أنت هنا

التعلم المختلط في الصفوف الابتدائية نظرات علمية
20 ربيع الثاني 1431
إبراهيم الأزرق

كثيراً ما ترى أولئك الذين يدافعون عن الاختلاط في مراحل التعليم الأولية يكسون دعوتهم المريبة ثياب العقل والعلم، والعالم المتعقل يعرف أنها ثياب زور لا تعبر عن الحقيقة والمضمون!

ومن ذلك ما يدعيه دعاة هذا الاختلاط من منافع شتى للاختلاط أو بعض أنواعه في التعليم.. وكثير من أصحاب البصيرة يعلمون أن تلك المزاعم محض دعاوى وخواطر، إما لا مستند لها من العلم يؤيدها أصلاً، أو هي صحيحة بيد أنه لا كبير علاقة للتعليم بها، وقد يكون الأمر مركباً منهما. ومن ذلك –على سبيل المثال- زعمهم أن المرأة أصبر وأقدر على تعليم الأولاد لذا يجب أن تعلمهم هي مجتمعين أو على أقل الأحوال منفصلين في نفس المدرسة، ولا سيما في الصفوف الابتدائية ولا أدري لماذا وقفوا ههنا!

 

إن قرنهم بين الصبر والقدرة فيه نوع تلبيس وقد انطلى على بعضهم مع أنه ليس له رصيد علمي يعززه! فلو سلمنا بكون المرأة أصبر وأن المعلم لا يستطيع أن يعالج هذا الصبر في ذلك الموقف؛ موقف التعليم الذي هو من صميم وظيفته التي نصب لها ويتقاضى راتباً عليها! فهل نقول بأن وجود المعلمين في المرحلة الابتدائية محض غلط لافتقادهم عنصراً من عناصر التعليم! وأن على الوزارة أن تسرحهم بإحسان أو تحولهم إلى مراحل أخرى...

 

وأياً ما كان فإن الربط بين الصبر أو طول البال والقدرة على التعليم بعلاقة طردية غلط، بل هو محض خرافة علمية، فليس الأصبر هو الأقدر على تعليم الصغار بكل حال أيّاً كان المعلم رجلاً أم امرأة وأيًّا كان الطالب ابناً أم بنتاً، كما أن الأشد والأقوى ليس هو الأقدر! بل للبنين ما يناسبهم وللبنات ما يناسبهن.. وكل ميسر لما خلق له، والحكمة فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت والمحل الذي ينبغي!
ومن جهة أخرى فإن مقومات القدرة على التعليم كثيرة غير الصبر واختزالها في الصبر ينم عن قصور في تصور العملية التعليمة، ومن جهة ثالثة لم يُخْرِج لنا هؤلاء المدعون (الصبروميتر) أو المقياس الذي يمتِّرون به الصبر اللازم للتعليم حتى نعلم كيف قاسوا منسوب الصبر عند المعلمين والمعلمات، وكيف خرجوا بدعوى عريضة مفهومها أن المعلمين لا يمتلكون القدر المطلوب!

 

وهنا لمعترض أن يقول: يا من تنعى على الآخرين معاييرهم أين معيارك الذي يبين أن الفصل في تعليم الأطفال هو الأجدى!

فأقول المعايير كثيرة والعجيب أنهم لا يطالبون بها في منافسات أخرى غير تعليمية كسائر الرياضات البدنية!

ولن أعرض هنا للمعيار الشرعي فهذا بسط في مواضع وكتب فيه عدد من الأفاضل وحسبي منهم الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله فلينظر ما حرره.

 

وأعرض ههنا لأحد المعايير العلمية[1]، فلننظر ما تقوله الدراسات العلمية وما تقرره من فروق جنسية مؤثرة على العملية التعليمية، ولعلي أقتصر في هذه المقالة على أحد الفروق وبيان أثرها إيثاراً لترك الإطالة، فإن يسر الله أتبعت المقالة بغيرها مما يبين أثر تلك الفروق، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتابي الاختلاط في التعليم وأثره على التحصيل، ولينظر كذلك في مصادره الأصلية.

 

وحديثي ههنا حول حقيقة علمية وحيدة وآثارها على العملية التعليمة وذلك وفقاً لما يقوله المختصون من الغربيين.
يقول الدكتور ليونارد ساكس[2]:

 

في منتصف التسعينيات بدأت ألاحظ مجموعات من طلاب السنة الثانية والثالثة الابتدائية يتقاطرون نحو العيادة، ومع كل طفل أحد أبويه حاملاً ورقة من المدرسة تطالب بفحص الطفل والتأكد من إصابته بمرض اضطراب العجز عن التركيز (ADD) Attention Deficit Disorder)) يقول ساكس: في بعض الحالات لم يكن الأطفال بحاجة إلى ترياق اضطراب العجز عن التركيز، بقدر حاجتهم لمعلم يفهم الفروق العضوية بين الأولاد والبنات التي تؤثر على تعليمهم، وبعد أن تقصيت الأمر وجدت أنه لا أحد في المدرسة يعرف أن قدرة الجنسين على السماع متفاوتة[3].

 

ويقول أيضاً: تخيل أنك في الصف الثاني الابتدائي، ثم تخيل جستن (Justin) ذو السنوات الست جالس في آخر الصف، والمعلمة امرأة تتكلم بنبرة مناسبة بالنسبة لها، جستن لا يكاد يسمعها، يبدأ في النظر من النافذة، أو يراقب ذبابة تسير في سقف الفصل، تلاحظ المعلمة أن جستن غير منتبه.. تتكرر القصة، فتظن المعلمة أنه ربما يكون مصاباً باضطراب العجز عن التركيز! المعلمة مصيبة تماماً في وصمه بالعجز عن التركيز، لكن ليس السبب هو هذا المرض. لكنه صوت المعلمة الهادئ الناعم الذي يناسبها، ويفلح في شد بنات جنسها، بينما ينام أغلب الأولاد الذين يجلسون في الخلف[4].

 

قال ساكس: في إحدى المرات بعدما فحصت أحد الأولاد وكتبت توصيتي قالت لي الأم: إن المدرسة نصحتهم باستشارة طبيب آخر، "ليس لأننا لا نثق فيك يا دكتور، لكن فقط لأن المدرسة تطلب استشارة من خبير"، عندها فهمت أن الأطباء الذين تصنفهم تلك المدرسة في عداد الخبراء، هم فقط من يكتبون الوصفات الطبية دائماً! دفعني الفضول لأعرف ما إذا كانت تجربتي هذه متكررة أم لا، فأخذت تمويلاً من الأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة، لإجراء مسح يشمل كل عيادات منطقة واشنطن. كنا نسأل سؤالاً بسيطاً: من هو أول من يشخص اضطراب العجز عن التركيز؟

الإجابة: أغلب حالات الاشتباه بالإصابة بالمرض ينبه إليها المعلم، ليس الوالدين، ولا الجيران، ولا الطبيب[5]!

 

لقد أثبت المختصون وجود اختلاف بين الأبناء والبنات في استجابة الدماغ السمعية، المتفرعة عنها القدرة على السمع، فبنت عمرها سبع سنوات، تميز أصواتاًأخفت من الأصوات الضعيفة التي ينتهي إليها تمييز ولد في عمرها نفسه، وباستخدام أجهزة اختبارات صوتية عالية النوعية، وجدوا أن إحساس البنات بالأصوات، أفضل من استشعار البنين لها بضعفين وربما ارتفعت نسبة إدراك المسموعات لدى بعضهن عن بعض البنين إلى أربعة أضعاف، وذلك في نطاق الترددات المهمة لتمييز الكلام -حوالي أربعة ألاف تردد في الثانية (4KHz)- وقد أدرك المختصون هذه النتيجة قبل قرابة نصف قرن[6]، ثم أكدتها دراسات حديثة[7]، ووجدت بعض الدراسات الحديثة أن قدرة بعض البنات على السمع في سن الثانية عشرة تفوق قدرة البنين في نفس تلك السن بنسبة قد تصل إلى سبعة أضعاف[8].
بل أشارت الأخصائية النفسية كولن أليوت (Colin Elliot)، إلى أن البنت في الحادية عشرة من عمرها يشتت ذهنها صوت أخفض بعشرة أضعاف مرة من الصوت الذي يشتت ذهن البنين، فإذا نقر طالب الدرج بأطراف أصابعه فلن ينزعج أو يزعج زملاءه، لكن ستنزعج المعلمة وسوف تنزعج الطالبات.

 

ويبين أثر التمايز السمعي لدى الجنسين على العملية التعليمية الدكتور ليونارد ساكس فيقول: الاختلافات الأساسية في القدرة السمعية بين البنين والبنات، تدخل ضمن أهم ممارسات التدريس. فإذا كانت بالقاعة المختلطة أستاذة، فإنها سوف تتكلم بصوت يبدو عادياً بالنسبة لها، ولن تلحظ أن صوتها لا يشد انتباه البنين هناك في آخر القاعة كثيراً. وبالمقابل إذا كان في القاعة أستاذ فسوف يتكلم بنبرة يراها مناسبة، بينما قد تراها الطالبات في الصف الأمامي أقرب إلى الصراخ فيهن!

 

ثم اقترح حلاً مبسطاً لهذا الإشكال بأن يجلس البنات في الخلف ويجلس البنين في المقاعد الأمامية[9].

غير أن هذا الحل وإن عالج مشكلة السمع، فلن يعالج مشاكل أخرى بعضها شائع في زماننا كقصر النظر أو طوله، وكذلك الحركة الدائبة التي يُطَالَبُ بها الأستاذ في نظم التعليم الحديثة لجذب انتباه الطلاب، وقد تقتضيها حالة التدريس في القاعة أو المعمل.

 

ثم لك أن تتصور اثنين أحدهما يفوق سمعه سمع الآخر ببضعة أضعاف، كيف سيكون حال أحدهما تجاه الآخر لو قام أحدهما فخاطب الأستاذ أو خاطبه الأستاذ؟ وقد أبانت بعض الدراسات بأن الطالبات قد تصرف انتباههن أصوات ضوضاء في مستويات منخفضة ربما لم تشغل عشرة أضعافها الأولاد[10]. فإذا كان هذا هو الحال في قاعات الدراسة فكيف ستكون الحال داخل المعامل والأنشطة التي تتطلب حركة وعملاً تقوم به مجموعات؟
إن مما أخشاه أن يتحول طلابنا إلى متتبعين للحشرات والذباب جراء التجارب الجديدة تماماً كما فعل (جستين) وقصته حقيقية.. ثم يوصموا زيادة على ما وصم به بألقاب أخرى تعيق البناء وتغرز في أنفسهم الشعور بالقصور.. فهذا معيار وفي الجعبة غيره معايير!

****

 

 

أشعر بشيء من الأسف أحياناً عندما أُراني محتاجاً لإقناع مسلم عاقل بالغ بقول الله تعالى: (وليس الذكر كالأنثى) [آل عمران: 36]! ولعلك تعجب إن علمت أن الجدل في هذا المعنى كان محتدماً بين الغربيين منذ أوائل القرن الماضي، ولعلي أعرض إليه لاحقاً في مقالة مستقلة لتعرف حال الجهل التي نشأ فيه الاختلاط في التعليم بالدول الغربية! أما الآن فأكتفي في صدد ذكري للفروق التي تقضي بالفصل بين الجنسين في التعليم الابتدائي ولو في صفوفه الأولية بالإشارة إلى ما أصدرته الأكاديمية الوطنية للعلوم بأمريكا، (National Academy of Sciences) في عام (2001م) من تقرير بعنوان: "هل الجنس ذو أهمية؟" قررت فيه أهمية اعتبار فروق الجنس.

 

فأكد وجود فروق إحيائية ثابتة بين الجنسين، وأن هذه الفروق أبعد من كونها مجرد فروق عضوية، كالاختلافات الواضحة في بعض أجهزة الجسم.

بل إن هناك فروق متشعبة مسلّم بها في التكوين "الكيميا إحيائي"، (biochemistries) لكل من خلية الرجل، وخلية المرأة.

ونص التقرير على أن هذه الفروق ليست ناجمة بالضرورة عن الخلاف في تركيبة الغدد الصماء وإفرازاتها الهرمونية. بل هي نتيجة مباشرة للفروق الجنسية بين الذكر والأنثى. ويحسن التنبيه هنا إلى أن مجرد اختلاف معدلات الهرمونات له أثره على السلوك وطريقة التعليم المتبعة مع كل جنس، فمثلاً انخفاض معدل هرمون السيروتونين (Serotonin)، وارتفاع عمليات التمثيل أو الأيض لدى الذكور يسبب تصرفات تلقائية تدل على الملل ولاسيما إذا حصر الطالب في مكان ضيق كدرج وكرسي، وتلك التصرفات التلقائية تسبب بالمقابل تشتيتاً لانتباه البنات، كما أن تلك الخاصية تدفع المعلمين للانشغال بالأولاد وإسكاتهم، وهذا بدوره يشوش على البنات، لذلك ينصح بالتوقف أثناء الدرس 60 ثانية من وقت لآخر، عند تعليم الأولاد في جميع الأعمار، كما أن السماح للطالب بتحريك شيء في يده بهدوء أمر مفيد لأنه يحفز دماغه، ويهدؤه ، ولا يزعج غيره من الأولاد بخلاف الإناث وقد أشير إلى هذا في المقالة سابقة.
وعوداً إلى التقرير فقد خصص فصلاً كاملاً يحلل فيه الفروق النفسية، والعوامل السلوكية، ليرجعها أولاً وأخيراً إلى الفروق في التكوين الجنسي، والتركيب العضوي، الذي يتأثر جزئياً بالبيئة.

وإذا كان الأمر كذلك فإن لكل جنس ما يناسب نفسيته من الطرق التعليمية ويتلاءم مع سلوكه، وهذا الأمر لن يتأتى في أوساط تعليمية مختلطة لا تميز بين ذكر وأنثى.
لقد أقر التقرير الغربي عام ألفين وواحد! بصدق قول الله عز وجل: (وليس الذكر كالأنثى) [آل عمران: 36]، فهل يقر بذلك أقوام من بني جلدتنا يصرون اليوم على جعل فلذات الأكباد فئراناً لتجارب محسومة سلفاً؟!

 

وإليهم اليوم أسوق في هذه المقالة أحد الفروق العضوية بين البنين والبنات وأثره على التعليم في المراحل الابتدائية بل ما قبلها لعل مريد الحق منهم يعتبر.

أوضحت بعض الدراسات أن الذكور يتفوقون على الإناث في الحركات الكبرى العامة؛ كالقفز، أو الجري، بينما تتفوق البنات في الحركات الدقيقة؛ كالكتابة، أو القص بالمقص، أو الحركات التي تحتاج إلى تناسق مثل القفز في مواضع محددة، أو من خلال حلقة .

 

وفرع عن ذلك تفوقهن في القدرة على الإمساك بالقلم بشكل أكثر دقة، ومن ثم الكتابة، وقد أشارت لهذا دراسة أجراها الباحثون في فرجينيا تك (Virginia Tech)، حيث وجدوا أن المنطقة المسؤولة عن المهارات الدقيقة في أدمغة البنين تتطور لتلحق بنظيرتها لدى البنات بعد عام كامل .
ومن التجارب التي تظهر خطورة إغفال مثل هذا أو عدم الاكتراث به قصة طفل لم يراع ذووه أن كثيراً من البنين في سن الخامسة ليس لديهم من المهارات الدقيقة ما يُمكنهم من كتابة الحروف الأبجدية، فقد كان ماثيو (Matthew) كما تقول أمه: نجم الأسرة. وكان دائماً مستعداً للتجربة واستكشاف الجديد، لم يكن يتضجر أو يتذمر، لكنه تحول لطفل آخر! يساق إلى محل الدراسة سوقاً، رغم لطف المعلمة وصبرها، والسبب هو التعليم المختلط في مرحلة التمهيدي! لقد رأت أمه نباهته وتوسمت فيه مخايل النجابة فقررت أن تدفع به للتمهيدي، وعلى الرغم من أن تلك المدرسة كانت تنتهج نهجاً حديثاً لا يلزم الطلاب بمنهج دراسي، فمن شاء كتب، ومن شاء لعب، إلاّ أن البنات –نظراً لتطور قدراتهن الكتابية لقدرتهن على التحكم في العضلات الصغيرة قبل البنين- كن يجتمعن حول المعلمة ويكتبن، بينما يبقى البنون العاجزون عن الكتابة يلعبون بعيداً عنها. بدأ يتولد عند ماثيو شعور بالعجز، فأصبح يتضجر من التمهيدي، فما كان من أمه إلاّ أن ذهبت به إلى الطبيب، فنصحها الطبيب بإرجاعه للروضة لأن قدراته لا تمكنه من الكتابة في هذه السن.

 

غير أن الأم أصرت على استمراره لأنه ذكي، ولأنهالم تسمع بطفل ذكي يخرج من التمهيدي!

ومع الزمن رضخ ماثيو للذهاب.. غير أن الشعور بالعجز استقر في داخلته، وكذا الشعور بالانتماء إلى المجموعة المهملة المتأخرة. وعندما أصبح قادراً على الكتابة كان قد رسخ في نفسه عجزه.
جاءت الأم لنفس الطبيب بعد عام، ومعها ورقة من المدرسة تأمل فحص ماثيو لمعرفة ما إذا كان مصاباً باضطراب العجز عن التركيز والحركة الزائدة (ADHD)!

 

وبعدها تطور أمره إلى علاج نفسي، فعقارات اكتئاب، فأدوية مهدئة... ثم اضطر لإعادة العام، وأخطر من هذا كله أنه قد رسخ في نفسه بغض المدرسة. والسبب في مبدئه عدم معرفة بقدرات الطفل، وما تؤهله له ملكاته العقلية والعضلية في تلك السن.
ومشكلة ماثيو مشكلة متكررة فقد بينت الدراسات الصادرة عام 2003م أن عدد الأطفال الذين يأخذون مضادات الاكتئاب ثلاثة أضعاف عددهم قبل عشر سنوات .

 

وقد اقترح بعض المختصين علاجاً لتنمية المهارات الدقيقة لدى البنين، بتوجيههم إلى نشاطات تسهم في نحو هذا كتدريبهم على نظم الخرز، أما مشكلة العضلات الكبيرة في البنات فتعالج بتمرينهن على ألعاب حركية مناسبة كالقفز .
ومن هذا يظهر أن ألعاب الفك والتركيب الدقيقة، التي تستخدم فيها قطع بلاستيكية يمكن تركيبها وفكها بأدوات من نحو مفكات وكماشات بلاستيكية؛ مناسبة ومفيدة للبنين فوق الثلاث سنين. كما أن القواعد التي تساعد على القفز، أو ما يسمى بـ (النطيطة) مناسبة للبنات في تلك السن، وينبغي أن يحرص على أن تكون فيها مقابض وأطراف بلاستيكية آمنة تتيح لهن التمسك بها أثناء القفز.. وكذلك ما جرت به عادت البنات من نط بالحبل يساعدهن على اكتساب بعض حاجتهن العضلية.

والمقصود أن الفروق العضلية مشاهدة معلومة، ولكننا كثيراً ما نغفل عن أثرها على العملية التعليمية، ويغفل من ينادي بالخلط بين الجنسين أثرها على طريقة تعليم الطالب، وكذلك يغفل أثرها عند تقييم الطالب في الصفوف الدنيا الابتدائية، وربما راعى بعض التربويون ذلك في الأنشطة الرياضية، فجعلوا منافسات البنين غير منافسات البنات وربما كان نوع رياضة هؤلاء غير هؤلاء، لكن هذا ليس كافياً؛ فكما أن خلطهم في المنافسة الرياضية وتقيمهم بناء على مقارنتهم ببعضهم يمثل ظلماً لبنين أو البنات بحسب الرياضة، فكذلك خلطهم في الدراسة وتقييم قدرتهم على الكتابة مثلاً، أو الأعمال الفنية سيكون مجحفاً، يقوم على التسوية بين من ثبتت الفروق بينهما في الجملة ،ولا تسمع لجدلي يعارض بالحالات الشاذة، واعلم يا من رعاك الله أنه ليس الذكر كالأنثى! واعلم أن لتلك الفروق آثاراً قد يكون إغفالها مدمراً.. وقريباً أعرض لأثر فرق آخر إن شاء الله.

****

 

 

لاحظ المختصون في العقد الأخير وجود فروق في تشريح العين بين الجنسين، فالشبكية وهي الجزء المعني من العين بتحويل الضوء إلى إشارات عصبية، مقسمة إلى طبقات، طبقة تحتوي على مستقبلات الصور (photoreceptors)؛ نبابيت (rods) و مخاريط (cones). النبابيت حساسة للأسود والأبيض، ولا ترى الألوان، والمخاريط حساسة للألوان. ترسل النبابيت والمخاريط إشاراتهما للطبقة التالية؛ طبقة الخلايا العقدية (ganglion cells). المختصون يعلمون منذ عقود أن هذه الخلايا بعضها كبير (Magnocellular)، والآخر صغير (Parvocellular)، وأغلب الدراسات التي تتناول هذا الموضوع تشير إليهما بالرمزين M, P. وظائف كل من M وP مختلفة تمام الاختلاف؛ فالخلايا M وهي الجزء الذي يتعرف على الحركة، متصلة بصورة أساسية بالنبابيت، وتأتيها بعض البيانات من المخاريط، ونظراً لكونها منتشرة في كل الشبكية فإن بإمكانك أن ترى أي جسيم في كل المجال البصري. اعتبر أن الخلايا M مسئولة عن الإجابة على السؤال: أين هو الآن، وإلى أين سيذهب؟
أما الخلايا P في الجنس البشري فمرتبطة بأنواع المخاريط الثلاثة، الخلايا P تتركز في مركز المجال البصري؛ الحفرة (fovea) وما حولها، وهذه الخلايا تترجم المعلومات المتعلقة باللون والملمس، لذا يمكن اعتبارها مسئولة عن الإجابة على السؤال: ما هو؟

 

ترسل خلايا P معلوماتها عن طريق القسم الخاص بها من السرير البصري (thalamus) إلى منطقة محددة من قشرة الدماغ (cerebral cortex) متخصصة في تحليل اللون والملمس، بينما ترسل الخلايا M معلوماتها من خلال ممر منفصل لمنطقة أخرى من قشرة الدماغ متخصصة في تحليل العلاقات الفضائية (spatial relationship) وحركة الجسم. وجد الباحثون أن كل حركة إشارة في جميع ممرات الشبكية إلى قشرة الدماغ تختلف لدى كل من الذكور والإناث، فالشبكية البشرية ممتلئة بمستقبلات هرمونات جنسية. ووجد أخصائي التشريح إدوين لفارت (Edwin Lephart) وزملاؤه أن شبكية الذكور أسمك من شبكية الإناث، وذلك لأن شبكيات الذكور فيها عدد أكبر من الخلايا M السميكة، بخلاف الإناث اللاتي تسود عندهن الخلايا العقدية P قليلة السمك مقارنة بالأولى. لقد وجد الباحثون تبايناً بين أفراد الجنس الواحد، لكنه محدود، بينما كان التباين بين أفراد الجنسين المختلفين كبيراً، وذلك ما وجد في الحيوانات أيضاً .

خلايا P خلايا M
مرتبطة بصورة واضحة بـ المخاريط النبابيت
متواجدة بكثرة في وسط الشبكية (مركز الحقل البصري) في كل الشبكية (كل الحقل البصري؛ الأطراف والوسط)
مهيأة لمعرفة اللون والملمس المكان، الاتجاه، والسرعة
تجيب عن السؤال ما هو؟ أين هو الآن؟ أين سيذهب؟ ما مدى سرعته؟
إسقاطها النهائي في القشرة الصدغية السفلى (للدماغ)
Inferior temporal cortex القشرة الجدارية الخلفية (للدماغ).
Posterior parietal cortex
المسيطرة عند الإناث (P أكثر من M) الذكور (M أكثر من P)

 

ومن التطبيقات تبين أثر الفروق في تشريح العين على الجنسين من الناحية التعليمية ما يلي:
لو أعطيت عدداً من الصغار أوراقاً بيضاء، وأقلام تلوين، وطلبت منهم أن يرسموا ما يشاءون، ستلاحظ أن البنات يستعملن ألواناً مثل الأحمر، البرتقالي، الأخضر، البيج (لون الصوف الطبيعي)، لأنها هي الألوان التي هيئت الخلايا P لتكون حساسة لها، أما الأولاد فسيرسمون أشكالاً لأشياء متحركة، وسيستعملون ألواناً مثل الأسود، الرمادي، الفضي، الأزرق، لأنها هي الألوان الأكثر ارتباطاً بالخلايا M .

 

وقد درس بعض المختصين في العقدين الماضيين لوحات الأطفال، فوجدوا أن البنات يملن لرسم الوجوه (بشر أو حيوانات)، والأزهار والأشجار، ويكون رسمهن متناظر الشقين إلى حد كبير، يواجه الناظر (كأنها تنظر لما يقابلها في الطبيعة)، كما يستعملن عشرة ألوان أو أكثر في اللوحة الواحدة، من الألوان التي سماها الباحث ياسومازا آري (Yasumasa Arai) الألوان الدافئة؛ الأحمر، الأخضر، البيج، البني. أما الأولاد فيرسمون أشكالاً لأشياء متحركة؛ صاروخ يصيب هدفاً، غرباء يهمون بأكل شخصٍ ما، عربة تصطدم بأخرى... ويستعملون ستة ألوان كحد أقصى، من التي سماها ياسومازا: ألواناً باردة؛ الأزرق، الرمادي، الفضي، والأسود.
كما أنهم يتخيلون أنفسهم وهم يرسمون كما لو كانوا متحكمين في مكونات اللوحة في الطبيعة، لا متفرجين كما تفعل البنات، وقد اختصرت الأخصائية النفسية دونا تيومان (Donna Tuman) هذه الفروق بقولها: "البنات يرسمن الأسماء، والأولاد يرسمون الأفعال" .

 

ومن القصص التي تبين أهمية اعتبار نحو هذه الفروق في العملية التعليمة -على ضآلتها فيما يبدو للناظر- قصة واقعية، لعل سردها يثبت للقارئ أن الدعوة إلى اعتبار الفروق بين الجنسين والفصل بينهم في التعليم دعوة مهمة حقاً، وليست محض تهويل ليس عليه تعويل:
أعطت أستاذة التمهيدي كل طفل ورقة بيضاء، وطلبت منهم أن يستعملوا أقلام الألوان لرسم ما يحبون، وكانت المعلمة تمر عليهم وتشجعهم، وأثناء مرورها توقفت عند أنيتا (Anita)، ذات السنوات الخمس، رسمت أنيتا ثلاثة أوجه مبتسمة تواجه الناظر، وقد استعملت اثني عشر لوناً! أحمر، بني، برتقالي،... وكثير من الألوان الساطعة.
قالت المعلمة: عمل ممتاز يا أنيتا.. من هؤلاء؟
فردت الطفلة: هذه أنا، وهذا أخي فلان، وهذه أمي.
قالت المعلمة: هذا رائع جداً، عمل مميز.
ثم انتقلت المعلمة لماثيو (Matthew) ذي الخمس سنوات، وهو نفس الطفل الذي مر علينا عندما بحثنا أثر الفروق العضلية في المقالة السابقة. كان ماثيو قد غطى سطح الورقة بخطوط سوداء داكنة (خربشة)، فسألته المعلمة: ما هذا؟
أجاب ماثيو بكل فخر: إنه صاروخ كاد أن يدمر الأرض، انظري هذا هو الصاروخ، وهذه هي الأرض.
المعلمة رأت أن ماثيو استعمل اللون الأسود فقط لكل من الأرض والصاروخ، لا أثر في لوحته لأي شخص، ولا أي لون، ولا أي حياة!
قالت المعلمة بتصنع محاولة إخفاءه: هذا حسن يا ماثيو، لماذا لم تضف ألواناً أخرى؟ هل هناك أشخاص في الصاروخ؟
نعم لقد حاولت المعلمة إخفاء انطباعها السيء، غير أن هناك شيء يتقنه الطفل في هذه السن بنتاً كان أو ولداً، ألا وهو اكتشاف ما يعجب الكبار، لذا فإن ماثيو فهم رغم محاولات المعلمة أن لوحته لم تعجبها كما أعجبتها لوحة أنيتا. فكانت النتيجة أن استنتج الطفلان أن رسم أنيتا صحيح، ورسم ماثيو خطأ.
حاول ماثيو أن يقلد أنيتا، لكنه عجز عجزاً تاماً.
فاستقر عنده أنه فاشل في الرسم، وأن الرسم للبنات.

 

وكما أنه اعتبر نفسه فاشلاً في الكتابة نظراً للتفاوت في القدرات العضلية المتعلقة بالتحكم الدقيق، اعتبر نفسه فاشلاً في الرسم أيضاً، وفوق ذلك المعلمة تريد منه أن يبقى في مكانه هادئاً، وينصت لما تقول، بينما لا يطيق هو إلاّ أن يجري ويقفز ويصيح.

وقد عقب ساكس على هذه القصة بكلمة حاصلها أن ماثيو لم تكن به آفاة، لكن الآفة هي فصول القرن الواحد والعشرين المختلطة، أو المحايدة كما سماها.
وتطبيق آخر ينبني على الفروق المذكورة ينبغي اعتباره، وهو ما أشارت إليه الدراسات التي أجريت على الأطفال الصغار من أن أداء البنات أفضل في المهارات التي تتطلب التمييز بين الأشياء، (الإجابة عن ما هو؟)، بينما أداء الأولاد أفضل في التعرف على مواضع الأشياء، (الإجابة عن أين هو؟). كما لوحظت نفس الفروق بين ذكور وإناث القرود الصغيرة .

 

فالأشياء المتحركة ذات الألوان المحدودة كفيلة بجذب انتباه البنين، أما البنات فقد لا تجذب انتباههن هذه بنفس درجة الأشياء الثابتة ذات الألوان والتعابير المفصلة، وقد لوحظ أن أغلب البنات والنساء أفضل من البنين والرجال في تفسير كلمات الوجه. فتساءل بعض الباحثين من جامعة كمبردج (Cambridge) عما إذا كان سبب هذا التفوق أمر داخلي أم أنه جراء عوامل اجتماعية كتشجيع الآباء لبناتهم على الجلوس والتعامل مع الأخريات، بينما ينهمك الأولاد في اللعب بالمسدسات. قرر هؤلاء الباحثون دراسة رُضَّع ورضيعات في اليوم الأول لميلادهم، فخيروا الرضع بين النظر لجسم صغير متدل وبين وجه امرأة حقيقي، كانت المرأة تبتسم للطفل دون أن تقول أي شيء، ويتدلى بجانبها جسم صغير متحرك لا يصدر أي صوت. صور جميع الأطفال البالغ عددهم اثنان ومائة طفل عن طريق آلات تصوير مرئي، ثم حلل عدد من الباحثين حركة أعينهم دون أن يكون لهم إلمام بجنس صاحب المشهد، فكانت النتيجة أن الرضع يفضلون النظر إلى الجسم المتحرك أكثر من وجه المرأة بخلاف الرضيعات، وكانت نسبة ملاحظة الأولاد للجسم المتحرك ضعفي نسبة ملاحظة البنات، فتوصل الباحثون بذلك إلى أن الفروق بين الجنسين في الاهتمامات الاجتماعية جزء منها إحيائي (biology) الأصل ، فاعتبروا يا أولي الأبصار!

****

 

 

 

استخدم علماء الأعصاب في جامعة "هارڤارد"، (Harvard) تصويراً مغناطيسياً معقداً لاختبار كيفية نشوء العاطفة، فأجروا اختبارات على أولاد تتراوح أعمارهم ما بين سن السابعة والسابعة عشرة.
فوجدوا أن الأطفال الصغار، تنشأ العاطفة عندهم في المناطق أسفل القشرة الدماغية، وهي المنطقة البدائية من الدماغ.
وبينما يظل مركز العاطفة كما هو لدى الذكور عندما تتقدم بهم السن نحو المراهقة، فإنه يتحرك لدى الإناث نحو جزء آخر أكثر تطوراً [وقدرة على الاستنباط] في الدماغ؛ نحو قشرة الدماغ، قريباً من مركز التحكم في الكلام.
ولذلك تلحظ الفرق بين الولد والبنت عندما تسأل الأول عن مشاعره فتقول: لماذا أنت حزين؟ فلا يكاد يختلف جواب ابن سبع سنين عن جواب ابن خمس عشرة سنة، بينما يختلف الأمر كثيراً لدى الإناث .
وذلك لأنا عندما نسأل الولد: بم تشعر؟
فكأنما نطلب منه أن يوصل جزئين من الدماغ ليس بينهما ترابط؛ الجزء الذي يتعلق بالعواطف، والجزء المسؤول عن التعبير. بخلاف البنات اللاتي تنتقل عاطفتهن إلى جزء قريب من مركز الكلام في الدماغ، يوضح ذلك الرسم التالي المبين محل العاطفة لدى كل جنس:

فإذا سئل طالب في سن الثالثة عشرة أن يعبر عن مشاعره حيال أي موقف، فسوف يقول: لا أعرف .. وفي داخله يقول: وما دخل الأستاذ بمشاعري !
وهذه النتيجة جاءت متسقة مع تقرير أخير صدر في ألمانيا يبين انتقال العاطفة لدى النساء إلى قشرة الدماغ، بينما تظل في موطنها البدائي للرجل .

 

ولعل من آثار ذلك ما وجدته الدراسات من ميل البنات إلى قراءة القصص القصيرة والروايات، بينما يفضل البنون، قراءة الأحداث الحقيقية، مثل المعارك، والأخبار التاريخية، بل ميلهم إلى بعض المواد المجردة كالرياضيات، وكذلك حبهم لمعرفة كيفية عمل الآلات، وكيف تؤثر الثعابين، وما هي أسباب انفجار البراكين، وغير ها من الأمور التي تحتاج إلى تصور مجرد بعيد عن العاطفة .
ومن التطبيقات التي يمكن أن يفاد منها فيحسن من أداء البنين في واجبات القراءة أن يطلب منهم رسم خريطة المكان الذي وقعت فيه أحداث القصة مثلاً، فيدفعهم ذلك إلى التركيز في تفاصيل القصة وتصورها، أما البنات فمجرد التفاصيل في القصة تشدهن، ويمكن سؤالهن مباشرة عن شعورهن أو كيفية تصرفهن فيما إذا كن في موقف شخصية من شخصيات القصة .

 

وهذا العرض يبين لك وجود فروق في طرق التعليم مبرمجة إحيائياً، تعكس فروقاً عصبية وجسدية بين الجنسين، ينبغي اعتبارها عند إرادة الحصول على نتائج أفضل أثناء العملية التعليمية. وذلك في جوانب شتى أهمها؛ تدرج السلم التعليمي للمواد فينبغي أن يوضع لكل جنس منهج يناسب استعداده وقدراته، وكذلك مما ينبغي مراعاة أسلوب الخطاب لكل جنس على حده بحيث يكون أقرب إلى إفهامه، وكل ذلك يقف الاختلاط في التعليم منذ صفوفه الأولى عائقاً دون الوصول إليه.
وقد قام معهد مايكل قرين، (Michael Gurian) بواشنطن، بتدريس الفروق بين عقول البنين والبنات، ومن ثم تدريب المعلمين على كيفية التعامل مع هؤلاء وهؤلاء، مع تطوير قاعات دراسة تكفل مراعاة الفروق بين الجنسين، ثم بدأ المعهد في تطبيق ما أعده على أرض الواقع وتحديداً في مدرسة توماس إديسون، (Thomas Edison) الابتدائية، فوجد تحسناً ملحوظاً، إلاّ أن بعض الإشكالات لا تزال قائمة، وهنا تعلق جنفر بنقهام، (Jennifer Bingham) بأنه يوجد حل جذري تقليدي لهذه الفجوة في التعلم بين البنين والبنات ألا وهو فصلهم . وقد ناقشت فرضيات بعض النقاد الزاعمة بأن التدريس المختلط، يكفل تفاعلاً جيداً يؤدي إلى استفادة أحد الجنسين من الآخر، فالبنات مثلاً يستفدن من البنين في الرياضيات، والبنون يستفيدون من البنات في تطوير كتابة راقية، وبينت أن هذه الفرضيات غير واقعية لا تؤيدها الإحصاءات والدراسات.
ولعل من أسباب ذلك طبيعة العملية التعليمية المبنية على التفاعل بين الطالب

 

والأستاذ، والأصل أن الطالب مُتَلَقٍ والأستاذ مُلْقٍ، فالمعلم هو الأستاذ، والمتعلم هو الطالب، وهذا التفاعل بين الطالب والأستاذ تحفزه عوامل مختلفة منها ما يناسب البنين، ومنها ما يناسب البنات. أما وجود طلاب متفوقين أو متميزين في بعض المواد فلا كبير أثر له على غيرهم من الطلاب سواء في قاعات مختلطة أو غير مختلطة، ولو فُرض وجود أثر ضئيل فالأقرب أن يكون أثراً سلبياً على أحد الطرفين، لأن التفاوت بين الطلاب قد يؤثر على الأستاذ فيعتبر أحد الطرفين ويخاطب الجميع بما يناسب بعضهم.
وهذا ما أثبتته الإحصاءات والدراسات وقد أشير إلى شيء منها وأذكر ههنا جملة أختم بها المقالة:

 

في عام (2000م) قام بنيامين رايت، (Benjamin Wright)، مدير مدرسة ثرقود مارشال الابتدائية، (Thurgood Marshall) في مقاطعة سياتل بواشنطن، قام بتحويل قاعات مدرسته من قاعات مختلطة، إلى قاعات غير مختلطة، فقد كان قلقاً بشأن العدد العالي لحالات عدم الانضباط السلوكي، كان يرى كل يوم حوالي (30) طفلاً يرسلون إلى المكتب المسئول بسبب مشاكل الانضباط، فقرر أن يبحث عن علاج في الفصول غير المختلطة، وما هو إلاّ قليل حتى تجاوزت النتائج آماله.
فلم يكن التحسن السلوكي هو الفائدة الوحيدة التي جناها، قال: "لقد فعلناها فقط من أجل التأكيد على الانضباط الذي استحوذ على اهتمامنا، ولكن ما أن قمنا بهذا التحول، حتى أصبح البنون قادرين على التركيز في المواد الدراسية، وكذلك البنات".
ثم بين ارتفاع نسبهم المذهلة..

 

ومضت الأيام وتقرر تعين الأستاذ رايت مديراً عاماً لمدارس النصر (Victory)، في فيلادليفيا (Philadelphia)، فكرر نفس التجربة لتجيء النتائج في أربع مدارس مشابهة للنتائج الباهرة لمدرسة ثرقود مرشال السابقة .
وفي الطرف الآخر من واشنطن واشنطن دي سي (Washington DC)، وفي أفقر قسم منها في مقاطعة كولومبيا، وتحديداً في مدرسة ماتن(Moten) الابتدائية. قام مسئولها جورج سمثرمان (George Smitherman) بخطوة جريئة إذ قرر فصل قاعات الدروس، فالبنات يدرسن في قاعات خالية من غيرهن، والبنون كذلك، بل قام بالفصل بينهم حتى أثناء ساعة تناول الطعام.. لم يستشر جورج أحداً، ولم يخبر المدير العام للمدارس، بل مضى في عمله بهدوء تام.
فجاءت النتائج في يونيو من عام (2002م) لتذهل الجميع، فقد قفزت نتائج اختبارات الرياضيات في عام واحد من متوسط (49%) إلى (88%)، أما في القسم الأدبي فقد ارتفعت النسبة من (50%) إلى أكثر من (91%)، أما على نطاق الانضباط السلوكي فقد نقصت المشاكل المتعلقة بالأدب بنسبة (99%) كما قال اسمثرمان للـ "سي إن إن".

 

كان من المتوقع أن يسر الكبراء في مدارس مقاطعة كولومبيا ولكن الغريب أن سمثرمان وُبِّخَ! ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وجهت إدارة مدارس مقاطعة كولومبيا المدرسين الذين طُرِدُوا من مدارس أخرى بسبب سوئهم إلى مدرسة ماتن، فلم يسع سمثرمان إزاء هذا التخريب –على حد قوله- إلاّ أن يستقيل، ومباشرة أعادت الإدارة البرنامج المختلط إلى المدرسة فلم يكن مستغرباً أن تتردى النتائج وترتد كما كانت في حقبة الاختلاط .
فهلا استفدنا من تجارب مَنْ سبقونا؟!

---------------------------------------------

[1] كررت (العلمية) هنا وفي العنوان وقصدي بها العلمية التجريبية وهو المعنى الشائع بين كثير من المثقفين.
[2]ليونارد ساكس ( (Leonard Sax, M.D., Ph.D.رجل جمع مؤهلات شتى تتعلق بما نحن فيه فهو طبيب أسرة، وعالم إحيائي، بالإضافة إلى كونه خبيراً في علم النفس. وهو رئيس ومنشئ منظمة(NASSPE) أو الجمعية الوطنية للتعليم الأهلي غير المختلط بأمريكا:
National Association for Single-Sex Public Education.
[3] Sax: Why Gender Matters?, p.4-5.
[4] Sax: Ibid, p.5.
[5] Leonard Sax and Kathleen Kautz: Who First Suggests the Diagnosis of Attention-Deficit Hyperactivity Disorder? A Survey of Primary-Care Pediatricians, Family Physicians, and Child Psychiatrists, Annals of Family Medicine, 1:171-174, 2003.
[6] John F. Corso: Age and Sex Differences in Thresholds, Journal of the Acoustical Society of America,31:489-507,1959.
John F. Corso: Aging and Auditory Thresholds in Men and Women, Archives of Environmental Health, 6: 350-356, 1963.
[7] Jane Cassidy and Karen Ditty, Gender Differences among Newborns on a Transient Otoacoustic Emissions Test for Hearing, Journal of Music Therapy, 37: 28-35, 2001.
[8] Sax: The Promise and Peril of Single-Sex Public Education, online at:
http://www.singlesexschools.org/edweek.html
[9] Sax: What Are Some Differences in How Girls and Boys Learn, online at:
http://www.singlesexschools.org/differences.html
[10] Sax: Ibid.