رسائل أطفالنا المصورة
1 ربيع الأول 1431
معتز شاهين

للمشاعر والانفعالات لدى الإنسان طرق كثيرة للتعبير عنها ، وتختلف تلك الطرق باختلاف الأفراد وطباعهم ومدى نضجهم العقلي والاجتماعي والنفسي ، فطرق الراشد للتعبير تختلف عن طرق الطفل .
 
فالاطفال لا تؤهلهم قدراتهم العقلية أو اللغوية عن التعبير الدقيق عما يشعرون أو يمرون به من مشاعر ، وحتى لو امتلك الطفل بعضا من أدوات اللغة السليمة ، لا يستطيع البوح بما يدور في رأسه نظرا للقيود الاجتماعية المفروضة عليه من قبل الكبار. لذا تلعب رسومات الطفل دور كبير في التعبير عن نفسه ، والتوضيح لنا نحن عما يعانيه أو يفكر فيه .
 
والطفل عندما يأخذ ورقة ليخط عليها تلك الخطوط البسيطة ؛ ربما يحاول إرسال رسائل لنا عن طريق تلك الخطوط والاشكال ، فالتخطيط والرسم عند الأطفال عالم وفن قائم بذاته ، تستمد خطوطه وأشكاله من عالم الطفل نفسه ، وتمتزج ألوانه بأحاسيس الطفل وانفعالاته ، لتعبر في صورة صافية عن مشاعره وحاجاته.
 
فالكثير من الأطفال تعبير القلم واللون بالنسبة لهم هو " صوتهم " او " لغتهم " ، والأم أو الأب اللذان يحرمان الطفل من ذلك ، كأنما يمنعاه من التواصل مع نفسه والمجتمع ، وبهذا فقد يكون ذلك خطوة في سبيل أن يتحول الطفل إلى طفل " أبكم عاطفيا " ، لا يملك ذكاء عاطفيا يمكنه من التعبير عن نفسه ، لأن الوالدين والمجتمع الذي يعيش فيه قد قتل لغة التواصل التي يجيدها عن غيرها.

 

 
ونجد الوالدين لا يلقون بالاً لتلك الخطوط والرسوم ويعتبرونها مجرد ( شخبطة ) لا تستحق الاهتمام ، وهنا ننبه إلى أنه يجب على الوالدين ألا ينظر إلى رسوم الطفل بشكل مطلق أو يقارنها برسوم البالغين أو درجة قربها من الواقع ، وإنما بتميزها عن أقرانه في نفس العمر ، أي أن تتوافر في تلك الرسوم عاملين وهما ( الجدة / و التميز ).

ومن اللافت ههنا أن الإسلام بشرعته الكاملة وجه نحو إباحة رسوم الطفل وغيره للتعبير عن ذاته وإخراج إبداعاته لكن بشرط الا يمثل أو يرسم ما به روح كإنسان أو حيوان , لكنه وجهه لتوصيف الطبيعة والكون من حوله إذا كان راسما , وإن كان أهل العلم قد بينوا أن هناك تجوزا وتيسيرا  في شأن الطفل الذي لايدرك تلك المعاني عن الراشد الذي هو مكلف بها

 

 

تطور رسومات الأطفال
تعتبر الألوان من أهم المواريث الحسية والمعنوية التي ترسخ في نفس الإنسان ، تبدأ دلالات الألوان لدى الطفل من الشهر الثاني من عمره كمؤثرات بصرية ، فنجد الطفل تلفت نظره الألوان الصارخة ( كالأحمر ، والأصفر ) ولكنه لايستطيع التمييز بينهما ، ثم يبدأ قبل سن الرابعة بحفظ الألوان والتمييز بينها.
 
أما بالنسبة للأشكال ، فالطفل قبل نهاية عامه الأول نجده يتناول الورقة ليحرك القلم عليها بصورة عشوائية تشد انتباهه ، وحينما يبلغ الثالثة يستطيع الطفل أن يدرك أنه يمكن للمعلومات والمواقف والمشاعر التي يختزنها في ذاكرته أن تخرج على الورقة ولكن كما يراها ويريدها هو ، حتى لو اختلفت عن الواقع.
 
ثم مع السادسة من عمره يبدأ الطفل في ملاحظة الاختلافات بين ما يرسمه والواقع ، ويأخذ تلك الاختلافات بعين الاعتبار ، أما في الثامنة وما بعد ذلك فإن رسوم الأطفال تتطور كثيرا ، ويظهر فيها اهتمام ووعي بالنسب الواقعية ، ويصبح الطفل أكثر موضوعية في تفكيره وبالتالي في رساماته.

 

 
لماذا الاهتمام برسوم أطفالنا ؟
ذكرنا أن الخط واللون بالنسبة للطفل لغة يعبر بها عما يحيط به ، ووسيلة للتنفيس عن انفعالاته .. وللرسومات الطفولية دلالات أخرى ...
 
-    للتخطيط والتلوين عند الأطفال وظيفية إسقاطية ، فمن خلالها يستطيع الطفل أن يتحرر من عبء الأزمات الداخلية التي يعيشها داخل نفسه ، ويسيطر على العالم الخارجي بموضوعاته التي تهدد أمنه ، و يستطيع الطفل أن يسيطر على العالم ويحتل دورا نشطاً في الأحداث بدلاً من أن يكون مجرد كم مهمل ، ويتداخل الواقعي مع ما هو خيالي ، مما يعطيه نوع من التكيف .
 
-    الشخبطات التي ينتجها الطفل في سني عمره الأولي تكون طبقاً لمجرد الرغبة الحركية والعضلية بداخله ؛ والتي تبحث عن متنفس. فالأطفال في سنواتهم الأولى يكونون مولعين بحركات أجسامهم وما ينجم عنها من أثار ؛ فنجده يشخبط على كل الجدران والأسطح التي يقابلها. فالرسم في حد ذاته مصدر للتنفيس عن تلك الرغبة في الحركة ، لذا يعد التخطيط ههنا نشاطا يمكن السيطرة على سلوك الطفل من خلاله.
 

 

-   وهو يتيح للطفل أن يقول " أنا هنا " ، " أنا موجود " ، مما يساعده أيضاً على تنمية مفهوم الذات لديه والشعور بالرضا عن نفسه ، وهي من الحاجات الأساسية التي يسعى لها الفرد بشكل عام في حياته .
 
-    يعد التعبير بالخط واللون احد أشكال المجال المعرفي ( العقلي ) التي تعكس تفاعل الفرد الإداركي مع نفسه والبيئة المحيطة به ، لذا اهتم علماء النفس برسومات الأطفال باعتبارها مقياسا للذكاء ، ووضعوا اختبارات للرسم تقيس نسبة الذكاء لدى الأطفال .

 ورسومات الأطفال بقدر بساطتها وتلقائيتها في بعض الأحيان ، يجد فيها الباحث معينا لا ينضب من الحقائق والدلالات التي تعينه على فهم سيكولوجية الطفل وذكائه ، ومشكلات توافقه واحتياجاته. ومنذ بداية العقد التاسع من القرن قبل الماضي بدأ الاهتمام البحثي برسومات الأطفال ، ورغم عدم دقة تلك الاختبارات إلا أنه يمكن استخدامها كمؤشر ابتدائي على مدى ذكاء الطفل ، أو للتعرف الأولي على سمات شخصيته الأساسية.

 
-   من خلال التخطيط والتلوين يمكن لنا فهم الأجزاء الغامضة والغير مفهومة في سلوك ومشاعر الأطفال ، فيمكننا ذلك من علاجهم نفسيًا من المشكلات التي تواجههم ويعجزون عن التعبير عنها بشكل طبيعي ، نتيجة لقيود اللغة والضغوط الاجتماعية من حولهم .

 

 

 

دور المربي
-    بداية يجب أن يحذر المربي من الوقوع في الخطا البالغ ، وهو التسفيه والتحقير من تلك الشخبطات أو الخربشات الطفولية ، فلذلك وقع كبير على نفس الطفل ، وتكراره تجعله يحجم عن إخراج ما في نفسه من مشاعر وانفعالات ، فينقطع خط الاتصال بين الطفل والمربي .
 
-    قد تضيق الأمهات بتلك الرسومات التي تملأ جدران المنازل وأسطحه المختلفة ، ولكن يجب أن تضعي في ذهنك أن تلك الشخبطات تعد من أهم الوسائل لتنمية التفكير والإبداع لدى طفلك ، وهي حجر الزاوية في بناء شخصية الطفل بالإضافة إلى اللعب.
 
-    دع الطفل يرسم ما يريد بدون تحديد للموضوعات والألوان ، بل أعطه الحرية للاستمتاع بطفولته ، وشجعه على تنمية موهبته وليكن اطار التوجيه والتقويم هو الإطار الشرعي التربوي الإسلامي في ذلك .

- وهنا نشير إلى عدم الاعتماد على كتب التلوين الجاهزة بصورة كبيرة ؛ حيث أنها تكون محددة الرسوم من قبل ، مما يمنع الطفل من استخدام مخيلته ويعيق تطور إبداعه.

 

-    تنوع المثيرات في بيئة الطفل يساعده على إخراج كل ما في جعبته من إبداع ، فالدراسات الحديثة أثبتت أنه يمكن زيادة نسبة ذكاء الطفل في حالة توافر بيئة محفزة تساعد على ذلك ، لذا على المربي العمل على إثراء البيئة المحيطة بالطفل بمختلف أنواع الاستثارة الحسية والبصرية واللمسية.
 
-    على المربي أن يدعم الطفل أثناء إنتاجه الفني بالخبرات اللفظية التي تساعده على الربط بين الشكل واللفظ ، مما يسهل عملية الحفظ والتخزين ، ويسهل أيضا عملية الاستدعاء وقت الحاجة لهذا المخزون ( التذكر ).
 
-         توفير الخامات والمواد اللازمة للرسم والتي لا تعرض الطفل للخطر.
 
-         محاولة تفهم عمل الطفل وما يحتويه من رموز وخيال.
 
-         عرض جميع الرسوم التي ينتجها الطفل دون التقيد بالمستوى الفني
 
وليرفع المربي شعار " لنلعب معا " ، فيشترك مع الأطفال لا ليعلمهم المهارات وفقط ، بل وليشعرهم بمتعة المشاركة ، ويمنحهم المزيد من الثقة ، والكثير من الحب.