الفوائد التربوية من المستجدات العصرية
19 جمادى الثانية 1431
عقيل الشمري

تتابعت سلسلة من غرائب الأفعال والسلوك الخاطئ من بعض أهل الخير والعلم ، وأهل السنة يجمعون بين نفي العصمة عن أحد من الناس وبين إرشاده وتوجيهه والرد عليه ، فأهل الإيمان كاليدين يغسل بعضهما درن بعض .

 

ونتيجة لحصول بعض الأحداث الأخيرة لبعض أهل العلم ومنها :
الجلوس مع النساء ، وتشريع الاختلاط المحرم ، وإعلان الصدع بالحق على المجتمع المسلم ! والإثارة الإعلامية، وغير ذلك مما جعل أهل التربية ينقسمون قسمين ويسألون سؤالين .
أما القسمان فهما :

 

القسم الأول : قسم ينظر بعين الدهشة والاستغراب حتى أصبح يشكك فيما يراه بعينه ويسمعه بأذنيه ، ويحاول الدفاع أحياناً وأحياناً يفضل السكوت ، ويكمن الخطر في أثر ذلك على تدينه وقناعاته الشرعية التي تجعله يضعف مع الأيام .

 

والقسم الثاني : أصبح يعمم هذه السلوكيات الخاطئة على بقية أهل العلم وأهل الخير والصلاح ؛ فاهتزت قيمة العلماء والصالحين في قبله ، وضعف جانب الاقتداء بهم في سلوكه ، ونحن مأمورون بالجملة في اتباع هدي المؤمنين وأفضلهم وأعلاهم أهل العلم بالدين .

 

وأما السؤالان الدائران في المجالس التربوية العامة والخاصة فهما :
1ـ لماذا يحدث ذلك ؟
2ـ وكيف نتعامل معه ؟
ومشاركة مني في الاستفادة من الأحداث المعاصرة دونت فوائد تربوية ، مستبعداً الكلام على الأعيان اقتداء بالهدي النبوي ( ما بال أقوام ) ، وسلوكاً لسبيل أهل السنة في تقويم أخطائهم على ضوء قوله تعالى { رحماء بينهم}.

 

الفائدة التربوية الأولى : تأكيد التربية المنهجية
أثبتت الحوادث ذات الخلل التربوي في الفترة الأخيرة أن التربية المنهجية المؤصلة ذات أهمية خاصة ، وأقصد بها أن يتربى المسلم على منهجية مؤصلة في العلوم الشرعية وفي التطبيقات السلوكية .
فكما أن الدارس لعلوم الشريعة يسير على منهجية علمية رصينة تبدأ بصغار متون الفن مروراً بمتوسطه وانتهاء بالمطولات ، ثم يمارس فنه عن طريق التدريس والتعليم فيجمع بين العلم النظري والخبرة العلمية ، وهما الركنان الأصيلان لحصول الرسوخ العلمي .

 

وكذلك الحال بالنسبة للتربية السلوكية الأخلاقية لا بد لها من تأصيل ثم تطوير ، يكون ذلك من خلال زرع القيم وتبنيها في الحياة ، ثم تفعيلها في المجتمع والسير على هداها والثبات عليها .
الفائدة التربوية الثانية : تأكيد الرأي الجماعي
أثبتت الحوادث ذات الخلل التربوي في الفترة الأخيرة أن الرأي الجماعي لأهل العلم أبعد عن الخطأ وأقرب للصواب ، ولقد حذر العلماء منذ عهد الصحابة الكرام من شذوذات العلماء والتي جعل لها معاذ رضي الله عنه ضابطاً بقوله : " هي التي يقول الناس هذه هذه ".

 

أي يستغربها الناس وتكون مدار حديثهم وينقسمون تجاهها .
وسار أهل العلم في طريقين متوازيين هما :
1ـ التحذير من شذوذات الآراء .
2ـ الدعوة إلى الرأي الجماعي سواء عن طريق الإجماع أو الاجتماع .

 

وكثير من التصرفات المعاصرة ذات الخلل التربوي يتبين في النهاية أنها أراء فردية نتيجة لاجتهادات خاصة باعتبارات معينة ، فكان لزاماً استغلال الأحداث الأخيرة لتفعيل الاستشارة العلمية .
ومن ضروريات الاستشارة أن يترك الإنسان رأيه نزولاً عند رأي غيره مما وثق بعلمهم وأمانتهم .

 

الفائدة التربوية الثالثة : تفسير أحد معاني الفتنة في آخر الزمان
تواترت الأحاديث بشأن آخر الزمان ، وتشعر جميعها بأنه ملئ بالفتن المدلهمة ، فيصبح الرجل مسلماً ويمسي كافراً ، ويرقق بعضها بعضاً ، ويمر الرجل بالقبر فيتمنى أنه مكانه .
وما زال أهل العلم من شراح الأحاديث يوضحون معنى الفتنة ، فبينت الحوادث الأخيرة وغيرها أن المراد بالفتنة أعم من أن تحصر بنوع معين كالقتل ونحوه ، وقد يكون القتل من أعلى أنواع الفتنة كما أن الشرك والكفر أعظمها ، والفتنة يدخل فيها الحوادث التي يلتبس فيها الحق بالباطل ، أو يحدث فيها نوع تلبيس ولو لم يقصده صاحبه ذلك ، وهذا يجعل الإنسان التربوي يهتم بالاستعاذة من الفتنة بقوله أو أن يكون من الفتانين بفعله .

 

الفائدة التربوية الرابعة : التنظير يخالف التطبيق
من الناحية التربوية كثيراً ما يكون التنظير والمثالية ذا سقف عاليٍ وذلك حسنٌ ، لكن الواقع يصدم الإنسان بالمفاجآت وما لا يتوقعه ، فمثل هذه الحوادث الأخيرة يمكن استغلالها تربوياً من خلال النزول بالتربية لأرض الواقع ، والهبوط ببعض العلاجات التربوية من المثالية الذهنية إلى الواقعية الحقيقية ، فمثلاً :
في مجال تأصيل شذوذات الآراء تربوياً لا بد أن يفصل الإنسان بين الرأي الشاذ الغريب جداً - الخالي عن الدليل أحياناً والمصادم له أحياناً أخرى - وبين سلوك الإنسان صاحب الرأي الشاذ ، فقد يكون من خيار أهل العلم ، وذا عبادة وتقى ، فلا ترابط تربوياً بين الرأي الشاذ وبين السلوك .
والفائدة التربوية من ذلك أننا بهذا التأصيل لا ننصدم من أي رأي شاذ مهما كان قائله ، كما أننا لا نأمن جانب أنفسنا في أن نشذ بشيء ولو كنا نعد أنفسنا من الأخيار كما قال الله { وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } .

 

الفائدة التربوية الخامسة : زيادة الخبرة الواقعية التربوية
إن العلم الشرعي يمكن تحصيله من خلال الوسائل المعروفة ، بينما الخبرة التربوية قد لا يسهل تحصيلها إلا من خلال مرور الأعوام ورؤية المشاهد التربوية ، ومعالجة النزوال والاستفادة من الأحداث ، فالحوادث الأخيرة ينبغي الاستفادة منها في زيادة رصيد الخبرة التربوية عند المربين والمتربين .
فتفعيل جانب الاستشارة والمرجعية العلمية والتأني وعدم الاستعجال كلها جوانب يمكن قراءتها في الحوادث الأخيرة لأن كلا الأمرين ( العلم الشرعي والخبرة التربوية )تحتاج إلى ممارسة ومعالجة وتجارب عملية .

 

الفائدة التربوية السادسة : سعة الاطلاع  
في الكثير من المسائل العلمية يمر الإنسان عليها مروراً عاماً خاصة إن لم يكن لها حضور في مجتمعه، فمثلاً:
صلاة الجماعة ، وحرمة الاختلاط .
لا يتوسع المتربي في دراسة الأدلة وسماعها لأن المجتمع لم يكن بحاجةٍ لمعرفة ما يزيد على ما يوافق المجتمع ، بينما أثبتت الحوادث الأخيرة أن الإنسان بحاجة إلى الاطلاع على كل ما يقال في المسألة ولو من الآراء الشاذة وتفنيدها ، وهذا يعود بالنفع العلمي للمتربي .

 

الفائدة التربوية السابعة : سلامة السمعة تبع لسلامة العرض
من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ العرض ويدخل تبعاً له حفظ ما يسمى بسمعة الإنسان من الخدش وتناول الناس لها ، ولهذا نهت الشريعة المطهرة عن لبس الشهرة لأنه يعود على عرض الإنسان بالعيب ، ونهت عن خوارم المروءة ، وأمرت الإنسان أن يحكم بعرفه في كثير من الأمور ، وقد صح عند مسلم من طريق النعمان رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " فقرن بين الاستبراء للدين والعرض .

 

ومما يبيح عرض الإنسان ألا يبالي بالناس فيفعل ما يذمونه به ، ويكسر حاجز هيبة المخالفة في أمر قد لا يصل إلى المرتبة المستحقة لذلك شرعاً ، والشذوذ بفعل أو لباس يعرف به بين الناس وغير ذلك .
وقد أثبتت الحوادث الأخيرة أن الإنسان عليه أن يبعد نفسه عن المواطن التي تسبب نيل عرضه من قبل الناس، ومن جعل نفسه في محل تهمة فهو ملوم ، فليس الناس سواء من حيث العقل والفهم وحسن النية والتقى.

 

الفائدة التربوية الثامنة : التفريق بين العقل والعلم
يكثر الخلط بين العلم والعقل من حيث التلازم ، فيظن البعض أن كل تصرف ناتج من شخص محسوب على العلم الشرعي أنه محسوب تبعاً على الشريعة الإسلامية ، بينما هناك تصرفات شرعية يفعلها طالب العلم نتيجة لبحثٍ علمي للمسألة العلمية .
وهناك تصرفات يفعلها طالب العلم باعتباره شخصاً كغيره من الناس باعتبارات بشرية فيدخلها الذكاء وعدمه ، واليقظة والغفلة ، وغير ذلك مما يعم جميع الناس .
فمن الظلم الخلط بينهما ، إلا أن قوة العقل تسترُ ضَعْف العلم ، بينما َضْعف العقل يَفضحُ كثير العلم  .
وهذا دور أهل التربية في تحويل قوة العقل النظرية إلى دروس عملية واقعية بحيث ينشط العقل ويعرف خبرات الحياة ومكائد الناس وطرق التعامل معهم وحبائلهم وطبائعهم ، فيسخر ذلك لخدمة علمه الشرعي .

 

الفائدة التربوية التاسعة : النظر إلى مآلات الأحداث
من فقه التربية أن ينظر الإنسان إلى مآلات فعله كما ينظر إلى خطوات تنفيذه ، ولكي يعرف مآلات الفعل ما عليه إلا أن يضع نفسه أحد المتابعين للحدث فما سيكون ردة فعل له سيكون ردة فعل للناس ، فالإنسان ما هو إلا أنموذج من الناس ، وما ينطبق عليه ينطبق على طائفة منهم ، والإنسان أصدق ما يكون مع نفسه مالم يجذبه هوى .
وقد أثبتت الحوادث الأخيرة أن التفكير في المآلات ليس كالتفكير في التنفيذ ، فليستفد التربويون من ذلك وليسخروه واقعاً عملياً في تربيتهم .

 

الفائدة التربوية العاشرة : مسئولية الفعل
كثير من الأحداث الأخيرة كانت قبل عدة أشهر ثم إذا بها تكون حديث الساعة حتى أن بعض أصحابها استغربوا ظهورها بعد أن أيقنوا بموتها ، وهذا ما ينبغي لأهل التربية أن يلتفتوا إليه وهو مسئولية الفعل .
فكما أن الكلمة لها مسئولية ويكون الإنسان المتفوه بها مسئولاً عنها فكذلك الفعل ينبغي للإنسان أن يكون مسئولاً عن فعله ، والفائدة التربوية لذلك أن يستقيم السلوك كما يستقيم القول إما رهبة أو رغبة .

 

 

الفائدة التربوية الحادية عشرة : المشتبهات
كما يوجد في الأحكام التكليفية أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ويلتبس فيها الحق بالباطل فكذلك الحال بالنسبة للمسائل الدعوية ففيها المحكم البين ، وفيها المتشابه الذي يلتبس على البعض ، ويختلف أهل العلم فيه اختلافاً يرجع على تمايزهم في العلم وذلك فضل الله يفتح الله على بعض عباده بما يشاء سبحانه .
والواقع المعاصر كثرت فيه المستجدات المشتبهة فعلى المربي أن يتأنى في الحكم والفعل والإقدام ، وكما يشرع اجتناب المشتبهات في الأحكام التكليفية فكذلك يشرع الاجتناب في المشتبهات الدعوية .
ومما يجدر التنبه له أن المشتبهات الدعوية فرع عن الاشتباه العلمي ، وبينهما ترابط وتلازم ، والعلم هو الجامع في علاجهما جميعاً .

 

الفائدة التربوية الثانية عشرة : تقاطع المصالح مع المفاسد الدعوية
أطال أهل العلم رحمهم الله في تفصيل أحوال تعارض المصالح مع المفاسد في الأحكام الشرعية ، وكثير من كلامهم مرتبط بصور معينة في زمانهم ، واتفقت كلمتهم على أن خوض هذا الباب يقوم على تقدير المصلحة على حقيقتها ، وتقدير المفسدة على حقيقتها ، ولا يكون ذلك إلا بعد التضلع بعلوم الشريعة ، فليس الباب - كما تتخيله النفس - من الأبواب السهلة التي يستطيع الإنسان أن يعمل عقله وتفكيره فيها فيعرف بذلك المصلحة من المفسدة ، ولهذا يجعلها علماء الأصول من أنواع الأدلة بعد الكتاب والسنة والإجماع والقياس وقول الصحابي ، فذلك فيه إشارة إلا أن الاستدلال بالمصلحة يكون بعد تحصيل تلك المراتب العلمية العلية .
ومن تأمل كثير من الحوادث الأخيرة ذات الخلل التربوي سيجد أن معظمها قام على باب تحقيق المصلحة ، بينما كشفت الأيام أن ذلك الفعل هو عين المفسدة أو يؤدي إليها ، وهذا يدل على جهل الإنسان وظلمه كما قال عنه ربه { وكان الإنسان ظلوماً جهولاً } .

 

الفائدة التربوية الثالثة عشرة : جر السوء للمسلمين
جاء عند الترمذي بسند حسنه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا قوله : " وأعوذ بك أن أقترف سوء أو أجره إلى مسلم " .
فأفاد الحديث فائدة تربوية جليلة أن الإنسان قد يقع في حالتين من الظلم ، هما :
1ـ أن يقترف الذنب : فيباشره بنفسه .
2ـ أن يجره إلى غيره : فيكون سببا في فتنة غيره أو ضلاله أو الوقوع في غيبته .
فعلى أهل التربية أن يربوا النفس على الترفع عن الذنوب صغيرها وكبيرها ، وكذلك ألا يكون الواحد سبباً في فتنة غيره وإضلاله ، وفي الحديث " أعوذ بك أن أَضل أو أُضل " وأَضل بالفتح المراد بها : الاستعاذة أن أضل نفسي أو غيري من المسلمين ، وقوله " أُضل " أي أن يضلني غيري من المسلمين فيكون فتنة لي وأنا فتنة له .
والمتأمل للحوادث الأخيرة يجد أنها تسببت في إضلال بعض المسلمين من قليلي العلم وضعاف البصيرة وزادت أهل الأهواء تمسكاً وبعداً عن الهدى والعياذ بالله ، وكما أن الإنسان المسلم مأمور بأن يهدي غيره فكذلك هو مأمور بأن يحفظ إيمان غيره عن الضلال .

 

الفائدة التربوية الرابعة عشرة : الاستخارة الدعوية
تشرع الاستخارة في كل شيء من الأمور كما قال جابر رضي الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها " فيشمل ذلك الأمور الدعوية والتربوية فتشرع فيها الاستخارة أيضاً ، بل إن الاستخارة فيها آكد من الاستخارة في كثير من الأمور المباحة التي قد يحصل بفواتها ضررٌ قاصر ، بينما الأمور الدعوية يحصل بفواتها ضررٌ متعدٍ في كثير من الحالات ، ومن ذلك الاستخارة في إظهار قول أو حضور اجتماع أو كتابة بيان أو تبني حملة أو غيرها من المسائل التي تقع في الساحة الدعوية .

 

الفائدة التربوية الخامسة عشرة : التأني الدعوي
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس : " إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة " والأناة هي عدم الاستعجال في الأمر كله ، وهو يحصل بفضل الله ثم بالتعلم والتأني ، فالأناة محبوبة لله في الأمر كله ، ومن ذلك التأني في الأمور الدعوية .
وينبغي أن يفرق بين التأني الدعوي واللامبالاة أو عدم الشعور بالمسئولية ، ولئن كان الاستعجال في ردود الأفعال مظنة الزلل والخطأ ؛ فإن الاستعجال في إصدار الفتاوى أيضاً مظنة الشذوذ والقصور .
وقد ثبت بالتجربة الدعوية أن كثيراً من المستجدات الدعوية تزداد مع الأيام بياناً ووضوحاً ، ومعلوم أن الحكم عن الشيء فرع عن تصوره .

 

الفائدة التربوية السادسة عشرة : ضريبة الشهرة
ما زال أهل العلم يسطرون في مؤلفاتهم استحباب بعد الإنسان عن الشهرة ، وليس السب الوحيد هو خوف العجب مع خطورة هذا المرض القلبي ، وإنما لأن للشهرة ضرائب منها :
تكبير الصغيرة ، وجمع السقطات ، وعرض الإنسان عقله على غيره ، وإبراز فعله أمام المخالفين ، وتسهيل مهمة التقصد والترصد ، وزيادة الحسد عند مرضى القلوب .
وهذا يجعل الداعية والمربي المشهور أن يزيد تألهه لربه في السداد والصواب ، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه : " قل اللهم اهدني وسددني ، واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سداد السهم " رواه مسلم .
ولا أقصد بذلك أن ينعزل الداعية عن مجتمعه والتفاعل الدعوي معه إلا أن لكل شيء ضريبة فليكن الداعية على بينة وحذر ، وليتحصن بالذكاء ، وليعمل فراسته أحياناً ، ولا يغتر بظواهر الأمور ، وليحذر من مبالغات الناس ، فإن من سبر كلام الناس وجده يبنى على المبالغات في كثير من الأحيان ، فمثلاً :
يصور المستفتي للداعية المنكر بصورة أعلى مما هو عليه ، وأحياناً يجعل الحالة التي يريدها أشد مما هي عليه وهكذا من غير قصد للكذب ، وإنما لأن الناس يختلفون في التحمل والأداء ، وغالباً يكون قصدهم تفاعل المستمع مع مواضيعهم ، وهذا أمر يدركه الداعية بالخبرة الدعوية والممارسة العملية في حلول المشكلات

 

الفائدة التربوية السابعة عشرة : مناسبة الحال والوقت
من خصائص المفتي أن يراعي حال السائل ومناسبة الوقت ، وهذا باب عظيم يقوم عليه باب الإفتاء ، وهو يتعاضد مع الأدلة الشرعية ولا يتعارض معها .
فكذلك الحال بالنسبة للأمور الدعوية ينبغي أن يراعي فيها حال السائل أو المدعو ومناسبة الزمن والوقت ، فإن لم يكن الوقت مناسباً لإظهار أمر دعوي أو رأي خاص فلا يخرجه الداعية .
وهذا مما ينبغي أن يتربى عليه الداعية من خلال قوته العلمية بالإضافة إلى مخالطة الناس والدخول إلى عمق مشكلاتهم والمشاركة في حلها ، والإصلاح بينهم ،والقرب من واقعهم .
وأختم الفوائد المستنبطة  :
بأن أهل السنة أرحم الخلق بالخلق ، وهم فيما بينهم أكثر تراحماً ، والتماس العذر لمن أخطأ منهج نبوي ، وازدراء أهل الخير والصلاح والاستهزاء بهم والنيل من أعراضهم سلوك جاهلي يدفعه هوى شيطاني ، والمؤمن فطن لبيب أريب ، والمسكنة لله والافتقار إليه والتضرع بين يديه يفتح للعبد أبواب السماء والإعانة الربانية ، وقد قال تعالى { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } ولئن تكفل الله بالمدافعة فقد ربطها بتحقق الإيمان ، وعلى قدر الإيمان تكون المدافعة الربانية ، وما زالت بحمد الله هذه الزلات في محيط الندرة والقلة مع تضخيم الإعلام لها ، فالله أسأل التوفيق والسداد لي ولإخواني ولمشايخنا ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد