لماذا يريد بعض العرب أن يكونوا يهودا أكثر من اليهود أنفسهم؟
19 شوال 1430
ياسمينة صالح

 

أن يسارع رئيس "السلطة" الفلسطينية "محمود عباس" إلى إنقاذ "إسرائيل" من "إدانة" دولية محتملة لم يكن "خبرا عاجلا" بالمعنى الكامل، حتى و هو يثير صدمة الفلسطينيين أنفسهم، و صدمة الشعوب العربية التي تكتشف من جديد مدى "يهودية" بعض العرب في السلطة، و الذين يظهرون دائما في الوقت الضائع لإنقاذ "إسرائيل" من الإدانات مهما كانت تلك الإدانات عملية أو نظرية، لكن الصدمة أن يحدث ذلك لأجل "صفقة موجات تردد الهواتف النقالة" صادف أن نجل محمود عباس هو رئيس شركتها، جعلت صحيفة مثل "لودروا" البلجيكية تقول" موجات تردد الهاتف النقال أهم من الدم الفلسطيني!" في عنوان لا تنقصه السخرية من الممارسات غير المجدية التي ما فتأت السلطة الفلسطينية تؤديها لأجل "التدويل الخاطئ" للقضية الفلسطينية التي بكل أسف تحاول النخب السياسية المستهترة إفراغها من طابعها الشرعي و الإنساني و حصرها في مجرد قضية مستوطنات، إنها الكارثة!

 

عام 2005 كشفت مجلة "سيبغل" الألمانية عن صفقة تجارية ـ تدور في زاوية السلام الغامض ـ أبرمت بين أحد أبناء الرئيس الفلسطيني محمود عباس و أحد أبناء المجرم الصهيوني أرييل شارون، كان الخبر يقول تحت السطور" ليس هنالك صراع حقيقي طالما أبناء الزعماء يتعاطون التجارة معا و يدافعون عن السلام نفسه معا بنفس الحس التجاري المبني على المنفعة الخاصة"، بيد أن الخبر كان في خضم الغضب الفلسطيني جراء الاعتداء السافر على مصلين في المسجد الأقصى، كان غريبا أن تهاجم الصحافة "الإسرائيلية" نجل الدموي شارون، في الوقت الذي صمتت فيه الصحافة الفلسطينية و كأن الأمر لا يعدو كونه "شأنا أسريا" لا يجوز التدخل فيه، و لأن الأمر يتعلق برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كان الصمت أقبح من الذنب نفسه، على اعتبار أن المتاجرة بالدم الفلسطيني مع الصهاينة لم يكن في يوم من الأيام أمرا عاديا، و على اعتبار أن رئيس السلطة يجب أن يكون المثل في "النضال" الذي يتوشحه دائما في خطابه السياسي كأن يمارسه عمليا و ليس كلاما فقط. تلك السنة كتبت هاريتس الإسرائيلية أن ورقة التوت بدأت تسقط عن تاريخ محمود عباس السياسي، و لعلها كانت تظن أن المساءلة الفلسطينية له سوف تكون أشبه بالمحاسبة السياسية أيضا، كونه يتاجر في " كل شيء" بما فيه القضية نفسها! لكن ما حدث أن شارون انتهى، و بقي محمود عباس زعيما على سلطة هشة، غير قانونية بالمعنى الدقيق للكلمة يقايض الفلسطينيين على أمنهم و كرامتهم بعد أن قاضيهم عل القضية نفسها، فعندما وصف الرجل الأول في السلطة الفلسطينية صواريخ القسام بأنها مفرقعات، لم يفعل ذلك كمواطن، بل فعلها كرئيس السلطة الفلسطينية ليقول أن "الاعتداء الصهيوني على غزة" كان بمثابة " الدفاع عن النفس" و كأن الذين استشهدوا في القطاع ينتمون إلى كوكب زحل! كانت الصورة في غاية البشاعة، و بعض المواقع "الإسرائيلية" تنشر بشكل "مستفز" أحيانا بعض الوقائع القديمة عن الرجل الأول في السلطة الفلسطينية، كحكاية الكرسي الهزاز الذي تلقاه هدية من صديق وصله من فرنسا أيام كانت منظمة التحرير الفلسطينية تقيم خيامها في تونس، بيد أن ذلك الكرسي كان مدعما بأحدث تقنيات التصنت، و صادف أن أهدى محمود عباس الكرسي بعد وقت وجيز لشخصية سياسية معروفة في منظمة التحرير، ذهبت الصحف ال"إسرائيل"ية إلى القول أن أثناء إحدى اللقاءات الأمريكية مع شخصيات فلسطينية في مقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس رفض الوفد الأمريكي أن يتم اللقاء في داخل مقر المنظمة، لأنهم كانوا يعرفون قصة الكرسي الهزاز ـ غيض من فيض! ـ المدجج بأجهزة التصنت!! لم نأت بشيء من عندنا، نقرة على الانترنت يمكن أن تؤدي إلى أدهى من ذلك، دون أن يصدر أدنى تكذيب من السلطة الفلسطينية، ربما لأن السلطة تراهن على عدم تصديق القارئ العربي للتقارير الإسرائيلية التي نشرت تلك المعلومات وفق مصادر "إسرائيلية"، مع أنها تستمر ـ رغم المحاباة و الأحضانـ على نشر بعض الوثائق المربكة تخص أعضاء السلطة الفلسطينية بالذات ـ مع أنهم حلفائها ـ بدليل ما جرى هذا الأسبوع. كان السؤال هو لماذا لم تستطع الفبركة الإعلامية الصهيونية أن تنشر " وثيقة واحدة" تدين حركة حماس و أعضائها مثلا، على الرغم من أن رأس حماس هو المطلوب رقم واحدة في طاولة مباحثات السلام التي تهرول إليها النخبة السياسية غير الفاعلة هنا و هناك!لقد تمادت السلطة الفلسطينية هذه المرة إلى أبعد من محاولة إخفاء بشاعة الجريمة التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعين سنة، ذهبت إلى محاولة تبرئة الصهاينة، و هو ما أثار صدمة مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة "ريتشارد فولك" الذي أعلن أن " السلطة الفلسطينية التي يفترض أنها تمثل الشعب الفلسطيني هي التي قامت بإنقاذ "إسرائيل" من الإدانة بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها في قطاع غزة من خلال تأجيل التصويت على تقرير القاضي "ريتشارد غولدستون" في مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية." و أضاف في نفس التصريح الرسمي:" كان محيرا أن يقوم الفلسطينيون أنفسهم بإنقاذ "إسرائيل" من هذه المعضلة التي وجدت "إسرائيل" نفسها فيها. ومن التبريرات الغريبة التي قدمت لقرار سحب التقرير أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" هددتا بقطع جزء من التمويل الذي تتلقاه السلطة الفلسطينية، أو أن (بنيامين) نتنياهو هدد بأن استخدام التقرير سيقتل عملية السلام، وبطبيعة الحال ليس هناك عملية سلام يمكن وأدها"، و أكمل ريتشارد فولك كلامه بالقول أن تخمينات بأن "إسرائيل" قالت إنه إذا لم تسحب السلطة الفلسطينية مشروع القرار فإنها لن تمضي في ترتيبات منح شركة هواتف نقالة في الضفة الغربية رخصة الحصول على موجات تردد، "وقد صادف ذلك بشكل غريب أن رئيس هذه الشركة هو ابن رئيس السلطة محمود عباس". لطالما قلنا أن الدم لا يصبح ماء، لكن يبدو أن دم شهداء فلسطين قد أصبح ماء في عيني الرئيس الفلسطيني الذي سبت الأيام القادمة انه لن يمثل من اليوم فصاعدا إلا نفسه. لن يتحرر شعب يعيش احتلالا مركبا من أبناء جلدته و من الأعداء معا، قالها المفكر "مالك حداد" قبل نصف قرن، و يبدو أن التاريخ يعيد نفسه!!