22 ربيع الثاني 1431

السؤال

منذ صغري أرى الناس المحيطة بي همها الشاغل الشهوات، لم أتأثر بها لكن تتعب القلب، ومن بعض همومي أنني رأيت والدي في جماع وأنا كنت 10 سنين، فتغيرت نظرتي إلي الحياة، ثم وجدت بعض المقربين يتحرشون بي وكذلك بعض الشباب، فوجدت نفسي بين أناس كلهم يعيشون بشهواتهم ولما كنت في 13 سنة نصحني طالب معي بممارسة العادة السرية هذه بعض المشاكل التي وقعت بها، المهم الآن أنا أحاول الالتزام غير أنني أعاني مما سبق ومَرَّ بي.. أريد أن ألتزم وأحفظ القرآن وأبني بيتي وأتزوج.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

أخي السائل الكريم:
نشكر لك حسن ظنك بإخوانك في موقع المسلم إذ بثثتهم مشاعرك ونظرتك للحياة بدافع من الأخوة الصادقة والمشاعر النبيلة الجياشة.
أخي الكريم:
لعل الناظر المتابع لواقع البشرية اليوم يدرك بجلاء ما تريد قوله: أن البشرية تعيش في عصر الشهوات المباحة المتاحة اليسيرة المقربة والمحببة , بل وتعمل مؤسسات ضخمة الموارد اليوم عملا حثيثا لجذب المزيد من الناس إلى صفوف القطيع الذي يساق وراء شهواته فلا يرى غيرها , ففي عصرنا هذا الذي نحن قد تزينت الشهوات وتنوعت الشبهات وتكاثرت المغريات والملهيات حتى كادت تعمي القلوب جميعا - إلا من رحمَه الله سبحانه - ولعل هذا العصر هو العصر الذي يصدق فيه قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حينما حذرنا منه وأمرنا بالمبادرة والمسارعة بفعل الخير وترك كل شر كما ورد في صحيح مسلم " بَادِرُوا بِالأََعْمَالِ الصالحة فِتَنًا كَقِطَعِ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ اَلرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ اَلدُّنْيَا " ويقول النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث " وصََف - صلى الله عليه وسلم - نوعا من شدائد تلك الفتن، وهو أنه يمسي مؤمنا ثم يصبح كافرا أو عكسه وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب".
ومن بعض مظاهر تلك الفتن أن يتعرض الإنسان لمثل ما تعرض له الأخ السائل الكريم:
1- أن يرى احد أبويه في مشهد لا ينبغي له أن يراه فيه إن كان جماعا جائزا , فهذا وإن كان حقا وجائزا ولا يمكن لأحد أن يعترض عليه إلا أنه ينبغي على كل والد أن يشدد في استكتام هذا الأمر إذ ينعكس إذا شُعر به بصورة سيئة على نفسية الأبناء سواء كانوا أطفالا أو في سن المراهقة , ويزداد الطين بلة وكدرا وطينا إن كان جماعا غير جائز فهذا مما يدمر نفسياتهم ويصيبهم بآلام نفسية شديدة وبآفات خُلقية يصعب علاجها إذ يتهدم الركن الركين ويتقوض معيار الصواب والخطأ ويصير كل شئ مباحا في نظر الأبناء إذ أن الرقيب الموجه حينها يفقد مصداقيته ولن تكون كلمة منه مؤثرة مهما كانت.
2- أن يتعرض الطفل أو الشاب في مقتبل عمره إلى موقف أو عدة مواقف من التحرش به - وهذا مما يندى له الجبين خجلا- أن يتحدث الناس عنه- بل كيف يحدث في ديار الإسلام؟!!, ولقد صرخ المربون من النسب المفزعة المفجعة التي خرجوا بها بعد عدة أبحاث ميدانية حول التحرش بالأطفال قبل العاشرة فوجدوا أن 22% من أطفال بعض البلدان العربية يتعرضون للتحرش ومن المؤسف والمحزن أن 99% من حالات التحرش يكون المجرمون الآثمون فيها والمعتدون من الأهل أو المقربين أو ممن يفترض فيهم الثقة , ولاشك أن هذا يؤثر بصورة بالغة السوء على نفسية الطفل بل لا يكاد الطفل ينساه مدى حياته ولعله يكون عاملا كبيرا في تغيير مساره ويصير الطفل أكثر حدة وشراسة وعدوانية للمجتمع الذي نشأ فيه وربما يؤدي به إلى النقطة التالية في رسالة السائل وهي:
3- حينما يكون الصديق سيئا بطبعه أو بجهله يهوي بصديقه إلى مهاوى الردى , فعندما يتعلم شيئا جديدا يغضب به ربه ويضر بنفسه وبخلقه يدفع أصدقاءه إلى فعله ويزينه لهم , فالصاحب ساحب كما نعلم والمرء على دين خليله , وفي سؤال السائل وربما في فترة لاحقة بعد التحرش نُصح سائلنا – وبئست النصيحة – أن يمارس العادة السرية , ولن نطيل في تبيان مضارها النفسية والخلقية التي تكاد تهلك صاحبها في الدنيا ويُخشى عليه أن تهلكه في الآخرة إن قبضه الله على هذا الفعل قبل أن يتوب منه.
وبعد هذه الرسالة المحزنة التي ما سأل السائل فيها سؤالا حتى نرد عليه ولكنه كان يبث فيها شكواه وألمه ,إلا أنه قد أحسن حين ختمها بعدة جوانب تعيد لنا بعض ما فقدناه من نصفها الأول , إذ به يتوب إلى الله ويرجع إلى مولاه وخالقه – نسأل الله أن يتوب علينا جميعا ويتقبل منا توبتنا – ويحسن صلته بربه ويجدد توبته إن أخطأ فكل بني آدم خطاء ويقول أنه سوف يبدأ في حفظ القرآن الكريم وسوف يبنى بيتا بإذن الله ليتزوج فيه ويحصن نفسه ويغص بصره نسأل الله له التيسير في الأمر وأن يستمر على نيته وأن يصدق فيها فما أسهل القول وما أجمل أن يكون العمل مطابقا له.
وفقك الله وإيانا لما يحب ويرضى.