19 ربيع الثاني 1431

السؤال

السلام عليكم.. ما حكم الشرع في هجرة الزوج للزوجة لمدة 9 سنوات، وكذبه مع معرفة العديدة من النساء سيئات السمعة، كذلك لا ينفق عليَّ في أى احتياجاتي بل أنا أقوم بتحمل مصروفاتي بالكامل ولا يوجد لدينا بيت ملك، فقد باعه لصرف فلوسه على علاقاته النسائية مع استخدام الضرب لي وطول اللسان علي وعلى أهله ويذكر دائما أني زوجة عاصية ونشاز.. أنا أريد أن يتم طلاقي منه لعدم محبتي له، ولكنه يرفض مع أني أستأذنه في كل سلوك لي لكنه لا يزال يسميني عاصية.
ما هي صفات الزوجة العاصية؟ وهل عدم قيامي بأي واجب له يجعلني عاصية؟ أنا لا أقوم بأي شيء لأني أكرهه، أنا زوجة على الورق فقط.. ما حكم الشرع في ذلك؟ فأنا ليس لدى أي حق في حياته كيف يطلب مني أن أعطيه حقوقه مثل التحكم في مالي وممتلكاتي الخاصة وأغسل وأطبخ فقط وأربي ابنه هل هذه تصبح حياة.. أو هل هذا هو الزواج؟

أجاب عنها:
إبراهيم الأزرق

الجواب

الأخت الفاضلة.. السلام الله عليك ورحمته وبركاته
وبعد؛ فإذا كرهت هذا الزوج للأسباب التي ذكرت فبإمكانك رفع دعوى طلاق إذا كان في مقدورك إثبات ما ذكرت ويجبر عليه، وإذا لم يكن الإثبات في مقدورك فمن حقك الشرعي أن تطلبي الخلع منه في المحكمة، ويكون الخلع بدفع عوض يقرر حكمان منصبان من القضاء مناسبته، وقد يقضيان بطلاق دون عوض لو ثبت عندهم ما تقولين، وذلك وفقاً لما ينص عليه قانون الأحوال الشخصية عندكم.
لكن قبل أن تشرعي في شيء من ذلك أيتها الفاضلة تذكري عواقب ما قد تقدمين عليه، ولاسيما مع وجود عيال بينكما.
فإن كان العناء الأخف ما أنت فيه، فخير لك أن تتريثي ولا تحملنك لحظة الغضب والضيق للخروج نحو الهاوية.
فالطلاق سيترتب عليه بعده عبء تربيةٍ لأولادك، وربما أعباء نفسية للتنازع في الحضانة، وربما عبء معيشة ونفقات، وهموم أخرى لو تأملت ربما وجدت زوجك يحمل عنك بعضاً منها.
وأنا لست من المستشارين الذين تأثروا بنمط الغربيين المتأثرين بدورهم بالنصرانية المحرِّمين للطلاق! بل هو مما شرعه الله علاجاً في حالات، ووقع في خير القرون من خير الأجيال رجالاً ونساء.
ومن المقرر عند فقهائنا العالمين أن الطلاق قد يكون حلالاً وقد يكون حراماً وقد يكون مندوباً وقد يكون واجباً بحسب الأحوال.
وخلاصة ذلك أن تعلمي أنه دواء فإذا ثبت المرض وصح العلاج بالطلاق فذاك خير، أما تناول العلاج دون مرض حقيقي، أو تناوله وهو لا يناسب المرض المقصود، فربما كانت له آثار سالبة خطيرة.
وفي نظري أنه لا يوجد مستشار بعيد يمكنه أن يكون طبيباً لك لأن هذه الموازنة تحتاج إلى معرفة تفاصيل أكثر مما ذكرت، منها ما يتعلق بطبعك وطبع زوجك، وحالكما، فاستفت قلبك، ووازني الأمور، واستعيني بعقلاء قومك الناصحين من أهل الخبرة والدين، قبل أن تتبني قراراً قد يؤثر عليك كثيراً.
وقبل ذلك اعلمي أنه إذا كان في الاستصلاح أمل فهو أولى.. ولا أرى الأمل مفقوداً.
فهو أولاً زوجك الذي اخترت وعقد عليك قبل تسع سنين برضاك، فلابد أن تكون فيه صفات ارتضيتها، وخلال عرفت صدقه فيها.
وثانياً بقاؤك معه تسع سنين يقضي بأن البقاء ممكن.
ثالثاً طلبه لك وحرصه على وجودك ينم عن عدم تخل عنك أو زهد فيك.
وتبقى مشكلة الأخلاق والتعامل، ولا أظن أن تغيير نمط الحياة الزوجية لتصبح حياة تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل متعذرة أو مستحيلة.
قد تكون صعبة لكن بشيء من الإصرار والاستعانة بالله أولاً، ثم من قد يكون له في الإصلاح دور من العقلاء أصحاب الديانة فربما تنصلح الأوضاع.
وكم من امرأة قد أصلحت من أحوال زوجها.. والرجل السوي لا يمد يده ولا يطيل لسانه على من تظهر له الحب والتبجيل، وتعامله باحترام وتقدير، وإن خالفته دون أن تظهر بمظهر المزدرية أو المتحدية، لكن تبين مستندها في خلافه بهدوء وتقنعه بأدب، وتجهد في أسباب رضاه برأيها، بالطرق المباشرة وغير المباشرة.. ولا يمنع أن تتنازل أحياناً، فإذا وقع بعض الغلط الذي هو شأن بشري لا يخلو منه بيت اغتفرته وسامحت.. وهذه المعاملة إذا غدت خلقاً فسوف تستدي مثلها منه بإذن الله.
فلماذا لا تحاولي وتبدئي بالحديث الصريح الهادئ معه..
تبيني له أسباب امتناعك عنه وبقائك في بيت أبيك بأدب دون اتهام مباشر..
تظهري له مع ذلك حرصك عليه وعلى ما بينكما من أولاد..
تدعينه لفتح صفحة جديدة..
تشهدي وتدخلي في هذا الصلح عقلاء يعززون ما قلت ويشهدون به من الأهل الأقربين العقلاء الناصحين..
قد تلقين في أول الأمر ازدراء وتهكما..
قد تسمعين أثناء المحاولات الأولى ما لا ترضين..
لكن من كرر المحاولة صادقا فإن النجاح منه قريب
ولا أظن قلبه إلاّ قلب رجل، ليس قلباً مصنوعاً من حجر! والرجل الحق تأسره الأخلاق، ويعني له الأدب وحسن التعامل الشيء الكثير.
فاستعيني بالله والتجئي إليه واسأليه أن يصلح حالك وأن يقدر لك ما فيه الخير، ثم صابري على استصلاح ما بينك وبين زوجك، فإن لقيت بعد المعاناة خيراً فاحمدي الله، وإلاّ فقد بينت لك في مطلع الحديث ما يحق لك شرعاً، وقبل أن تلجئي إليه استشيري بعض المحامين الذين يعرفون القانون في بلدك، لتعرفي خياراتك المتاحة ثم اختاري أوفقها للشريعة، ولتكن استشارتك بالضوابط الشرعية مع والد أو أخ عاقل يساعدك في شرح الحال ووزن الأمور.
وأخيراً أنا لا ألومك على بقائك في بيت أبيك إن ثبت ما قلته من علاقاته المشبوهة بالنساء الأجنبيات، ولم يكن هذا مجرد اتهام بخواطر وظنون، إلاّ أنه إن كان باستطاعتك الامتناع عنه وأنت في منزل الزوجية، فواجب عليك أن تبقي فيه، أما إذا لم يمكنك فلا تعدين بمثل هذا الفعل عاصية أو ناشزة بل محتاطة لنفسك ولذريتك، بشرط أن تكون هذه نيتك، ولا يحل لك أن تخرجي من بيته لمجرد كرهه، وبغض خدمته، لكن لدرء مفسدة أكبر، تتعلق بتهمة قد نسبتها إليه في سؤالك، وهي العلاقات المشبوهة، أما كرهك له فهو عذر لك في طلب الخلع، لا في النشوز وترك البيت فذلك هو الكفر في الإسلام الذي كرهته الصحابية التي طلبت الخلع لئلا تقع فيه فانتبهي.
هذا وأوصيك باللجوء إلى الله وسؤاله أن يصلح حالك، وربك قريب مجيب رحيم لطيف بعباده، وأوصيك كذلك بالإقبال على كتابه فإن فيه فرجاً وشفاء وعلاجاً لسائر الأدواء، والله أسأل أن يصلح حالك، وأن يقدر لك الخير في سائر أمرك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.