9 جمادى الأول 1432

السؤال

عمري 30 عاماً، ومتزوج، وأعمل إداريًا ومسؤولا عن قسم الكمبيوتر بإحدى الشركات، ومشكلتي تكمن في أني غير فصيح في الكلام، ولا أجيد توصيل المعلومات بشكل واضح للناس، وقد تحصل في كلامي تأتأة في بعض الأحيان، وعندما نكون في اجتماع فإنني لا أكثر من الكلام، بل أغلب الوقت أكون مستمعاً، حتى لو أني أملك بعض المعلومات عن موضوع الاجتماع، وأحيانا أتهرب من حضور المناسبات بسبب هذه المشكلة.
كما أني لا أجيد إلقاء النكتة، وفي بعض المواقف يحتاج الشخص للضحك؛ مجاملة لمن ألقى النكنة، إلا أنني لا أستطيع سوى التبسم، بينما في بعض الأحيان يرتفع صوتي بالضحك، علماً بأني مطلع، وأحب القراءة، ولدي معلومات معرفية وثقافية كثيرة.
أرجو مساعدتي في الوصول لحل لهذه المشكلة المزمنة المؤرقة، وجزاكم الله خيرًا.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
أخي الحبيب:
إن سياحة مباركة في بستان النبوة تكشف لنا الأجر الذي أعده الله لعباده الصابرين؛ فعَنْ أنس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال سمعت رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) يقول: "إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته مِنْهما الجنة يريد عينيه". (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). وعَنْ أبي سعيد وأبي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما) عَنْ النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال: "ما يصيب المسلم مِنْ نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر اللَّه بها مِنْ خطاياه" (متفق عَلَيْهِ). وعَنْ عطاء بن أبي رباح (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال، قال لي ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): "ألا أريك امرأة مِنْ أهل الجنة؟ فقلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع اللَّه تعالى لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت اللَّه تعالى أن يعافيك فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع اللَّه أن لا أتكشف، فدعا لها". (مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ).
غالب أنواع التلعثم تكون مرتبطة بالسلوك النفسي والاجتماعي؛ وذات صلة ببعض الطباع الأخلاقية والاجتماعية التي يعاني منها عدد كبير من الناس، مثل: الخجل، أو الخوف من مواجهة الآخرين، وهذا أمر أساسه عدم التعود والتدرب على الحديث أمام جمع من الناس، وإيثار البعد عن الدخول في مناقشات فلسفية أو حوارية مع الآخرين في القضايا العامة، والأمور الخلافية؛ وتلك أمور التخلص منها يسير، ولا يحتاج سوى مزيدًا من الوقت، والتدريب على يدي إخصائيين، وهناك مراكز متخصصة في علاج مثل هذه الأمراض منتشرة في ربوع الوطن العربي.
وهناك قصة بسيطة سمعتها من المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة؛ منذ أسابيع، حكاها بنفسه في حفل تكريمه الذي عقد بنقابة الصحفيين بمصر، بوصفه أحد المدافعين عن الإسلام بفكره وقلمه؛ قال الدكتور عمارة بالنص: "كنت وأنا شاب صغير أصعد المنبر، وأخطب في الناس، غير أني كنت أعاني من لثغة، تعوق خروج حرف الراء من لساني، وكنت أشعر بحرج شديد عند الحديث مع الناس، لكنني لم أستسلم، فكنت أخرج في مزارع قريتي، حيث لا يراني أحد، وأدرب نفسي على التخلص من هذه اللثغة، وكنت إذا آويت إلى مضجعي أبتهل إلى الله أن يخلصني منها؛ وكانت المفاجأة أن استيقظت ذات يوم، فوجدتني أنطق الراء سليمة بلا تعثر، فشكرت الله كثيرًا وكثفت جهدي في الدعوة إلى الله بالخطابة والوعظ في أهالي قريتي".
أخي الحبيب:
في كل الأحوال؛ لا يجب أن يهزم الإنسان نفسه؛ ولا يصح أن يوقف الإنسام مسيرته بيديه، فالحياة مليئة بالصعاب، والمواقف المحرجة، والإنسان القوي لا يستسلم من البداية، بل يجب أن يقاوم، وأن يكافح للوصول إلى هدفه ومبتغاه، وأن يحتسب هذا الجهد عند الله عز وجل، وأن يوطن نفسه على ما قدره الله له، ولتنظر أخي الحبيب إلى غيرك من الناس، ممن خلقهم الله، أو فقدوا أياديهم، أو بُتِرَتْ أقدامُهم، أو فقدوا أبصارهم، أو أسماعهم، ومع هذا لم يستسلموا لليأس، ولم يسمحوا للعجز أن يتسلل إلى نفوسهم، بل قاوموا بإصرار حتى صنعوا المعجزات، وحققوا ما عجز الأصحاء عن تحقيقه، والقائمة كبيرة لا يتسع المجال لذكرها، وفي المدقمة منهم دعاة ملئوا الدنيا حركة ودعوة مثل فضيلة الشيخ عبد الحميد كشك (رحمه الله)، ومنهم رياضيون حصدوا الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية في أشهر الأولمبيات العالمية.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يطلق لسانك بالخير، وأن يصلح لك نطقك، وأن يهد قلبك للصبر والتحمل، وأن يصرف عنك الكسل والتردد والخوف، اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.