هل سيلجأ الصهاينة إلى تصفية إردوغان جسديا؟
17 صفر 1431
ياسمينة صالح

وجه رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب إردوغان نقدا شديد اللهجة للكيان الصهيوني، قائلا أن تركيا لن تتوقف عن كشف الممارسات غير الإنسانية ولا الأخلاقية التي يمارسها الصهاينة في الأراضي المحتلة، وقال "إردوغان" في حوار أجرته معه الفضائية الأوروبية "أورونيوز" بمناسبة افتتاح القسم التركي فيها أن تركيا التي تمتلك ماضيا كبيرا وعظيما وعريقا يمتد لمئات السنوات تمارس اليوم دورها السياسي الشرعي، وأنها لن تتوانى في فضح الحقائق الإسرائيلية التي وصفها بأنها انتهاكا غير إنساني في الأراضي المحتلة، مضيفا بالحرف الواحد" من الصعب على تركيا اليوم أن تبقى في مقعد المتفرج تجاه قتل الأبرياء دونما شفقة، ولا يمكن أن نسكت على استخدام القنابل الفسفورية ضد المدنيين وتدمير البنية التحتية في غزة وتحويلها إلى معتقل كبير وهو ما يتعارض ضمنيا وواقعيا مع حقوق الإنسان ومعاهدة حقوق الإنسان." وكانت القناة الفضائية الأوروبية قد بثت تقارير عن الحراك السياسي والاجتماعي والشعبي التركي في ظل الممارسات الصهيونية في المنطقة، خصوصا حالة الشباب التركي الذي يعد الأكثر خروجا للمظاهرات ضد حصار غزة وضد الجدار الفولاذي العازل وضد تهويد القدس، وذكرت الفضائية أن تركيا شهدت سنة 2009، 77 مظاهرة شعبية حاشدة في مختلف المدن التركية ضد السياسة الإسرائيلية، منها 20 مظاهرة في بداية السنة أثناء الغارات الصهيونية الجبانة ضد قطاع غزة.

تركيا: النمر الذي يستيقظ !

ما يبدو مثيرا أن تتحول تركيا إلى قوة إقليمية عملية وحاضرة بقوة في التقارير السياسية والعسكرية الدولية، مع أن رئيس وزرائها لا يحكي أبدا عن قوة تركيا الراهنة بقدر ما يحكي عن التاريخ التركي العريق، وهو بهذا يعطي للشباب سببا منطقيا لأجل الدفاع عن ذات البعد التاريخي الإسلامي الذي يتمسك به أكثر من 81% من الأتراك، على الرغم من الهجمة العلمانية الشرسة التي حاولت جاهدة ضرب الثوابت الإسلامية على مدى سنوات طويلة، لكن الذي حدث أن تركيا تبدو فعلا قوية، ويحسب لها ألف حساب، ليس من الدول العربية الجبانة التي لم تعد تصلح سوى لدس رأسها في كرة القدم وفي المشاكل التافهة والسخيفة، بل من قبل إسرائيل التي اعتذرت رسميا لتركيا قبل فترة بعد أن أهين السفير التركي في تل أبيب! كان الاعتذار بمثابة الانتصار لإردوغان شخصيا الذي أصبح يحقق شعبية كبيرة على المستويين العربي والإسلامي والدولي، وحتى في أمريكا اللاتينية حيث وصفته صحف أرجنتينية وفنزويلية بالثائر الجديد، وهو ليس ثائرا بالمعنى السلبي، بل ثائرا بالطريقة التي لا يمكن للغرب أن ينتقدها علانية، فهو يمارس دوره كسياسي محترم ومحنك، يتكلم عن الديمقراطية دون أن يضطر إلى تقبيل أياد الغرب، ودون أن يربط الديمقراطية بالإيجابيات التي حققتها تركيا في العشرين سنة كأهم سوق تجارية حرة في المنطقة، وكأكبر وأحسن جيش من حيث التنظيم والاستعداد حسب دراسة نشرتها صحيفة الصنداي جاء فيها أن تركيا التي صارت تحذر إسرائيل من مغبة إغضابها لا تتكلم من فراغ، بل تتكلم وفق حقائق ميدانية تجعل من النمر العثماني واحدا من القوى الإقليمية الحقيقية في المنطقة، مع ذلك يبدو العرب غير معنيين، لأنهم لا يريدون الحرب، ولأن الحرب سوف تهدد عروشهم!

إردوغان: ليته كان رئيس الدول العربية جمعاء!

قالت صحيفة "أهاريتس" الصهيونية في تقرير نشرته الأسبوع الماضي أن إسرائيل لم تعتذر سوى مرتين فقط، مرة لأمريكا بعد افتضاح أمر جاسوس إسرائيلي فككت شبكته في واشطن عام 1999، واعتذرت مرة ثانية لإردوغان الذي بدا عليه الغضب الشديد من التصرف الإسرائيلي إزاء تركيا، وجاء في ذات التقرير الذي نشرت مجلة "جريزاليم مجازين" نسخته الفرنسية أن إسرائيل اضطرت للاعتذار لتركيا بسرعة حتى لا تتطور أزمة " المقعد العالي" إلى أزمة سياسية عميقة وطويلة، خصوصا بعد أن نشرت صحيفة " الزمن" التركية العلمانية القريبة من المؤسسة العسكرية استفتاء جاء فيه أن 68% من الأتراك يعتبرون إسرائيل "كارثة سياسية" على تركيا، والحال أن هذا الاستفتاء لم يصدر في صحيفة تركية إسلامية، بل في صحيفة علمانية معروفة بعداوتها للإسلاميين، وهو ما يعني أن التحول الفكري التركي جاء نتيجة للتأثير الذي استطاع أن يصنعه رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان في فكر الشباب التركي، بمن فيه الشباب العلماني الذي ـ حسب ذات التقرير ـ تراجعت حماسته من دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وأصبح يعوّل على البديل الإقليمي الذي يمكن أن يصنع من تركيا دولة عظمى كاملة في المنطقة، وهو ما سوف يعني إعادة في موازين القوى التي تصب الآن في صالح إسرائيل التي يعتبرها الغرب " دولة ديمقراطية!"، والحال أن تركيا تمارس سياستها الواضحة والشجاعة بأسلوب ديمقراطي أيضا، وهو ما يحرج الغرب كثيرا بحيث أن عجزه على الوقوف علانية إعلاميا وسياسيا مع إسرائيل ضد تركيا يثير مخاوف إسرائيل من أن تتحول تركيا من حليفة إستراتيجية سابقة إلى عدو حقيقي، بالخصوص وأن الأتراك يتكلمون رسميا عن رفضهم الصريح لقتل المدنيين وتجويعهم في غزة، مثلما يتكلمون رسميا وبشجاعة عن رفضهم استعمال القنابل الفسفورية والقنابل المحظورة ضد الفلسطينيين، ويرون في ذلك انتهاكا صارخا للديمقراطية القذرة التي يتغنى بها الغرب ليل نهار، وحقوق الإنسان الذي طالما مارست إسرائيل اغتيالاتها الجبانة باسمه! فهل ستلجأ إسرائيل إلى تصفية إردوغان جسديا؟

النظم العربية والإسلامية في خانة " لم أعد هنا"!
موقف الدول العربية من الحراك التركي لا يعدو كونه أسلوبا في غاية الصفاقة، فالدول العربية "تحب السلام" وتدافع عنه، لأنها ترى فيه استمرارية لما هو قائم، أي استمرارية لعرشها ووجودها في الحكم، فالنظام المصري الذي يستقبل قتلة غزة ويفرش لهم السجاد الأحمر، هو نفسه الذي يبني الآن جدارا عازلا يسميه منشئات معمارية! والنظام الأردني سارع إلى تكذيب الأخبار التي نقلتها وكالات الأنباء الدولية بأن ثمة بوادر أزمة بين الأردن وإسرائيل وكأن عبارة " أزمة" إهانة للأردن، ناهيك على أن الشعوب العربية غارقة في المعارك السخيفة والجبانة ضد بعضها، كان آخرها شق قميص الأخوة بين مصر والجزائر بسبب كرة القدم التي أخرجت المشجعين المصريين إلى الشوارع للاحتفال بفوز فريقهم بالكأس في الوقت الذي لا نرى فيه الشعوب العربية تخرج لأجل الدفاع عن شرعية وجودها في هذه الأرض على الأقل، وأن تذكر فضائية "أورونيوز" الأوروبية أن شباب تركيا هم الأكثر مساندة للفلسطينيين والأكثر استعادا للتضحية في سبيلها نصاب بالألم للعظم، ليس لأنها الحقيقة فقط، وليس لأن الشباب العربي بحاجة إلى نقلة حقيقية وجذرية تعيده إلى ثوابته، وإلى إسلامه الذي لا يعترف بما تعترف به الأنظمة الجبانة الجائرة والظالمة التي تدس رأسها في الرمال وتدافع عن سلاما وهميا غير حقيقي ولا ممكن مع الصهاينة الذين يرددون منذ سبعين سنة الخطاب السياسي نفسه بأن "إسرائيل دولة التلمود التي لن يبقى فيها عربيا واحدا" وعندما نعي أن إسرائيل أساسا لا وجود لها ولا يجب أن تبقى، علينا أن نستوعب أن الحرب هي الحل، في غياب الحلول الأخرى، وفي ظل الظلم والجور الذي يمارسه الصهاينة ليل نهار ضد الفلسطينيين سواء في غزة أو في قلقيلبة أو في نابلس أو الخليل أو القدس، والأحمق الذي يظن أن إسرائيل سوف تعاد له الأرض المحتلة بالتفاوض والتنازل فعليه أن يذهب ويعيدها بسرعة دون قتال! ما أنهي به كلامي هو ما جاء في بعض الصحف الأوروبية وفق تقارير إسرائيلية عن احتمال وقوع هزة أرضية في الأراضي المحتلة وفي القدس تحديدا، ولأننا نعي أن الله سبحانه وتعالى وحده أعلم بتلك الأمور، إنما ندرج ما قيل فقط على أن هزة أرضية بدرجة 3 على سلم ريختر سوف تقع في القدس، وسوف تساهم في تهديم المسجد الأقصى تهديما كاملا، والحال أن التقرير لم يتكلم عن الخسائر الأخرى المحتملة، بل عن انهيار المسجد الأقصى فقط!  وهو ما يعيد إلى الذهن التقرير الروسي الذي نشره موقع "روسيا اليوم" والقائل أن أمريكا أجرت تجربة نووية قبل وقوع هزة هايتي الأخيرة بأسبوع واحد! لا شيء نستبعده عن الصهاينة القتلة والمجرمين، فالذين يرمون أطنان القنابل على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ دون شفقة، لا يتورعون عن تهديم دولة كاملة، في غياب دور عربي إسلامي حقيقي وفاعل يتكلم بلغة إردوغان السياسية الشجاعة، يقول للمجرم في عينيه أنه مجرم حرب لا يستحق الاحترام ولا الشفقة، أليس هذا ممكنا في النهاية؟