الطريق إلى بيت المقدس
1 رجب 1431

يومان متشابهان لن ينساهما أهل الإسلام، ذلك اليوم الذي احتل فيه الصليبيون بيت المقدس وعاثوا في أرض فلسطين فساداً، وهذا اليوم الذي يحتل فيه اليهود فلسطين ودنسوا بيت المقدس، يومان يتشابهان من عدة وجوه أهمها:

1.    هناك احتلال صليبي، وهنا احتلال يهودي.
2.    أمة مشرذمة متفرقة، وإمارات متناحرة بالأمس حيث كان في الشام وحده (15 إمارة) واليوم وما أدراك ما اليوم، فجامعة الدول العربية فيها أكثر من عشرين دولة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي أكثر من أربعين دولة.
3.    الدويلات الباطنية بالأمس كالعبيديين وأشباههم، واليوم هنا رافضة ونصيريون وبعث ودروز، فما أشبه الليلة بالبارحة.
4.    ونتيجة لكل ما سبق تـفرق المسلمين وضعفهم، وتناحرهم فيما بينهم.

هكذا كان الأمس، وهو كذلك اليوم.

 

إنني عندما أذكر التشابه بين العصرين، فإنني أريد أن يذهب اليأس من قلوب القانطين، وذلك أنهم عندما يرون واقعنا اليوم وما تعيشه الأمة من تفرق وتشرذم، مع تسلط الأعداء، وخذلان الأصدقاء يستبعدون أن يتحقق الانتصار أو يتحرر بيت المقدس، ولذا فإننى أقول لهم:كانت الحال أيام الصليبيين مثل حالنا أو أسوأ، ومع ذلك فما هي إلا سنوات معدودة، فإذا صلاح الدين يدخل إلى بيت المقدس فاتحاً منتصراً، بعد أن أخذ بأسباب النصر الحقيقية فهلا أخذنا بتلك الأسباب لنحصل على تلك النتائج {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: من الآية7].

 

وطريق الخلاص واحد بالأمس كان الجهاد الصادق وكذلك اليوم الجهاد في سبيل الله هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وتخليص بيت المقدس وهذه هي الحقيقة على مرّ التاريخ، فما خرج الجبارون ودخل المؤمنون إلى الأرض المقدسة إلا بالجهاد، وما فتح المسلمون بيت المقدس إلا بالجهاد، وما أخرج الصليبيون من فلسطين إلا بالجهاد، ولن يخلص بيت المقدس من اليهود إلا بالجهاد في سبيل الله، وما سوى ذلك فهو طريق مسدود، وضياع للأنفس والأموال والأوقات.

 

والجهاد الذي أعنيه هو الجهاد في سبيل الله، إيماناً بالله وتصديقاً برسله، من أجل إعلاء كلمة الله، وليس هو القتال تحت راية عميّة من أجل أرض أو تراب أو حميّة أو عصبيّة، وهذه رايات جاهلية لن يحقق أصحابها إلا مزيداً من الخسائر والدمار والعار والشنار.

 

قد يقول قائل: وكيف يكون الجهاد وأنت تعلم الوضع الذي نعيش فيه والظروف الدولية التي تحيط بنا؟
فأقول: الجهاد يتحقق بطرق من أهمها:
1.    الجهاد من الداخل، وذلك بإعداد المجاهدين من أهل فلسطين وتربيتهم التربية الإسلامية الصافية، ودعمهم بالمال والعدة والعتاد، ونواة هذا الأمر موجودة الآن عبر ما يقوم به إخواننا المجاهدون من داخل فلسطين.

2.    تربية الأمة على الجهاد الشامل للإعداد العلمي والتربوي والمادي وإبعاد شباب الأمة عن سفاسف الأمور ومهلكات الأمم، وانتظار اللحظة الحاسمة، واستثمار الفرص، ومحاولة فتح جبهة مع العدو، وما فعله الرافضة في جنوب لبنان يدل على أن الأمر ليس بمستحيل، فإذا علم الله صدقنا وجهادنا فتح لنا من الأبواب مالا نحتسب {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء:61-63].

 

والمهم أن تبقى جذوة الجهاد حيّة، تتوارثها الأجيال، جيلاً بعد جيل حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده، فيصبح هؤلاء المنهزمون على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين.

 

ولعل من أهم الخيارات الإستراتيجية المتاحة دعم المجاهدين في الداخل بكل وسيلة ممكنة، ومن أهمها:

1.    الدعم البشري إن أمكن وبخاصة من يستطيع من المسلمين دخول أرض فلسطين، بعد تهيئة الأسباب لذلك، وعلى إخواننا الفلسطينيين الذين يقيمون خارج فلسطين مسؤولية عظمى، أكبر من غيرهم تجاه هذه القضية، وليحذروا من الركون إلى الدنيا ونسيان قضيتهم الأولى.

 

2.    الدعم المادي – وهو أهم الوسائل المتاحة – وذلك بدعم المجاهدين في أنفسهم وأسرهم، وذلك أن سياسة التجويع وهدم المنازل وتفريق الأسر قد أوهنت من عزائمهم وهدت من قوتهم، والدعم المادي له صوره التي لا تخفى، وهو من أهم ركائز الانطلاق لإعداد القوة ومواجهة العدو، وأشير هنا إلى أن دعمنا لإخواننا في الداخل ليس هبة أو تبرعاً فضلاً عن أن يكون منّة نمنّ بها عليهم، بل هو واجب علينا وجزء من الجهاد الذي أمر الله به في مواضع عدة في القرآن الكريم وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والمهم أن يصل المال إلى أهله ويعطى من يستحقه.

 

3.    الدعم الإعلامي، وهو سلاح العصر الفتاك، ومع كل أسف فإن المسلمين متأخرون في ذلك كثيراً، علماً أن الإعلام اليوم هو الذي يقود الشعوب، ويوجهها حيث شاء، ويكفي للدلالة على هذا الأمر أن نشير إلى قضيّة محمد الدرّة، حيث هزت العالم أجمع، وخدمت قضية فلسطين بما لم يخدمه الإعلام منذ عشرات السنين، وهي لقطة من مصور استثمرها أيما استثمار، فكانت آثارها الباهرة التي شاهدناها ولا تزال إلى اليوم.

إن من الخطأ أن نتصور أن العالم كله مع اليهود، وذلك أن البشرية فطرت على كره الظلم والوقوف مع المظلوم، ولذلك برع اليهود في استثمار هذا الأمر في قصتهم مع هتلر، فبالغوا في تصوير ما حدث لهم ليستجلبوا عطف العالم وتأييده وكان ما أرادوا، فلو استطعنا أن نستثمر الإعلام بوسائله المتعددة ونقدم للعالم صورة عما يفعله اليهود في فلسطين، لتغيرت المعادلة، ولكن خلا الجو لليهود، فاستثمروه، واليوم الفرصة متاحة لنا، فهل نفعل؟؟

 

4.    ومن أهم وسائل الدعم، هو ترشيد الانتفاضة، وتوجييها إلى الطريق الصحيح، حيث يكون قتالهم خالصاً لله، لا من أجل عصبية أو حمية أو أرض، حيث إن عدداً من الذين يواجهون اليهود في الداخل ينقصهم الوعي الصحيح بأن المعركة معركة إسلامية، وأنها معركة عقيدة وولاء وبراء، وقد تأثر بعضهم ببعض المدارس الوطنية والعلمانية التي كانت موجودة في فلسطين ولم تنته بعد، وإن كانت ضعفت والحمد لله، ويتطلب هذا إشاعة العلم الشرعي، ونشر التوحيد الخالص، وبيان المنهج الصحيح الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وهو منهج أهل السنة والجماعة، الذي بدونه لن يتحقق للأمة مجدها وعزها وسؤددها، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

 

5.    وأخيراً من الوسائل العظيمة المؤثرة؛ الدعاء، وحسبك به سلاحاً وقوة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى بهذا الأمر قبل المعركة وأثناءها، فقد ثبت عنه في الصحيح أنه كان يدعو قبل دخوله المعركة، وكان من دعائه (اللهم منزل الكتاب وهازم الأحزاب، اهزمهم، وانصرنا عليهم) وموقفه يوم بدر، وقصة أبي بكر معه، معروفة مشهورة.

وقد أدرك المسلمون هذا الأمر من لدن الصحابة ومن بعدهم، وأولوه عناية خاصة، حتى ذكر بعض الفقهاء أنه يستحب أن يبدأ القتال بعد صلاة الجمعة بعد أن يكون المسلمون قد دعوا لهم فيها.

 

وممن اشتهر بالعناية بهذا الأمر محمد بن واسع ـ رحمه الله ـ وعندما التقى القائد قطز بالمغول ومعهم أكبر جيش وقوة آنذاك، وكان ذلك في معركة عين جالوت عام 658هـ التجأ إلى ربه وتضرّع إليه، ففتح الله عليه وهزم المغول، وقصته مشهورة معروفة.

 

إن الدعاء سلاح المؤمن، وبخاصة المضطر والمجاهد في سبيل الله {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: من الآية62] وسهام الليل لا تخطي، عندما ينادي جلّ وعلا (أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له).

 

ومن أحسن ما سمعت تعليقاً على سقوط إحدى صالات الأفراح على مجموعة من اليهود فهلك عدد كبير منهم وجرح آخرون، فقال أحد الإخوة: لعل هذا استجابة لدعاء مسلم بظهر الغيب.
 فالدعاء الدعاء {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55].