراً وقراءة وصلاة، ثم إن عليهم من الحقوق تجاه الذرية والأرحام ما لم يطيقوا لها في شهر الصلة والمرحمة سداً فلا تقف يا صاحب العمل لهم سداً، خصوصاً في هذه العشر!