حول جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا
10 شوال 1430
المسلم - خاص

يعتقد الكثير من القائمين على جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا، ومن خطط لها، وساهم في وضع أسسها، ورسم معالمها من مواقع مختلفة داخل المملكة وخارجها، أن التململ الصامت، والأصوات التي لا تكاد تسمع، وحتى الهمس في آذان المسئولين، والنصيحة وراء الأبواب المغلقة، بشكل مباشر وغير مباشر، ستنته مع مرور الزمن، وستكون مثل طواحين الهواء، الدانكيشوتية، أو طواحين الماء كما ظهرت في صحيفة صهيونية مؤخرا حول اللقاء الثلاثي بين باراك أوباما، ونتن ياه، ومحمود عباس، وما أشبه هذه اللقاءات بتلك. والحقيقة هي أن هذا الرأي له ما يسنده، فهناك العديد من التجاوزات والخروقات لثقافة المجتمع لحساب التغريب، ومصالح الغرب الإستراتيجية، على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، على حساب التنمية، والأمن الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي والحضاري عموما. وذلك على المدى الآني والقريب والمتوسط والبعيد.

 

وإذا نظرنا لهذه القضايا من الزوايا الكلية، نجد أن المجتمع مثل سفينة في عرض البحر، مصير جميع ركابها يهم الجميع، وبالتالي لا يمكن اتخاذ القرار بشكل فردي أو نخبوي، ومصادرة حق البقية أو الأغلبية، ولا يمكن التضحية بمصير الأكثرية أو الجميع إذا كان أي من الركاب بما في ذلك الربان يريد الانتحار، أو التضحية بالكل أو الأغلبية، لينجو هو كما يخيل إليه، من الأمواج المتلاطمة، والعواصف الهوجاء التي تتهدد الجميع. وليس بضامن للبقاء المؤقت، فضلا عن الفناء الدنيوي كمصير لكل إنسان، يحيا ويموت.

 

ولا يمكن اختزال القضية في صراع بين (الحداثة) و(التقاليد) ولا بين (القديم) و(الجديد)، فليس كل حديث لائق (الهيبز، وحلقات الأنوف والشوارب والألسن المعدنية مثلا، وإن كانت كذلك لدى البعض، فليس من حقهم فرضه على الآخرين باسم الحداثة والتجديد أو غيرها من المسميات والدوغمائيات) كما لا يمكن أن ننظر إليها بصفتها (فوضى خلاقة) فهذا التعبير ليس تصريحا لمهووس نصراني اسمه " ديك تشيني " ولا " رامسفيلد " وإنما إيديولوجية جديدة لفلول التغريب الذين يعتقدون بأن الدمار السياسي والاقتصادي والثقافي الذاتي والاجتماعي من شأنه الإتيان بالجديد بقطع النظر عن شكل وسمت وملامح الجديد الذي يعجزون عن تصوره، ولكنهم يعتقدون أنه لن يكون الإسلام الذي يكرهونه ويبغضونه، بناء على عقدهم من الغرب وتشرب مقولاته، وعجزهم عن فهم الإسلام واستكشاف دلالاته. وهم ممن لا يختلفون عمن دافعوا عن الاستدمار الذي نهب ثروات الشعوب، وقتل ملايين البشر، وحول مئات الأمم إلى مسخ لثقافته، وسوقا لبضائعه وخردته، وشتاتا (كما هو حال العرب والمسلمين) وذيلا سياسيا تابعا له، وحتى اليوم، وذلك بتمجيده، واعتباره عاملا من عوامل التطوير والتقدم والحداثة، والنتيجة ما نراه في فلسطين والعراق وأفغانستان.

 

لا أحد يرفض التكنولوجيا، ولا يوجد من هو أحرص من الإسلاميين، على امتلاك ناصيتها في البلاد الإسلامية والمنطقة العربية في القلب منها. وقد حققت ماليزيا تقدما مذهلا دون أن تضطر للتقليد القردي للغرب كما يفعل من يمسك بمقاليد الأمور في الكثير من الدول العربية. حتى أن الشخصية الماليزية الكبيرة المعروفة أنور إبراهيم، رفض في مقابلة نشرت مؤخرا أن تقارن ماليزيا بالدول العربية، وقال لا ينبغي أن نقارن بالدول العربية، وإنما باليابان وكوريا الجنوبية والدول الأوروبية.

 

وكذلك الأمر في تركيا التي خرجت من أزماتها الاقتصادية ومن الكثير قلاقلها الكثيرة بما في ذلك فساد السلطة، بعد أن تولى أنصار الحجاب والإسلام مقاليد الحكم فيها (لا يعني أن الانتصار للحجاب فقط هو ما سيؤدي للتطور). فآليات التطور في البلاد الإسلامية تكمن في أعماقها الروحية والثقافية وأعماق أرضها الخصبة والغنية بمختلف أنواع المعادن والثروات الطائلة المتنوعة. أي التطور من خلال الذات، وليس الاستعارة أو التشبه أو الانسلاخ من الأنا الثقافي والتاريخي والديني. وهي عملية مستحيلة لا ترث سوى الدمار والمتاعب كمن ينزع قلبه أو أي عضو من أعضائه ليضع قلبا أو عضوا أوروبيا لامرأة أو رجل أصفر الشعر أزرق العينين.

 

وللأسف هذا ما تفعله النخبة المتغربة في بلادنا، هي نزعتها إلى أن تنزع عنا لباسنا الحضاري بأبعاده الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كثمن للحداثة المختزلة في الاختلاط ومحاربة الحجاب ومعاقرة الخمرة وأكل لحم الخنزير واستيراد الملابس الغربية وتقليد الآخرين في نمط حياتهم. فلم نسمع منهم شيئا عن توطين التكنولوجيا، ولا الحريات الأربعة، ولا المشاركة السياسية، وكلها معايير معتبرة ومقدمة في الحداثة الغربية، ولا النسج على منوال الاتحاد الأوروبي في الوحدة والتعاون المشترك، سواء على أساس جغرافي أو إيديولوجي أو مصالحي، أو بناء قوة عسكرية على غرار النيتو، لحماية المجتمعات من الهزات المفاجئة، والأخطار المحدقة.

 

ويبدو أن البعض ممن ضاقوا ذرعا بالعباءة في شوارعنا، يشعرون بما شعر به شاه إيران قبل هلاكه، وعبر عنه بشكل سافر عندما وصف نساء بلاده ب" الغربان " وأنه لا يطيق رؤية " الغربان " في بلاده. وكانت النتيجة أن فرض الآن، ذلك الذي يزدريه، لأن بناته ونساء أسرته وحاشيته لا يرتدينه، ويردن أن تسير كل النساء مثلهن سافرات عاريات السيقان والأيدي والرؤوس، يزاحمن الرجال في المراقص، والمراكز التجارية والمجتمعات التعليمية، ووسائل النقل وغيرها حتى لا يشعرن بالغربة. وربما أيضا احتضان الحبيب في الشارع وتبادل القبل أمام أعين الجميع كما يفعل الغربيون والغربيات (أو ليست تلك الحداثة كما اختزلوها، كما يفعل العاجز الباحث عن السهل) وكراهيتهم للإسلام نابعة من أنه يمنع ذلك حفاظا على الأمن الاجتماعي، وما يعيشه الغرب من تهتك، وكثرة الأمهات العازبات، والدعارة، وحمل الفتيات في المراحل الثانوية بكثرة. ففي مدينة واحدة في أوربا الشرقية يستقبل المستشفى المركزي ما يزيد عن 30 حالة يوميا من المعاهد المختلطة.

 

وإذا كان الغرب استطاع من خلال نظامه الاجتماعي سد بعض الفجوات، فمن للمواطن والمواطنة المغلوبة على أمرها مواجهة فضيحة من هذا العيار، حتى وإن أصبح المجتمع قابلا لذلك. كما يتمنى من لا خلاق لهم.

 

مشكلة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، والتي افتتحت في 23 سبتمبر 2009 م بحضور 3 آلاف ضيف لم يراع أي منهم قيم المجتمع الذي حلوا ضيوفا عليه. المشكلة ليست في الاختلاط فقط، بل في الطلبة والطالبات الأجانب من الصين والمكسيك والولايات المتحدة وغيرها،الذين سيمارسون جميع أشكال العلاقة المفتوحة بين الطلبة والطالبات كما هي في دولهم، أمام أنظار الطلبة والطالبات السعوديات والعربيات، ونحن نعلم ما يجري تبعا لذلك من نزع لثوب الحياء إلى حد لا يمكن التنبؤ به!

 

نحن لسنا ضد الجامعة، بل نرحب بالأهداف العلمية التي أسست لأجلها كتحويل أشعة الشمس كمصدر للطاقة وتحلية المياه وتحويل رمال الصحراء إلى تقنيات وكذلك نبات الصحراء إلى محاصيل غذائية ومنح الدرجات العلمية الرفيعة للطلبة والباحثين، ولكن كما ذكرنا ذلك سابقا، لا نحتاج لنزع جذورنا نحن أيضا من أجل ذلك ولا التضحية بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا التي لا تتناقض وهذه الأهداف العلمية، ولدينا في الكثير من العلماء وفي كل التخصصات الذين لم يمنعهم ولم يمنعهن تدينهم من أن يكونوا نوابغ في أدق التخصصات العلمية.

 

الحداثة لا تكمن في الاختلاط، ومشاكل مجتمعاتنا لا تحل بالاختلاط بل بسيطرتنا على مصادر ثرواتنا المختلفة، والتوزيع العادل للثروات، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وتحسين الخدمات الصحية، والتعليم، وحرية التعبير، ووقف عملية إقصاء وتشويه الدين والمنتسبين إليه، والتفطن للمساهمة الإعلامية في المشروع الغربي لشيطنة الإسلام ومحاولة القضاء عليه بوصمه بالإرهاب من خلال تعبير " الإرهاب الإسلامي " وقد عبر روبرت فيسك في مقال نشرته جريدة زمان التركية بتاريخ 1 يونيو 2009 م عن ذلك أحسن تعبير فليرجع إليه.

 

الغريب أن البعض برر الاختلاط بما زعمه من انتشار المثلية الجنسية (في مجتمعاتنا) وما سماها بشوارع الحب، وكأنه يقول " داوني بالتي كانت هي الداء " فطالما هناك مثلية لا بد من الاختلاط ليكون الأمر طبيعيا. وهو ليس كذلك في الحالتين. وهذا يذكر بمطالب احتجاج البعض على عدم المساواة بين الجنسين، بأن تمنح الفتاة نفس امتيازات الشاب، وليس بمساواة الشاب المنحرف بالبنت التي ترتكب نفس الجرم، في إشاعة واضحة للفجور وليس احتجاجا على عدم المساواة. علما بأن الاختلاط في الغرب لم يوقف المثلية الجنسية بل قننها، ولم يوقف التحرش الجنسي داخل النوع الواحد أو بين الرجل والمرأة بل زادت وتيرته بشكل تجاوز الظاهرة إلى الحالة العامة، وفي استطلاع للرأي قال 97 في المائة من السويديين أنهم يمارسون الكلينتونية، نسبة للرئيس الأميركي كلينتون سواء عن طريق التحرش أو الزنا الفعلي خارج إطار الزوجية. وهناك إحصاءات كثيرة لا يتسع لها المقام في هذا المقال.