سبتمبر بعد ثماني سنوات.. بين الشك واليقين
26 رمضان 1430
أمير سعيد

لا الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت ولا تنظيم القاعدة أعلن عن أية عملية لأسر زعيم التنظيم منذ فترة طويلة، وليس يجري الحديث في معظم بيانات وتصريحات كبار قادة الناتو عن عمليات تمت بجدية ضد التنظيم في أفغانستان؛ ما قد يبرهن لدى البعض على فتور ضرب عزيمة الغرب ضد التنظيم في أفغانستان، أو تلهي الحلف بما هو أولى من ملاحقة التنظيم وكبار قادته في آسيا، على أن الأمر ليس بالضرورة كذلك؛ فالمتوفر من المعلومات حول نية كبريات الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة شحيح جداً قياساً بما هو متاح للاستهلاك الإعلامي في هذا الخصوص.

 

ومن كان يتابع أحداث تورا بورا في بداية العدوان الأمريكي على أفغانستان واحتلاله قد لا يجد تفسيراً مقنعاً لعدم الكشف عن أية عملية لملاحقة زعيم التنظيم أسامة بن لادن هذه الأيام لاسيما مع توجه الرئيس الأمريكي إلى أفغانستان أكثر من العراق، وترداده أن الجهد الذي بذل في أفغانستان أقل كثيراً من المطلوب؛ ما جعل إدارته تحمل أجندة مختلفة كثيراً عن سابقاتها في مفرداتها الدعائية إلا أنها لا تفارقها كثيراً فيما يخص هذه النقطة بالذات.

 

وكغيري لا أجد مبرراً للاندفاع وراء التفسيرات الخيالية حول اختفاء بن لادن كافتراض "قدرة الولايات المتحدة الخارقة" على توقيف كل من تريد في العالم، ولكن في مقابل ذلك، لست مضطراً لتصديق المزاعم الأمريكية التي تتحدث عن وجود وحدة كاملة في جهاز الاستخبارات الأمريكية تضم ما بين 50 ـ 100 عميل من ضباط القوات الخاصة التابعة للجهاز ليس لها هم منذ سنوات إلا أسر بن لادن ثم هي لا تعلن عن أي محاولة لذلك، ولا يكشف أي جهاز حدوث ذلك كالاستخبارات الباكستانية التي ليست مجمعة على التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يفاخر التنظيم بأنه قد أحبط أية محاولة لأسر زعيمه من دون أن يكون في كل ذلك سر ما.

 

قد يذهب البعض إلى أن الولايات المتحدة فقدت كل الخيوط الموصلة لبن لادن، أو هي غير معنية بأسره لأن بقاء مشجب "الإرهاب" يرفد استراتيجيتها بما تريده من أغطية، ولا تريد افتقاد هذه المزية، أو يذهب آخرون إلى أن ذلك يتطلب عملية كبيرة ليست واشنطن في وارد المجازفة بها الآن.

 

وقد يرى بعضهم أن النسخة الجديدة من التنظيم في غياب بن لادن ورفاقه ستكون الأسوأ بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، إن من جهة تشددها أو من جهة التغييرات التي قد تطرأ على استراتيجية القاعدة تحول بينها وهذه الأخطاء التي تقع فيها وتغذي الولايات المتحدة وحلفائها بمبررات علمهما التوسعي والتغريبي في العالم الإسلامي.

 

تورد التايمز أسباباً تبرر عدم أسر بن لادن حتى الآن أولها منع الاستخبارات الباكستانية المركزية لعملاء نظيرتها الأمريكية من ملاحقة بن لادن في وزيرستان، وثانيها أن جل العملاء المتمكنين في الجهاز الأمريكي قد ذهبوا إلى العراق (مع أن الأولوية في استراتيجية أوباما هي لأفغانستان كما هو معلن)، وثالثها أنه إذا تم تحديد مكان زعيم القاعدة وساعده الأيمن؛ فإن الأمر سيستغرق أسابيع بل شهور لتدبير حملة لملاحقته أو ضربه (هذا خلافاً لكثير من الحملات والغارات التي لا يستغرق تدبيرها دقائق ومثال الزرقاوي شاهد بذلك)، ورابعها أن بن لادن لا يستخدم الهواتف وأجهزة الكمبيوتر النقالة (وكأن جيفارا وصدام وغيرهما كانوا يستخدمانها ولم يكن عمل الجهاز ناجحاً قبل اختراعهما)!! وهي أسباب لا يبدو أنها تستقيم ولا غيرها لتبرير هذا الفتور في مساعي أسر بن لادن، ولا غرو في أن تكون ثمة أسباب أخرى لا تدعو إلى ذلك الآن لكنها على الأرجح ليست تلك السابقة، بل يزيد الاعتقاد لدى متابعين لهذا الملف أن وجود بن لادن حر طليق هو الأفضل لدى الإدارتين الأمريكيتين الحالية والسابقة، وأن العمل على إنهاء القاعدة في هذا التوقيت أو تقليم أظافرها في أكثر من منطقة سيعوق طموحات أمريكية تتغذى على وجود القاعدة في تلك المناطق وإن كانت أهداف أمريكا والتنظيم متعارضة بالفعل.

 

الآن، وبعد ثماني سنوات من أحداث سبتمبر، يستطيع أنصار القاعدة أن يقولوا إنهم قد أنهكوا الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر من منطقة، وأنهم اضطروها لإنفاق ميزانية ضخمة على المجهود الحربي، وأنهم "استدرجوها" إلى مناطق المسلمين كأفغانستان لاستنزاف قواتها كما سبق أن أكدت القاعدة ذلك على لسان زعمائها، لكنهم لن ينكروا أن أفغانستان بعد ثماني سنوات لم تزل تحت الاحتلال وإن جاهدت طالبان لإعادة حكمها إليها، وأن القاعدة إذ تصرفت منفردة في 11 سبتمبر (إن كانت فعلتها)، وظلت محتفظة بتنظيمها المستقل عن الدولة التي كانت عقدت لها البيعة، واتخذت أخطر قراراتها بالإعلان عن مسؤوليتها عن أحداث سبتمبر، لا يمكن أن ينسب لها انتصار طالبان على الحلف الذي لم يتحقق بعد وإن كانت الإرهاصات تنبئ باحتماله بنسبة عالية؛ فالقاعدة لا تكاد يسمع لها صوت في العمليات الكبرى الرئيسية في أفغانستان لا بشهادة الأعداء فحسب وإنما وفقاً لبياناتها هي التي لا تتبنى أياً من العمليات العسكرية الأساسية في أفغانستان، وهي بالتالي ليس بمقدورها أن تقول إنها "استدرجت" أمريكا ما جعل الأخيرة تطيح بحكم تعتبره القاعدة شرعياً ثم هزمتها.. بإمكانها فقط أن تؤكد مسؤليتها عن "استدراج" الغرب، لكن يصعب عليها الادعاء بأنها هي من انتصر عليه إن حدث هذا بالفعل.

 

نحو 2700 قتيل سقطوا في سقوط البرجين دفعت الأمة الإسلامية على إثرهم الثمن احتلالين وأكثر من مليون ونصف المليون من الشهداء، وخلفت عشرات من برامج "تجفيف منابع الإرهاب" التي طالت العمل الإسلامي الخيري في إفريقيا وآسيا، وزادت الهوة بين قيم المجتمعات المسلمة ومناهجها التعليمية، بما لا يمكن حتى للمنصفين من القاعدة أن يقولوا وهم يقاتلون في بلاد المسلمين أن أحوال تلك البلاد قبل "نضالهم" فيها أفضل مما كان قبلها.

على أن الأخطر من ذلك هو الإجابة على السؤال المحير، وهو إن كانت القاعدة هي من فعلت أحداث سبتمبر حقيقة، فما الذي يمنعها من تكرارها بهذه القوة، حتى بهجمات مماثلة تنال من القوات الأمريكية التي جاءت لاحتلال الدول الإسلامية، بمعنى أنه إن كان هدفها في التفجيرات قبل ثماني سنوات هو استدراج الولايات المتحدة بقواتها لهزيمة مدوية في الداخل الإسلامي؛ فلماذا لم تحدث عمليات كبرى يتبدى فيها "تطور الآلة العسكرية والأمنية للقاعدة بعد أعوام من عمليتها الافتراضية" في نيويورك وواشنطن؟ لماذا لم تبد هذه "العقلية" المخططة لـ11 سبتمبر في أي عملية تالية على مدى هذه الأعوام الطويلة؟!

 

                        []              []              []

والذين يكررون أن تنظيم القاعدة  قد تضاعفت قوته وانتشاره، لماذا يعجزون عن الإجابة عن سؤال كهذا، أو يفسرون عدم تمكن القاعدة من إرسال طائرة لا إلى البنتاجون وإنما لأي قاعدة عسكرية أمريكية من تلك الموجودة في بعض الدول العربية المحتلة بشكل رسمي أو توجد بها قواعد عسكرية أمريكية في دول عربية وإسلامية أخرى من المحيط إلى المحيط؟! (كانت معظم الهجمات الصاروخية والنوعية في العراق على القواعد الأمريكية من نصيب فصائل أخرى غيرها بحسب البيانات المعلنة أثناء سنوات المقاومة العراقية الملتهبة).

 

إن الأمر مثير للدهشة حقاً؛ فلا عملية قبلها ولا بعدها بهذه القوة والاحتراف والتمكن، ولا تفسير منطقي ينفي مجمل الأدلة المنطقية التي أوردها أكثر من 180 كاتباً معروفاً استند إليهم د. زغلول النجار العالم المصري المعروف تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المخابرات الأمريكية و"الإسرائيلية" هي التي تقف وراء هذه الحادثة، على حد قوله، في كتابه: (قارعة سبتمبر)، والذي استدل فيه بما حصل في خمسينيات القرن الماضي حينما عرضت المخابرات الأمريكية على الرئيس كينيدي أن يتم ضرب عدة مبانٍ في لوس أنجلوس، ويتهم فيها كوبا، لكن كينيدي رفض حينما علم أن عدد الضحايا ربما يتجاوز الألف شخص، الفكرة نفسها حدثت عام 2001، لكن هذه المرة وافق الرئيس بوش، وتم ضرب البرجين ليتم تبرير إقامة حرب لا نهاية لها على العالم الإسلامي تحت دعاوى الرد على ما حدث والانتقام ممن فعلوها.

"ظني أن أحداث سبتمبر من تخطيط اليهود، فهم المستفيدون منها، وهناك الكثير من الشواهد على ذلك، وهم يحاولون توظيفها ضد العالم الإسلامي والعربي."، كذا قال المفكر الإسلامي المعروف محمد قطب في حوار أجراه معه موقع الشبكة الإسلامية الرسمي القطري [20/7/2002].

 

الاعتراضات كثيرة ومن أطراف لا تحصى عدداً في احتمال وجود جهات غير القاعدة عززت أو قامت أو سهلت بتلك العملية النوعية وغير المعتادة، ومجمل تلك الاعتراضات والملاحظات التي سيقت من أكثر من خبير تلخصت في استحالة الطيران المدني بهذا العلو المنخفض وسط ناطحات السحاب العملاقة والكثيفة في مدينة مثل نيويورك أو حتى واشنطن، ونجاح هواة في قيادة الطائرات بشكلٍ يتعذر على المحترفين الحاذقين تحقيقه في هذه الغابة الفولاذية الشاهقة، وتوقف الخبراء المعماريون أكثر عند النقطة المثالية التي ضُرب فيها برجَا التجارة العالمي، وتحدثوا عن أنها لو كانت أسفل من ذلك لحالت سماكة الفولاذ دون تحطيم البرج، ولو ارتفعت لما سببت الكتلة المنهارة عاليه في تحطيم ما هو أسفل منها، وبالتالي فالنقطة كانت مثالية لحد بعيد.

 

والشواهد كثيرة ـ كما هو معلوم ـ وقد جمع بعضها كتاب (الحادي عشر من سبتمبر والإمبراطورية الأميركية) الذي لم يستبعد فيه مؤلفاه ديفيد راي غريفين وبيتر ديل سكوت أن تكون الرواية الرسمية حول 11 هي في حد ذاتها نظرية للمؤامرة، وينقلان فيه عن عدد من الخبراء الأمريكيين أقوالًا تُعَضِّدُ ما ذَهَبا إليه، ومنها ما قاله مورغان رينولدز الأستاذ بجامعة تكساس والعضو السابق بإدارة بوش الذي قال: (إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت عملية زائفة.. أكذوبة كبيرة، لها علاقة بمشروع الحكومة الأميركية للهيمنة على العالم). وما شدّد عليه أستاذ القانون رئيس مؤسسة سلام العصر النووي ريشارد فوولك على أن (إدارة بوش يحتمل أن تكون: إما أنها سمحت بحدوث هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وإما أنها تآمرت لتنفيذها لتسهيل ذلك المشروع)، وما أكّده أستاذ الفلسفة جون ماكمورتري من أن (زيف الرواية الرسمية جلي لا شك فيه).

 

وبعض الفروض الأخرى تمحورت حول:

1 ـ عدم تدرب الفاعلين المفترضين على هذا النوع من الطائرات أصلاً (بوينج).

2 ـ عدم وجود أي أثر لطائرة في انفجار مبنى البنتاجون.

3 ـ سقوط البرج الثاني في برجي التجارة دون أن تخترقه أي طائرة فيما أسقط الأول طائرتان.

4 ـ وجود جواز سفر قائد الكوماندوز محمد عطا سليماً بين الركام.

5 ـ احتياج هذه العملية لخرائط دقيقة إنشائية للمبنى لتحديد المكان المناسب لإسقاطه وهو بالنسبة إلى برج ارتفاعه 110 طوابق، وهو ضربه في مكان محدد قادر على الإسقاط وهو باختراق إحدى الطائرتين بالطوابق ما بين 94 و98 ، والأخرى بالطوابق ما بين 78و84، وهما الخاصرة الرخوة للبرج التي تسمح بالاختراق من جهة (أسفل من ذلك لا يسمح)، وتسمح بتراكم كتلة كافية لإسقاط ما دونها من الطوابق من جهة أخرى (أعلى من ذلك لا يكفي)!!

6 ـ استحالة تحليق الطائرتين وسط المباني الشاهقة دون جهاز التحكم الآلي.

7 ـ عدد القتلى المحدود نسبياً من القتلى.

 

إلى غير ذلك من الأسباب، ومنها ما ردده البعض عن وجود علاقة ليهود بالتفجيرات من أمثال "الجنرال الأمريكي اليهودي جالس بيترارت المسئول الأول عن أمن سماء الولايات المتحدة والذي تم ترقيته بعد أكذوبة سبتمبر لحسن تعاونه." طبقاً لأقوال صاحب كتاب "الخديعة الكبرى"، الكاتب الفرنسى تيري ميسان، والذي أكد من جانبه أن "ثلة من كبار المحافظين الجدد تمكنوا بموافقة من المحكمة الأمريكية العليا من حجب وثائق تحتوي علي أدق الأسرار والتفاصيل الخاصة بأحداث سبتمبر".

 

وكل ذلك، ربما ترددت أصداؤه آنفاً، لكن الجديد هذه المرة، هو في الاستقالة الاضطرارية التي ألجئ إليها فان جونز مستشار الرئيس الأمريكي الخاص بشأن الوظائف الخضراء في مجلس الجودة البيئية في البيت الأبيض قبل خمسة أيام فقط من حلول الذكرى الثامنة لأحداث سبتمبر بسبب اتهامه الضمني لإدارة الرئيس السابق جورج بوش بالمسؤولية عن الهجمات عبر السماح عن قصد بحصولها بل وتقديم مساندة لهذه العملية، وذلك في عريضة وقع عليها مستشار أوباما وكشف عن توقيعه عليها مؤخراً، ما عبر عن غضب اعترى الجمهوريين لدى الكشف عن توقيع المستشار الخاص لأوباما على العريضة..

 

إن سبر غور هذه الأحداث هو مفتاح حقيقي لما جرى بعدها، والأدوات التي استخدمت لاحقاً في تنفيذ استراتيجية توسعية هائلة ربما لم يسعفها الواقع، لكنها كانت مدبرة للتوسع أكثر، وهو ذاته ما يحدونا لأن نفكر في أحداث 14 سبتمبر 2008 التي أرخت لهزة اقتصادية عالمية سرعان ما بدأت في الانتهاء بعد أقل من عام في ظل تساؤلات ما زالت تلح علينا بالسؤال كيف ولماذا حصلت وفي أي الجيوب تدفقت التريليونات الضائعة من أيدي بسطاء البورصات ونحن كعرب بالطبع منهم!!

 

[email protected]