الأسيرة المحررة فاطمة الزق.لا خلافات فصائلية بين الأسرى ..الإحتلال يتفنن في سرقة أبسط فرحة من قلوبنا ..

يكاد لا يخلوا بيت فلسطيني من وجود أسير أو أكثر حتى أن عدد الأسرى في البيت الواحد يصل إلى 4 وأحيانا 7 ..ليصبح إجمالي عدد الأسرى في سجون الإحتلال 11 ألف أسيرا أو يزيد ،ما دفع حركات المقاومة إلى التعامل بالمثل والسعي لأسر جنود صهاينة لمبادلتهم بأكبر عدد ممكن من الأسرى ، وبالفعل نجحت المقاومة الفلسطينية في أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط في شهر يونيو من عام 2006 ، لكن هل نتجح المقاومة في إتمام صفقة تبادل مرضية ؟..جاءت أولى قطرات الغيث بالصفقة الصغرى التي أفرج بموجبها عن 19 أسيرة مقابل شريط فيديو مدته دقيقتين يثبت أن شاليط مازال على قيد الحياة ..والآن وفي ضوء المساعي الفلسطينية المستمرة لتحرير الأسرى أعلنت الحكومة الفلسطينية برئاسة رئيس الوزراء إسماعيل هنية عن 2010 عاما للأسرى ، كما يوافق 17 إبريل من كل عام يوم الأسير الفلسطيني بهذه المناسبة كان لموقع المسلم هذا الحوار مع الأسيرة الفلسطينية المحررة ضمن " الصفقة الصغرى " والدة أصغر أسير في العالم فاطمة الزق "أم محمود" فإلى نص الحوار :

 

السيدة فاطمة ( أم محمود ) تردد في وسائل الإعلام أن اعتقالك جاء على خلفية نيتك القيام بعملية استشهادية اكتشفتِ أثناء التحقيق أنها "عملية وهمية" وأن قيادة حركتك ( حركة الجهاد الإسلامي) مخترقة ،وقد وعدتك القيادة بالتحقيق في الأمر ،فما تعليقك؟
بداية أحب أن أوضح أنني وهبت نفسى لله وأن العمل كان خالصا لوجه الله ولكن الكيان الصهيوني له عيون فى كل مكان فهذا قضاء الله وقدره ، لعل ربي لم يشتاق للقائي بعد كما اشتقت للقائه ، أو لعله سبحانه وتعالى يريد أن يستعملني هنا بين أولادي
أما عن العملية فقد كنت متوجهة فى سبيل الله ولم تكن عملية وهمية وهذه هي الحقيقة وأحب عبر منبركم أن أكذب كل ما تدعيه وسائل الإعلام ، فحركة الجهاد شريفة وليست مخترقة ولم تقم بتسليمي ، ولكن الكيان الصهيوني لديه عيون في كل مكان للأسف ، وليس عندى دليل قاطع بشأن من قام بتسليمي ، وبالفعل الحركة حققت وتحقق وليس فقط تعد بالتحقيق وليس فقط في قضيتي بل في اي موضوع تحدث فيه أخطاء فالقيادة لا تتغاضى عن أي أمر يحدث فيه تقصير .

 

وهل تم التوصل إلى الأشخاص أو الأسباب التى أدت إلى اختراق العملية؟
مازالت التحقيقات مستمرة ولا أستطيع التكهن بنهايتها .

كيف أثرت هذه التجربة على ثقتك فين حولك ، خصوصا وأنت في معتقل بعيدة عن أهلك وتحتاجين لمن يهون عليك ، كذلك في ظل ما نسمعه عن وجود ( العصافير ) داخل السجن ؟
بالتأكيد كنت أتعامل بحذر شديد ، فمدرسة الحياة علمتنى الكثير ، وكما قال صلى الله عليه وسلم " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " ، فقد توخيت الحيطة ولم أفش أية أسرار إلا مع القليلات ممن وثقت فيهن جيدا .

 

على المستوى الشخصي ...أنت أم ل 8 أبناء وأيضا حامل ، كيف استطعتي أن تتركيهم وأنت على يقين أنك لن ترينهم مرة ثانية ، وهل كانوا على علم ، وهل قمتي بودعاهم أو تركتي لهم وصية ؟ وكيف قمتي بترتيب حياتهم من بعدك ؟
بالتأكيد لم أكن أعلم أني حامل فقد كان يوسف في شهره الأول ، وقد علمت ذلك عندما تم إجراء الكشف الطبي علي من قبل إدارة السجن أما قبلها فلم أكن أعلم ولو كنت أعلم ما كنت لأذهب وهو في بطني ، أما أبنائي فقد تركتهم وديعة عند الله فهو أرحم بهم مني ولن يضيعهم أبدا !! لم أفكر إلا في حبي لله وأن الله سيحفظهم ويربيهم خيرا مني ، لم يكن هناك ترتيب لأي شىء فما كان يحدث في غزة كان لا يحتمل ، كل يوم قصف وشهداء ودمار ، فيجد الإنسان نفسه مجبر على التحرك ليس له بد من ذلك ، لم أكن أستطيع أن أرى أهلي يعانون ذلك كل يوم فى هذه الظروف ، فالدمار كان محيط بنا من كل جانب ، ولم يكن الموت بعيدا عني أو عن أبنائي ، فاخترت أن أموت أنا ليحيى أبنائي حياة أفضل ، كما أنني لم أقم بوداعهم أو كتابة وصية حتى لا يعلم أحد عن إعدادى لهذه العملية الاستشهادية التى أخفيتها عن الجميع .

 

لكن ألا ترين أنه من الأفضل ترك هذا الأسلوب في المقاومة للرجال أو لمن هن غير مرتبطات بمسؤولية وأمانة في أعناقهن ؟
أرى أن العمل الجهادي فى سبيل الله لا يقتصر على سن أو عمر أو نوع ولاعلى شاب أو امراة فنحن على أرض فلسطين الطاهرة نتعرض يومياً للقتل وللقذف وللتشريد والدمار والإعتقال ، فالجهاد فرض لا ينتفي عن أحد فقد شرفنا الله بذلك وهو ليس عيبا ، وليس عيباً أن أدافع عن أرضي ودينى هذا أمر لا يضر أحد سواء كان لي أولاد أم لا وأحمد الله على تشريفى بالدفاع عن فلسطين الحبيبة ونحن لا نسعى للشهرة ويعلم الله أن أعمالنا خالصة لوجه الله.

عودة إلى صفقة التبادل ...هل كنتم كأسيرات على علم بالصفقة قبل إتمامها ؟ بمعنى هل شاركتم في اختيار الأسماء ؟
لم نسمع بالصفقة إلا من وسائل الإعلام ، أما الأسماء فقد تفاجأنا بها جميعا فقد توالت الأحداث بشكل سريع ، وحسب علمي أن من يقومون باختيار الأسماء هم إدارة السجن وليس لأي جهه يد في هذا الاختيار .

 

ما هو شعورك عندما علمتى بخبر الإفراج عنك ؟
كانت فرحة كبيرة جداً لأن يوسف كان يشرف على العامين باقي له أقل من أربع أشهر ، وحسب القوانين سوف ينتزع من حضانتي فور تمامه عامين وكنت أنتظر حكما لا يقل عن 12 عام ، لذلك كانت فرحتي لا توصف رغم أنني كنت مطمئنة للطف الله بي وبصغيري وبأنه سبحانه لن يحرمني منه ، لكن حتى هذه الفرحة كانت منقوصة ويعلم الله كم بكيت حزنا وألما على أخواتي اللاتي سأتركهن خلفي في سجنهن ، حتى أني عندما سمعت إسمى بين ممن سيطلق سراحهن استحييت من أخواتى ودخلت إلى زنزانتى فى الحال مطأطئة الرأس ولم استطع النظر في أعينهن .

 

لماذا استحييتي منهن ؟ هل تثير مثل هذه الصفقات مشاعر من لم تشملهن ؟
نعم ، يحدث شىء من الحزن ويتبادر إلى نفس الأسيرة تساؤلات أنها هي الأخرى أم لأولاد فى حاجة إليها ، فلماذا فضلن هؤلاء الأسيرات ولم يختارونى وأشياء من هذا القبيل، وخاصة أن الأسماء التى تم اختيارها من أصحاب المحكوميات القصيرة .

 

وأنت ؛ لو طلب منك أن تؤثري إحدى أخواتك على نفسك وتهبيها هذه الفرحة من كنت ستختارين ؟ ولماذا ؟

سأختار إيرينا سراحنا (وهي أسيرة أوكرانية فضلت أن تعيش في السجن على أن تعود إلى وطنها )و طاهرة السعدي و أحلام التميمي أو أي أخت من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية اللاتي ليس لهن أي أمل في الحرية إلا من خلال صفقة تبادل كهذه ، أما أنا فكنت سأحكم في حدود 12 سنة ففرصتي في الخروج ما زات موجودة .

 

هل كنت تتوقعين أن يدرج اسمك في قائمة الأسيرات المفرج عنهم ؟
لم أكن أتوقع شيئا بعينه لكنني كنت على يقين بقرب الإفراج عني لأنني كنت في كرب شديد خشية أن ينتزعوا يوسف مني عندما يتم عامه الثاني ، فقوانين السجن تنص على ذلك ، وحقيقة قد رايت مباشرات كثيرة تشير إلى أن الله سيفرج هذا الكرب قريبا ، ففي إحدى الليالي قبيل الإفراج بدى يوسف مبدعا للغاية ؛ فقد اعتلى الدلو الذي كنا نضع به مسحوق الغسيل بعد أن قلبه ؛ ورفع يديه إلى السماء ليلهج لسانه بالدعاء وأخذ يناجي ربه ويتضرع إليه وكأنه رجلٌ واعٍ ومدرك لما يدور حوله ، فلعله قرأ في عيون سجانيه تربصهم به لينتزعوه من حضني عندما يتم عامه الثاني ، أو لعله سمع خفق نبضات قلبي الذي كان يصرخ كلما ضممته إلى صدري "لا تنتزعوا مني فلذة كبدي" .
وعَلا صوت يوسف وهو يتمتم بكلمات مفهومة وغير مفهومة ، سعدنا به جدا في هذه الليلة وضحكنا كما لم نضحك من قبل ، وكنت أؤمَن على دعائه وهو يلح على الله ألا نخرج إلا سويا ، حينها أشرقت نفسي بنور اليقين في كرم الله عز وجل ، وشعرت بأن الفرج قريب ، فغمرتني فرحة وسعادة أنستني قيود سجاني فلم أعد أر إلا عودتي قريبا لبيتي وأولادي ، ولم تمض أسابيع قليلة حتى جاء البشير وخرج يوسف من السجن وخرجت معه .

 

لا شك أن أيام الحرب على غزة كانت أيام عصيبة بالنسبة لك ، كيف قضيت هذه الفترة ؟
كان شعور صعب جداً على صعيدى الشخصى وكنت أجلس بالساعات أمام التلفاز لمتابعة الأخبار بشكل مستمر ، كما أنني لزمت الدعاء والتسبيح والصلاة ، والدعاء لهم ، فقد كانت روحى فى غزة وجسدى فى سجن .، بالتأكيد كنت أعانى وأتمزق عندما أرى المشاهد الدمار والقتل وينفطر قلبي على أبنائي وإخواني ، وقد كنت معهم بفكري وقلبي وعقلى ، فهي بالفعل كانت أيام عصيبة تعجز الكلمات عن وصفها ، وأيضا انقطعت كافة وسائل الاتصال بينى وبين أولادى بسبب انقطاع التيارالكهربائى ، وشاهدت بعيني استشهاد سبعة من أبناء عائلتنا وقصف العديد من بيوت أحبائنا وإخواننا ولا نقول إلا الحمد لله .!!

 

ويوسف ..وجوده بين أحضانك هل هوّن عليك وحدتك داخل السجن أم كان يمثل عبئاً إضافياً كطفل له متطلباته الخاصة ؟
صدقيني إن قلت لك أن أسعد لحظة مرت علي هي لحظة ولادة يوسف ، وقد اسميته يوسف استبشارا بنبينا عليه السلام ، حتى يكتب الله لنا فرجا قريبا ، وسبحان الله فقد كان يوسف النور الذي أضاء الله به ظلمات السجن بالنسبة لي ولأخواتى ، كان الونيس بعد الله ، كان كالشمس في حياتي وروحي التي تسكن جسدي ، وكان النفس التي أتنفس به ، وكان النور الذى أرى به ، كان أكبر وأعظم وأجمل هدية من الله تعالى ،والله لقد كان نعمة من الله عز وجل، وكنت أتخطى كل الظروف السيئة فى السجن وأتجاوز الصعاب لأجل يوسف ، كما أن المتحدثة باسم الأسيرات كانت دائما تقف بجانبي وتساعدني في توصيل طلباتي بكل ما يحتاجه ليوسف لإدارة السجن .

 

هل هذا يعني أن إدارة السجن كانت تراعي وجود طفل في حضانتك ؟
ليس لهذه الدرجة ، ولكني كنت أتعامل معهم بأخلاقي الإسلامية وجعلت قدوتي في ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما كان يعامل جيرانه من اليهود وكنت معنية بتوصيل معانى الإسلام السامية لأكون داعية بأخلاقي وبالتالى فرضت احترامى على الجميع حتى على سجاني ، لكني كنت أعامل كباقي الأسيرات وقد تعرضت للتعذيب أثناء التحقيق وهو جنين فى بطنى قبل ولادته ، وحقيقة إذا قارنا معاملتهم للأسرى بشكل عام بمعامتلهم ليوسف كطفل يمكننا القول أنها كانت معاملة إنسانية !! ومع ذلك كانوا يجبرونني على تركه وحده وهو رضيع في أوقات زيارة المحامي لي ، وكان المحامي هو وسيلتي الوحيدة للاطمئنان على أهلي فكنت مضطرة لمقابلته وحجب يوسف عن الزيارة كان يمثل لي ألما كبيرا ، كما كان السجان الحاقد يمنع دخول الزي كاملاً لطفلى خاصة في أيام الأعياد حتى يسرق الفرحة من أعيننا ،فيسمح بدخول قطعة واحدة من الطقم ويرجع الباقي ، كما حرمونا من إدخال الألعاب التي اخترناها له باستثناء سيارة واحدة صغيرة .

 

وأنت ماذا كنت تقولين ليوسف عن السجانين ؟
كنت حريصة على عدم تعليمه ألفاظ سيئة فهو طفل سيكبر بإذن الله ويعرف كل شيء ، كنت أقول له أننا في السجن وأن هؤلاء هم أعداء الله ومغتصبين لأراضينا وهؤلاء هم اليهود الذين وسجنونا لأننا ندافع عن حقنا كنت أتحدث معه وكأنه إنسان كبير وكنت أشعر أنه يعي تماما ما أقوله .

 

وما هى أصعب لحظة مرت عليك في السجن؟
أصعب لحظه عندما ذهبت للزيارة ولم أجد أحدا في استقبالي ، فقد عمد الصهاينة إلى إدراج اسمي في كشف الزيارة دون أن يخبروني أو يخبروا أحدا من أهلي ، فكنت الوحيدة التى ظلت وحدها وكان موقفا في غاية الألم والإحراج ومرت لحظات أقل ما أصفها به أنها عصيبة ، فكل زميلة مشغولة بأسرتها وتتسامر مع أهلها وأنا لا أدري ماذا أفعل ، هل أنظر لهم وأبتسم ؟ هل أبكي ؟ هل أتظاهر بالإنشغال في شيء آخر ؟ لم تفلح جميع الحيل في إنقاذي من الصاعقة التي نزلت علي وأشعرتني بغصة في حلقي .

 

ذكرت في حديثك أنكم كأسيرات لم تشاركن في اختيار الأسماء ؛ هل معنى هذا غياب الحركة الأسيرة عن مسرح الأحداث السياسية في الخارج ؟
بالطبع لا ، فنحن دائما نطالب بوجود وحدة وطنية وتعاون وتكامل ونؤكد على ضرورة الإجتماع على كلمة واحدة ونكره الإنقسام ونسعى لتوحيد الشعب الفلسطينى بأكمله حتى تنعم فلسطين كلها بالحرية وينعم الأسرى أيضا بالحرية.

 

هل تتأثر علاقة الأسرى في الداخل بحالة المد والجزر في العلاقة بين الفصائل التي ينتمي لها كل منهم ؟ 
بالطبع لا ، لأننا نحافظ على الوحدة الوطنية والأخوة باستمرارلكي نكسب بعضنا البعض ولا نتطرق إلى الحديث عن هذا الإنقسام داخل السجن حتى لا نحقق الفرحة لعدونا وسجاننا ،وكنا نعض على الجراح ونتخطى الصعاب لأننا في غربة وداخل معتقل ودائما نتمنى ونطالب أن يكون هذا نهج إخواننا خارج السجون أيضا .