النكسة العربية الجديدة !
8 ذو الحجه 1430
ياسمينة صالح

كنا نعرف أن السياسة ليس لها أمان، مثلما كنا ندرك خطورة السيناريو الممنهج الذي قاده "المسؤولين" تحت قبعة "الحرب الكروية الباردة" التي تحولت إلى مسخرة بكل المعاني. عاشت "إسرائيل" أجمل أيام في حياتها وهي تتفرج على المسرحية العربية القومية بقيادة دولتين قادتا الأمة العربية إلى التحرر والاستقلال في أعظم ملامح البطولة واحدة ضد "إسرائيل" (بمساندة عربية شاملة في السبعينات) والثانية ضد الهمجية البونبارتية الفرنسية (بدعم من المسلمين الشرفاء من المحيط إلى الخليج)، لكن السقوط كان مدويا، وتناثر الزجاج في كل مكان. كانت الحجرة التي رميت باتجاه زجاج العلاقة "الأخوية" بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير!

 

يا للعار!
من كان ليصدق أن الدول التي تقبع في خانة الفساد والاستبداد والهمجية السياسية والنظام البوليسي العفن هي التي سوف تقود سيرك الكراهية وتجر شعوبها إلى هذا المستوى من الجنون؟ ليست مصر والجزائر سوى من بين الدول العربية الأكثر فسادا في قائمة منظمة الشفافية الدولية، يسعيان كلاهما إلى التوريث كل بطريقته، ويجدان في إشغال الشعبين عن مشاكلهما اليومية كوسيلة لترتيب سلم التوريث وفق ما سوف تكون عليه الظروف القادمة، على حساب شعبيهما الأكثر بؤسا في شعوب العالم، بحيث يعتقد إلينا أن شعب الموزنبيق وأثيوبيا أكثر ارتياحا منهما من الجانب النفسي والاقتصادي والسياسي!لعب النظامين لعبتهما خارج البساط الأخضر ضمن منظومة " الأخوة العربية الجديدة" التي أصبح فيها الدم ماء!وإن انتصر النظامين بجر شعبيهما إلى الأحقاد العميقة، لكن الهزيمة النكراء كانت من نصيب الشعبين اللذين وجدا نفسيهما داخل هالة من الجنون ومن الضغينة التي غذتها وسائل الإعلام المسعورة التي طالما خدمت "إسرائيل" في السابق عندما كانت تغض النظر عن جرائم الصهاينة في غزة وتغري شعبيها ببرامج الطرب والرقص والغناء الماجن!في افتتاحية غريبة نشرتها صحيفة "أهاريتس" "الإسرائيلية"، حملت عنوان "الدعوة للهدوء" قالت الصحيفة أن "إسرائيل" تدعو الدولتين " الشقيقتين" إلى الهدوء ونبذ العنف، والعودة إلى التعقل! لو جاء هذا الكلام من صحيفة تصدر في هنالولو لقلنا أن الأمر يدخل في سياق الغيرة والسعي إلى تقديم نصيحة "أخوية" بهذا الحجم، لكن أن تأتي من "إسرائيل" فهذه كارثة!ما حدث كان أبعد من التصور.. ما حدث يدخل في سياق الرؤية السياسية العربية الجديدة التي تريد تفريغ الشعوب من مشاعرها لبعضها البعض، حتى في قمة الحديث عن " الأخوة" كان ثمة خونة يخونون الأخوة علانية هنا وهناك!كان الأمر أكبر من توقعاتنا، فأن تسحب مصر سفيرها في الجزائر في الوقت الذي لم تفكر في استدعاء السفير "الإسرائيلي" على أرضها أيام العدوان الحاقد على قطاع غزة، في الوقت الذي استدعت الجزائر السفير المصري للاحتجاج على مصر، وقد نسيت استدعاء سفير فرنسا لسنوات طويلة للاحتجاج على أخطاء فرنسية كثيرة ضد الجزائر.. ما جرى كان كارثة بكل المعايير، فأن يجر النظامين شعبهما إلى مقصلة العداوة لهو أخطر أنواع الحروب الباردة بين دولتين من المفترض أنهما جزء لا يتجزأ من مستقبل الأمة العربية، بعيدا عن التفاخر الزائد وغير المجد لأي دولة على الأخرى فالدولتان إزاء واقع الأمة العربية اليوم ليستا أكثر من صفر على الشمال!  كان مؤلما أن نسمع عن اعتذار لاعب فرنسي لأنه سجل هدف تأهل بلاده إلى المونديال بعد كرة مسكها بيده قبل أن يمررها إلى زميله، اعتذر لجماهير بلده، واعتذر لجماهير الفريق الأيرلندي المنافس والمقصى، وأبدى خجله مما فعله، دون أن يتدخل سياسيو الدولتين، ودون أن تشتم ايرلندا فرنسا أو تسحب سفيرها من باريس احتجاجا على هذا الإقصاء " الفضيحة"!يا عرب الذين أضحكوا العالم علينا، عيب ما يجري. عيب أن تشعروننا أننا جزء من منظومة سياسية سافلة إلى هذا الحد من الهمجية والارتزاق والشوفينية يقودها سياسيون وصحافيون ومثقفون "ورقاصات" سقطوا في وحل الإسفاف والتهريج واللا أخلاق. يا حزننا على ما وصلنا إليه من فشل.. ((ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين...))