مدير مكتب المؤسسة التركية في غزة: تركنا وراءنا شعبا يبكي لغزة..باقون هنا ما بقي الاحتلال.. إذا هدم الأقصى فلا مانع من هدم الكعبة
18 جمادى الثانية 1431
إيمان ياسين

حاورناه قبل قليل من مجزرة الصهاينة بحق "أسطول الحرية"، كان يبدو مصمماً على إنجاز أجندته بإنقاذ أهلنا في غزة، لم يألُ جهداً في إيصال المساعدات لغزة ضمن فريق من الناشطين الأتراك، وعلى شواطيء غزة العطشى للحرية .. وبين شعبها المرابط .. وقف وحوله  الجميع يرتقبون وصول " أسطول الحرية "  بقلب خافق ...  لكن ثمة خفقة أخرى بين أضلعه هو وحده لا يشعر بها سواه ، خفقة شوق وحنين لذلك الوطن الذي تتلألأ صورته على صفحة الجانب المقابل من البحر !!
 وتتلاطم الأمواج لترسم أمام عينيه صورة تبتسم لسفن الحرية ....وإلى جوارها صورة أخرى تنبض شوقا ل "تركيا" ... تلك البلاد التي ولد فيها وترعرع بين ربوعها ...فحملت ذكرياته مع الأهل والأصدقاء .
لم يمنعه ضعف لغته العربية من الموافقة على إجراء الحوار ، كما لم يمنعه حنينه لوطنه من الهجرة إلى أرض الأحرار !!
إنه السيد محمد كايا  مدير مكتب المؤسسة التركية للمساعدة الإنسانية في غزة ،والذي جاء وأسرته المكونة من 4 أبناء ليحقق حلمه بالعيش في بلاد الشام !!
وقد كان له معه هذا الحوار حول توقعاته لأسطول الحرية ، وإقامته في غزة ، والأعمال التي تقوم بها مؤسسة (IHH) التركية التي يرأس فرعها في غزة ..، ولم تكن الأحداث قد أخذت هذا المنحى الذي وصلت إليه، لكنه عبر الحوار قادنا إلى تصور الموقف بشكل أوضح، فإلى نص الحوار:

بداية ..وأنتم تنتظرون أسطول الحرية ما هي توقعاتكم لردة الفعل الصهيونية ؟
من المعروف أن العدو الصهيوني غير مأمون الجانب لذلك فجميع الخيارات مفتوحة ولا أحد يستطيع أن يتوقع تحديدا ما الذي سيحدث ،فمن المحتمل و بشكل كبير أن تقوم "إسرائيل" بمحاولات مختلفة لعرقلة سير هذا الأسطول و منعه من الوصول ، إلا أن هذا لن يغير من الأمر شيئا فقد خرج جميع المشاركين في القافلة وهم مستعدون لذلك ، فهم عازمون على الوصول لغزة مهما كلفهم الأمر ، وتم الاتفاق بينهم على المقاومة والصمود أمام أي عمل تقوم به سلطات الاحتلال ، ومواصلة الزحف نحو شواطئ غزة حتى إذا منعت السفن بالقوة فسوف يتم تشكيل جزيرة من السفن ترابط في عرض البحر ولا ترسو إلا على شواطئ غزة.ولذلك أنا أدعو الاحتلال "الإسرائيلي" إلى تجنب المزيد من الكراهية من قبل شعوب العالم، والتصرف بعقلانية والسماح لهذه السفن بالوصول بسلام.

 

لكن شواطئ غزة غير مؤهلة لاستقبال سفن كبيرة بهذا الحجم فكيف ستتغلبون على هذه المشكلة ؟
أسطول الحرية يتكون من تسع سفن ؛ أربع منها متوسطة الحجم وسفينة كبيرة لنقل الركاب، وأربع سفن كبيرة أيضا لنقل المواد والمساعدات ، وقد قامت السلطات الفلسطينية في غزة بجهود كبيرة لتنظيم استقبال هذه السفن ، حيث أنها كما أشرت تحتاج إلى ميناء تجاري مجهز لاستقبالها وهذا غير متوفر في غزة ، لذلك فالاستعدادات الآن تجري على قدم وساق ، وقد تم الاتفاق على دخول السفن الأربع المتوسطة إلى حوض ميناء الصيادين، في حين ستبقى السفن الكبيرة  خارج الميناء حيث سيتم إنزال الركاب والمساعدات عبر عوامات ولنشات ستخصص لهذا الغرض .

 

وهل تحمل هذه السفن من المساعدات ما يستحق كل هذه التضحيات والاستعدادات ؟ بمعنى ...ما ذكرته وسائل الإعلام عن تزود هذا الأسطول بأسمنت ومواد بناء ومعدات طبية وغيره هل هذه الكميات قادرة بالفعل على إعادة إعمار غزة ؟
دعيني أوضح أن قيمة الأسطول لا تكمن فقط فيما يقدمه من مساعدات عينية ، فالجميع يلمس ما حققته القوافل التضامنية السابقة ، فإلى جانب ما قدمته من مساعدات مادية عينية ونقدية ؛ فإنها استطاعت أن تلفت أنظار العالم إلى ما يحدث في فلسطين وأبقت القضية على أولويات الأجندة الإخبارية والسياسية الدولية وشجعت أحرار العالم على التحرك لكسر حصار غزة.

 

أما عن حجم المساعدات المادية التي يحملها الأسطول ففي رأيي أنها قادرة على سد احتياجات قطاع غزة بنسبة لا تتجاوز 10% وهي نسبة ضئيلة بالطبع ، ولا يمكن أبدا سد حاجات القطاع إلا بكسر فعلي للحصار وهذا هو الهدف الرئيسي من إرسال القوافل ، فهذه القافلة تحديدا تمثل قرارا دوليا بكسر الحصار نتيجة لمشاركة أكثر من 50 دولة بمساعدات عينية وبشخصيات اعتبارية أيضا ، كما أننا الآن لدينا خطة لتسيير قوافل كسر الحصار البحرية بشكل شهري منتظم، فهذه المرة قمنا بشراء السفن ولم نستأجرها وسنهديها لغزة حتى يتمكن كل أحرار العالم من إيصال مساعداتهم إليها بشكل منتظم .

 

هذا يدفعنا للسؤال عن دور الشعوب ؛ برأيكم هل يتوقف دور الشعوب عند العمل الإغاثي ..أم أن بإمكانهم الضغط على حكوماتهم لاتخاذ قرار سياسي بإنهاء حصار غزة ؟
بالتأكيد على الشعوب أن تتحرك وتضغط على حكوماتها من أجل التغيير في سياساتها و من أجل دفعها إلى اتخاذ القرارات المناسبة التي من شأنها أن ترفع هذا الحصار الظالم واللاإنساني عن شعب غزة الشقيق وخير مثال على ذلك ما يحدث في تركيا الآن.

وأنت تقف الآن على شواطئ غزة بانتظار وصول الأسطول ..ألا ترى أن ترك حياة آمنة في أوروبا ـ التي يسعى إليها الجميع ـ  من أجل الحياة تحت قصف مرتقب في أي لحظه بحاجة إلى تفسير؟
نعم أرى أنه بحاجة إلى تفسير !! وهو ببساطة أن أي مكان حول العالم الذي تصفونه بالأمن يعد أكثر خطرا من غزة !! فجرائم السرقة هنا والقتل والاعتداء وحوادث الطريق وغيرها أقل من أي مكان آخر حول العالم ، أما إذا كنتم تتحدثون عن الهرب من الموت  فإذا قبلنا مسلَّمة أن الحياة و الموت هي حق على كل منا وأيقنا إن هذا القدر سيعاجلنا في أي مكان وأي زمان ، فبالتالي من الأفضل أن يكون شهادة في سبيل الله هنا في غزة !!

 

كيف اتخذت هذا القرار ؟
لقد حلمت منذ زمن بالحياة في بلاد الشام عملا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليكم بالشام " وأحاديث أخرى كثيرة تحث المسلمين على اتخاذ  بيت المقدس وأكنافه سكننا ، وتشير إلى البركة التي فيه ، فلا تستقر به الفتن ولا يدخله الدجال كما أن عمود الإسلام كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشام ، وهي أرض الرباط والعزة والدفاع عن دين الله وكرامة المسلمين فلماذا لا أتخذها محلا للإقامة ، وقد تهيأت لي الفرصة لتحقيق هذا الحلم بعد الحرب على غزة كان ذلك بفضل الله أولا ثم بسبب عملي في الإغاثة فاستخرت الله ثم توكلت عليه واتخذت القرار.

 

ولكن كيف أقنعت أسرتك لتقبل مثل هذا الوضع ؟
 أسرتي مكونة من 4 أبناء أكبرهم ابني متين 19 عاما ، ثم ابنتي صدا نور 16 سنة يليها ولدي شامل 9 سنوات والصغيرة زهرة 5 سنوات ، بالإضافة إلى زوجتي التي تعاونت معي كثيرا على تربية الأبناء تربية إسلامية وبالتالي نحن جميعا كانت لدينا رغبة العيش في غزة  وبقوة؛ لذلك لم يكن هناك أية حاجة إلى إقناع ، وبالمناسبة هم جميعا يشاركون في الأعمال التي تقوم بها المؤسسة ، فزوجتي تساهم في الأعمال النسائية والاجتماعية خاصة المشاريع الخاصة بالأيتام .

 

كما أنني أحب أن أوضح أن هذه ليست قناعتي وحدي ، فكل مواطن تركي يعلم جيدا أن فلسطين هي  قلب و نبض العالم الإسلامي ، وإذا انتهت قضية فلسطين فإن المسلمين جميعا قد انتهوا.

 

وقد تركنا وراءنا العديد من الأسر التركية التي تبكي شوقا للقدوم إلى غزة !! ولكن للأسف لصعوبة بل استحالة الدخول إلى غزة لم يستطيعوا القدوم ، ربما أننا كنا أسعد منهم حظا بسبب عملي في الإغاثة والذي أتاح لي هذه الفرصة .

أنتم هنا منذ عام ونصف ، في هذه الفترة ألم تواجهوا صعوبات تدفعكم للعدول عن هذا القرار ، ألا تفكرون بالعودة ؟!!
الصعوبات التي تواجهنا لا تتعدى ما يعانيه إخواننا الفلسطينيون من إغلاق المعابر وعدم وجود أي حرية للحركة والتنقل .

 

صحيح أننا عانينا في الأيام الأولى من أصوات القنابل الكثيفة والثقيلة والتي حرمتنا من النوم لليالٍ كاملة ، إلا أن ما وجدناه هنا من الخير والبركة يدفعنا إلى الاستقرار في هذه الأرض المباركة ، أيضا فإننا وبعد مجيئنا إلى هنا زاد يقيننا بأهمية وجودنا في فلسطين ، لذلك نحن والحمد لله لم نفكر بالعودة أبدا، فنحن باقون ما بقي الاحتلال والحصار ، ولن نتخلى أبدا عن إخواننا ونحن سعداء بذلك .

 

لكن هذه إقامة قد تطول فكيف خططتم لمستقبل الأبناء من صحة وتعليم ثم زواج وعمل في المستقبل ؟
أصدقك القول ؛ قبل أن آتي إلى غزة كنت أفكر في هذا الأمر لكن بعد أن توكلت على الله وجئنا بالفعل ؛ أذهلني ما رأيت من اهتمام الفلسطينيين بالتعليم فهم يحبون العلم ويعطونه أولوية كبيرة فنسبة الأمية هنا لا تتجاوز 6% بينما تصل إلى 18% على مستوى العالم ، فأولادي يتابعون تعليمهم بشكل ممتاز ولديهم خطط للمكوث هنا بشكل دائم كما أنني أتيح لمن يريد منهم  حرية العودة إلى تركيا فهم يقررون مستقبلهم بأنفسهم ولا إكراه في هذا الأمر ، إلا أنه حتى الآن لم يحدث أن فكر أحدهم في ذلك وأتمنى ألا يحدث.

 

عودة إلى عملكم الإغاثي ...ما هي مؤسسة (IHH ) ؟
IHH هي مؤسسة خيرية تم إنشاؤها في عام 1992 أثناء حرب البوسنة، وهي مؤسسة مستقلة لا تتبع لأي توجّه ولا تنتمي لحزب سياسي معيّن،  لها أنشطة في جميع المناطق المنكوبة وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص ، تتنوع الخدمات التي تقدمها المؤسسة بين طبي وإغاثي وتعليمي ، فعلى سبيل المثال أقمنا مركز ثقافي في البوسنة ، وقدمنا مساعدات للاجئين في مخيمات لبنان وسوريا وكذلك للاجئين العراقيين على الحدود السورية ، ولدينا مشروع كفالة أيتام في بنجلاديش ودار أيتام في الفلبين ، كما نقدم الدعم للأطفال الذين يعانون من مرض التوحد ، وافتتحنا مسجد في بوركينافاسو ومدرسة في أثيوبيا وقمنا بتوزيع آلاف المصاحف في دارفور ، لدينا أيضا مشاريع توزيع الأضاحي في العراق وكردستان ، وموائد إفطار في تنزانيا وكوبا والقرم وكمبوديا وغانا ، أيضا قمنا بحفر 17 بئر في الصومال والكاميرون ، ونجري عمليات جراحية لإعادة الإبصار لمرضى الساد ، كذلك لدينا بعض الأنشطة الإعلامية مثل إنشاء إذاعات دينية وإذاعات قرآن كريم في وسط وجنوب أفريقيا ،،،وهكذا تتنوع أنشطتنا وتتوزع في مختلف الأقطار.

 

وما هو دور المؤسسة في غزة ؟
دعيني أوضح أن أنشطة المؤسسة لنصرة غزة تنقسم إلى أنشطة داخل غزة وأخرى خارجها ، فنحن نقيم خارج غزة حملات للتبرع ومعارض صور وندوات تعريفية مما يزيد من الدعم الشعبي والإنساني لإخواننا في غزة.

 

أما عن دور المؤسسة داخل غزة فقد بدأنا منذ عام 2004 بإرسال الوفود والتعاون من خلال بعض مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية ، لكن بعد الحرب  قررنا أن يكون لنا فرع مستقل تم افتتاحه بشكل فعلي في فبراير 2009 ، فبعد الحرب كان الوضع على جميع المستويات يحتاج إلى تكاتف جهود الإغاثة في جميع المجالات، فكان التوجّه هو تقديم إغاثة للقطاعات المنكوبة والمحتاجة بشكل عاجل كأولوية، ولكن بعد مرور فترة الطوارئ أو الاحتياج العاجل؛ فكرنا في إقامة مشاريع تنموية تساعد هذا الشعب العظيم على صمود والبقاء ، وهي بالمناسبة مشاريع طويلة المدى، وينظر من خلالها إلى المستقبل. بمعنى أننا نهدف من خلال المشاريع إلى تمكين الشعب الفلسطيني من البقاء والصمود عن طريق اكتساب مهارات تعينه على ظروف الحصار . لذلك اهتممنا أول ما اهتممنا بمراكز التدريب المهني وخاصة التدريب المهني النسائي، نظرا لأن إيجاد فرصة عمل للرجال في ظل إغلاق المعابر وانحسار الإمكانيات هو صعب جداً، كذلك بسبب تزايد أعداد الشهداء والمعاقين من الرجال مما جعل المرأة الفلسطينية بحاجة إلى مصدر رزق ، ففكرنا بمساعدة العائلة عن طريق اكتساب المرأة في هذه الأسرة لمهارات تمكنها من إيجاد بدائل لإعالة أسرتها ، لذلك، كان هناك قرار بإنشاء عدة مراكز، والآن لدينا خمسة مراكز تدريب مهني نسائي، تمنح دورات خياطة وتطريز وكمبيوتر.

 

وكذلك تم التوافق مع مؤسسة تعليمية محلية على تحويل مدرسة تابعة لهذه المؤسسة التعليمية إلى اسم "المدرسة الفلسطينية التركية"، على أن تكون مدرسة ابتدائية، تفتح أبوابها إن شاء الله أمام طلاب المرحلة الابتدائية بدءا من العام الدراسي القادم. سيكون موقعها في منطقة المحطة بحي التفاح (بمدينة غزة)، وهي مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم ولكن سيتم تطويرها بحيث توفر  للطلاب أحدث الوسائل والتقنيات التي تستخدم في الخارج ، وستتكفل هذه المدرسة بتعليم عدد من الطلبة الأيتام وأبناء الشهداء.

أيضا في مجال الصحة هناك اتفاق على إنشاء مشفى وتجهيزه بشكل كامل في منطقة التفاح، وفي بيت حانون وفي الشجاعية حيث يوجد مشفى فارغ من أي تجهيزات تم الاتفاق على تجهيزه من الداخل بالكامل .
هذا بالإضافة إلى مشاريع الأضاحي وكفالة الأيتام وتقديم المساعدات المادية للمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة .

ما هي أهم الصعوبات التي تواجهكم في عملكم وكيف تتغلبون عليها ؟
بالتأكيد لدينا صعوبات في التمويل رغم كثرة المصادر إلا أن هذه الأعمال تحتاج إلى الدعم دائما ، كذلك نحن نعاني من عدم توفر المواد اللازمة لتنفيذ المشاريع الخيرية والتنموية التي نخطط لإقامتها وذلك بسبب الحصار ومنع الاحتلال لدخول هذه المعدات والخامات.

 

 بعد عام ونصف هي مدة إقامتكم في القطاع، كيف تصف غزة  ؟
غزة هي أكبر وأأمن سجن بشري في الهواء الطلق وجد في التاريخ  !! ، تعلمت فيها الكثير والتقيت بالعديد من الشخصيات التي تأثرت بها كثيرا ، وأكثر من تأثرت به خلال فترة إقامتي وعملي رئيس الوزراء السيد إسماعيل هنية . 

 

ختاما ....هل من رسالة توجهونها للشعب التركي من وطنكم الثاني غزة ؟
ما نريد أن نوجهه من وطننا الرئيسي ليس فقط إلى الشعب التركي و لكن أيضا إلى جميع الشعوب المسلمة حول العالم بأن عليهم  بالوقوف متحدين وأن يقوموا بدعم إخوانهم من الشعب الفلسطيني لأنه إذا هدم الأقصى فإنه ليس هناك ما يمنع من هدم الكعبة أيضا ،،فهذه هي نهاية المسلمين.