بترايوس في أفغانستان ….ما الجديد؟
2 شعبان 1431
طلعت رميح

انتهي امر القائد العسكري الامريكى ماكريستال،في قيادة قوات الاحتلال الامريكية والاطلسية في افغانستان، و بدا الجنرال الامريكى بترايوس قيادة تلك القوات، في لحظة بالغة التعقيد.بترايوس وصل لقيادة قوات تعانى من حالة انهاك شديدة،بعد ما تواصلت الحرب 9 سنوات، استدارت خلالها الاوضاع الاستراتيجية لتصبح طالبان من يملك القدرة الاستراتيجية علي الهجوم، بما يجعل القوات الامريكية –على نحو او اخر-فى حالة المطارد من قبل طالبان .وهو وصل الى هناك في ظل حالة اضطراب تعانى منها الاستراتيجية السياسية و العسكرية الامريكية و الاطلسية، و ذلك هو بالدقة ما قاله سلفا ماكريستال، الذي تهكم بسخرية مرة علي القادة السياسين في البيت الابيض و مبعوثيهم الي افغانستان و باكستان، بسبب ضعف ادراكهم للتطورات الاستراتيجية للمعركة . لقد قال بوضوح ان القيادة الامريكية حددت تاريخ الانسحاب بما لا يتوافق مع سير العملية العسكرية علي الارض.وهو ما يظهر بجلاء اكثر فى تطورات اخري، اذ فتحت تلك ادارة المعركة باكستان ووسعتها علي غير رغبة القيادة الباكستانية، والتى لا يمكن تحقيق التقدم في افغانستان دون دعم منها، للقوة و الخطة الامريكية، بما جعل القوات الامريكية فى حالة عداء مع المحيط .كما القيادة الامريكية اجرت انتخابات في افغانستان، لانها مهمة حامد كرازاى، لكنها عادت و ثبتتة مرة اخري،بما افقدها بعض القوي الافغانية المتعاونة معها….الخ.

 

وهنا،و بسبب كل تلك المصاعب والتغيرات الاستراتجية، جري تقديم بترايوس باعتبارة صاحب التجربة" الناجحة في العراق "، مع التاكيد على ان الاستراتيجية الامريكية ستظل علي حالها و لن تتغير في افغانستان وهو ما اظهر اكثر كيف ان الادارة و القيادة الامريكية صارت في حالة ارتباك حقيقي و خطير في ادارتها لحرب و احتلال افغانستان، اذ هي تقول لا تغيير، بينما الاوضاغ في غاية التدهور بالنسبة لها .
اذن بترايوس وصل فى ظرف معقد، فما الجديد الذى بامكانه ان يفعل ؟

 

مؤامرت و اطاحة
اقالة القائد العسكري الامريكى ماكريستال، ذكرت بما كان يجري علي صعيد الادارة الاستراتيجية للحرب الامريكية علي فيتنام في مراحلها الاخيرة خاصة، اذ كان القادة العسكريين الميدانيين في حالة تذمر من الادارة السياسية ممثلة في البيت الابيض لعدم استجابتها للطلبات العسكرية و لعدم اطلاق يد القوة الميدانية لتفعل ما تريد، او لعدم فهمها ما يجري فعليا علي الارض، او لعدم قوة المستوى السياسى علي خدمة التطورات الجارية علي الارض ففي اقالة ماكريستال، نحن امام حالة متكاملة ممما كنا نشاهدة خلال الحرب الفيتنامية، من اضطراب العلاقات بين المؤسسة العسكرية و السياسية، و من انتقاد العسكريين للساسة و اتهامهم بعدم الفهم و الادراك و الاخطر في تلك الاقالة، هو اننا شاهدنا ما هو اقرب الي موامرات القصور، اذ نصب كمين لمكريستال، الذي كان مطلوب اقالته منذ فترة، و لما وقع في الكمين "الصحفي" جرت الاطاحة بة علي نحو عاجل، وسط حالة من القلق و الارتباك في المؤسستين السياسية و العسكرية،بما استدعي "مبايعة" العسكريين للرئيس و الادارة،و القيام بحركات و تحركات اعلامية متعددة الاتجاهات للخروج من المازق او الازمة. ففي جانب جري اظهار اوباما بمظهر "القائد الحاسم" وكان يخوض معركة في اتخاذ القرارات، ومن جانب اخر جري اظهار الرئيس بمظهر الذي لا ياثر لنفسة، بعتبار ان القائد العسكري قد اهان الرئيس، فقيل ان الرئيس اصر علي ان يكون تقاعد ماكريستال بشكل مريح معيشيا. و من جانب ثالث .جري اختيار بترايوس بدلا من ماكريستال، بما اظهر الى اى حد تعيش القيادة السياسية و العسكرية للحرب في حالة اضطراب على مستوى صناعة القرار اذ جري اختيار بترايوس لتفادى اجراء مناقشات في الكونجرس حول القائد الجديد – و لسرعة اجراء التغيير –باعتبار ان بترايوس يشغل موقعا اعلي في القيادة المركزية التي تتبعها الجيوش التي تقاتل و تحتل العراق و افغانستان .

كان مطلوبا اقالة ماكريستال، منذ ذهب الى حلف الاطلنطى و حصل علي موافقة الدول الاطلسية علي زيادة عدد القوات التي هي امريكية بالاساس – قبل ان يتخذ اوباما و ادارتة قرارا بزيادة القوات، بما وصف بانه عملية فرض للقرار علي ادارة اوباما، التى فوتت الازمة وقتها، حتي جرى نصب كمين لمكريستال و الاطاحة بة. الان ماذا سيفعل بترايوس ؟!

 

الوضع الراهن
في الوضع الراهن في افغانستان، فالتوصيف العام هو ان المعركة حول هذا البلد شهدت تغييرا في موازين القوي لصالح المقاومة، وعلي نحو جعل المعركه الامريكية في حالة يأس .والقصد ان كل ما اعتمدت علية الولايات المتحدة في قرارها خوض المعركة علي افغانستان، وكل ما كان الي جانبها وفى مصلحتها، في المرحلة الاولي من الحرب قد تغير، واصبح يصب في مصلحه حركة التحرير الوطنية الافغانية.بدات الولايات المتحدة و هي في كامل لياقة وتهور قوتها العسكرية و الاقتصادية و السياسية و الاعلانية،كما كانت قيادتها السياسية تحظي بحالة دعم كبير من الراي العام الامريكى وفي الاقليم المحيط بافغانستان، كان الاقليم في حالة "خوف " -علي الاقل –من معارضة الاستراتيجية الامريكية التى كانت مشفوعة بتهديدات عسكرية بالقصف والقتل والتدمير للحضارة، فضلا عن وجود دول-كما هو حال ايران -في موقع الداعم للخطة و الاهداف الامريكية .وفي افغانستان كان هناك قوي تحالف الشمال، التي وجدت ضالتها في الهجوم الامريكى علي حركة طالبان، التى كان الاعلام الغربي و العربي، لا يبدى تعاطفا معها في بداية الحرب .

الان كل تلك العوامل تغيرت، و صارت في حالة تفاعل مع بعضها البعض لتعرز اوضاع حركة طالبان .من ناحية القوة الامريكية فقد تعرضت لحالة نكسة خطيرة،بفعل ما جري في العراق من خسائر خطيرة،ولظروف التدهور للوضع الاقتصادى الامريكى الداخلي و من ناحية الحلفاء فقد ساءت اوضاعهم، كما الراي العام الامريكى المؤيد للحرب، لم يعد علي حالته بل تحول الي موقف مضاد لها .

وعلي صعيد الحلفاء الاطلسيين، فقد تعرضت معظم البلدان المشاركة للولايات المتحدة في احتلال افغانستان و في المعركة الجارية علي ارضها لضربة اقتصادية –كما هو حال الدول الاوروبية –كما باتت حكوماتها تعانى من تناقص تاييد الراى العام لمشاركتها في الحرب، فضلا ان خسائرها العسكرية صارت في تزايد يدفع متوالية الضغوط الداخلية لتنتهى الى الانسحاب .

وعلي الصعيد الاقليمى، فقد جرت تحولات هامة، لعل اكثرها اهمية و تاثيرا، ما حري لموقف الباكستاني، اذ جري تحول في موقف الحكم من الحرب الجارية في افغانستان، بفعل الضعف الامريكى من جهه، و الاخطاء الامريكية صياغة توازنات تلك الحرب داخل الاقليم،خاصة استعانتها بالهند و فتحها ابواب افغانستان امامها، و من جانب اخر فقد تصاعدت الحملة العسكرية التى تخوضها جماعات باكستانية ضد القوات الامريكية فى باكستان، بما ادي الى تقلص عمليات الامداد و التموين للقوات الامريكية في افغانستان، عبر الاراضى الباكستانية، الامر الذي دفع الادارة السياسية الامريكية لتقديم تنازلات لروسيا في ملفات اخري، مقابل فتح مجالها الجوي لمرور امن للطائرات الامريكية التي تحمل المون (و الزخائر بطبيعة الحال)،و في ذلك لا تبدو الحالة المتصاعدة في العلاقات الامريكية الايرانية بعيدة عن ارتباك اوراق الحملة العسكرية الامريكية في افغانستان.

وعلي الصعيد الداخلي في افغانستان، فقد شهد الراي العام الافغاني مئات من التحركات المضادة للوجود الامريكى،كما تزايدت اعداد القوي و المجموعات المنعزلة عن مساندة حكم كرازاى، و التى كانت في صلب القوي الداعمة له و لسلطة الاحتلال .
كل تلك العوامل غيرت المعادلة التى بدات بها الولايات المتحدة حملتها العدوانية علي افغانستان، و جعلت الاوضاغ الراهنة في مصلحة طالبان، التى طورت خططها الاستراتيجية الي الهجوم الاستراتيجي العام على القواعد الامريكية والاطلسية الثابتة، انتقالا من المرحلة الثانية لخططها التى اعتمدت خفة الحركة و الضرب في الاطراف و اصطياد المجموعات المنعزلة لقوات الاحتلال او المجموعات المتحركة دون تغطية جوية قوية، و التي سبقتها مرحلة كانت طالبان تركز فيها جهودها علي تجميع قواتها، و القيام باعمال الحشد و التعبئة الجماهيرية .

 

بترايوس …و الفتنة
حين يبدأ بترايوس قيادته للقوات الامريكية و الاطلسية التى تحتل افغانستان، فليس صحيحا انه لن يغير استراتجيتة خوض الحرب ..بل هو سيفعل ذلك حتما .و اذا كان الساسة و الاعلاميين الامريكيين قد تحدثوا طويلا و اكدوا علي مقولة، لا تغيير في الاستراتيجية ولا في خطط العمليات، فان ما هو قادم علي يد بترايوس،هو التغيير بعينة، الا اذا كانت امريكا لا تخشي من الهزيمة، و كذلك الاطلسى، و الا اذا كانت تحشد جنودها هناك للتدريب الحسمانى و النفسي علي مواجهة عوامل الطبيعة الافغانية .
ماكريستال اقيل "بحركة امريكانى " طالما حدث مثلها الكثير في داخل اصنابير العلاقات بين الساسة و العسكر، و بترايوس قادم لخوض المعركة وفق روية جديدة مختلفة، الاساس فيها تحقيق الظروف المناسبة لسحب القوة القتالية الامريكية المستنزفه في افغانستان .

ووفق متابعه ما هو معلن عن خطط و طرق بترايوس في العمل و التفكير، فان بترايوس سيصبح الحاكم الفعلي لافغانستان،مع اعلي قدرة علي الدعاية الاعلامية الزائفة و المفبركة عن دور كرازاي وحكومتة و ما تحقق من انجازات علي الارض، لايهام الشعب الافغاني، بانه محكوم بافغانيين.

و سيركر بترايوس كل جهوده، والاموال المخصصة لحكم او لادارة كرازاى، في تشكيل مليشيات افغانية بالالاف، موالية للقوات الامريكية وتحت رعايتها المباشرة (مالا و تدريبا و تسليحا )،لتصبح طالبان في مواجهة ابناء شعبها، و في ذلك سيهتم بترايوس بالبعد العرقي و الطائفى في تشكيل تلك الميشيات و تحديد اهدافها .

والاغلب، اننا سنشهد توسعا في عمليات المخابرات علي اوسع نطاق في داخل افغانستان، سواء علي صعيد استمالة الشخصيات العشائرية و القبلية، او من خلال توسيع اعمال الاغتيالات لشخصيات و اعمال التفجير ضد اماكن افغانيه او في شوارع و اسواق ومدن بعينها، و اتهام طالبان او مجموعات اخري بالوقوف ورائها .

اي ان خطة بترايوس الجديدة، ستتلخص في كلمة واحدة هي :الفتنة، لادخال المجتمع الافغاني في حالات اقتتال داخلي، و لمنع التفاف و تحلق هذا الشعب حول طالبان، من خلال تحويل الصراع الي صراع افغانى افغاني، بل و صراع افغاني باكستانى، وربما هندى باكستانى ايضا .
نحن نشهد ادارة سياسية و استخبارية للمعركة الجارية فى افغانستان، تعطى تلك الابعاد الاهمية اكثر من فكرة الصراع القتالى التقليدى او المباشر، التى كان يعتمدها ماكريستال .

 

طالبان…و المواجهة
يمكن القول –وربما الجزم –بان الوقت فات،و لم يعد من الممكن تحويل اتجاه المعركة من هزيمة استراتيجيه امريكية الي انتصار،بل يمكن القول- وربما الجزم ايضا-ان جوهر خطة بترايوس، هو اعتماد استراتيجية ارباك الوضع الافغانى لتحقيق انسحاب عسكري امريكى افضل في مظهرة السياسى . ذلك ان العوامل الموجودة علي الارض، و ظروف الاقليم و الوضع الذي تعيشة دول الاطلسي، ومعالم القدرة الامريكية المتراجعه، كلها توكد صعوبة –وربما استحاله- التغيير و التحول من وضع الهزيمة الاستراتيجية لامريكا الى تحقيق انتصار استراتيجى مضاد.

وعلي كل فان حركة طالبان سيفرض عليها تحديات في المرحلة القادمة لاشك في ذلك، اغلبها تحديات ذات طابع "شعبي"، جراء محاولات اشعال الفتن في البلاد، ومن ثم هي تحتاج اكثر من اي وقت مضى، الي ابتكار و تجسيد وجود اشكال من التواصل اليومى مع شعبها، و تعميق حالة التوحد الوطني في مواجهه خطة بترايوس . وفي ذلك يبدوا الاهم ان تكون اشكال التواصل مع الجمهور العام هي اشكال سياسية تتفق و طبيعة المجتمع،بالاختلاف مع الوضع الراهن، الذي يجري وفق حالة دمج بين العمل السياسي و العسكري .

طالبان فى وضع يمكنها من تحقيق انتصار حاسم، والحاق هزيمة مذلة بالقوات الامريكية والاطلسية، والامر يتطلب قدرا من التعديل على استراتيجيتها الراهنة باتجاه توسيع التحالفات الداخلية والخارجية وبذل جهد اوسع فى العمل السياسى والجماهيرى فى الداخل، الى جانب العسكرى طبعا .