نحن والغرب (3)
25 صفر 1431
عبد الباقي خليفة

سجال السياسة والثقافة.. التاريخ والجغرافيا

عندما نتحدث عن الغرب ندرك تمام الإدراك أنه ليس كتلة واحدة، وإنما هو متعدد ومتناقض أحياناً، لكن لديه الكثير من المشترك الناجم عن المؤسسات التطبيقية، في المجال السياسي باعتماده النظام الديمقراطي، وبالتالي توليد حكومات تمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً بالانتخاب الحر. ولديه مؤسسات قضائية مستقلة إلى حد كبير، ولديه شبه وحدة سياسية، وشبه وحدة قضائية، وشبه وحدة ترابية نقتقدها جميعاً. هذا صحيح، لكن الغرب في علاقته معنا ليس ديمقراطيا، وليس أخلاقياً، ويحول دون شورانا، ودون وحدتنا، ودون اتخاذ النظام القضائي الذي نختاره نحن كشعوب وأمة.

 

والاستشراق كذلك ليس كتلة متجانسة، وهو في القرنين الميلاديين العشرين والواحد والعشرين، مختلف نسبياً عما كان في القرنين الثامن والتاسع عشر. فهناك العشرات من المستشرقين الذين تحدثوا عن الإسلام بشكل إيجابي، ولم يخونوا الأمانة العلمية، وأخلاقيات البحث، بعيداً عن الموروثات الفكرية والحسابات السياسية. وقد ساعدت بحوثهم المسلمين، على اكتشاف كنوزهم المخفية. ومن بينهم سيغريد هونكة،وإيفا دافيتراي مايبروفيتش، وأندريه كوري، ورينيه غينون الذي أسلم وتوفي في مصر، وغيرهم كثير. ومن جملة ما ينقصنا في البلاد الإسلامية، ونراه ضرورة، إيجاد مراكز لدراسة ثقافتنا ولدراسة الغرب، فلدينا وجود كبير في الغرب، ونعرف حقائق كثيرة عنه، بعكس ما كان في السابق، وهو ما يساعد على إنشاء مراكز توازي مراكز الاستشراق.

 

وعندما نتكلم عن الغرب، وعن النصرانية تحديداً، نلاحظ أن هناك تفتتاً مستمراً على المستوى الداخلي "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" ففي كل يوم تؤسس كنيسة جديدة، وكل يوم تكتشف خلافات جديدة، والتيار العلماني في الغرب لا يزال قوياً، رغم ما يحدث من تهرؤ على هذا الصعيد، وهو تيار منتشر أفقياً وعمودياً على مستوى النخب والشعوب، ويعتبرون النصرانية مجرد قناع فلكلوري يلبسونه حيناً وينزعونه أحياناً أخرى، وهذا ما تريد تكريسه بعض النخب في بلادنا. والسؤال المطروح بقوة هو: هل أوربا قارة نصرانية حقا؟، وهو سؤال بدأ البعض يطرحه في ربوعنا قارعين بذلك طبول الفزع؟!!!

 

المسلمون يزداد عددهم في الغرب، سواء كمهاجرين تجنسوا بالجنسيات الأوربية المختلفة، أم أوروبيين أصلاء كالبوسنيين والألبان وغيرهم، أو دخلوا في الإسلام في القرن العشرين والواحد والعشرين ولا سيما في السنوات التسع الأخيرة. وفي السنوات القادمة سيكون التعدد الإثني والثقافي في أوربا واضحاً للغاية، وبصورة كبيرة. وهناك توقعات في هذا الخصوص، بل حقائق على الأرض ففي سبعينيات القرن الماضي كتب أمبرتو إيكو رواية " الوردة " وفي حوار مع صحيفة كوريرا ديلاسيرا، ذكر أن أوربا ما بين 2010م و2020 م ستكون قارة ملونة. وهذا صحيح إلى حد كبير في وقتنا الحاضر. والمسلمون يمكن أن يضيفوا الكثير لأوربا. ومراكز البحث التي يجب على المسلمين إقامتها لمعرفة الغرب، يجب ألا تكون رد فعل على الاستشراق، وتعمل لتحقيق أهداف في الاتجاه المعاكس، بل من أجل أوربا نفسها، ليفتحوا أعين أهلها، على أن الإسلام ليس طارئاً على أوربا، بل إنه دخل أوربا قبل أن تدخل النصرانية بعض الدول الإسكندنافية. الإسلام له أكثر من ألف سنة في أوربا، والمسلمون كتبوا أفضل الكتب في أوربا وعلى إنتاجهم الأندلسي قامت حضارة أوربا الحديثة. وهذا مهم جدا لمسلمي أوربا والعالم، حتى لا يشعروا بأنهم أغراب وطارئون وأجانب. وعلى الجميع فتح أعينهم على هذه الحقائق، وعليها يجب أن تركز الدراسات المستقبلية. لأن صورة جديدة لأوربا تتشكل سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي. ولا شك فهناك أناس يدافعون عن قواعدهم في أوربا، بشكل يمثل تحدياً لسنن التطور ونواميس الحياة. وإذا ما حقق المسلمون في ديارهم الأصلية وحدتهم السياسية والاقتصادية، فسيكون لذلك تأثير كبير ليس على مستقبلهم فحسب، بل على مستقبل العالم بأسره.

 

والمهووسون في أوربا لا يستطيعون فرض هوية ثقافية على أوربا، فالهويات الثقافية في أوربا متنوعة وبدأت تظهر بشكل جلي منذ خمسينيات القرن الماضي بصور متعددة، يحلو للبعض وصفها بالمتناقضة، فهناك مسلمون يزدادون جيلا بعد جيل، وساهموا في نهضة أوربا كما كان إنتاج أجدادهم قمة العطاءات الثقافية التي كانت الأسس واللبنات الضرورية لنهضة أوربا.

 

وفي مثل هذه التحديات كثيرا ما يتساءل المسلمون، ما الذي يجب علينا فعله، لننفع أنفسنا وننفع الآخرين، ولا سيما أوربا والغرب والعالم عموما؟
والجواب الذي يردده الكثير من المفكرين المسلمين في الغرب وفي الشرق أيضا هو أن هذه فرصة للمسلمين في الغرب لإعادة الوعي للغرب بأهمية الإسلام والمسلمين في ماضي وحاضر ومستقبل العالم. لماذا لا يعمل المسلمون على أن تكون لهم وسائل إعلامهم في الغرب، ولماذا لا يساهمون في شراء وسائل الإعلام أو نسبة مؤثرة من أسهمها ويؤثرون بذلك في توجهاتها أو يقللون من عدائيتها.. الآخرون يفعلون ذلك في الغرب، ويحرضونه من خلال إسهاماتهم، ضد الإسلام والمسلمين والعرب خصوصاً. بعضهم اخترع اسم أورابيا، كبديل عن اسم أوربا لتخويف الأوربيين من العرب والإسلام.. 

 

يجب أن يقف المحرضون عند حدهم مثل بلافوتشي، والاسكندر دوفالي، وباني أوور، وسالمون تشاورتز، وغيرهم. يجب أن نقول للغرب:إن الديمقراطية التي تفتخرون بها، ليست كذلك ما لم توقفوا دعم الدكتاتوريات التي تعيرنا بها وتكفوا عن تحريض الأنظمة الحاكمة على ثقافتنا وشعوبنا كما يجري في أكثر من قطر إسلامي.