الحرب القديمة الجديدة
7 محرم 1431
خالد بن صالح الغيص

منذ بداية الحرب التي أعلنها إبليس على آدم وذريته من بعده وبداية الصراع الأزلي بين الحق والباطل، ومنذ أن أُمر إبليس بالسجود لآدم فأبى واستكبر! برزت لنا وسيلة خبيثة من وسائل إبليس في إغواء بني آدم ألا وهي وسيلة هتك الستر ونزع اللباس وتكشف العورات!؛ فالقارئ لأغلب آيات القرآن التي جاء فيها ذكر قصة خلق آدم وعداوة إبليس له يجد ذكر بدو عورة آدم وزوجه عندما أكلا من الشجرة، وأن إبليس وسوس لهما ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما كما في سورة الأعراف مثلاً حيث يقول تعالى: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}.

 

قال ابن كثير –رحمه الله- عند تفسيره لهذه الآيات: يقول تعالى محذرًا بني آدم من إبليس وقبيله، ومبينًا لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم، عليه السلام، في سعيه في إخراجه من الجنة التي هي دار النعيم، إلى دار التعب والعناء، والتسبب في هتك عورته بعدما كانت مستورة عنه، وما هذا إلا عن عداوة أكيدة، وهذا كقوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف: 50].اهـ، ولقد استغل الشيطان ضعف الرجل تجاه المرأة كما قال تعالى سورة النساء: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) أي لا يصبر عن النساء. وتسبب الشيطان في هتك الستر وتكشف العورات بعدما كانت مستورة، واستخدم العنصر النسائي في معركته ضد بني آدم.

 

لذلك حذر الله عباده المؤمنين - بعد ذكر قصة آدم وإبليس من غير فاصل - حذرهم مما يريده الشيطان منهم من نزع اللباس واظهار العري وتكشف العورات ليوقعهم في الفتنة كما قال تعالى في الآية السابقة: {يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)، وأمر المؤمنين بأخذ الزينة وستر العورات بعد ذكره لقصة آدم وإبليس- تلى ذلك من غير فاصل - فقال جل وعلا: يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}.

 

وحذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء كذلك، فقال في الحديث الذي في الصحيحين عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".  وبين صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يستغل المرأة في حربه ضد بني آدم فقال صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان" رواه الترمذي عن ابن مسعود وصححه الألباني، وجاء في شرح الحديث: يعني يرفع بصره إليها ليغويها أو يغوى بها فيوقع أحدهما أو كلاهما في الفتنة. اهـ من فيض القدير.  وشرع الله تعالى أحكاماً خاصة بالنساء من وجوب الستر وأخذ الحجاب وتقييد خروج المرأة - إلا لحاجة، ووجوب طاعة المرأة زوجها وغيرها من أحكام حتى لا تكون المرأة وسيلة وسلاحاً لشياطين الإنس والجن في إغوائهم لبني آدم عموماً وفي حربهم للمؤمنين خصوصا ً، وحتى يُغلق على الشيطان باب الأغواء بالمرأة والفتنة بها. وجعل الله أحكام النساء أحكاماً ملزمة لا يجوز الحيدة عنها ويظهر ذلك جلياً في السور التي جاء فيها ذكر شيء من أحكام النساء نجد أن الله يفتتحها أو يختمها بما يدل على وجوب الأخذ بأحكامها كما في سورة النور مثلاً افتتحها الرب عز وجل بقوله: سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)، وهذا يدل دون أدنى شك على وجوب الأخذ بأحكامها والتي هي جلها أحكام خاصة بالنساء، ثم اختتمها بالآيات التي تحذر من الإعراض عن أمر الله ورسوله فقال تعالى: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)،كي يبدد أدنى شك في وجوب الأخذ بالتشريعات التي جاءت في ثناياها فيما يتعلق بأحكام النساء من الحجاب وغيره، وأنه لا مجال للرأي البشري بالأخذ بها أو عدم الأخذ بها.  وكذلك سورة الطلاق نجد أن الله بعد أن ذكر بعضاً من أحكام الطلاق والعدة وغيرها ختمها محذراً من مخالفة تلك الأحكام بقوله جل وعلا: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)، مدللاً على وجوب الأخذ بتلك الأحكام والوعيد الشديد لمن يُعرض عنها.

 

وكذلك الشأن في سورة النساء التي جاء فيها كثير من أحكام النساء نجد أن الله تعالى افتتحها بالآية العظيمة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)، ثم عندما ذكر في ثناياها شيئاً من أحكام النساء ختمها بقوله: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)، وهذا يدل على وجوب الأخذ بالأحكام الخاصة بالنساء وأن تلك الأحكام لها ارتباط عظيم بتقوى الله وأنه لا يتقي الله ويتقي عذابه من لا يلنزم بها.

 

ويظهر ذلك أيضاً من خلال الآيات المتعلقة بأحكام النساء والأسرة التي جاءت في ثنايا سورة البقرة يختمها الله غالباً بالأمر بتقواه بقوله: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233).

 

فهذا الاستعراض السريع لهذه السور والآيات يدل دلالة قاطعة على أن الأحكام الشرعية الخاصة بالنساء من وجوب الستر وأخذ الحجاب وطاعة الزوج وغيرها من أحكام هي ليست من قبيل الأحكام المباحة التي يجوز التساهل بها، بل هي أحكام واجبة محكمة لا يجوز التساهل بها أو التنازل أو الإعراض عنها بحجة مواكبة عصر الحرية والديمقراطية، وقد جاء الوعيد الشديد في التحذير من ذلك كما في خاتمة سورة الطلاق.

 

فالمرأة المسلمة التي تظن أن تلك الأحكام هي أحكام مباحة أو مستحبة في الدين وأنه لا يجب الالتزام بها هي مخطئة في ظنها وعليها أن تتقي الله تعالى وتتدبر كتابه وتتفقه في دينها، وقد حرصتُ – قدر الاستطاعة- أن لا أستدل في بحثي هذا إلا بالآيات الصريحة والمحكمة من القرآن الكريم حتى لا يكون هناك أدنى شك في قلب أي مؤمن أو مؤمنة، فلا تكن المرأة المسلمة بتبرجها وابداء زينتها ونزعها لثوب الحياء عوناً وسلاحاً للشيطان على أخيها المسلم وهي لا تشعر.

 

وأخيراً أعود إلى ما بدأت به المقال وهو أن قضية هتك الستر ونزع اللباس وتكشف العورات من القضايا التي يريدها إبليس الشيطان الأكبر من آدم وذريته من بعده منذ بدء الخليقة، ليستغل ذلك في حربه وإغوائه لبني آدم، وهذا الاستغلال يتجدد ويتطور في كل زمان ومكان، ويظهر جلياً في زماننا هذا حيث أصبح شعار دول الكفر- التي تعادي الإسلام والمسلمين وتحارب دين الله - أصبح شعارهم "الحرب على الحجاب" وإخراج المرأة من خدرها وسترها وبيتها ورفعوا راية الانتصار للمرأة – زعموا – وحرية إبداء زينتها ومفاتنها واختلاطها بالرجال، بل وصل بهم العناد إلى فرض ذلك على جميع أمم الأرض وفرض نظرياتهم وأفكارهم فيما يتعلق بقضية المرأة، بل ويحاربون ويهددون بالحرب كل من لا يذعن لأفكارهم ونظرياتهم فيما يخص المرأة وهذا مصداق لقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) الأنفال. وهذا لا يزيد المسلم الصادق إلا ثباتاً على دينه كما قال تعالى: الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) النساء. وقال جل وعلا: وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) النساء. وليحذر كل مسلم أن يكون عوناً للكافرين في حربهم هذه فيصدر القرارات أو يسن القوانين أو يبذل أي جهد ينتج عنه مخالفة هدي الله تعالى فيما شرعه للمرأة، فشرع الله وهديه يريد للمرأة المسلمة الطهر والعفاف وأن تكون بعيدة كل البعد عن الأسباب الداعية للفتنة والشر من التبرج والسفور والاختلاط والابتذال والاستغلال، على ضد ما يريده منها أهل الأهواء والشهوات من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى بعد أن ذكر جملة من الأحكام المتعلقة بالنساء والأسرة مبيناً الحكمة منها قال جل وعلا: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) سورة النساء. قال سيد قطب-رحمه الله- عند تفسيره لآيات سورة الاعرا ف التي بدأتُ بها المقال: والمعركة مع الشيطان هي المعركة الرئيسة، إنها المعركة مع الهوى باتباع الهدى، والمعركة مع الشهوات باستعلاء الإرادة، وهو إنما يأتيهم من ناحية نقط الضعف فيهم ومداخل الشهوة، ولا عاصم لهم منه إلا بالتقوِّي بالإيمان والذكر والتقوِّي على إغوائه ووسوسته، والاستعلاء على الشهوات وإخضاع الهوى لهدى الله، وهكذا تتركز المعركة الكبرى الطويلة الضارية في المعركة مع الشيطان ذاته، ومع أوليائه، ويشعر المسلم وهو يخوض المعركة مع هواه وشهواته؛ وهو يخوضها كذلك مع أولياء الشيطان من الطواغيت في الأرض وأتباعهم وأذنابهم؛ وهو يخوضها مع الشر والفساد والانحلال الذي ينشئونه في الأرض من حولهم.. يشعر المسلم وهو يخوض هذه المعارك كلها، أنه إنما يخوض معركة واحدة جدية صارمة ضارية، لأن عدوه فيها مصرٌّ ماض في طريقه.. وأن الجهاد - من ثم - ماض إلى يوم القيامة. في كل صوره ومجالاته.

 

وأخيراً فإن القصة-وهي قصة خلق آدم- والتعقيبات عليها تشير إلى شيء مركوز في طبع الإنسان وفطرته: وهو الحياء من التعري وانكشاف سوأته:
{فوسوس لهما الشيطان، ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما}..
{فدلاهما بغرور، فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}..
{يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم، وريشاً، ولباس التقوى ذلك خير. ذلك من آيات الله}.. {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما} وكلها توحي بأهمية هذه المسألة، وعمقها في الفطرة البشرية. فاللباس، وستر العورة، زينة للإنسان وستر لعوراته الجسدية، كما أن التقوى لباس وستر لعوراته النفسية.

 

والفطرة السليمة تنفر من انكشاف سوآتها الجسدية والنفسية، وتحرص على سترها ومواراتها.. والذين يحاولون تعرية الجسم من اللباس، وتعرية النفس من التقوى، ومن الحياء من الله ومن الناس، والذين يطلقون ألسنتهم وأقلامهم وأجهزة التوجيه والإعلام كلها لتأصيل هذه المحاولة - في شتى الصور والأساليب الشيطانية الخبيثة - هم الذين يريدون سلب « الإنسان » خصائص فطرته، وخصائص « إنسانيته » التي بها صار إنساناً، وهم الذين يريدون إسلام الإنسان لعدوه الشيطان وما يريده به من نزع لباسه وكشف سوأته! وهم الذين ينفذون المخططات الصهيونية الرهيبة لتدمير الإنسانية وإشاعة الانحلال فيها لتخضع لملك صهيون بلا مقاومة، وقد فقدت مقوماتها الإنسانية!

 

إن العري فطرة حيوانية، ولا يميل الإنسان إليه إلا وهو يرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان، وإن رؤية العري جمالاً هو انتكاس في الذوق البشري قطعاً، والمتخلفون في أواسط الأدغال والغابات غالبيتهم شبه عراة، والإسلام حين يدخل بحضارته إلى هذه المناطق يكون أول مظاهر الحاضرة اكتساء العراة! فأما في الجاهلية الحديثة « التقدمية » فهم يرتكسون في الوحل الذي ينتشل الإسلام المتخلفين منه، وينقلهم إلى مستوى «الحضارة» بمفهومها الإسلامي الذي يستهدف استنقاذ خصائص الإنسان وإبرازها وتقويتها.

 

والعري النفسي من الحياء والتقوى - وهو ما تجتهد فيه الأصوات والأقلام وجميع أجهزة التوجيه والإعلام - هو النكسة والردة إلى الجاهلية. وليس هو التقدم والتحضر كما تريد هذه الأجهزة الشيطانية المدربة الموجهة أن توسوس! وقصة الخلق في القرآن توحي بهذه القيم والموازين الأصيلة وتبينها خير بيان. والحمد لله الذي هدانا إليه وأنقذنا من وسوسة الشيطان ووحل الجاهلية!!! اهـ بتصرف يسير يناسب المقال. 

 

وليتذكر كل مؤمن ومؤمنة دائماً قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) الأحزاب.

 

وأخيراً فان أصبت فمن الله وحده وله الحمد والمنة، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان،وأستغفر الله تعالى وأتوب إليه، وأسأل الله ربي التوفيق والسداد لي ولجميع إخواني المسلمين.