24 ربيع الثاني 1432

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مشكلتي هي مع والدتي تحاول التدخل في كل شؤون حياتي بلا استثناء وحتى أموري المالية وتحب التفتيش خلفي خصوصاً أني في الخامسة والعشرين من عمري والكثير يشهدون بعقلي وبحكمتي وأخلاقي.
أنا الكبرى في أخواتي وهي لم تفعل هذا مع الصغيرات اللاتي يحتجن فعلا لهذه المراقبة وكل أشكال الدعوات والاستهزاء والسخرية وتسمي ما تفعله نصحاً، فلأجل نفسي قررت أني لا أسمع كلامها.
تزوجت قبل سنوات وكان أحد أسباب موافقتي على الزواج في سن مبكر هي مشاكلي الكثيرة معها ورغبتي في الخروج من تحت سلطتها وحكمها..
ولكن ربي لم يكتب لي النجاح في حياتي الزوجية. لا استطيع أن أسامحها على ذلك..
وما زالت المشاكل بيننا دائمة ومتعبة وتعكر راحتي..
لا أعرف كيف أتعامل معها.. وحقيقة مللت كل شيء.. لم أعد أتحمل منها أي شيء.. وأشعر أني وصلت إلى أقصى حدود صبري ولم يعد فيّ تحمل المزيد..

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

الأخت الفاضلة:
تقولين إن الله سبحانه رزقك وأكرمك بذلك العقل النابغ الذي يكبر سنك وحكمتك الفائقة كما ذكرت لذا أحدثك من قلب أم وأشعر بمدي الحزن الذي يغمر قلبك والذي من أهم أسبابه شعورك بعدم عدل والدتك في المعاملة بينك وبين أخواتك، نعم قد تكون الأم غافلة عن ذلك لكنها تحمل إليك مدى كبيرا من الحب والخوف ولكنها تعبر عنهما بطريقه غير مناسبة حدثتك نفسك أنها تبغضك.
لكنني من خلال حديثك ولهجتك في رسالتك وجدت أنك تتحدثين عن أمك بطريقة عجيبة وكأنك تتحدثين عن رئيسة لك في العمل تضايقك فلا تحملي لها إلا كل ضيق وكره.
لكن أوضح لك بداية إن حنان الأم قد وضعه الله سبحانه في قلبها آية من آياته ولولا ذلك ما كنت ترين أما تسهر الليالي عندما يكون ولدها مريض لرعايته
وأخرى تأخذ من فمها اللقمة لوضعها في فم ولدها وتحرم نفسها أشهى الطعام لتطعمه إياها
كان من الممكن أن تترك الأم طفلها الوليد الذي قد تعلم أن يدق بأقدامه على الأرض وتنام بعد عناء مجهود اليوم ولكن خوفها عليه من أن يحدث له مكروه ما يجعلها لا تستطيع أن تغفل عينيها حتى ينام الصغير.
فقد أسقتك من دمها وأرضعتك من لبنها وتحملت تسعه أشهر وأنت في بطنها ألوانا من الآلام وسعدت بنظرتها الأولى لك عندما وضعتك وظلت على رعايتك حتى أصبحت عروسا.
هكذا كانت أمك وأنت صغيره ترعاك والآن هل جزاؤها أن تغضبي منها لكونها تفتح الحقيبة الخاصة بك وتفتش فيها؟!
أيتها الكريمة إنها لها الحق أن تفتح حقيبتك الخاصة دون إذنك ولها الحق أن تأخذ من دمك دون إذنك لأنها أعطيتك دمها عندما كنت في بطنها ولها الحق أن تأخذ عضوا من أعضائك إن كانت في حاجه إليه وبدون إذنك.
ثم أن التفتيش عليك من دافع الخوف فنحن في زمن فتن فلا بد للأم أو الأب من الخوف على جميع الأولاد وألا يستهينون بالصغير ولا بالكبير.
أما بالنسبة إنها تحب إخوتك الصغار أكثر منك وتعاملهم معاملة أفضل منك فأذكرك بقول العربي الحكيم لما سئل عن أحب أولاده إليه فقال " قال: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والمسافر حتى يعود... "
فالصغير محتاج للرعاية والحنان التي قدمتهم لك وأنت صغيرة في مثل سنهم فإنك أخذت هذا القسط من ذلك الحنان فالأم لا يختلف حبها الداخلي لأولادها فالكل حب واحد.
أشعر من حديثك أيضا أن أمك تفتقد منك الحنان. الأم والأب عندما يكبران لا يحتاجون من أولادهم شيئا قدر ما يحتاجون إلى الحنان.
لقد قدمت لك الحنان في سن الطفولة والآن هي في انتظار رد الجميل, قد يكون بابتسامة صادقة، بحضن دافئ عند عودتك من العمل، بتقبيل يديها بأجمل الكلمات، هل دخلت مرة بقطعه من الشيكولاته أو الحلوى ووضعتيها في فم أمك عندما دخلت من العمل؟
لماذا لا تأخذي أنت من راتبك وتضعيه في يد أمك بكل سخاء حتى ولو كانت هي لا تحتاجه.
أشعريها بهذه الأحاسيس وصدقيني سوف تراك بشكل آخر، يقول الله _ تعالى _: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23-24].
الابنة الكريمة.. هذه آية من آيات الله العظيمة حاولي أن تستشعري معانيها، فإن كنت تريدين الجنة فإن الجنة تحت أقدام أمك.
ثم حاولي أن تخلصي لله - سبحانه وتعالى- وأكثري من علاقتك به سبحانه- مثلا بأداء الصلاة في مواعيدها وكثرة الاستغفار والتوبة وأذكار الصباح والمساء لأنني أجد في صدرك كثيرا من الضيق والهم ولا يضيع هذا الضيق والهم إلا بوصالك بالله سبحانه وعليك بدعائه يوصل الحنين بينك وبين أمك فإنني أستشعر الشيطان متمكنا من تفكيرك تجاه أمك {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} ]البقرة: 168].
وعليك أيتها الحبيبة أن تتحلي بالصبر عندما تشعرين بشيء من الضيق تجاه أمك وانتبهي أن عدم رضاها عنك قد يدعوها إلى الدعاء عليك وذلك من أشد الضرر عليك.
ثم إن عدم رضاها عنك قد يسبب لكِ عدم راحة البال وفساد الجو الأسري وأيضا عدم توفيقك في نشاطك وخاصة النشاط الاجتماعي لقسوة قلبك ونكرانك الجميل تجاهها وأيضا قد ينزل الله عليك عقابه في الدنيا قبل الآخرة وذلك لعقوق أمك وقد تكون عقوبات كثيرة لا يفطن لها الكثيرون.
فقد تكون أمراضاً أو فقراً آو إخفاقاً في تعليم ونحو ذلك وفي الأثر "كل الذنوب يؤخر الله منها ما يشاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يجعله لصاحبه في الحياة قبل الممات".
وأيضاً حرمانك من فضل الله ورحمته ففي الحديث "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى" أخرجه ابن حبان.
فإن أرضيتِ أمك فقد يرضى الله عنك برضاها هذا ومن ثم سوف تجدين الإنسان الذي تسعدين به كزوج صالح وسوف ترزقين منه بالأولاد وحينئذ ستشعرين بمعنى الأمومة وعندئذ ستندمين على ما فات.
أيتها السائلة: اعقلي هذا الكلام؛ فإن أمك هدية بين يديك فمن أدرك أبويه أحدهما أو كلاهما ولم يدخل الجنة ببرهما فقد خاب وخسر.