لماذا قرر شيخ الأزهر حظر النقاب في المعاهد الأزهرية؟
23 شوال 1430
د أسامة عثمان







لعل أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع قرار شيخ الأزهر بحظر ارتداء النقاب داخل المعاهد الأزهرية هو السؤال عن الحكمة من ذلك, وعن السبب الموجب لهذا القرار, وإن كان قد لمَّح إلى الأسباب, في قوله:" إنه عادة وليس عبادة" وفي حثه أولياء الأمور على توخي الحرص على أبنائهم في تلقيهم تعاليم دينهم، معتبرا أن "الأزهر هو مدرسة الوسطية الإسلامية البعيدة عن الغلو والتشدد، وأن مثل هذه الأفكار بعيدة كل البعد عن أصول الدين ومنهجه".

 

قرار شيخ الأزهر يشمل الطالبات والمعلمات, وقد أصدره إثر جولة تفقدية قام بها الشيخ على المعاهد الأزهرية؛ إذ طلب من طالبة أزهرية، خلع نقابها.

 

ومسألة ارتداء النقاب يمكن أن تُرى من غير زاوية؛ فمن الزاوية الفقهية، هي خلافية, ومن يقول بفرضية ارتدائه يحمل رأيا شرعيا، وهو في حقه حكمُ الله المُلزِم, وعليه؛ فإن إلزام تلك الفتيات والنساء بنزع النقاب، يسبب لهنَّ حَرَجا شرعيا واضحا، ولاسيما أنهن أثناء وجودهن في المعاهد الأزهرية يَكنُّ عرضة لزيارات الرجال؛ إذ هو مكان عام، وليس مكانا خاصا، كالبيت، مثلا. وقد وقعت الحادثة، أصلا بوجود شيخ الأزهر!

 

ولا يصح نسبة هذا الحكم الشرعي إلى الغلو والتشدد ما دام يستند إلى أدلة شرعية, وأفهام لفقهاء الأمة المعتبرين, والأصل أن يبقى الأمر على سَعته، وأن يجري النقاش في هذا الشأن الفقهي، ما دام يحتمل الخلاف، بحسب المعايير الشرعية والفقهية، دون أن يُخْرج أحدُ الفريقين الآخرَ من دائرة الشرعية. وليست هذه العجالة مكانا للانتصار لهذا الفريق, أو ذاك, وليس الهدف البحث الفقهي, ولكن المقصد وضع هذه المسألة في إطارها الشرعي الصحيح, والتعامل معها وَفْق هذا الإطار.

 

ولا ثمة ضرر ينشأ من ارتداء النقاب, على فرض صحة هذا الاعتبار, وليس من صلاحيات شيخ الأزهر, ولا من مهماته التدخل في هذا الأمر, بل, والإلزام فيه!

 

ويصعب منعُ الذهن من التوارد؛ إذ يستذكر المرءُ تلك الحملات التي شنت, وما تزال على الحجاب, والنقاب, وذاك التضييق الذي مارسته, وما تزال, دول الغرب على الحجاب والنقاب, واستغلاله؛ وسيلة للتحريض، ومقدمة للدفع بالمسلمين المقيمين في بلاد الغرب إلى الرحيل عنها؛ لما باتوا- بحسب طائفة منهم- يمثلونه من حضور مؤثر يُخشى أن يتعاظم في المستقبل؛ فادعوا أن الحجاب يتناقض مع القيم العلمانية- كما في فرنسا, مثلا, وقد كان لشيخ الأزهر مواقف من ذلك غير حكيمة, لمْ تناصر المسلمين فيما تعرضوا له من اضطهاد واضح وانتقائي...

 

 

ذاكم وقع ويقع في بلاد الغرب؛ بقوانين جائرة, ومضطهِدة، أما أن يصل هذا التضييق إلى بلاد المسلمين, ومن شيخٍ هو في منزلة المراجع العلمية, فهذا ما يثير الاستغراب, والاستهجان. ومما يزيد الأمرَ خطورة, والطينَ بِلّة, أن يمرر هذا القرار الذي يعكس توجها معينا في إطار محاربة التشدد والغلو؛ وهما الصفتان اللتان لا تخضعان للتقديرات الشخصية, أو للأمزجة المتأثرة بالواقع الفاسد, أو المنصاعة له، بقدر ما تنضبطان بمفهوم الشرع وقواعده, ووفق ما تدل عليه نصوصه.

 

 ويدفع هذا التطور في استخدام مفاهيم هي في الأصل صحيحة؛ لتشريع آراء متهافتة إلى القلق من توسع هذه الذرائع؛ لتطال قضايا أخرى من الواضحات والقطعيات؛ ما لم يتصدَ العلماء والدعاة لمثل هذا الرأي, وبيان الحدود الواجب الوقوف عندها، في مسائل الشرع القطعية والظنية.