4 صفر 1431

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة تقدم لي ابن خالتي وهو على خلق ودين لكن ليس هناك تكافؤ في الناحية العلمية والمادية فأنا أدرس في الطب وهو دبلوم بعد الثانوي وموظف براتب متواضع، وحتى أهله حالتهم المادية أقل من المتوسط أنا رأيي أتبع قول الرسول صلى الله عليه وسلم وأوافق عليه بسبب دينه وخلقه وربي سيوفقني إن شاء الله لكن أبي معترض عليه بسبب مستواه العلمي والحالة المادية- مَن الذي رأيه صحيح ولو كان رأيي الصحيح ماذا أفعل باعتراض أبي؟

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

إن الحياة الزوجية مسؤولية واختيار وقرار ينبغي أن يكون قائما على شروط صحيحة، يُراعى فيها موافقة الشرع مع ما يتطلبه الواقع حتى يعيش كل من الزوجين حياة طيبة كريمة مصداقا لقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21].
ولتحقيق شروط السكن والمودة والرحمة داخل بيت الزوجية، أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى أن بناء الأسرة المسلمة الصالحة يقوم على أساس الاختيار الصحيح، ووظيفة الأولياء أن يختاروا للفتاة ويزوجونها بمن يرضون دينه وأماناته وأخلاقه. وكذلك الشباب الذكور هم بحاجة إلى مساعدتهم في اختيار الزوجة الصالحة.
* فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، * وقال صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك".
إلا أن البيوت المسلمة السعيدة تقوم على أمور أخرى أيضا لتدعم التدين فيما يخص شئون الحياة، وإن كان شرطها الأول والأهم هو الدين وهو الإطار الذي يحكمها، ولكن لابد من عدم الغفلة عن الشروط الأخرى، والتي من أهمها تحقُّق شرط التكافؤ، سواء أكان اجتماعيا أم ثقافيا أم فكريا...
ومذهب الجمهور: أنه يراعى في زواج المسلمة أربعة أشياء الدين والحرية والنسب والصنعة , فلا تزوج المسلمة من كافر , ولا الصالحة من فاسق , ولا الحرة من عبد , ولا المشهورة النسب من الخامل , ولا بنت تاجر أو من له حرفة طيبة ممن له حرفة خبيثة أو مكروهة , فإن رضيت المرأة أو وليها بغير كفء صح النكاح كذا في المرقاة.
وإلغاء مثل هذا الشرط أو التغافل عنه يوقع في الغالب في مشاكل خطيرة قد تصل إلى حد الطلاق، فبالتكافؤ تقوي رابطة العلاقة بين الزوجين، وبالتوافق في الثقافة والتقاليد والعادات.. يشيع جو جميل من الانسجام والتفاهم والحوار الهادئ بين الزوجين، وهذا هو معنى السكن الحقيقي الذي ذكره القرآن ونوه به.
وفي حالة هذه الفتاة نلاحظ أن شرط التدين متوفر في الشخص الذي تقدم لخطبتها، إلا أن شرط التكافؤ بينهما غير متوفر زيادة على معارضة والديها لهذا الزواج.
ونصيحتي التي أقدمها لها، هي كالتالي:
بداية أريدك أن تجلسي مع نفسك جلسة مصالحة لسبر أغوار نفسك ولاكتشاف حقيقة ما تطمحين إليه، وخلالها اطرحي على نفسك مجموعة من الأسئلة فهي حتما ستساعدك على الاختيار السديد:
* هل أنت فعلا مقتنعة بالزواج من هذا الرجل رغم عدم التكافؤ بينكما؟ وهل أنت مستعدة أن تتحملي تبعات هذا الزواج مستقبلا مهما كانت النتائج؟ ومسؤولة عن اختيارك مسؤولية كاملة، قادرة على حل مشاكلك بنفسك؟
* على أي أساس اخترت هذا الرجل هل على أساس اختيار العقل أم اختيار العاطفة أم اختيار الشرع؟
* هل تقبلين على نفسك أن تختاري أو تتزوجي بدون رضا أو موافقة والديك؟ وهل تعتقدين أنك تستطيعين أن تنجحي في اختيارك بدون مشورتهما وتوجيههما ونصحهما؟
ثم وأنت تجيبين على مثل هذه الأسئلة فكري في الجواب عن سؤال مهم للغاية:
* ماذا يعني لك زواج وماذا يعني لك وجود شريك يشاركك حياتك وماذا تعني لك حياة زوجية؟ ثم ماهي طموحاتك وأهدافك وغاياتك من الزواج؟
لأساعدك على أن تجيبي على هذه الأسئلة أقول لك:
أولا: لا تستعجلي قرار الزواج فأنت مقدمة على أهم مشروع في حياتك، فأعط لنفسك وقتا كافيا من التفكير والتأمل، وخططي لنجاح مشروعك، لا تنسي أنك مقبلة على حياة جديدة، وستنتقلين لبيت آخر غير بيتك وستعيشين مع شخص هو غريب عنك ليس من أهلك، وأنت لم تتعودي عليه بعد، وهذا يستدعي منك الحرص الشديد والتريث ومراعاة توفر شروط محددة ومتكاملة فيه حتى تستطيعي أن تتعايشي مع طباعه وسلوكه وتنسجمي مع ظروفه وواقعه المختلف عنك.
ثانيا: تأكدي أنك بمفردك لن تصلي لنتيجة مرضية ومضمونة بنسب عالية تحقق نجاحا لمشروعك، بل أنت بحاجة ماسة إلى أن تستعيني وتستشيري من هو أكبر منك سنا وأكفأ منك تجربة وخبرة وعلما.. وبالطبع لن تجدي أفضل من والديك ليوجهانك وينصحانك ويرشدانك للاختيار الحكيم والسليم، لأنهم أكثر الناس معرفة بك وبمصلحتك.
ثالثا: استخيري الله تعالى في أمرك، فهو سبحانه سيختار لك الأصلح ومن هو وخير لك في دينك ومعاشك وعاقبة أمرك.
رابعا: لا تدعي اختيارك نحكمه العاطفة فتلغي عقلك، تأكدي بأن العاطفة كثيرا ما تخطئ لأنها تضع على العين نظارة سوداء، كذلك لا تدعي عقلك يسيطر على اختيارك فتلغي عاطفتك تماما، فيتحول عندها الزواج إلى صفقة أو مشروع تجاري، بل الصواب أن توازني وتقاربي تسددي، وتعدلي بين الكفتين فلا تقدمي أحدهما على حساب الثاني.
خامسا: ضعي لنفسك ولحياتك هدفا وغاية سامية هي التي تدعوك لتقبلي على الزواج وعلى اختيار هذا الشخص أو رفضه.
سادسا: أنت تختارين زوجا لك كما تختارين أبا لأولادك مستقبلا فاختاري من يملك أن يتحمل هذه المسؤولية ويوفر لك ولأولادك الحياة الطيبة الكريمة.
سابعا: وأنت تختارين أنظري إلى أبعد من المسافة التي أمامك، وتجاوزي الزمن والمكان الذي أنت فيه، حتى تتحرري من كل المؤثرات التي حولك.
ثامنا: لا تنسي أنك امرأة ولديك حقوق كما عليك واجبات، لديك رغبات ولديك احتياجات ضرورية لا تملكين أن تتنازلي عنها أو تعبثي بها، وإن استطعت أن تقبلي وترضي بها الآن فاعلمي بأنك ستطالبين بها مستقبلا رغما عنك لتكوينك النفسي أو الفسيولوجي أو لطبيعة فطرتك أو لما اعتدت عليه داخل محيطك وأسرتك ومجتمعك.. ليس بمقدورك أن تلقي بكل تاريخك الماضي خلفك وتطلقينه وتتزوجي هذا الشخص، فسيظل هذا التاريخ يستمر معك في مستقبل حياتك يلاحقك وإن حاولت أنت أن تتخلصي منه.
تاسعا: أنت امرأة تحبين بطبيعتك أن تشعري بتميز زوجك عنك وتفوقه في كل شيء، كما تحبين أن تشعري بقوامته بشكلها الصحيح، والتي تعني لك روحه وإحساسه وشعوره..كما تعني لك قوته وهيبته وحمايته وتميزه واحتوائه المادي والعاطفي والنفسي.. لهذا لا تستهيني بمدى ما بينكما من التوافق والتكافؤ الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والديني والعمري فهو مهم جداً.
صحيح أن لكل قاعدة شواذها، وأنه في حالات لزيجات نجحت رغم عدم توفر شرط التكافؤ،، ولكن الزواج ليس ريشة في فضاء تطير في مهب الريح عرضة لأقدارها حيثما أوقعتها وقعت لا يضرها ذلك، بل الزواج له قاعدة وأرضية ثابتة ومتينة يرسو عليها، فلابد أن توفري له شروط الاستقرار والنجاح.
ما أريد قوله باختصار:
إن المشكلة الحقيقية ليست في الرد بالقبول أو بالرفض ولكن في التفكير الصحيح والمسؤول في كيفية قيام حياة زوجية على أسس سليمة وناجحة، هذا هو السؤال الذي يجب أن توجهينه لنفسك وتكونين صادقة وصريحة في الإجابة عنه، حاولي أن تزني أمورك بميزان الشرع والحكمة والعقل معا، فأعط لنفسك فترة كافية للاستشارة والاستخارة والدراسة حينها ستتضح لك الصورة بكل ألوانها المتناقضة ومن كل الزوايا، فتكتشفي العيوب كما تكتشفي الميزات، عند ذلك سيكون تقييمك عادلا ومنصفا وحكيما وستملكين بعدها أن تقرري أفضل من السابق لأنك تتحركين بشكل منظم وبخطى ثابتة وموزونة.