29 ربيع الثاني 1431

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة أبلغ من العمر 29 عاما لم يكتب الله لي الزواج إلى الآن تقدم لخطبتي الكثير لكن لم أوافق على أحد منهم وذلك بعد الاستخارة والاستشارة, والآن تقدم لي رجل متزوج ولديه بنتان ويرغب في الذرية لكنني مترددة من الموافقة على أن أكون زوجة ثانية وذلك ليس اعتراضاً على شرع الله تعالى ولكن بسبب نظرة الناس والمجتمع للزوجة الثانية وكرههم لها وكأنها مجرمة فهل إن رفضته أكون سبباً في فتنة أو فساد كبير كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إذا جاءكم من ترضون دينه..)؟
وجزاكم الله خيراً على ما تقدمونه

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

أختي السائلة الكريمة..
أولا: أشكرك على حرصك على دينك، وعلى سعيك لإقامة حياة زوجية على أسس متينة.
ثانيا: مشكلتك ليست في الزواج بإنسان متزوج ولديه بنتان.. ولكن مشكلتك الحقيقية تكمن في ارتباطك بنظرة الناس وحكمهم القاسي على الزوجة الثانية، وهذا أمر لا نعيبه فيك ولكن لا ينبغي أن تجعلي قراراتك واختياراتك دائما مجرد موافقة لما يحبه الناس من سلطة، ولو كانت سلطة جائرة أو مخالفة للشرع.
اعلمي أن الميزان الذي علينا أن نزن به أقوالنا وأفعالنا هو ميزان الشرع وليس ميزان المجتمع، كذلك نحتكم لما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا نحتكم لما أقره المجتمع إلا إذا وافق شرعنا ولم يخالفه، حتى لا نعطل كثيرا من الأحكام التي تراعي مصالحنا ومصالح مجتمعاتنا.
ومما لا شك فيه أن القرآن جاء بمشروعية تعدد الزوجات، يقول سبحانه وتعالى في الآية الثالثة من سورة النساء: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}.
ومعنى الآية واضح في أن الأصل في التعدد هو الإباحة، وأنه لا يحظر إلا إذا خيف أن يغلب شره خيره. أو مخالفة شروط تطبيقه والالتزام بضوابطه، أو مخالفة حكمة التشريع، ولقد عدد النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته، وعدد الصحابة والتابعون، ودرج كذلك من بعدهم المسلمون في جميع عصورهم وبجميع طبقاتهم يعددون مع الالتزام بالعدل الذي طلبه الله من الأزواج، فكان حسنة من الحسنات التي شملت الرجال والنساء، وما كان حينها الرجال ولا النساء يحجمون عن التعدد مراعاة لعرف المجتمع، وإنما يحجمون حين يروا في أنفسهم عدم الكفاءة والقدرة على القيام به على الوجه المطلوب من العدل وحسن العشرة والقيام بالواجب. وعند الخوف من عدم العدل بين الزوجات.
من هنا أنصح أختي السائلة بأمور وهي:
- لا تجعلي قبولك أو رفضك لهذا الزوج مقيدا بنظرة المجتمع ولكن بحكم الشرع، حاولي أن تتحرري من استعباد سلطة الأفراد على اختيارك وقرارك، وارتبطي أكثر بالسلطة الإلهية فستمنحك شعورا بالأمان والراحة، والتخلص من التردد والقلق وكل الهواجس النفسية.
- سؤال مهم ينبغي أن تطرحيه قبل أن تقبلي أو ترفضي وهو: هل هذا الإنسان الذي تقدم لخطبتك هو على خلق ودين؟
إن الجواب على سؤالك هذا هو الذي سيدفعك للإقبال على هذا الزواج أو الإحجام عنه، كذلك قبولك أو رفضك يقوم على أساس تحقق هذا الشرط المهم فيه من عدمه.
فإن كان هذا الزوج على خلق ودين فالجواب هو: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" رواه الترمذي وغيره.
وهذا الحديث يأمر ولي البنت بأنه إن جاءه خاطب لابنته أو لمن هو وليها فعليه أن يختار لها الرجل الدَيّن الحسن الخلق، والحديث أيضا ينبه لمسألة هامة وهي: إذا جاءكم أو إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه راغبا طالبا وخاطبا فالأصلح والأصح التجاوب معه وإلا كان الامتناع والرفض سببا في وقوع فتنة وفساد عظيم.
- أمر ثان هام أيضا وهو هل هناك كفاءة بينكما في الوصف والإمكانات؟ لأن الكفاءة مطلوبة في الشريعة فيما يخص الزواج خصوصا في مثل حالتك حتى لا تصير مشكلات حادثة فيما بعد.
- أمر ثالث وهو هل هذا الشخص جاد يريد إقامة أسرة جديدة؟ ويستطيع تحمل نتيجة ذلك مما يعرض له من مشكلات جديدة.
- أمر رابع هل ظروفه الاقتصادية تمكنه من رعاية منزلين وأسرتين؟
هذه الأمور كلها هامة قبل إقدامك على الموافقة , وارج وان يكون الحكم فيها لأهلك والخبراء في الحياة من حولك لا لك وحدك.
- وبالعموم فإن هذا الإنسان إن رفضت أنت الاقتران به خوفا من نظرة المجتمع، فهو سيجد أخرى غيرك تقبل به زوجا لأنه لم يقرر الزواج بأخرى كخاطرة وردت عليه بل هو احتياج ملح ناتج عن رغبته في الذرية كما صرحت بذلك في سؤالك.
فالأولى بك أن تستشيري من تثقين بهم من أهل الفضل والخير في هذا الأمر ليساعدوك على الاختيار الصحيح والسديد، ثم اسألي عن دين هذا الرجل وخلقه ومعاملته وسيرته بين الناس، وتأكدي من مدى قدرته على فتح بيت آخر واستعداده لتحمل نفقاته وواجباته نحوك، واستخيري الله تعالى وألحي عليه في الدعاء في مواطن استجابة الدعاء، ولا تملي ولا تقنطي من رحمته، وتوكلي عليه فسيكفيك هذا الأمر، وسيهديك سواء السبيل، ويفتح بصيرتك للخير وسيرضيك.
لا تنسي أن الفرصة لا نصادفها كل يوم، وأن تلتقي بزوج صالح على دين وخلق منحة ونعمة لا توهب إلا لمن أحبه الله، ولعل هذا الرجل أرسله الله لك ليسعد بك ولتسعدي به، ففكري في الموضوع من كل الجوانب ولا تتسرعي في القبول ولا في الرفض، ولكن أنظري لما يحققه لك هذا الزواج من مقاصد وحكم.
أسأل الله العلي القدير أن يوجهك للخير وللاختيار الصحيح، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يخاف الله ويراعي حقوق الله.