الحوثيون على الحدود السعودية .. الدروس الإستراتيجية
25 ذو القعدة 1430
عبد الباقي خليفة




لماذا يتدين العالم ويتعلمن العرب ؟!!!

 

لم يكن الانسان في يوم من الأيام ، ولن يكون ، بدون ايديولوجية . حتى الذين يدعون أو يزعمون بأن عصور الايديولوجيات قد ولى ، يتحدثون من فراغ ، ويرمون في عماية ، ويخوضون في البديهيات بالأحلام ، ويفكرون في ميادين العمل بالتمني . ويعيشون ايديولوجياتهم الخاصة ، سواء بشكل فردي أو جماعي .

لقد جاءت الهجمة الحوثية على الحدود السعودية ، في مفصل تاريخي مهم للغاية ، تكاد فيه المملكة أن تختطف من قبل أقلية ، لتصبح مثل الكثير من الدول التي تعيش اضطرابات ، أو مرشحة لذلك ، كالجزائر والمغرب ، ومصر ، وتونس وغيرها ، كما لو أن فتنة القاعدة غير كافية فيعطون بممارساتهم وسياساتهم الدليل على صدقية طروحاتها ، وزيادة مؤيديها !!! .

 وإذا كانت هناك دروس هامة تستخلص مما حدث ، وسيحدث في مستقبل الأيام ، فمنها :

1 ) إن الضمانة الأكيدة والركيزة الأساسية لبقاء المملكة ، هي الضمانة والركيزة التي تأسست عليها ، كلمة التوحيد ، والالتزام بمقتضى تلك الكلمة التي فرق الله بها بين الحق والباطل ، والصحيح والخطأ ، والايمان والكفر . ومحاولة التنصل من تبعات ذلك الالتزام ، لن يجر سوى الفتن وراء الفتن ، والويلات وراء الويلات . لقد تمكن المسلمون بكلمة التوحيد والعمل بمقتضاها من حكم نصف الكرة الأرضية في 50 عاما ، وتمكنت الدولة السعودية من توحيد نجد والحجاز بكلمة التوحيد ، ولن تستيطع المحافظة عليها بغير ذلك ، حتى لو كانت أساطيل العالم قاطبة في حمايتها .

2 ) إن الانسان الذي لا يربى على عقيدة راسخة ، لا يمكنه الوفاء بالتزاماته تجاه وطنه في أي ميدان كان ، حتى لو جمع شهادات العالم . ومن هذا الانسان الجندي الذي يمثل خط الدفاع الأول لحماية الحدود من غوائل الأعداء وأطماعهم . فالصهاينة لم ينتصروا على العرب بقوة السلاح فقط ، ولا بنوعية التدريب فحسب ، بل بالايديولوجية التي جعلته يصمد ، بينما كان الجندي العربي يفر من ساحة القتال أو يجبن أو يقوم الضابط الذي كانت تحركه شهواته وغرائزه أكثر من الايمان والعقل بتعطيل دبابته حتى لا يذهب لجبهات القتال . وعندما تربى بعض المقاتلين العرب على قيم الجهاد والاستشهاد استطاعوا تغيير المعادلة إلى حد كبير ولو توفرت لديهم نوعية السلاح الصهيوني للقنوا الأعداء الدرس ( القاسي ) بتحرير الأرض في وقت قياسي ، والانتهاء من الغدة السرطانية .

3 ) يمكننا فهم النقطة الثانية ، من خلال الواقع في اليمن ، وعلى الحدود السعودية . حيث تمكنت مجموعة " عقائدية " يمثلها الحوثيون ، من الصمود طوال هذه الفترة ، ولم تتمكن قوة دولة بقضها وقضيضها من التغلب عليهاو بالحسم العسكري . بل هم يهددون اليوم المملكة ، والمواقف الدولية المؤيدة توحي كما لو أن دولة أخرى اعتدت على السعودية . وهناك الكثير من الحالات التي أعجزت فيها مجموعات عقائدية دولا كبرى . مما يؤكد على أهمية العقيدة في بناء الأجيال ، والخريجين ، والجيوش، وعناصر الأمن ، والمجتمع بأسره .

4 ) إن ما يحصل في العالم من تغييرات تدفع باتجاه التدين ، تثير الكثير من الأسئلة عن أسباب المحاولات المستميتة لعلمنة العالم الاسلامي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه . في الوقت الذي يعيد فيه الغرب الاعتبار للدين حتى في أكبر معاقل اللائكية والعلمانية ، فرنسا . ويمكننا هنا استحضار معاناة الباحثين الفرنسيين من أمثال فانسون غيسار ، والباحثة فرانسواز لوسري ، والباحث كلود روا ، وغيرهم، من معاملة مسؤول ما يسمى ب " موظف أمن الدفاع " جوزيف إيلون ، الذي تتمثل وظيفته في مراقبة أعمال الباحثين بهدف تشخيص أي شئ يمكن أن يكون خطرا على أمن فرنسا ودفاعها ؟!!!

ووصف كلود روا ، ما يجري في فرنسا ذاتها بالقول " هذه المراقبة عبارة عن هجمة منظمة تشن ضد الباحثين الذين يرفضون الآراء المسبقة عن الاسلام " . وتحدث روا ، عن رسالة تلقاها شخصيا من من موظفي ( الدفاع ) تلومه " على معاملته الاسلام بطريقة أرقى  من المسيحية " .

ويقول الباحثون العلميون ، " إذا ما سافرنا في مهمات للخارج إلى بلدان حساسة نكون مجبرين على اطلاعه على برنامج عملنا ، ومن هم الأشخاص الذين سنلتقيهم ، وأين سنسكن ، وعلينا تفويضه بالسفر " . فإذا كانت فرنسا العلمانية تتصرف مع علمائها والبحث العلمي بهذه الطريقة ، وتتصرف من منطلق الحرب ضد الاسلام ، فلماذا نعمل نحن عملها في بلادنا ، وننخرط معها في حرب الاسلام من خلال اطلاق العنان للقرود والببغاءات للنيل من الاسلام ورجالاته في الصحف ووسائل الاعلام الأخرى ؟ ، فلخدمة من يتم كل هذا . إنه خدمة لحوثيات أخرى قد تظهر هنا وهناك من الوطن . وسواء كان هذا الوطن المملكة العربية السعودية أو غيرها .

5 ) تقع البلاد العربية ، ولا سيما دول الخليج بين دول ايديولوجية ، الكيان الصهيوني ، وايران ، وتركيا ، ولا ننسى أن شعار حلف شمال الأطلسي ، صليبا . فالكيان الصهيوني برر ويبرر اغتصابه لفلسطين ، بأسباب دينية ، ويستمر في عدوانه بحيثيات يهودية ، ويطالب المسلمين عربا وغيرهم ، وغير المسلمين بالاعتراف بأنه " دولة يهودية " وتزداد المفردات اليهودية في الخطاب السياسي للكيان الصهيوني يوميا . وايران أعلنت منذ 1979 م نفسها دولة شيعية وفق المذهب الجعفري ، ومنذ ذلك الحين ، وهي تعمل بلا كلل ولا ملل على نشر التشيع في العالم ، ولا سيما الأقطار العربية . وقد نجحت في ذلك ، واستطاعت التمدد حتى في الفضاء الأكاديمي سواء في البلاد الاسلامية العربية وغير العربية أو بين الأقليات المسلمة في العالم بما في ذلك القوقاز والبلقان بشكل يزيد عن كونه ظاهرة إلى ما يشبه الحالة .

 وتركيا أيضا تتلمس موقع قدم لها في المستقبل من خلال البحث عن جذورها الاسلامية ، كايديولوجيا ، فبدون ذلك لا يمكنها أن تعيد مجدها الغابر ، كما لا يستطيع الانسان أن يحقق شيئا دون تطلعات كبرى . بل يجب أن يخطط لمشاريع كبرى ولا متناهية حتى يستطيع تحقيق السقف المرضي عنه . كذلك الفتى الذي قال لأبيه المعلم ،أريد أن أكون معلما مثلك يا أبي ، فقال لا يمكنك يا بني ، ولكن إذا أردت أن تكون معلما فيجب أن تعمل لتكون أستاذا .

وفي الوقت الذي يعود فيه الدين للسياسة في المحيط الإقليمي والعالمي ، تستثنى البلاد العربية من ذلك ، وكأنها الوحيدة المستهدفة من خصائص القرن 21 وفي مقدمتها عودة الدين . فهنا تصحير ديني واضح في الدول العربية ، وتمكين للأفكار والمذاهب المستوردة ، ولقيم وطريقة حياة الآخرين ، كما لو أن المنطقة العربية " أمريكا " جديدة ، يعيش فيها ، هنود حمر ، ولكن بدون عقيدة وبدون تاريخ ، وبدون ماض تليد .

6 ) إن تجهيل المسلمين ولا سيما السنة ، بدينهم ، وإزاحة أهل الدين من مراكز الدولة ومؤسساتها التعليمية والسياسية والثقافية والعسكرية وغيرها ، هو ايذان بالدمار والفناء وعلى كل المستويات . فبماذا نواجه أو نتعامل مع قوى عقائدية ، تزداد تمسكا بعقائدها يوما بعد يوم ، وتعود لجذورها بشكل متسارع لم يسبق له مثيل حتى في معاقل العلمانية كروسيا ، وفرنسا وايطاليا التي رفضت نزع الصلبان من المدارس بناء على توصية من بروكسل . بينما تتعلمن المؤسسات  في بلاد العرب ، قلب الاسلام النابض . لماذا ؟

سؤال يجب أن يطرحه الجميع سياسيين وأكاديميين واعلاميين ورجال تعليم وكل الناس ، كل من موقعه والثغر الذي يقف عليه .

إن تعاليم الاسلام قادرة على حل المشاكل وكل الخلافات العالقة بين البشر ، باتباع الدليل . وباتباع الحكمة وذلك بالتعاون فيما اتفقنا عليه ، والتماس العذر فيما اختلفنا فيه . مع مراعاة مشاعر الآخرين عند التعبير عن عقائدنا . ومحاولة إعادة النظر فيما يمكن أن يقربنا ويحيل دون سفك دماء بعضنا لبعض . فنحن نعيش في رقعة جغرافية واحدة ، ويجب أن نتعايش مع الاختلاف . ولا توجد هناك حلول استئصالية فقد ثبت فشلها على أكثر من صعيد . إن هجرالاسلام وعدله في الثروة والسلطة والقضاء والتعليم مؤذن بعودة الاحتلال البغيض لربوعنا وانتهاء الأمة ، وغياب الأمن والآمان ، وخراب العمران ،