16 جمادى الثانية 1431

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أعمل في دار الملاحظة الاجتماعية، وأسمع كثيرًا من النزلاء أنهم يحاولون الانتحار، فما هي الخطوات العملية لمثل هذا؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وبعد: أهلا ومرحبا بكَ، وشكر الله لكَ ثقتكَ بإخوانِك في موقع (المسلم)، ثم أما بعد:
الأصل أن دار الملاحظة الاجتماعية أنشئت بموجب قرار وزاري؛ بهدف رعاية الأحداث- تتراوح أعمارهم بين سبع سنوات وثماني عشر سنة- الذين يحتجزون رهن التحقيق أو المحاكمة من قبل سلطات الأمن أو الهيئات القضائية المختصة، وكذا الأحداث الذين يقرر القاضي إبقاءهم في دور الملاحظة لفترة من الزمن لقضاء عقوبة محددة في حكم صادر ضدهم.
وتلتزم دور الملاحظة الاجتماعية بتوفير المأوى والغذاء والكساء للأحداث الملحقين بها؛ وتعد لهم برامج دراسية وتدريبية؛ خلال فترة إقامتهم؛ لتحقيق أوجه الرعاية المتكاملة لهم، إضافة إلى تنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية، والتوجيه الديني، والرعاية الصحية، والتربوية، فضلا عن دراسة حالة كل حدث بواسطة أخصائيين مؤهلين تأهيلاً كافياً؛ كل في مجال عمله؛ كما تقوم دور الملاحظة الاجتماعية بدراسة أسباب مشاكل الأحداث، وإيجاد الحلول المناسبة لها في ضوء الممارسة العملية لهذه المشاكل. هذه مقدمة بسيطة عن دور الملاحظة ومهمتها، وما يجب أن يتم بها.
أخي الفاضل:
أما عن مشكلتك والتي قلت فيها "أعمل في دار للملاحظة الاجتماعية، وأسمع كثيرًا من النزلاء أنهم يحاولون الانتحار"، وتتساءل: "ما هي الخطوات العملية لمثل هذا؟"؛ فأرد على استشارتك – مستعينًا بالله- فأقول:
لا شك أن العمل في مجال "الملاحظة الاجتماعية"؛ يحتاج إلى إخلاص شديد، وتفان منقطع النظير، فالمراقب أو الملاحظ يقع على عاتقه عبء كبير، في توجيه وترشيد سلوكيات الأحداث، والتعامل معهم على أنهم مرضى لا مجرمون، يحتاجون إلى العلاج لا إلى العقاب، وهو أمر يلزم العامل بدار الملاحظة أن يتقي الله في هؤلاء الأحداث.
وأن ما سمعناه من أصدقائنا المهتمين بالموضوع؛ وما قرأناه على صفحت الصحف، وعبر مواقع الإنترنت، ومن خلال المنتديات؛ عن سوء المعاملة التي يتلقاها بعض الأحداث من بعض المراقبين أو العمال في دور الملاحظة، والتي تصل لحد الضرب المبرح، والإهانة الشديدة، بأقذع الألفاظ، بل وقد يصل الأمر إلى الجلد أحيانًا؛ كل هذا قد يدفع بعض الأحداث من نزلاء دور الملاحظة، وخاصة أولئك الذين لا يسأل عنهم ذووهم، إلى التفكير في الهرب من الدار، بل وقد يصل الأمر ببعضهم إلى التفكير في الانتحار، انطلاقا من اعتقادهم بان الموت أرحم لهم من التعذيب والذل والهوان الذي يعيشون فيه.
وحري بنا أن نذكر أنفسنا وإياكم بأن الانتحار معصية، وكبيرة من الكبائر؛ لأن فيه معنى القنوط، وهو أشد اليأس؛ بل هو أخو الكفر، وقد وردت النصوص الشرعية بالنهي عن قتل النفس؛ قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء: 29).
ولما علم النبي الله (صلى الله عليه وسلم) برجل مرض ثم نحر نفسه بمشاقص معه قال: "إذاً لا أصلي عليه". (رواه أبو داود بإسناد حسن).
السائل الكريم:
وبخصوص سؤالك عن الخطوات العملية الواجبة في مثل هذه الحالة؛ فإنني أقترح الآتي:
1- القيام بالواجب الشرعي عليك تجاه مثل هذا الأمر؛ وهو النصح لله، فعن أبي تميم بن أوس (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) [رواه البخاري ومسلم]؛ ومن ثم يمكنك أن تجلس مع هؤلاء النزلاء، وتحدثهم- بشكل غير مباشر- عن أن هذه الروح التي خلقها الله هي أمانة الله لدينا، وأن الإنسان مطالب شرعًا بالمحافظة عليها، ويحرم عليه قتلها أو إهلاكها بالانتحار بأي طريقة كانت؛ كشرب السم أو القفز من مكان مرتفع أو طعن النفس بآلة حادة أو....إلخ، لأنها ببساطة ليست ملكًا له، وإنما هي ملك لخالقها سبحانه وتعالى.
2- متابعة هؤلاء الأحداث؛ فرادى أو جماعة؛ بعد حديثك معهم، لتنظر كيف ستكون تصرفاتهم فيما بعد؟، وفيم سيكون حديثهم؟، فإن ارتدعوا وعادوا إلى رشدهم، فلله الحمد والفضل، وإلا فلتنتقل إلى الخطوة التي تليها.
3- إبلاغ المراقب أو المشرف عن هذه المجموعة، وتصعيد الأمر لمدير الدار، إذا لزم الأمر، أو إذا لم تجد اهتمامًا بالأمر من المراقب أو الملاحظ أو المشرف؛ لتخلي سبيلك أمام ربك سبحانه وتعالى أولا، ثم أمام القانون ثانيًا.
4- الاهتمام بهم، تحسين معاملتهم، والجلوس معهم، والاستماع إلى شكواهم، ومناقشتهم فيها، والعمل على حل مشكلاتهم.
5- مراعاة الله عز وجل في التعامل معهم، والترفق بأحوالهم، والامتناع عن إيذائهم وضربهم، والتعامل معهم كبشر؛ لا كحيوانات!
6- تكثيف الجرعة الدينية؛ المخصصة لهم؛ واهتمام الموجه الديني للدار بترقيتهم إيمانيًا، بتدريبهم على الوضوء، وأداء الصلوات الخمس معهم في جماعة، مع إلقاء بعض الدروس الدينية في سلسلة الآداب والأخلاقيات الإسلامية التي يجب أن يتحلى بها المسلم، مع تخولهم بالموعظة من آن لآخر؛ مع مراعاة التبسط في الحديث معهم، وانتقاء العبارات المناسبة لسنهم وتعليمهم، والتركيز على فتح باب التوبة أمامهم، وتحذيرهم من اليأس والقنوط من رحمة الله عز وجل؛ قال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
7- ملء أوقاتهم في الدار بالنافع والمفيد؛ من القراءة والاطلاع (ضرورة وجود مكتبة إسلامية بالدار)، وبإقامة حفلات السمر والأناشيد الإسلامية، والمسابقات الثقافية ورصد الجوائز القيمة للفائزين، تشجيعًا وتحفيزًا لهم، والحذر من الفراغ فإنه صديق الشيطان.
8- الاهتمام بحالتهم الصحية، وإجراء الكشف الطبي الدوري عليهم، ومعالجة المرضى منهم، وتعويدهم على ممارسة أنواع من الرياضات البدينة المفيدة، لاستنفاذ طاقاتهم المكبوتة.
9- الاهتمام بحالتهم النفسية؛ وعرض من ترونه محتاجًا للمتابعة على الإخصائي النفسي، لدراسة أحوالهم السلوكية، ودوافعهم النفسية، ومشكلاتهم الاجتماعية التي تكمن وراء الجرائم التي ارتكبها بعضهم، وكانت سببًا في دخولهم دار الملاحظة.
10- الاهتمام بطعامهم وشرابهم؛ وكسائهم؛ والحذر من معاقبتهم بحرمانهم من الطعام أو الشراب أو النوم، فإنها أمور فطرية وغريزية يحتاجها الجسد.
11- تنمية قدرتهم؛ واكتشاف مواهبهم؛ وتصنيفها حسب الفرع النابغ فيه(رياضي/ فني/ علمي/ تقني/....)؛ وصقلها بالتدريب؛ من خلال عقد دورات تدريبية مكثفة لهم؛ مع تأهيلهم وتدريبهم على اكتساب حرف ومهن يمكنهم يعد قضاء المدة المقررة لهم في دار الملاحظة والخروج للمجتمع؛ أن يلتحقوا بورش للعمل بها واكتساب مال حلال.