22 محرم 1432

السؤال

تقدمت لخطبة فتاة وهى لحد كبير ملتزمة فهي تصلى وتحفظ القرآن ولديها اهتمام بالشأن الإسلامي لكن لدى بعض الملاحظات على بعض ملابسها فهى تحتاج لأن تكون أوسع قليلاً والمشكلة أنها حساسة للغاية فقد مرت بتجربة خطبة مؤلمة حيث كان الخاطب شديداً، وأراد أن يفرض عليها أشياء كثيرة في وقت قصير وبطريقة يبدو أنها كانت قاسية. فدلوني على طريقة أقنعها بها بتوسيع الملابس دون إيلامها أو تذكيرها بتجربتها السابقة.. مع العلم بأن لديها قناعة بأن كل إنسان يجب أن يعمل على تحسين داخله أولاً وجوهره قبل أن يهتم بمظهره، ومع العلم كذلك أني قد عقدت عليها عقداً شرعياً.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

أخي الكريم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من سعادة المرء أن يرى شريك حياته بالصورة والمظهر الذي يرضي الله عنه أولا كما يفرض احترامه واحترام المجتمع الذي يعيش فيه.
وجميل أن تكون أخي الكريم تحمل مثل هذه الغيرة دينية على خطيبتك، وفي الوقت نفسه تحترم رأيها واختياراتها وتراعي مشاعرها، فهذا سيكون من أسباب نجاح حياتك الزوجية إن شاء الله.
ومشكلتك أخي الكريم هي بسيطة، والحمد لله أن خطيبتك ملتزمة ولديها حب لدينها، يعني أنها تشعر برقابة الله وخوفه، وهذا سيحصنها من ارتكاب المعاصي والمنكرات.
ولكنها أنثى وهي ما زالت في مرحلة الخطوبة، لهذا ستلاحظ عليها اهتماما بشكلها وبمظهرها وبأناقتها، إلى حد قد تخالف في ذلك ضوابط اللباس الشرعي للمرأة المسلمة، وهذا ليس ذريعة تشفع لها أو تبرر طريقة لباسها أو تعطيه مصداقية، لأنه لا محاباة في دين الله، ولا اتباع للهوى والنزوات والرغبات في تطبيق أوامر الله، إنما نحن نوجه سلوكنا وأقوالنا وطريقة لباسنا ومظهرنا بحسب ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولكن قصدي أن تراعي أخي الكريم نفسية زوجتك خلال هذه المرحلة، وتتفهم أكثر رغباتها كأنثى تميل للتزين، والشيطان يدخل على المرأة ويكيد لها من هذا الباب حتى يخلع عنها حجابها وينحرف بها عن طاعة الله.
فحاول خلال هذه المرحلة أن تتدرج في نصحها، ولكن عليك واجب نهيها إذا رأيت منها ما يخالف أوامر الله ورسوله، وأنت مسؤول الآن عنها باعتبارك اخترتها لتكون زوجتك بالمستقبل وأما لأولادك إن شاء الله، فليكن عندك الاستعداد لتأهيلها نفسيا وتربويا وسلوكيا حتى تكون في مستوى تحملها لأعباء حياتها الزوجية، وهذا يتطلب منك أن تسعى تدريجيا وعبر مراحل في تحقيق التغيير فيما تلاحظه أو يصدر عنها مخالفا للدين، ولكن استخدم معها أسلوبا راقيا وجميلا وجذابا في دعوتها للخير، فتحب أن تنصت إليك وتشعر بالأمان من ناحيتك فتتقبل نصائحك بنفس راضية ومطمئنة، استخدم في حوارك معها خطاب الترغيب اكثر من الترهيب، خطابا يشغل الفكر وينفذ للقلب فيسكن فيه، وتأكد أن صدقك وإخلاصك سيظهر حتى في نبرة صوتك ونظرتك وحركاتك، وحينها ستستقبل كل كلمة تقولها بحب وفرح ورضا، واستخدم معها قاموسا جميلا ينشرح له صدرها ويسعدها، ولا تعاملها بقسوة في إصدار أحكامك، أو تجرحها أو تهينها أو تظهر أمامها بصورة الرجل المتسلط، فتتوهم أن غايتك فقط أن تتحكم برأيها وباختياراتها وبتصرفاتها، ومن الخطوات العملية التي تساعدك:
- أن تحدثها في ثنايا حواراتك ولقاءاتك التي تجري بينكما عن آيات الحجاب التي نزلت في المرأة، وتشاركها في تفسيرها، وتذكر أسباب نزولها ومقاصدها، لتنتقل بعد ذلك لتتحدث في فترات متباعدة عن ضوابط وشروط اللباس الشرعي، من غير أن تنقد لباسها أو توجه الخطاب لطريقتها وأسلوبها في اختيار ملابسها، إنما حدثها بشكل عام وبأسلوب غير مباشر، كأي موضوع تتحدثان به وكل واحد منكما يبدي رأيه فيه ووجهة نظره، كذلك حدثها عن عظمة هذا الدين الذي كرم المرأة، حين جعلها جميلة بقيمها وبأخلاقها وبعفتها، وحين شرع لها لحجاب صيانة لها وتكريما لجمالها ولأنوثتها، لأنها جوهرة مصونة، وصدفة محفوظة في محارها، ولأنها غالية ثمينة اختار لها سترا ولباسا يحميها ويصونها ويشرفها ويرفعها هو لباس التقوى والعفة والحياء..
وهذا سيبعث في قلبها أحاسيس جديدة، وسيشحذ فكرها وهمتها لترتقي بجمالها وبلباسها ومظهرها تقربا إلى الله وطلبا لرضاه ومحبته وطاعته، وستبدأ بالتدريج تنتبه لنفسها وتنظر للباسها وتقارن مدى التزامها بتلك الشروط والضوابط، وستشعر حينها أنها مقصرة في لباسها وفي مظهرها، وستعرف أن قيمتها عند الله أعظم من قيمتها عند الناس، وأن جمالها الحقيقي في حفظها لشروط الحجاب الشرعي كما أمرها الله تعالى فقال في آية 31 من سورة النور: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وكما قال سبحانه في آية 59 من سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً).
كذلك حدثها أخي الكريم كيف فهمت الصحابيات من نساء الأنصار رضي الله عنهن معنى قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) فشققن أزرهن فاختمرن، امتثالا لأمر الله المقتضي ستر مفاتنهن عن الرجال، حتى أن عائشة رضى الله عنها أثنت على أولئك النساء لمسارعتهن لتطبيق حكم الله، فقالت: (إن نساء قريش لفضلاء، ولكنى والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار: أشد تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان).
- استخدم كذلك معها أسلوب الدعوة بالهدية الجميلة والمعبرة، فتهدي لها مثلا في مناسبة من المناسبات أو عند زيارتك لها هدية عبارة عن حجاب متكامل في لونه وشكله يناسب سنها ويناسب ذوقها، مع توفره على شروط الحجاب الشرعي، وأرفق هديتك ببطاقة جميلة تعبر لها عن تقديرك واحترامك لها واعتزازك بمكانتها عندك، وتقول لها كم أتمنى أن يعجبك اختياري وذوقي، وأن أراك ترتدين مثل هذا اللباس فسيبدو عليك جميلا، فهي إشارة لطيفة تظهر لها ما تريد أن تفصح لها عنه من غير أن تجرحها.
- كذلك يمكنك أن تعرفها من خلال حديثك عن ذوقك في اللباس سواء بالنسبة للرجل أو المرأة بدون تخصيص، وتظهر لها بوجه عام أن جمال الرجل والمرأة في التزامهما ظاهرا وباطنا، وأن جمال المرأة الحقيقي في حيائها وورعها وعفتها، وفي ارتقاء ذوقها عما يثير الفتنة ويشيع الفاحشة، فيكون لباسها انعكاسا لتدينها والتزامها الحقيقي في لونه وشكله الساتر والفضفاض والغير الشفاف، ولا المثير للشهوات، وتظهر لها أنك تحب في المرأة لباسها المحتشم والمحترم والملتزم بآداب الإسلام وبأعراف البلد وتقاليده والمعبر عن هويتها الدينية والثقافية والاجتماعية، وهي في عينك أجمل النساء.
هذه فقط بعض النصائح البسيطة التي قد تفيدك في تغيير طريقتها في اللباس، مع حرصك على أن لا يكون هذا الموضوع محوريا في كل لقاءاتك معها، إنما اجعله موضوعا تقدمه كبطاقة جميلة ضمن حديثك، وبشكل لطيف لا يستغرق وقتا طويلا، حتى لا تشعر بأن خطابك موجه إليها تحديدا أو مباشرا، وكذلك لا تحدثها في كل مرة عن هذا الموضوع، فتعتقد على أنك تراها بشكل غير جميل أو لا تثق بالتزامها وتدينها، إنما حاول خلال هذه المرحلة أن تتقرب إليها وتكسب ثقتها وارتباطها بك واحترامها لمبادئك ولالتزامك في أخلاقك وسلوكك معها،
فالآن تقيمان معا قواعد البناء وأساسه، فحاول أن تضع معها لبنات الأساس وقواعد البناء على أرض صلبة ومتينة، وليكن حواركما هادفا يوثق أواصر المودة ومعاني السكن الحقيقي، فيشعر كلاكما أن الآخر هو شريكه في السراء والضراء، يتقبله بإيجابياته وسلبياته، يحترم أفكاره واختياراته وطباعه، وكلاكما مستعد ليختلف مع الآخر ويناقشه، ويسعى معه لتحقيق التغيير من غير أن يجرحه أو يهينه أو يقلل من قدره ومكانته، وازرع بداخلها أخي الكريم حب هذا الدين وتطبيقه في قولها وفعلها كما في جوهرها ومظهرها، وأنكما معا تسعيان لتكوين أسرة مسلمة هي نواة المجتمع المسلم وقلبه النابض.
وختاما أسأل الله العلي القدير أن يجمع بينكما في الخير ويؤلف بينكما، ويزرع الثقة والمودة والرحمة في قلوبكما، ويربط بينكما برباط وثيق ومتين هو رباط الزواج الإسلامي السعيد.