مدير مشروع تعليم أطباء غزة عن بعد: بعد النجاح الذي حققناه في غزة نهدف إلى تعميم الفكرة في كل البلاد الإسلامية المنكوبة دون تمييز
10 ذو الحجه 1430
إيمان يس
بعد أن تحدى قطاع غزة العالم بأسره وقرر الصمود في وجه الحصار المفروض عليه بكافة الوسائل، فهذا يحاول تصنيع سيارة تعمل بالكهرباء ليخرج من أزمة الوقود، وآخر يسعى لاستخراج الغاز اللازم للطهي من خزانات الصرف الصحي ؛ وثالث يبني بيته من الطين، كان لا بد أن تأتيهم النصرة هذه المرة من الجانب الآخر للقطاع المحاصر،من أشقائهم الأطباء المصريين والعرب العاملين في اتحاد الأطباء العرب.
حيث قرر الاتحاد إنشاء مشروع التعلم عن بُعد الذي يهدف إلى رفع كفاءة أطباء غزة لتقليل حاجة المواطنين للسفر للخارج في ظل الحصار.
ويشرف على المشروع الدكتورأشرف بركات الذي كان لموقع المسلم هذا الحوارمعه حول المشاكل الصحية التي يعاني منها قطاع غزة وكيف يمكن لهذا المشروع التغلب عليها فإلى نص الحوار.
بداية...كيف تولدت لديكم الفكرة؟
جاءت الفكرة نتيجة للحصار الذي يعانيه إخواننا في غزة منذ قرابة 4 أعوام، فأثناء الحرب الأخيرة على القطاع  سافرت مجموعة من الأطباء إلى هناك للقيام بواجبهم ومساعدة زملائهم، وبعد عدوتهم اجمعوا ـ على اختلاف تخصصاتهم ـ أن القطاع الطبي في غزة بحاجة إلى تطوير ودعم، فهو يعاني من مشاكل عديدة ونقص في المعدات والخبرات سببها الحصار الصهيوني، اضيفي إلى ذلك ما عمدت إليه سلطات الاحتلال من عدم وجود كلية للطب أصلا في القطاع، حيث بدأ تأسيس كلية طب في الجامعة الإسلامية منذ 3 أعوام فقط أي أن الدفعة الأولى لم تتخرج حتى الأن وهؤلاء الطلاب يعانون من نقص شديد في كل شيء بدءا من الأساتذة المتخصصين وحتى المراجع والمعامل !!، كما عمدت قوات الاحتلال إلى اغتيال واستهداف للأطباء والطواقم الطبية ككل، إذا اضفنا إلى ذلك أن الكثير من أطباء القطاع هم من خريجي جامعات الكتلة الشرقية وحتى من استطاع منهم أن يكمل لمرحلة الدراسات العليا توقفت خبراته عند هذا الحد فمهنة الطب كما يعلم الجميع بحاجة إلى دورات واطلاع واسع على كل جديد، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تدهور شديد في الوضع الصحي لغزة ومن هنا وفي ظل اغلاق المعابر وصعوبة التواصل مع أشقائنا في القطاع نبتت فكرة أن يتم التواصل معهم عن طريق التعليم من بعد أو ما يسمى " الفيديوكونفرانس ".
ذكرت أن القطاع الطبي في غزة بشكل عام يعاني من عدة مشاكل، فهل سيشمل المشروع كافة الفئات والكوادر الطبية؟
نعم إن شاء الله، فالمشروع سيشمل الأطباء والصيادلة والممرضين والمسعفين بالإضافة إلى الإدارة الصحية وطلبة كلية الطب لكن هذا يحتاج إلى وقت، لذلك قررنا أن يتم العمل في المشروع على عدة مراحل، حيث تم التركيز في المرحلة الأولى على الأطباء وطلبة كلية الطب، ثم تمكنا بفضل الله وفي وقت أقل من المقرر أن نبدأ المرحلة الثانية حيث العمل على تحسين أوضاع الإدارة الصحية وكذلك تدريب الصيادلة والممرضين والمسعفين والآن يجري العمل على المحروين بشكل متواز ومتزامن، كذلك بدأنا مرحلة ثالثة لم تكن في خطتنا الأولية وإنما جاءت بناءا على طلب إخواننا في غزة وبعد النجاح الذي من الله به علينا ؛ وهي مرحلة تدريب أطباء الأسنان والعاملين في مجال التحاليل الطبية.
ماذا تعني بالإدارة الصحية؟
الإدراة الصحية تشمل كيفية وضع سياسات صحية تنظم القطاع الصحي وتزيد من فعالية تقديم الخدمات للمواطنين، فمن غير المنطقي أن يتواجد في مساحة 365 كم مربع هي مساحة قطاع غزة 10 مستشفيات رئيسية بالإضافة إلى أكثر من 125 وحدة صحية !!، وجميعها لا تتوفر فيها الإمكانات اللازمة، فلا بد من وجود منهجية واضحة لإدارة القطاع من الناحية الصحية وتعاون وربط بين جميع المراكز الموجودة، وقد قام بالفعل مجموعة من المتخصصين في الإدارة الصحية بتقديم دورة لمديري الإدارات الصحية في القطاع.
ألا ترى أن التعلم عن بعد غير كاف وخاصة بالنسبة للكليات العملية ومهنة الطب تحديدا؟
نعم، دعيني أوضح أن المشروع لا يتوقف عند الفيديو كونفرانس فقط، فهناك خمس مسارات نتحرك من خلالها :
1ـ مسار الفيديو كونفرانس ( التعلم عن بعد ) .
2ـ دعم كليات الطب داخل جامعات قطاع غزة (الجامعة الإسلامية وجامعة الأزهر) أيضا عن طريق توفير محاضرات التعلم عن بعد.  
3ـ مسار القوافل التدريبية الطبية والتي تمثل الجانب العملي للمشروع
4ـ استقدام أطباء فلسطينيين للجامعات المصرية للحصول على دراسات عليا ومدة تنفيذ هذه الخطوة قد تستمر لسنوات.
5ـ استقدام أطباء فلسطينيين للحصول على دورات تدريبية في مهارة معينة مثل  تركيب مناظير مثلاعلى أن تكون دورات مكثقة لمدة لا تتجاوز شهر واحد.
وقد بدأنا التنفيذ منذ قرابة 7 أشهر ليشمل مسارات الفيديو كونفرانس والقوافل التي تعد المكمل الأساسي للفيديو كونفرانس، والآن نحن على وشك استضافة 6 أطباء في تخصصات مخلتلفة للحصول على دورات مكثفة، بينما لا يزال المسار الرابع الخاص بالدراسات العليا يعد هو الأصعب.
ولكن فكرة الفيديو كونفرانس تحديدا كيف تم تنفيذها ؟
بدأت الخطوات العملية بأن عرضنا الفكرة على الأشقاء في وزارة الصحة الفلسطينية وقد وجدنا ترحيبا كبيرا من طرفهم، فقمنا بعمل دراسة جدوى للمشروع تم بموجبها رصد ميزانية 1.3 مليون دولار لتنفيذ هذا المشروع،ثم سافر وفد من اتحاد الأطباء العرب لتوقيع بروتوكول تعاون علمي بين الاتحاد ووزارة الصحة الفلسطينية، وبموجب البروتوكول تم الاتفاق على تحديد التخصصات التي يحتاجها القطاع، كل تخصص يشرف عليه أستاذ جامعي من الجانب المصري يقابله مشرف على التخصص من الجانب الفلسطيني يتم الاتفاق بينهما على نوع الدورات ومواضيع المحاضرات والبرنامج التدريبي في حال سفر أحد الوفود الطبية، وكذلك يقوم المنسق الفلسطيني باختيار المتدربين وإعداد الجداول اللازمة لتدريبهم على أن يكون البرنامج جزء من عملهم مقابل مكافآت مادية لمن يلتزم بالحضور ويجتاز الإختبارات، كما يحصل المتدرب على شهادة خبرة عن كل دورة يجتازها، وبذلك نكون قد أعددنا خطة سنوية لبرنامج تدريسي متكامل لرفع كفاءة الأطباء، وقد بدأ العمل في هذا البرنامج بالفعل في المستشفيات الثلاث الرئيسية في القطاع وهي مستشفى الشفاء والمستشفى الأوروبي ومستشفى ناصر.
أما بالنسبة لطلبة كلية الطب فمنذ الثامن من إبريل الماضي يقوم الأساتذة المتخصصون بتدريس الطلاب في التخصصات التي تم الاتفاق عليها مع وزارة الصحة وهي ( النساء ـ الباطنة ـ الجراحة ـ التخدير ـ العناية المركزة ـ الأطفال ـ الأشعة ـ الأسرة ).
ولكن كيف تستطيعون تقييم الإختبارات؟
يتم عقد الإختبار على الانترنت مع مراقبة القاعة بالفيديوكونفرانس، وحتى الآن تم عقد 4 اختبارات للأطباء الذين حضروا الدورات المختلفة وقد جاءت النتائج طيبة، أما اختبارات طلبة كلية الطب فستجرى بنفس الطريق في موعدها بعد انتهاء العام الدراسي بإذن الله.
وماذا عن القوافل الطبية؟
أيضا تتم بالتنسيق بين الجانبين وفقا للتخصصات السابق ذكرها، فيتعرف المنسق المصري على ما ينقص القطاع سواء من معدات أو خبرة عملية لتحديد الدورات اللازمة، وهنا يجب توضيح أن هذه القوافل لها عدة فوائد، فهؤلاء الأطباء يقومون بإجراء عمليات لمرضى غزة الذيم لم يتمكنوا من السفر وهذه فرصة للأطباء المتدربين لاكتساب خبرة بالممارسة العملية، هذا بالإضافة إلى عقد الدورات والمناقشات العلمية والاستشارات وكذلك اصطحاب بعض المعدات التي يحتاجها القطاع.
وقد كان من المقرر أن نقوم بإرسال قافلة أسبوعيا على أن يكون لكل قافلة تخصص طبي مختلف ويراسها أستاذ جامعي متخصص،وبالفعل قمنا بتجهيز فريق لجراحة القلب والصدر وآخر متخصص مخ وأعصاب وكذلك طب عيون، لكن حتى الآن نتمكنا من إرسال قافلتين فقط  لأسباب خارجة عن إرادتنا تتلخص في عدم فتح معبر رفح !!
ورغم ذلك أستطيع أن أقول بحمد الله أن القوافل حققت نجاحا كبيرا في القطاع، فالقافلة الأولى رغم أنها لم تستمر سوى خمسة أيام،وقد كانت برئاسة الدكتورحسام الدين موافي وعدد كبيرمن أساتذة الجامعات، وقام الدكتورموافي بعقد اجتماع فوروصوله للقطاع كي يبدأ إجراء العمليات صباح اليوم التالي، كما قام الفريق الطبي المصري بإجراء العديد من العمليات المعقدة، فقد أجرى الدكتور أدهم فاروق أستاذ جراحة التجميل في كلية طب الإسكندرية 17عملية تجميلية معقدة لحروق بالغة نتيجة استخدام الفسفور الأبيض،كما أجرى الدكتورإبراهيم الجعيدي أكثرمن 11عملية عظام، ما بين انزلاق غضروفي عنقي واستئصال فقرة من خلال تجويف الصدر، كذلك قام الدكتورعمروعبد الباقي بإجراءأكثرمن20عمليةجراحية،أما دكتورموافي فقد قال عنه الإخوة الفلسطينيون أنه غير كثيرامن المفاهيم الطبية لديهم.
أما القافلة الثانية، فقد وصلت إلى القطاع في 4 ـ أغسطس واستمرت أيضا لمدة 6 أيام، وتكون الفريق الطبي من طبيبان عظام أحدهما الدكتور محمد صادق المتخصص في طب عظام أطفال حيث أجرى 10 عمليات تشوهات عظام، وقام بالكشف على 50 طفل وتدريب 5 أطباء.كما قام دكتور إيهاب المنياوي بإجراء 3 عمليات والكشف على 60 حالة وتدريب 3 أطباء و ألقى عدد من المحاضرات و 4 ورش عمل، وحملت هذه القافلة معدات بما قيمته 160 ألف جنيه (30 ألف دولار ).
ما هو تقييمكم لهذا المشروع حتى الآن؟
حقيقة أن المشروع يسير بسرعة أكبر بكثير مما كنا نتخيل، وفي رأيي أنها "بركة غزة "، فهناك كم هائل من التفاعل بين الأطباء على الجانبين وتسابق للمساهمة سواء في محاضرات الفيديو كونفرانس أو في السفر وحتى الآن تجاوز عدد الأطباء المصريين المساهمين في هذا المشروع إلى 65 وهو بالتأكيد عدد قابل للزيادة،ويقوم هؤلاء الأطباءعلى تدريب ما يزيد على 165 طبيب و28 طالب جامعي،وقد ضرب هؤلاءالأطباء أمثلة رائعة في التفاعل مع المشروع،فعلى سبيل المثال لا الحصر، الدكتورمحمد رفاعي رئيس أقسام أنف وأذن بالقصرالعيني سافرمع القافلة الأولى إلا أنه لم يتمكن من الدخول ومع ذلك أصرعلى أن يكون مع القافلة الثانية وأيضا لم يسمح له بالعبور، ومازال ينتظرويصرعلى المشاركة في هذا الجهد والأجر،وكما تعلمين السفرمكلف جدا ويعطل الكثيرمن المصالح المادية خاصة أن الدكتور رفاعي من القلائل الذين يقومون بجراحات رأس ورقبة في الوطن العربي،أماالدكتور موافي فقد أحدث سفره ضجة إعلامية فهو من الأسماء الرنانة في الوسط الطبي، وقد ألقى محاضرة أثناء المؤتمر الذي عقده فور وصوله غزة تاثر بها الجميع جداا، وفور عودته أبدى استعداده للسفر مرة أخرى في أي وقت رغم كبر سنه وسوء حالته الصحية !!
أما بالنسبة للفيديو كونفرانس فهناك سعادة بالغة تغمر كل من الطلاب والأساتذة لهذا التواصل الإنساني بين الاشقاء على الجانبين، وقد كان الطلاب في أمس الحاجة لهذا التعاون العلمي في ظل نقص المراجع والخبرات.
ماهي الصعوبات التي واجهتكم أثناء التنفيذ؟ وكيف تغلبتم عليها؟
 بالتأكيد واجهتنا مشكلة الانقطاع المتكررللتيارالكهربائي وبالتالي للانترنت،وقد تغلبناعليها بتوفيرمولد كهرباء وكذلك إمداد وصلة انترنت خاصة بالمشروع في كل من مستشفى الشفاء والمستشفى الأوروبي وكذلك الجامعة الإسلامية.
كما واجهتنا صعوبة تنقل الأطباء بين المستشفيات المختلفة فكل منهم لديه عمل لا يستطيع أن ينقطع عنه،وكنا قد بدأنا المشروع بوحدة فيديو كونفرانس واحدة فقط في مستشفى الشفاء إلاأننا اضطررنا إلى توفير وحدة أخرى في المستشفى الأوروبي كما أننا بصدد إنشاء وحدة ثالثة في مستشفى ناصر ونأمل أن تتوفر قريبا الإمكانات المادية اللازمة لذلك.
وعلى الجانب المصري كانت لدينا أيضا وحدة فيديو كونفرانس واحدة لإلقاء المحاضرات، ثم قمنا بتجهيزها لتكون على اتصال بالوحدتين المتواجدتين الآن في غزة في وقت واحد، ومع مرورالوقت وجدنا أننا بحاجة إلى وحدة أخرى داخل غرفة العمليات ليتمكن المتدربين من مشاهدة الخطوات العملية لإجراء الجراحات المختلفة. 
أما بالنسبة للقوافل فكما ذكرت سابقا تواجهنا مشكلة إغلاق معبررفح وعدم السماح لنا بالمرور.
في ظل حرب الإبادة الشاملة والحصار الذي يعانيه سكان غزة، ماذا عن الصحة النفسية؟
نعم، في البداية لم يكن هذا المجال من التخصصات المطلوبة في القطاع، ولكن مع التقارب الذي أحدثه المشروع طالب الإخوه بتوفير دورات في هذا التخصص، فقمنا بالتواصل مع البروفيسور أرشد حسين أستاذ الطب النفسي في جامعة موزاري الأمريكية ومؤسس مركز العلاج من الصدمات النفسية والعصبية في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية. (وهو طبيب أمريكي من أصل باكستاني) ولديه مركز متخصص في الدعم النفسي لضحايا الكوارث، وبالفعل قمنا بتوفيرعدد من الدورات والمحاضرات في الصحة النفسية للأطفال، وللمسعفين، وللمجتمع.
ذكرت أنكم قمتم بتوقيع بروتوكول تعاون مع وزارة الصحة في غزة، ماذا عن الضفة؟
بالتأكيد نحن ننئى بأنفسنا عن أي خلافات أو تجاذبات سياسية، فالمشروع هو مشروع طبي إغاثي إنساني يشمل كل مريض دون نظر إلى جنس أو لون أو عرق أو دين أو فصيل، ونحن بالفعل نتمنى تنفيذ المشروع في الضفة إذا أتيحت لنا الفرصة لذلك، بل إننا أيضا في الطريق لتنفيذ المشروع في كل بلد عربي إسلامي منكوب مثل دارفور والصومال واليمن.