أكرم رضا للمسلم : الطلاق هو الحل إذا وقع الكره بين الزوجين , وتربية الأبناء واجب مشترك , كتم الأسرار الزوجية من معاني الإخلاص

الأسرة المسلمة لبنة البناء المجتمعي الصالح , والخلل النافذ تجاهها هو خلل في قدرة ذلك البناء على العمل والأداء , بل على الحياة والتأثير , وواجب على المربين والخبراء توجيه الوالدين نحو اهم المفاهيم في هذا الشأن وأفضل السبل لحل المشكلات وتجاوز العقبات ..
لهذا وغيره . كان لموقع المسلم هذا الحوار مع الخبير التربوي أكرم رضا ...
 
** ماذا يفعل أحد الزوجين إن اكتشف بعد الزواج أن الطرف الآخر غير ملتزم دينياً؟
 بداية يجب أن نوضح أن العلاقة بين الزوجين فيما يخص تنمية الالتزام الديني قائمة على أمرين الأول التعاون على البر والتقوى وثانيا الدعوة بالحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن، أما اعتبار أن العلاقة كالشراكة قابلة للانفصال لهذا السبب فهو غير مقبول على الإطلاق.
 
فالمطلوب زيادة جرعة الحب والثقة والبحث عن أسباب الفتور إن كان الأمر كذلك وبحث أفضل السبل للتواصل الإيماني وبناء جسور الطاعة وكبت وسوسة الشيطان وإلحاح النفس والصبر ثم الصبر ثم الصبر.
 
أما إن كان الأمر خدعة بمعنى أن أحدهم أوهم الآخر بأنه ملتزم، ثم لم يجده كذلك فهو بالخيار إما أن يطلب الانفصال أو يستمر ويستخدم الخطة السابقة عسى أن يهديه الله على يديه وهو أفضل من الدنيا وما فيها كما أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام" لان يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا ومافيها".
 
وتبقى نقطة وهي أن الكذب قبل الزواج وخداع طرف بأنه متدين له مقياس، ففرق بين إيمان وكفر،  وبين معصية وطاعة ، وبين مستوى التزام ومستوى أعلى أو أقل، وأخيراُ فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ونسأل الله الثبات.
 
 
** يعتبر هتك أسرار البيوت أحد المشاكل التي تصعد الخلافات الزوجية ... ما دور كتم الخلافات بين الزوجين لتخطي الأزمات؟
الإخلاص الزوجي يرفع رصيد الحب بين الزوجين، ومن مظاهر الإخلاص كتم الأسرار، وهناك مستوى من الأسرار ورد النهي الشرعي عن كشفها وهي أسرار العلاقة الزوجية الخاصة والحميمية، ولكن كما قال النبي عليه الصلاة والسلام المجالس بالأمانة، فان ما بين الزوجين أمانة لا يصح التعامل معها إلا بإذن صاحبها.
 
وكتم الأسرار مستويات، ولابد لكل طرف من تحديد مستوى كتم الأسرار تماما وهناك مستوى مرضي لكتم الأسرار، فقد يكون أحد الطرفين حساس جدا لأقل سر من حياته وهذا خطر جدًا، ولابد للطرف الآخر أن يكون حذر جدا عند الحديث عن البيت، لأنه قد يؤدي إلى كارثة إذا كان لدى شريك حياته هذه الحساسية، وهناك مرض آخر وهو الانفتاح الشديد في كشف الأسرار وعلى الشريك أن يكون حريصا في الإدلاء بالأسرار تفادياً لكشفها والوقوع في المشكلات بسببها.
فلا بد عموما من المصارحة بين الزوجين في كل أمور حياتهما، وأن يبين كل طرف للآخر مدى تقبله لكشف الأسرار، ويجب أن تستمر معاتبة الطرف الذي يكشف أسرار البيت، مع توضيح الضرر الواقع بسبب كشف تلك الأسرار، ومع الوقت إن شاء الله سيتفهم أهمية كتم الأسرار.
 
أما الأسرار الخاصة بالحقوق والواجبات فالطرف الذي بذل أكثر ما في وسعة لحصول على حقه ولم يلب الآخر مطلبه فله الحق في كشف ذلك على سبيل التقاضي والإصلاح مع مراعاة العدل في الخصومة وعدم هتك ما لا يتعلق بالموضوع واختيار الحكم بحيث يفضل أن يكون باستشارة الطرف الآخر ورضاه.
 
**  برأيكم هل تعتبر الإعاقة الجسدية سبباً لرفض شاباً أو فتاة للزواج حتى لو توفر الدين والخلق؟
 نعم ... لعدم وجود التكافؤ الجسدي ومراعاة التكافؤ من أهم مقومات استمرار الزواج وقد اهتم الفقه الإسلامي به بشدة، أما كل حالة فتدرس بحالتها حسب نوع الإعاقة وأي من الزوجين هو المعاق ومدى التوافق النفسي لمعاق وغيرها.
 
** تحدثتم عن المراهقة ووصفتموها بالعاصفة ... برأيكم لماذا لم يكن هناك مراهقين من الصحابة ؟
المراهقة مرحلة عمرية بين الطفولة والرشد تبدأ بالبلوغ الجنسي وتنتهي بإيناس الرشد أشار إليها القرآن في قوله تعالى (الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)، وسماها القرآن بمراحلها الثلاثة (بلوغ الحلم أو النكاح وبلوغ السعي والفتوة) أما العاصفة فهي سلوك الشاب غير المستقر في هذه المرحلة بسبب عدم خبرته ويكون للمجتمع والبيئة المحيطة دور كبير في ذلك، وهذا هو السبب أنه لم يكن في الصحابة عاصفة مراهقة لتوجه المجتمع إلى التربية على الرشد والتدريب المستمر لعبور المرحلة.
 
** برأيكم هل تختلف مشكلات الشباب في فترة المراهقة عن مشكلات الفتيات؟ وما هي أكثر هذه المشكلات تعقيداً في تعامل الآباء والأمهات معها؟
 نعم تختلف لطبيعة الاختلاف بين الجنسين فاحتياجات الفتى في هذه المرحلة الجسدية والنفسية والجنسية والعاطفية تختلف عن احتياجات الفتاة، وأكثر المشكلات تعقيدا في هذه المرحلة هي عدم إدراك المربين لطبيعة المرحلة واحتياجاتها.
 
** خلال فترة المراهقة يميل البعض للتعرف على الجنس الآخر، برأيكم كيف يتناول الآباء والأمهات هذه القضية مع أبنائهم لتوضيح حكمها؟
الحرام بين والحلال بين ، والمبادئ لا اختلاف كثيرا عليها والأعراف والتقاليد تحكم كثيرا من أمورنا، وميل كل جنس إلى الآخر هو أمر فطر الله الناس عليه، ولولا ذلك لما قامت الحياة واستقامت ولما انتظم الكون، فكما يميل الشاب من هذا السن إلى الفتيات، فالفتيات المراهقات أيضًا تميل بطبيعتها إلى الشباب، والبيت الملتزم هو الذي يحافظ على أولاده من الانحراف.
 
لذلك لابد من عدم  بمكيل الحرام والحلال فقط،  أو الحرام والحرام أحيانا أخرى، ومصادمة الفطرة ليس من سلوك الإسلام، ولكن معالجة النفس وبيان القيم الأعلى وهو الاستعلاء وتصريف العلاقات إلى ما يفيد كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام للفتى هل ترضاه لأختك..
 
 كما يجب أن يربى الأبناء على بعض الآداب الموجودة كقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} ، بما في ذلك تعليمهم أحكام التعامل بين الجنسين في الإسلام وآداب غض البصر، مع ضرورة ربط الأبناء بالصحبة الصالحة، وشغل أوقاتهم بكل ما هو مفيد.
 
** مع ارتفاع الأسعار وتصاعد تداعيات الأزمة الاقتصادية بالعالم ... كيف يتعامل الآباء والأمهات مع طلبات الأطفال، وبرأيكم هل يصارحونهم بأزماتهم المالية الخاصة لعدم قدرتهم على شراء ما يريدون؟
 نعم لابد أن يعيش الأطفال الحالة الاقتصادية للبيت كل حسب سنه وإدراكه، حتى يصل إلى تدبير الميزانية مع والديه بالتدريج من سن السعي، وحتى إذا كانت الحالة تسمح بالشراء فلا يصح تربوياً تلبية جميع الاحتياجات فلا بد من علاج حمى الشراء والشراء الاستهلاكي منذ الطفولة وتدريب الأطفال على قيم الاقتصاد الإسلامي وأهمها الكسب بالعمل والاقتصاد وعدم الإسراف عند الشراء والادخار.
 
** مع خبرتكم العملية في التدخل ببعض الخلافات الزوجية ... ما هي حالات الخلافات الزوجية التي يكون فيها الطلاق هو الحل الأنسب والأفضل؟
لا يوجد تحديد للمشكلات التي يكون حلها الطلاق بين الزوجين، ولكن المشاكل التي تؤدي إلى كره صريح من طرف للآخر لا حل معها إلا الانفصال وأقصد بالصريح ما يفهمه المرشد الأسري من أنه ليس نوعا من محاولة اختبار تمسك الطرف الآخر إنما هو كره واضحاً لا جدال فيه، وأحيانا لا يكون الطلاق للانفصال التام،  وإنما كنوع من إعادة الاختيار بحرية ودون ضغط ولذلك جعل الله الطلاق مرتان ولذلك كثيرا ما نقدمه كحل مرحلي.
 
** وكيف تكون الخطوات العملية برأيكم للحوار بين الزوجين والتواصل بينهما لحل خلافاتهم الزوجية؟
 الأمن الزوجي من أكثر بيئات الحوار وحل الخلافات الزوجية حسنا وأقصد بالأمن الزوجي أن يكون كل طرف على ثقة ويقين من العواقب الآمنة للحوار مع الطرف الآخر وهذا يأتي من المصارحة بين الطرفين وتبدأ المصارحة من التحديد الواضح لاحتياجات كل طرف من الآخر ويمكن أن يتم ذلك بأن يسجل كل طرف ماذا يريد من الطرف الآخر ويكون ذلك بالترتيب الجيد لهذه الاحتياجات الأول فالثاني وهكذا وأن يتبادل الزوجان هذه القائمة ويعمل كل طرف على إشباع احتياجات الآخر دون نقاش حولها أو إبداء وجهة النظر في أهمية الحاجة او ترتيبها فقد تكون حاجة يستصغرها طرف هي ذات حجم كبير عند الآخر فقط يكون النقاش حول الوسائل والأساليب المرضية لإشباع الحاجات.
 
 ولابد من ملاحظة أن ترتيب الحاجات كما هو متفاوت من إنسان لآخر من نفس الجنس فهو أيضا متفاوت بين الزوجين فسيجد الزوجان أن الحاجة الأولى والثانية للزوجة هي الأخيرة للزوج، فهذا الترتيب يجب ألا يؤثر في إشباع الحاجة في ترتيبها اياً كان رأيكم فيها.
 
** في كثير من الأحيان يكون الأبناء سبباً لخلافات الزوجية ... برأيكم ما هي أدوار الزوج والزوجة كل على حدة تجاه تربية الأبناء خاصة إن كانت الزوجة تعمل؟
تربية الأبناء واجب مشترك للزوجين، ولا يصح التقسيم أو توزيع الأدوار، إنما هو التعاون التام بينهما على أساس دور كل من الزوجين في البيت، حيث تبدأ التربية بالعلم فلابد أن يهتم الزوجان بالتثقيف التربوي حسب المرحلة السنية التي فيها أولادهم ولا علاقة بين عمل المرأة وترتيبات تربية الأولاد بين الزوجين فلابد من التعاون التام فى عدم تعارض واجب التربية مع تحقيق التوازن الاقتصادي للبيت أو تأدية المرأة دورها الاجتماعي أو أي شيء يشغل وقت الزوجين أو جزء من وقتهما، مع الوضع في الاعتبار أهمية تواجد الأم مع أولادها أكبر قدر ممكن من الوقت.
 
** كيف تقدرون اهتمام المرأة المسلمة بتنمية ذاتها من الناحية العلمية والثقافية ... سواء قبل الزواج أو بعد الزواج؟
تنمية الذات لا علاقة له بالجنس، فالرجل والمرأة مخاطبين كلاهما بالارتقاء الإيماني والنفسي والجسدي، والمطلوب لكل من الزوجين هذه التنمية كل في مجاله فهو مطلوب في مجال العمل المهني ومطلوب في مجال تربية الأولاد وهو مطلوب في مجال العلاقة الزوجية وهو مطلوب في مجال العلاقة مع الآخرين وغيرها.
 
ولأحب أن أوجه النظر إلى الانتهاء من معارك القرن الماضي الخاصة بالصراع بين الرجل والمرأة، وعدم بناء الأحكام على الأفكار المسبقة فكل شيء متاح والزوجان هما المسئولان عن تحديد احتياجاتهم بلا أنانية وتقديم المصلحة الشخصية على مصلحة الأسرة سواء من الزوج أو الزوجة.
 
** هل ترون أن خروج المرأة للعمل قد يكون سبباً لبعض الخلافات الزوجية؟
 نعم بالتأكيد ...  فإذا لم يتفق الزوجان ويتفهم كل منهما حاجة الآخر، واحتياجات البيت وإخراج موضوع الرجولة والقوامة من قبل الرجل من الموضوع،  وإخراج موضوع تحقيق الذات وسلاح المرأة والاستقلال المالي عند الزوجة من الموضوع، فهو موضوع مشترك الهدف منه هو مصلحة الأسرة بغض النظر عن المصالح الذاتية.
 
- ما هي أهم المحاور الأساسية التي يجب أن يعمل الوالدين حولها لتنمية شخصية طفلهما في مرحلة الصبا ( بين العاشرة إلى الرابعة عشر تقريبا )؟
هذه مرحلة التدريب الأساسي للأبناء على الرشد وإشراكهم مع الكبار في إدارة الحياة هي من أهم وسائل التربية ونلاحظ ذلك في معية إسماعيل لأبيه إبراهيم (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)، والتدريب على مهارات اتخاذ القرار من الأهمية بمكان، حيث المرحلة المقبلة هي مرحلة اتخاذ قرارات مستمرة، وكذلك تحفيز الطفل على الاستقلال المادي بدءا بالادخار لتلبية احتياجاته وينتهي بالكسب عن طريق العمل إن أمكن، وكذلك التدريب على خلق الشورى ووسائلها وذلك بالممارسة العملية التي تبدأ باستشارة الطفل في أمور البيت المهمة.
 
** هل هناك برأيك ضوابط للحوار بين الأبناء والوالدين؟ وما هي الصورة التي ترشحها كنموذج أمثل ؟
الحوار بين الأبناء والوالدين لابد أن يكون حرا وآمنا، بمعنى أن يكون محمود العواقب وأن لا يوصل للطفل الشعور الدائم بفوقية الوالدين، أو قيامهم بدور المرشد والواعظ والفاهم لكل شيء، فيجب أن نعطي فرصة للطفل ليقول رأيه أيا كان تافهاً من وجهة نظر الكبار ، وأن يكون الحوار من مستوى الطفل بحيث يتفهمه ويتفاعل معه، كما أن الأطفال يحبون كثيراُ حكايات الماضي وخاصة المتعلقة بطفولتهم فيجب أن يستغلها الآباء لتنمية الحوار معهم، كما يجب أن يهتم الوالدان بعدم إغلاق الحوار إذا لم يحدث اتفاق خلال الحديث، بل يتم تأجيله ليستمر الحوار مفتوح.
 
** هل تؤيد التشجيع الكبير من الوالدين على النجاح الدراسي؟ وكيف يكون التوازن في توجيه الأبناء بين الدراسة والأنشطة الأخرى؟
 التفوق الدراسي ليس مجرد تشجيع وإنما عوامل كثيرة تتحكم فيه منها المدرسة والاستقرار الأسري والنمو المتوازن للطفل، والهوايات والمواهب الربانية للطفل.
ومشكلة الوالدين في التشجيع المستمر بأن تتحول قضية الدراسة في وعي الطفل إلى قضية الوالدين وليست قضيته هو فهو يذاكر لهما وينجح لهما بل ويرسب ويتأخر نكاية فيهم ولينتقم منهم إذا لم يحققوا مطالبه.
 
والتوازن يأتي بتحديد الأنشطة التي يهتم بها الطفل، ووضع البرامج الموازية لقيامه بها ومساعدته على التفوق فيه وعدم جعل أيهما مكافأة للآخر، إنما هما متوازيين يكافأ على التفوق في كل منهما على حدته.