توحيد (الإصلاحيين)
19 جمادى الأول 1431
أحمد عبد العزيز القايدي

من النادر أن تجد في خطاب (الإصلاحيين) حديثا عن الغاية التي لأجلها بعثت الرسل (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) (التوحيد)، فلو أردت أن تحصي عدد ورود كلمة "التوحيد" "الإصلاح" "الحرية" "الديمقراطية" لكان نصيب "التوحيد" صفراً، والمفردات الأخرى تجدها بالمئات فهم موحدين في خدمة تلك القضايا والمفردات.

 

(الإصلاحيون) أنواع في تعاملهم مع التوحيد، منهم من لديه مشكلة حقيقة مع الدعوة إلى التوحيد ولا يرى لها أهمية بل يراها مشكلة تفرق الناس، ومنهم من أشغله هذا الضجيج حول تلك المفردات وأخذه بريقها فنسي لماذا وجد على وجه الأرض، ومنهم من يظن الأمر مجرد تبادل أدوار في سد حاجات الأمة هذا اليوم واختار لنفسه أحدها وهذا الأخير أكثرهم غفلة وأقلهم فتنة.

 

فهم مختلفون في المنطلق وأمور أخرى لكنهم متفقون في شيء واحد، هو تسفيه الشيوخ والدعاة، ويعدون أنفسهم أعقل وأفهم لدنيا الناس من غيرهم، ومؤخرا كتب أحدهم مقال ردا على  الشيخ الدكتور عبد الرحيم السلمي كتب فيه واصفاً الشيخ (أي عقلية كهذه العقلية) (العقلية العجيبة).

 

معالجة (الإصلاحيين) لمسألة الحريات معالجة معوجة؛ فهم لم يعالجوها كما عالجها الإسلام، وإنما نظروا في تعاطي الغرب مع مشاكل الظلم والفساد فوجدوه شيخ الحريات وإمامها، فاستنسخوا كثيراً من حلوله، وجعلوها خطابا لهم يقاتلون ويفارقون عليه، ومصطلحهم الأعظم (الديمقراطية) مصطلح مسروق لا ناقة لهم فيه ولا جمل، فهم عقول فارغة لم تستطع حل مشاكلها بنفسها فاستنسخت في عقولها أفكار قوم آخرين وصرفوا أوقاتهم في خدمة تلك الأفكار، منهم حصيف يقبض مقابل تلك الخدمة، ومنهم غافل يظنها له وفيها خلاصه فيناضل من أجلها بدون مقابل، و أكثرهم حمقا من أقنع نفسه بأنها أفكار إسلامية لابد أن يدافع عنها.

 

لم يكن لدى الرعيل الأول نزاع في أولوية التوحيد على الإصلاح السياسي والمالي والحقوق فعندهم التوحيد وتعبيد الناس لله أهم من أي أمر آخر.

 

عندما وقف الحبيب صلى الله عليه وسلم في مكة صدعا بالدعوة لم يدعو إلى ديمقراطية أو حقوق مدنية وإنما دعا إلى التوحيد، وبلال وهو يعذب في بطحاء مكة لم يكن يصيح فيهم حريتي ...حريتي وإنما أحد ... أحد، وعمار عندما كان يعذبه مشركو قريش لم يكن يطالب بحقوق الطفل أو المراهق وإنما كان يدعوهم إلى التوحيد، وأمه لم تكن تذكرهم بحقوق المرأة وجرم الاعتداء عليها وإنما كانت تدعوهم إلى التوحيد.

 

وعندما قدم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يشكل مجلس وحكومة منتخبين – غاية مبتغى الإصلاحيين- وإنما بنى المسجد لأن كل إصلاح وخير ينطلق منه، وأبو بكر لم ينشغل بانتخابات مجلس تشريعي أو بلدي وإنما انشغل بالجهاد والممتنعين عن الزكاة.

 

إن إفراغ الكثير من الوقت في الحديث عن قضايا الفساد المالي والسياسي وإعطاءها أكبر من حجمها لا فائدة منه، فالناس تعرف بفطرتها الظلم والاستبداد وحقوقها عندما تسلب منها أو لا تعطى لها فمجالس عامة الناس لا تكاد تخلو من الحديث عن هذه الأمور فهي ليست بحاجة لمن يخبرها بحقوقها، لكنها بحاجة إلى من يقودها في الوصول إلى تلك الحقوق وهذا بحاجة لرجال أصحاب نفس وروح قوية وهذا ما لا يملكه كثير من الإصلاحيين اليوم، فهم تركوا مدارسهم القديمة ضجرا من الصراع مع النفس والشهوة والناس فكيف بصراع سياسات وأنظمة.

 

حقيقة الخلاف مع القوم ليست حول الحقوق المدينة والإصلاح السياسي والمالي فلو كان (الإصلاحيون) يدافعون عنها بمنهج إسلامي قويم ولا يحتقرون وينتقصون من يعتني بأبواب الشريعة الأخرى كالتوحيد وأبواب العبادة والمعاملات وقضايا المرأة لم يكن في الأمر إشكال وخلاف بل هو مما يدعى إليه ويحتسب فيه الأجر عند الله وغير خاف على أحد بأن من كسر الباب ودفع الناس للحديث عن هذه الحقوق هم رموز الصحوة فالناس عالة عليهم في هذا الباب، ولكن الأمر يصبح مشكلة عندما يحتقر غيرها و تكون العداوة والمخاصمة قائمة على فكرة مسروقة.