يوميات صائم...وعلى رزقك أفطرت
9 رمضان 1431
الهيثم زعفان
" وعلى رزقك أفطرت" عبارة يقولها الصائم عند فطره، فهلا تأملنا مقصدها؟ وتحرينا مرادها؟ وحققنا شروطها؟.
 
إن الفلك الذي تدور فيه هذه العبارة مبني على الطاعة التامة لله، فالإمساك عن الطعام والشراب في الصيام هو طاعة وتقرب إلى الله بفريضة إسلامية تمثل أحد أركان الإسلام الخمس، فهل يعقل أن يصوم المرء عن الحلال طوال يومه ليفطر على حرام أو حتى شبهة حرام؟ إنه لأمر مرفوض شرعاً وعقلاً، وعليه كانت القاعدة البدهية أن الإفطار يكون على الحلال، فدعاء الإفطار هذا هو شكر وإكبار لله تعالي على التوفيق للصيام، وإفراده سبحانه بالعبودية في الصيام، وإفراده في الرزق، ومعلوم يقيناً أن طريق الله لا يأتي منه إلا الرزق الطيب الحلال.
 
لكن العجب يرتقي إلى الذهن عندما يتأمل المرء أحوال أناس يعملون في أعمال حرمتها قطعية الثبوت مثل المتعلقة بالربا والرشوة وغير ذلك من المحرمات، ومع ذلك تجدهم يصلون ويصومون ويقيمون ولائم الإفطار في رمضان للأهل والأصحاب والفقراء أحياناً، فكيف تتحقق مع هذا المناخ الملوث المتمثل في الدخل الحرام عبارة على رزقك أفطرت؟.
 
وإذا انتقلنا لدائرة الشبهات لوجدناها دائرة شديدة الاتساع خاصة في ظل الدوامات المادية التي تحياها الأمة في واقعنا المعاصر، ومن ثم اختلط عند بعض الناس الحلال بالحرام وقل أحياناً تحري الحلال قبل الإقدام على أي عمل يجلب نفع على المرء، مما جعل عبارة على رزقك أفطرت معكرة الصفو وبحاجة إلى تنقية وفلترة.
 
إشكاليتا الحرام والشبهات في اكتساب الأموال والأقوات بحاجة إلى وقفة جدية من قبل الصائمين، فلا يستقيم الإمساك عن الحلال مع الإفطار على الملوث.
 
وعلاج ذلك لا يكون إلا بأن يقف الصائم مع نفسه وقفة جدية عند قوله لهذه العبارة حتى لا يسجل عنه أنه من أصحاب من يقولون ما لا يفعلون.
 
فإن كان مطعمه حرام فهو يعلم أنه بحاجة إلى إتمام الامتثال فكما امتثل تعبداً في الصيام فعليه الامتثال تعبداً في الاكتساب، فلا يجتمع الضدان.
 
وإن كان مطعمه يقبع في دائرة الشبهات فهو بحاجة إلى ارتقاء قلبي لأن علاجه الذي يفتقد أداته بحاجة إلى إعداد قلبي لإدارة محرك هذه الأداة المعروفة شرعاً بـ"الورع" والذي يصبو إلى تحري الحلال والابتعاد عن الشبهات في كل أمر.
 
فليتأمل كل مسلم في أمر النفع القادم إليه، وليطرح جملة من التساؤلات الاستبيانبة التي تجرد النفع من أية أهواء، وتضعه على الميزان العقدي الدقيق، مع الاستعانة بمن بصرهم الله ليكونوا له أدلة على الخير، فالصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا يزنون مكتسباتهم الدنيوية بميزان الورع مخافة الوقوع في الحرام فهلا اقتدينا بهم ليكون الدعاء عند الإفطار مصفى كالحليب.