مقررات مؤتمر بكين والسيطرة الناعمة على السلطة
25 رجب 1431
الهيثم زعفان

في مارس من هذا العام حزمت ناشطات الحركة النسوية التحررية حقائبهن لرحلة ظللتها الفخامة والرفاهية المدعومة بأموال المنظمات الدولية، وطرن من خلالها إلى نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة، وذلك لحضور مؤتمرهن المعروف ببكين +15، والمعني باستعراض وتقييم ما تم تنفيذه من مقررات مؤتمر بكين، وذلك بعد خمسة عشر عاماً من عقده في العاصمة الصينية بكين عام 1995.

  
ومعلوم أن هذا المؤتمر قد عني برسم خطة عمل حركية لنزع ما سماه السيطرة الذكورية على مقاليد الأمور من يد الرجل، وجعلها في يد المرأة، وهو ما عرف بـ "تمكين المرأة" وذلك بأن ترسم المرأة مجرى حياتها وفق تطلعاتها هي، دون أدنى اعتبار لأية قيود حتى ولو كانت شرعية، وضعها الشارع سبحانه وتعالى لتنظيم شئون العباد على الأرض رجالاً ونساءً.

وقد كان من بين الأمور التي نادت بها وثيقة مؤتمر بكين ما عرف بـ "التمكين السياسي للمرأة" ذلك التمكين الذي فسرته الوثيقة بأنه "وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار، والمراكز التي تؤثر في صنع القرار ووضع السياسات"، دون وضع أية اعتبارات عقدية أو عرفية في حسبان تلك المرأة الجديدة، مع إزالة كافة الحواجز والعراقيل حتى ولو كانت دينية، والتي بنظرهم تعيق تحقيق المرأة لهدف السيطرة على السلطة، ومواضع صنع القرار.

وقد وضعت وثيقة بكين هدفاً أولياً تمثل في وصول المرأة لمواقع صنع القرار بنسبة30% كخطوة أولى لتحقيق الهدف المرجو وهو الوصول بالنسبة إلى50%.

التمكين السياسي في العالم العربي بعد 15 عام من مؤتمر بكين:

بمراجعة تقارير الظل التي ترفعها المنظمات الأهلية العربية المدعومة أجنبياً للأمم المتحدة كل خمس سنوات لتوضيح ما تم تنفيذه من مقررات مؤتمر بكين في أرض الواقع، وفيما يتعلق بالتمكين السياسي والذي نظمته وثيقة بكين في الفقرات من 181 حتى 195، تبين أن هناك ثلاث مواضع صنع قرار رئيسية ركزت عليها نشيطات الحركة النسوية وهي:

(المناصب الوزارية- عضوية المجالس النيابية والتشريعية- سلك القضاء)
 إضافة إلى ذلك فإن تقارير الظل لم تخفي طموح النسوة من الاقتراب من المنصب الرئاسي.
وبدورنا سنحاول من خلال السطور التالية إلقاء الضوء على ما تحصلت عليه النسويات في هذه الثلاثية السيادية.

أولاً... المرأة والتمكين في المناصب الوزارية في العالم العربي:
من الملاحظ أن نشيطات الحركة النسوية يهللن لكل وزيرة جديدة يتم تعيينها باعتباره انتصار جديد يتحقق للمرأة، كما يلاحظ على بعض الوزيرات التزامهن الحرفي بمقررات مؤتمر بكين عند تسييسهن لأمور وزارتهن.
 وبإطلالة سريعة على الوضع الإحصائي للحقائب الوزارية النسوية في العالم العربي يتبين الآتي:

 

1- في السودان تحتل المرأة 2.6% من المناصب الوزارية في الحكومة، وقد عينت المرأة مستشارة للرئيس.
2- يضم مجلس الوزراء المصري عدداً من النساء، يتمثل في ثلاث وزيرات وهن يمثلن نسبة 5.9%.
3- في البحرين وزيرتان.
4- في سلطنة عمان 4 وزيرات.
5- في اليمن وزيرتان.
6- في الإمارات يضم مجلس الوزراء الاتحادي أربع وزيرات.
7- في الكويت دخول أكثر من امرأة للوزارة.
8- في المغرب تم تعيين سبع وزيرات بالحكومة عام 2007.
9- في تونس 7% من المناصب الوزارية للمرأة.
10- تشغل المرأة وظيفة محافظ بالجزائر، كما تعتبر دولة الجزائر أول دولة عربية ترأس فيها المرأة حزباً سياسياً، وهناك حزبان سياسيان ترأسهما نساء من بين 40 حزباً سياسياً.
11- في موريتانيا تحتل المرأة ثلاثة حقائب وزارية من بين 27 حقيبة وزارية.
12- في جيبوتي بلغت نسبة المرأة في الحكومة والمناصب الوزارية 5.3% من النساء عام 2005.

 

ثانياً.... المرأة والتمكين في المجالس النيابية والتشريعية
بغض النظر عن الخلافات الشرعية حول دخول المجالس النيابية، فإنه لا يخفى على أحد خطورة الدور التشريعي الذي تقوم به المجالس النيابية في الوقت الراهن، وعليه فإن الأصل فيمن يتصدر للانضمام لعضوية هذه المجلس أن تتوافر لديه القدرة الشرعية اللازمة لتدبر التشريعات والقوانين وصكها بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، لكن هذا الأمر نجده أبعد ما يكون عند ناشطات الحركة النسوية.
 وهؤلاء النسوة عندما فتح لهن الباب كي يترشحن في المجالس النيابية أخفق معظمهن وحظين بنتائج متدنية للغاية، وقد أرجعن ذلك لسيادة ما وصفوه بالنمط الذكوري في المجتمعات الشرقية، وعليه فقد بحثن عن آلية جديدة يتسللن من خلالها إلى المجالس النيابية، وقد كانت تلك الآلية هي "الكوتا"، والتي تتلخص في ممارسة الضغط على الحاكم كي يخصص حصص من مقاعد البرلمان تكون للنساء، سواء بالتعيين أو الانتخاب من بين النساء، وأي عاقل يدرك أن هذا الأمر إنما هو تحايل هش لا يصنع برلمانيات بالمعنى السياسي، ولكنه يشكل خطورة على المجتمع وذلك لوجود عدد غير قليل من النسوة المعينات في المجالس النيابية يدفعن بمسار المجالس النيابية وتشريعاتها صوب ما يخدم مقررات مؤتمر بكين، والمتأمل لروح القوانين الصادرة في العالم العربي في السنوات الأخيرة يلمس وبصورة قوية بصمة مؤتمر بكين عليها.

 

 

وبإطلالة سريعة على الوضع الإحصائي لنظام الكوتا ونسب البرلمانيات في العالم العربي يتبين الآتي:
1- يمنح الدستور السوداني المرأة حق التمثيل في المجالس التشريعية بنسبة 10%، وتمثل المرأة في السودان في مجلس الأمة 17.8% و 4% في المجلس الأعلى.
2- حصلت المرأة البحرينية على حقوقها السياسية عام 2002، ووصل عدد النساء المعينات في مجلس الشورى عام 2006 إحدى عشر امرأة.
3- في عمان عينت أربعة عشر امرأة في المجلس الأعلى في البرلمان من بين 70 عضواً، ذلك أنه لم تنجح امرأة واحدة في الانتخابات.
4- تحتل النساء في الإمارات العربية 22.5% من البرلمان الاتحادي.
5- تمثل المرأة المصرية 2% في مجلس الشعب المصري، و6.7 % في مجلس الشورى وغالبيتهن معينات، لأن النجاح في الانتخابات كان ضئيلاً. وقد تم سن قانون لنظام الحصة (الكوتا) يخصص 64 مقعداً للنساء في البرلمان المصري لمدة عشر سنوات على دورتين، وفي ظل ذلك أنشأ المجلس القومي للمرأة في مصر " مركز التدريب السياسي ليساند المرشحات ويعدهن للانتخابات، كما أنشأ المجلس أيضاً المنتدى السياسي للنساء ليغطي سبعة وعشرين محافظة بهدف أسماه المنتدى رفع الوعي السياسي للنساء.
6- في الكويت حصلت المرأة على الامتيازات السياسية في العام 2005 وتمكنت من التصويت والترشح في الانتخابات البرلمانية، واستطاعت أربعة نساء بالفوز بعضوية مجلس الأمة.
7- تم تطبيق نظام الكوتا في المغرب عام 2000، لتخصيص ثلاثين مقعداً للمرأة، وقد ارتفعت نسبة البرلمانيات من 1٪ عام 1995 إلى 11٪ عام 2003 ( 35 سيدة في البرلمان ).
8- في الأردن ضاعف نظام الحصص في البرلمان الأردني من نسبة النساء من 2.5 ٪ عام 1995 إلى 5.5 ٪ عام 2003 ( 21 امرأة ).
9- تمثل المرأة التونسية 22.75% من مجلس النواب، و13% من مجلس المستشارين وهو الغرفة العليا للبرلمان.
10- تم تطبيق نظام الكوتا في موريتانيا عام 2006، والذي يخصص 20% من المقاعد للنساء، وفي العام 2007 تم تخصيص 18% من المقاعد للنساء.
11- في جيبوتي ارتفعت نسبة تمثيلها في البرلمان للأعوام 2003، 2005، 2006إلى 10.8% بعد أن كانت غائبة عنه حتى عام 1997.

 

 

ثالثاً... المرأة والتمكين في سلك القضاء:
ضغطت النسويات كثيراً على النظم العربية كي تمكنها من اقتحام سلك القضاء، وعندما اصطدمت مطالبهن بالأحكام الشرعية، تشبثن برأي الإمام بن حزم في تلك المسألة، وقد أثار البعض كثير من مخاوف تخبط الأحكام التي تصدرها المرأة وذلك لغلبة العاطفة على المرأة، وتقلب مزاجها نظراً لظروفها الجسمانية من حمل ورضاعة وحيض ومتاعب نفسية إبان سن اليأس.
 وعلى الرغم من أن البعض يدفع بأن بعض المعينات في سلك القضاء هن من المحجبات كدليل على أن ليس كل الممكنات سياسياً علمانيات، لكن يبقى أن الأصل في تولي هذه الحقيبة القضائية عليه الكثير من التحفظات الشرعية التي لا يسقطها التزام المرأة باللباس الشرعي من عدمه.

 

وبالعموم فإن الوضع الإحصائي لتعيين المرأة في سلك القضاء في العالم العربي قد أخذ الصورة التالية:
1) في مصر تم تعيين أول قاضية في عام 2003 وذلك بالمحكمة الدستورية العليا، وهي محكمة لا تتولى الفصل بين الخصوم، وإنما تراقب مطابقة القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية لصحيح الدستور، ثم توالى بعد ذلك تعيين القاضيات في سلك القضاء المصري حتى بلغن 42 قاضية، وذلك رغم المعارضات ذات المرجعيات الشرعية على تلك التعيينات.
2) في البحرين هناك ثلاث قاضيات.
3) في اليمن تحتل 145 امرأة مناصب في القضاء من بين 2257 منصباً قضائياً.
4) في السودان هناك 76 قاضية.
5) في العراق عينت 25 قاضية في معهد القضاء، و16 في النيابة العمومية.
6) تمثل النساء في الجزائر 34% من القضاة، وتمثل المرأة 15 من 38 منصباً بمجلس الدولة.
7) في جيبوتي هناك 24 قاضية، وتحتل المرأة في جيبوتي أعلى منصب قضائي، وهو المنصب الذي يخول لمن يحتله أن يحكم مكان الرئيس في حالة خلو منصبه لأي سبب.
8) في عام 2008 وضعت سلطنة عمان قانوناً جديداً خاصاً بالإثبات يقضي بمساواة شهادة المرأة بشهادة الرجل أمام المحاكم في معظم الحالات.وهذا قانون مخالف لحكم شرعي معلوم من الدين بالضرورة.

 

 

 

إطلالة نقدية على التمكين السياسي للمرأة في ظل مقررات بكين:
1- ينبغي التأكيد على أن منطلقات مقررات مؤتمر بكين إنما هي هوائية، تجعل المعيار هو تطلعات المرأة نفسها، وتلك المقررات تقدم تمكين المرأة بمنأى عن أية اعتبارات شرعية، وإن تعارضت مقررات بكين مع الشريعة الإسلامية فيتم تقديم وثيقة بكين، وإن تقاطعا في جانب من الجوانب فيكون ذلك من باب الاستحسان والتبعية بحيث تكون وثيقة بكين هي الأصل والشريعة الإسلامية هي التابع، وما تذرعهن في مسألة تولي المرأة للقضاء برأي ابن حزم إلا من باب التجمل وتزييف الحقائق والخروج من مأزق رفض علماء الشريعة لهذا الأمر، وإلا فما هو تفسير سن دولة البحرين لقانون يساوي المرأة بالرجل في الشهادة أمام القضاء، وهو أمر مخالف لنص شرعي قطعي الدلالة ثابت في القرآن الكريم.
2-  نشدد في هذا الموضع على زيف دعوى الإلزامية في الاتفاقيات الدولية، تلك الذريعة التي تتذرع بها نشيطات الحركة النسوية في البلدان العربية والإسلامية، وتستخدمها بحرفية عالية في الضغط على الحكومات لإحداث تغييرات تشريعية وسياسية تتفق مع مقررات بكين. والدليل على عدم إلزامية مقررات بكين، هو عدم امتثال أمريكا والكيان الصهيوني للاتفاقيات الدولية بل ولقرارات مجلس الأمن التي هي أشد قوة من مقررات بكين ومقررات مؤتمرات الأمم المتحدة جميعاً، ومن ثم فإن النقطة الرئيسية التي ينبغي وضعها في الحسبان والتركيز عليها أثناء مدافعة هذا الأمر؛ هو التحرر كلية من أكذوبة الإلزامية، والقناعة التامة بأن عدم وضع تلك المقررات موضع التنفيذ لن يؤثر سلباً على البلدان غير الملتزمة بها.
3- قد يتذرع البعض بأن الخلاف الشرعي في مسائل القضاء والمجالس النيابية، قد يسمح بتولي المرأة للمناصب السياسية، لكن الملاحظ بعد خمسة عشر عاماً من مؤتمر بكين أن التمكين السياسي الذي تسعى إليه المبشرات بوثيقة هذا المؤتمر، إنما هو تمكين كمي، لا يركز على الكفاءة السياسية للنساء بقدر تركيزه على عدد النساء اللائي يتقلدن المناصب السياسية، وعليه فإن مدى استفادة المجتمع من تلك المفروضات عليه تكون ضعيفة، بل وقد تخرج من بينهن  من تكون مدعاة لسخرية وتندر النظام قبل المعارضة، مثلما حدث مع نائبة البرلمان المصري المعينة والتي دعت إلى اعتماد ما أطلقت عليه (اليوم المصري للصلاة) بحيث يحدد يوم في العام -على غرار اليوم العالمي للمرأة- يصلي فيه المصريون في المساجد والكنائس لله من أجل مصر وبذلك تزداد لحمة الوحدة الوطنية بين المسلمين والنصارى بحسب ظن نائبة البرلمان المعينة! وقد قوبل هذا الاقتراح السفيه بتهكم شديد في وسائل الإعلام الرسمية.

 

4- نؤكد على أن الحظوة التي حصلت عليها النسويات الليبراليات في عملية التمكين السياسي ما كانت تتم لولا اقتراب هؤلاء النسوة من السيدة الأولى في كل دولة من الدول العربية والتحرك تحت مظلتها، وأن استجابة الحكومات لمطالب الكوتا والتعيين في مواطن صنع القرار إنما يدخل معظمه في مجاملة السيدة الأولى، وعليه فإن محاولة جذب السيدة الأولى لطرف الأنشطة النسائية الشرعية قد يحدث نوعاً من التوازن قبالة الاتجاه النسوي العلماني المنفذ لأجندة مؤتمر بكين الأممية.
5-  التسلل الناعم للنسويات إلى مواضع السلطة فيه خطورة على الأنظمة العربية نفسها، وذلك لأن مرجعية النسويات في تسييس الأمور ليس النظم المحلية، ولا حتى المصالح العليا للأنظمة، ولكن مرجعيتهن هي ما تم صكه في وثيقة مؤتمر بكين، وما تقوم باستحداثه لجنة المرأة في الأمم المتحدة، وبالتالي فإن ولاء هؤلاء النسوة المتسللات ليس للنظام المحلي، ولكنه متوجه صوب نيويورك والتي تدفع أكثر.
6- تتشكل خطورة وصول النسويات لمواضع صنع القرار في تمكنهن من فرض قرارات، وصك قوانين تحقق مآرب وثيقة بكين مع عدم وضع أية اعتبارات شرعية في الحسبان، وعدم الالتفات لأية اعتراضات شعبية لتلك القوانين وتأثيراتها السلبية على المجتمعات الإسلامية، مثال ذلك ما فعلته إحدى الوزيرات والتي سعت فور توليها لرئاسة وزارتها إلى تبني قانون يرفع سن زواج الفتاة إلى 18 سنة وتجريم كل من يعقد النكاح تحت هذا السن. وهذا يعد خير شاهد على خطورة وضع المرأة المتغربة في مثل هذه المناصب المؤثرة.

 

وفي الختام فإنه باستقراء تقارير الظل المرفوعة هذا العام من قبل المنظمات العربية لمؤتمر بكين + 15بنيويورك، نجد أن أبرز المعيقات التي تدندن عليها النسويات العربيات العلمانيات بأنها تعيق إتمام التمكين السياسي للمرأة في المجتمعات العربية هي ما وصفهن بالموروث الثقافي المانع لتولي المرأة للولايات العامة والمساواة في الشهادة بين القضاء، أو بمعنى أدق كل حكم شرعي يقف حجر عثرة أمام تحقيق المرأة لطموحها السياسي الهوائي.

 

ونحن بدورنا نوصي بعدم إعطاء مثل هذه المؤتمرات أكبر من حجمها، مع التأكيد على عدم إلزامية مقررات تلك المؤتمرات، والسعي لفتح قنوات اتصال "نصح وإرشاد" بين العلماء وولاة الأمور لتبيان حقيقة الدعاوى النسوية ومدى انحرافها عن المسار العقدي الصحيح الذي يضبط توازن المجتمع، ويحقق شريعة الله في الأرض.