أنت هنا

الردود على الأدلة من كلا الفريقين
7 شعبان 1431
اللجنة العلمية
الرد على أدلة القائلون بجواز الاختلاط
          إن نصوص المبيحين لاختلاط الرجال بالنساء ضعيفة في دلالتها، وهي كذلك في غير محل النزاع.. فأما كونها ضعيفة الدلالة، فلأمور أربعة هي: أنها عملية، متشابهة، مبيحة، على البراءة الأصلية.
الأول: أنها عملية.
ليست بقولية، والمعلوم عن أهل الأصول والفقهاء والمحدثين، من حيث المبدأ والأصل: أن القول مقدم على الفعل، وأن ما كان أمرا بالقول فهو مقصود لذاته؛ لأنه موضوع للدلالة على الأمر، بلا خلاف، وهو يدل على الوجوب بنفسه من غير واسطة.
والدليل يؤكد هذا، فإن الله تعالى يقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، فقال: {عن أمره}، والأمر هو القول، قال تعالى: {ولكن حق القول مني: لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}.
فأما الفعل فإنه قد يكون مقصودا، وقد لا يكون مقصودا، وقد يكون عمدا، وقد يكون سهوا، كما تقدم في مثال استقبال القبلة في قضاء الحاجة، فلا يأخذ منه حكم ابتداءً، لكن القول يؤخذ منه. فقول النبي صلى الله عليه وسلم يتعدى إلى غيره بنفسه، بخلاف فعله، فلا يتعدى إلا بدليل. فإذا اجتمعا كان التمسك بقوله، وحمل فعله على التخصيص ونحوه هو الواجب.
قال الزركشي([1]): "أن يكون أحدهما قولا والآخر فعلا، فيقدم القول؛ لأن له صيغة، والفعل لا صيغة له". والكلام نفسه بحروفه ذكره الشوكاني في إرشاد الفحول([2]).  وقال الزركشي أيضا([3]): "مذهب الجمهور: تقديم القول:
-         لقوته بالصيغة.
-         وأنه حجة بنفسه.
وظاهر كلام ابن برهان أنه المذهب.
وجزم به إلكيا. قال: لأن فعله لا يتعدى إلى غيره إلا بدليل، وحق قوله أن يتعداه، فإذا اجتمعا تمسكنا بقوله، وحملنا فعله على أنه مخصوص به.
وكذا جزم به الأستاذ أبو منصور، وصححه الشيخ في اللمع، والإمام في المحصول، والآمدي في الأحكام، والقرطبي وابن حزم".
قال في الكوكب المنير([4]): " (وإن جهل) هل تقدم الفعل على القول، أو تأخر عنه (وجب العمل بالقول) دون الفعل؛ لأن القول أقوى دلالة على الفعل:
-          لوضعه لها.
-         ولعدم الاختلاف في كونه دالا.
-         ولدلالته على الوجوب وغيره بلا واسطة.

-         ولأن القول يدل على المعقول المحسوس، فيكون أعم فائدة".

 

 

الثاني: أنها متشابهة.
أي محتملة لأكثر من معنى، كما سنبين في المثال الآتي، والنصوص المتشابهة لا يؤخذ من معانيها إلا المعنى الموافق للمحكم، ويطرح ما عداه، لكن المبيحين أخذوا المعنى المعارض للمحكم، وطرحوا الموافق له، عكس سبيل المؤمنين العلماء الراسخين في العلم.
الثالث: أنها مبيحة.
تقابلها نصوص تقتضي الحظر، والحظر مقدم على الإباحة؛ لأن المحرمات يحتاط لإثباتها ما أمكن.
قال الرزكشي([5]): "أن يكون أحدهما أقرب إلى الاحتياط؛ أن يقتضي الحظر، والآخر الإباحة، فيقدم مقتضى الحظر؛ لأن المحرمات يحتاط لإثباتها ما أمكن، ولحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)".
وفيه([6]): "أن القاضي بكار سأل المزني: يا أبا إبراهيم!، جاء في الأحاديث تحريم النبيذ، وجاء تحليله، فلم قدمتم التحريم على التحليل ؟. فقال المزني: لم يذهب أحد من العلماء إلى أن النبيذ كان حراما في الجاهلية ثم نسخ، ووقع الاتفاق على أنه كان حلالا، فهذا يعضد الأحاديث بالتحريم. فاستحسن ذلك منه".
وعلى النسق نفسه نقول: لم يذهب أحد من العلماء إلى أن الاختلاط كان حراما في الجاهلية ثم نسخ، ووقع الاتفاق على أنه كان حلالا أو مباحا غير محرم، فهذا يعضد الأحاديث بالتحريم؛ أي يدل على نسخ الإباحة.
الرابع: أنها على أصل البراءة.
والتحريم والحظر ناقل، والناقل عن الأصل مقدم؛ لأن فيه زيادة وهو الحكم بالتحريم، أما الأصل والبراءة فليس فيه حكم، بل مسكوت عنه، جارٍ على العادة.
قال الزركشي([7]): "أن يكون أحد الخبرين مفيدا لحكم الأصل والبراءة، والثاني ناقلا، فالجمهور على أنه يجب ترجيح الناقل".
فدلالة نصوص الإباحة ضعيفة لواحد من هذه الأمور منفردا، فكيف بها مجتمعة ؟.
أي لو فرض عدم معرفة تاريخ المتقدم والمتأخر والمنسوخ والناسخ، لكانت هذه الأمور الأربعة – منفردة أو مجتمعة - كافية في إبطال الإباحة وتقديم الحظر والتحريم، كيف وقد علم يقينا أن هذه النصوص لا تعارض التحريم، كونها في غير محل النزاع.

فكونها في غير محل النزاع، فلثلاثة أمور:

 

 

الأول: أنها نصوص كانت قبل الحجاب.
كحديث دخوله صلى الله عليه وسلم على أم حرام وأم سليم، وإضافة الرجل وزوجه للضيف وأكلهما معه، وخدمة أم أسيد الحضور من الرجال يوم عرسها، ودخول عائشة على أبيها وبلال لما قدما المدينة وبهما حمى يثرب، ووضوء الرجال والنساء جميعا وغير ذلك، فكل هذه عليها قرائن ثابتة تبين أنها كانت قبل نزول الحجاب في نهاية السنة الرابعة، فلا حجة فيها إذن.
فحديث أم سليم وأم حرام سيأتي تفصيله، وحديث الضيف يدل على فقر كان بالصحابة، حيث لم يتعرض لإضافته سوى هذا الرجل، ولم يكن معه شيء هو أيضا، إلا قوت أولاده، وكذلك الناس كانوا قبل نهاية السنة الرابعة (= سنة الحجاب)، حتى فتح عليهم من الرزق بعد ذلك.
وأم أسيد ولدت أسيدا، وهو معدود في الصحابة، فمن المقطوع به أنه ولد قبل الحجاب، وإلا كان عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين.
وعائشة إنما دخلت على أبيها وبلالا في أول مقدمهم إلى المدينة، حيث كان بها حمى يثرب، حتى دعا النبي صلى الله عليه وسلم، فنقل حماها إلى الجحفة.
ووضوء الرجال والنساء جميعا قطعا كان قبل الحجاب، لو كان معنى "جميعا": في آن واحد، من إناء واحد. لأنه بالاتفاق لا يجوز للمرأة تبدي للأجنبي قدمها، وساعدها حتى المرفق، ورأسها وشعرها وأذنها، وكل ذلك من مواضع الوضوء، فوضوءها عند الرجال يعني كشف كل ذلك. وكلام الشارع لا يتناقض، حيث أمرها بستر كل ذلك أمرا صريحا.
الثاني: أنها كانت مع محارم.

كما قد ذهب بعض العلماء في حق أم حرام وأم سليم أنهما كانتا خالتا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع، حيث رضعن مع أمه آمنة، والتي كان أخوالها من الأنصار، وكذا في قصة المرأة التي كان تفلي شعر أبي موسى الأشعري في حجة الوداع، يحتمل أنها كانت من محارمه.

 

 

الثالث: أنها حالات استثنائية:
-         فمنها ما كان ضرورة وحاجة، كخروج النساء للجهاد؛ لقلة الرجال، فلما كثروا قل خروجهن، وحضورهن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم للسؤال والشكوى ونحوه، وخروجهن للسوق والصلاة والطواف والحج، كل ذلك يقع فيه اختلاط، لكن لا بد منه، فتسامح فيه الشارع، ولم يؤاخذ به.
-         ومنها أن المختلطة كبيرة، بالغة سن اليأس، في مقام الأم والجدة، كما قد يقال كذلك في قصة المرأة فَلَتْ شعر أبي موسى الأشعري، وهو وجه ثان في التخريج؛ فإذا لم يثبت محرميتها له، فيحتمل أنها كبيرة لا تشتهى، وحكمها بالقطع ليس كحكم الشابة، فإن لها أن تضع خمارها، فتكشف عن وجهها غير متبرجة بزينة، كما في الآية، فإن احتيج إليها في تطبيب ونحوه فلا بأس. وكذلك حديث سهل بن سعد في إطعام المرأة لهم يوم الجمعة، فإنها كانت كبيرة، وهم صبية، وفيه تخريج آخر: أنه لا يلزم من إطعامها جلوسها معهم، بل مجرد تقريب الطعام، وذلك لا مؤاخذة فيه.
-         ومنها ما كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما في إرداف أسماء، وهكذا كان جواب بعض العلماء الذين لم يثبت عندهم قرابة أم سليم وأم حرام للنبي صلى الله عليه وسلم، فجنحوا إلى الخصوصية، وهو وارد، حيث عصمته من الإثم في هذا يقيني، وليس لغيره مثل هذه العصمة، ثم هو أب للمؤمنين، يزوجهن بغير ولي، كما أن أزواجه أمهاتهم. يدل عليه: أن أحدا من الصحابة لم يقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدخول على الأجنبيات.
فبهذه الطريقة يمكن الرد عليهم فعلى سبيل المثال استدلالهم بما روى البخاري في صحيحه في الاستئذان، باب: من زار قوما فقال عندهم. حديثين عن أنس:
-         (أن أم سليم كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نطعا، فيقيل عندها على ذلك النطع. قال: فإذا نام النبي صلى الله عليه وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة، ثم جمعته في سُكّ وهو نائم. قال: فلما حضر أنس بن مالك الوفاة، أوصى أن يجعل في حنوطه من ذلك السُكّ، فجعل في حنوطه).

-         كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب قباء، يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل يوما فأطمعته، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله ؟. فقال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة، أو قال: مثل الملوك على الأسرة – يشك إسحاق – قلت: ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا). الحديث

 

 

ظاهر الأثرين معارض، يخالف كافة نصوص تحريم الاختلاط، وأكثر من ذلك؛ فإنه يخالف صريح نهي النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء). رواه البخاري/ النكاح/ لا يخلون رجل.
فكيف يكون الجواب عنهما، فإنه من المحال الأخذ بهما وإباحة الدخول والاختلاط؛ لأنه هدر لنصوص كالجبال سبقت في المنع والتحريم ؟.
للجواب سؤال: هل يمكن أن يكون لهذين الأثرين جواب غير أنهما يبيحان الاختلاط ؟.
نعم، ثمة أجوبة كلها محتملة واردة، فمن ذلك: أنها حادثة قبل الحجاب، أو أنهن محارم، أو خصوصية.
فأما احتمال كونها قبل الحجاب؛ فذلك أن الرجال كانوا يدخلون على النساء بيوتهن، حتى تزوج عليه الصلاة والسلام بزينب، فدخل الناس للطعام، فأطالوا المكث وهم جلوس، وزينب جالسة، والرسول يدخل ويخرج، حتى نزلت الآية في سورة الأحزاب: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ..}، إلى قوله: {وإذا سألتموهن متاعا فأسألوهن من وراء حجاب}. فخرج الرجال وضرب الحجاب. (رواه البخاري) ومنعوا من الدخول بعد ذلك على النساء، وقال: (إياكم والدخول على النساء).
فالحجاب والنهي عن الدخول ثبتا قولا، وبه تأسس الحكم بالمنع من هذا الاختلاط، وبعد ذلك، فكل ما أتى من خبر فيه: أنه دخل على امرأة أجنبية بيتها. فحمله على ما قبل الحجاب هو المتوجب. إذ النبي لا يخالف إلى ما نهى عنه عامدا قاصدا إلا بعذر شرعي، قال تعالى: { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه..}.
وبهذا الجواب نحفظ للنصوص وقدرها ودلالتها ومعانيها، ونكون قد أجبنا على ما أشكل جوابا معقولا ممكنا غير محال، ومهما أمكن الجواب عن المشكل بما لا يعطل المحكم الثابت، فهو الواجب، لا جواب معطل.
على أن له جوابا آخر هو: الخصوصية. فالنبي معصوم من الفواحش بالاتفاق والإجماع، فافتتانه محال شرعا، فلا ريبة من دخوله على النساء المؤمنات، ثم هو كذلك أب للمؤمنين والمؤمنات.
ومع ذلك، فمهما أمكن حمله على ما قبل الحجاب، فهو الأوجه والأحسن.
وقد ادعى بعضهم أن حادثة أم سليم كانت بعد حجة الوداع، بدليل ذكر الشعر، فزعم هذا أن الشعر كان مما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لطلحة في منى، فأخذته أم سليم فخلطته بعرقه في سك([8]).
لكن الروايات تفيد أنها كانت تفلي شعره، وهذا حال يمكن معه تساقط بعضه. وهكذا لا يلزم من ذكر الشعر، وقوع القصة بعد حجة الوداع.
بل في حادثة أم حرام ما يدل على أنها كانت قبل الحجاب؛ إذ فيها بشارة بالفتح ناحية البحر، وهذا دليل على امتداد الفتوحات إلى أمكنة بعيدة، ثم وصفهم بالملوك على الأسرة، وصف عزة وقوة. وقد كانت المبشرات في أوائل العهد النبوي، حيث كان النبي ومن معه يحتاجون إليها للتثبيت واليقين. أما بعد السنة الرابعة، فقد تحول الأمر جذريا من الضعف إلى القوة، حتى فتحت سائر جزيرة العرب، فحمل الحادثة على ما بعد حجة والوداع لا وجه؛ فلا حاجة إلى المبشرات، وهم يفتحون البلدان.
وهناك ما يدل على هذا أيضا، فقد قال ابن حجر([9]): " ثم قال: وإذا تقرر هذا، فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا على أم سليم، فقيل له. فقال: أرحمها. قتل أخوها معي. يعني حرام بن ملحان، وكان قد قتل يوم بئر معونة".
أما حادثة بئر معونة، فكانت شهر صفر سنة أربع، والحجاب كان في ذي القعدة من السنة نفسها، فبين الحدثين تسعة أشهر، فدخوله بعد حادثة البئر، قبل الحجاب، هو المتعين لقرب المصيبة.
وأما احتمال المحرمية،  فإن الرميصاء أم سليم، أخت للغميصاء أم حرام بنت ملحان، وقد قال بعض الحفاظ: "كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة"([10])، وقد رد الدمياطي هذا فقال: "ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أو من النسب، وكل من أثبت لها خؤولة محرمية؛ لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعنه معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار ألبتة". المرجع نفسه. 
لكنه هو الذاهل، فإن الزاعمين – بحسب تعبيره - قالوا: إحدى خالاته. ولم يقولوا: أمهاته.
والمقصود: أنه أمة آمنة رضعت مع أم سليم، وليس هو الذي رضع، فتكون بذلك خالته من الرضاع.
ورضاعتهما معا متصور، فأخوالها من بني النجار في المدينة، وهي كذلك.
هكذا تدرس هذه النصوص والآثار المعارضة في ظاهرها لحكم أصيل محكم، وما من أثر إلا وله جواب كجواب ما سبق، ثم يبقى الاختلاط غير المقصود العفوي غير المنظم، فذلك مما وسع الله به على عباده، غير مكلف لهم ما لا يطيقون، من دون أن يكون ذريعة للتهاون.
فإن الشارع معه إباحته للاختلاط العفوي، إلا أنه استحب التجافي عنه قدر الإمكان من غير إيجاب، وذلك تبين في مواطن عديدة، منها:
-         أمره النساء لزوم حواف الطريق في مشيهن، وترك الوسط للرجال.
-         ترغيبهن في الصلاة في بيوتهن، مع نهيه عن منعنهن المساجد.
-         في إشارته أن يطفن من وراء الرجال.
فحاجات المرأة كحاجات الرجل، وانفصالها التام عن الرجال، بحيث لا تراه ولا يراها ألبتة، يفوت عليه وعليها منافع شتى، ويجلب الحرج والعسر، ويمنع من التيسير، وقواعد الشريعة وأصولها تقوم على اتساع الأمر إذا ضاق، والتيسير إذا حلت المشقة.
وعليه: فقد أجاز لها الخروج والمخالطة بما يحقق حاجاتها، من غير أن يكون ذريعة إلى المنظم أو اختلاط لا حاجة له شرعية.
وفيما يلي الرد على أدلتهم السابق ذكرها بشيء من الإيجاز:
الرد على الدليل الأول/ أنهذه المرأة من القواعد كبيرات السن ..ثم إنه لم يحصل اختلاط, فهناك حجابوستر بينهم ..
الرد على الدليل الثاني/ أن ذلك بعدنزول آية المنع من الخروج والأمر بالوقر في البيوت، فقد سمح الشارع الحكيم خروجهنلحاجتهن، وهذا يسمى «الاباحة المقيدة ـ للحاجة ـ بعد الحظر»، وليس يكون حالها (خراجة ولاجة تخرج بحاجة وغير حاجة) ؛ فالحديث ليس فيه الا جواز خروج النساءلحاجتهن فخروج المرأةللسوق وغيرها ـ مع كونها أبغض الأماكن عند الله لما يحدث فيها ـ لا يمنعه من يمنعالاختلاط عامة، فالحاجة والضرورة تقدر بقدرها، والحاجة تنزل منزلة الضرورة، كماقرره أهل العلم، فمن يزعم الاباحة المطلقة عليه الدليل، وخصوصاً ما ورد في النصالسابق «أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ»، فهذا في حق أمهات المؤمنين التقياتالعفيفات، فكيف بمن هن دونهن ؟! فتأمل!.
الرد على الدليل الثالث/ هنا المحرم موجود (وهو الزوج)، والمرأة ولا نشكأنها كانت محتشمة متغطية، وهذا ما يجيزه بعض أهل العلم في تلك المواطن مثل الضيافة،أو التطبيب في الحرب...ونحوه (وهذا يعلم من تبويب العلماء في كتبهم التي ترويالحديث فتراجمهم فيها فقههم وأينالاختلاط الحاصل بطوال ودوام الاحتكاك في مواطن الدراسة والعمل... ونحوه ودونمحرم؟!. وأيضا فقد وجه ابن حجر (رحمه الله) ذلك الحديثبقوله: قال ابن حجر في الفتح: والذي يظهر أن القصة كانت قبل نزول آيات الحجابومشروعيته.
الرد على الدليل الرابع/ جاريتانوليستا بنساء بالغات متبرجات، حيث كان عمر الواحدة منهن لا يتجاوز سنالبلوغ «السابعة أو الثامنة»، فأين هذا الدليل من جواز الاختلاط بالنساء في العمل،وجواز سماع الرجال
الرد على الدليل الخامس/ ومن تأمل هذه الآية وما جاء قبلها وبعدها جزم بأنه لا يصح الاستدلال بها على جواز الاختلاط، بل الآيات حجة عند النظر والتأمل لمن منع من الدخول على النساء ومخالطتهن: فيوسف عليه السلام اشتراه عزيز مصر، وكان في بيته وكان خروجه بأمر ربة البيت فكان الخروج في حقه لضرورة أو حاجة، خاصة وأنه لا يعلم لماذا دُعي، فغاية ما في القصة الاستدلال بفعل النسوة أو امرأة العزيز، وهذا استدلال بفعل من كان على الشرك، ومع ذلك فإن الآيات في سياق القصة وما تبعها من فتنة حصلت للنساء بل ولامرأة العزيز من قبل دليل على حرمة الاختلاط، فمن حلل الاختلاط بقصة يوسف لم يفقه ما استدل به عليه من سورة يوسف، ولو فقهه لحرم الاختلاط به، فانظر إلى الفتنة التي حصلت إثر الدخول على النساء ولئن عصم الله يوسف عليه السلام فأراه برهان ربه لكونه من المخلصين، فمن الذي يضمن هداية من تقحم الفتن وعرض نفسه لها؟ فـ"إياكم والدخول على النساء"، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم([11]).
الرد على الدليل السادس/ وليس فيه حجة على جواز الاختلاط بل هو دليل آخر على المنع، فموسى لما رأى أُمّة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين تذودان غنمهما عن السقيا مع القوم، منعزلتان لاتسقيان مع الناس، لم يرضه موقفهما واستغربه ولهذا سألهما بعبارة مختصرة: ما خطبكما؟ فكان الجواب بأوجز عبارة وبقدر الحاجة: (لانسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير).والأسئلة التي ينبغي أن تطرح هنا لماذا هذا الاقتضاب؟ مع أنه عند أبيهما قص القصص! ولماذا لم تسقيا؟ ولماذا ذادتا غنمهما؟ وعن ماذا ذادتا الغنم؟ أليس عن الاختلاط بغنم القوم؟ ثم أليس الأولى لهما أن تعجلا؟ جواب ذلك في القول باستقرار المنع من الاختلاط عندهما ولهذا قالتا: (لا نسقي حتى يصدر الرعاء(، وقد ذكر بعض المشايخ المعاصرين أربعة عشر وجهاً في القصة انتزع منها الدلالة على منع الاختلاط. وآخر ذكر تسعة عشر مظهراً من مظاهر العفة في القصة.
الرد على الدليل السابع/ وهو كما ترى ليس فيه ذكر لولاية بل ولاسوق! ثم إن الاحتمالات ترد على معناه وغاية ما فيه أنه -ابن أبي سليم- رأى سمراء تأمر وتنهى، ولم يقل أنها اتخذت ذلك عملاً أو وليته منصباً، فربما كانت خارجة لبعض حاجتها فرأت المنكرات فأنكرتها، وهذا دأب عباد الله الصالحين، ولعل مما يجعل هذا الاحتمال وجيهاً هو عدم نقل غيره له ولو كان مَنصِباً لكان معروفاً مشهوراً منقولاً عن غيره، ولاسيما لو كان منصباً في محل عام يرده ويصدر عنه الفئام، بل ندر من لاتكون له حاجة فيه. وأهل العلم لايحرمون خروج المرأة للحاجة أو الضرورة وإن تكرر الخروج، فلو خرجت امرأة لحاجة والتزمت بضوابط الشرع في خروجها، فلا حرج عليها، فإذا رأت منكراً وكان بوسعها إنكاره فعليها أن تنكره، وهذا غاية ما في أثر بنت نهيك. ولا يُعرف من أشار إلى توليتها السوق منصباً، وإنما ذُكر عن عمر -رضي الله عنه- أنه ولَّى أم سليمان بن أبي حثمة الشفاء بنت عبدالله العدوية القرشية شيئاً من أمر السوق، وقد كانت موصوفة بفضل وعقل وهي من المهاجرات الأوائل رضي الله عنهن جميعاً، ولعل خبر توليتها السوق ليس له سندٌ يُعوّل عليه، كما أن ظاهر كلام أهل العلم يفهم منه تولية ابنها ومساعدتها له في بعض الشأن، فقد ذكرها الحافظ المزي فقال: "وكان عمر بن الخطاب يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما ولاها شيئاً من أمر السوق ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر" ([12]) ونقله نحوه ابن حزم([13])  ولكن الزرقاني أشار إلى أن من وُلِّي هو ولدها سليمان بن أبي حثمة، قال: "وقال (أبو) عمر رحل مع أمه إلى المدينة وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان" ([14])، وكلام الزرقاني هو الذي نص عليه ابن عبدالبر كما في الاستيعاب([15]) ، وقد نقله الحافظ ابن حجر في الإصابة، وقال: " قلت هذا كله كلام مصعب الزبيري وذكره عنه الزبير بن بكار"([16]) . فغاية ما في هذا إن ثبت - فمصعب الزبيري توفي في ستة وثلاثين ومائتين وبينه وبين عمر مفاوز- أن عمر رضي الله عنه ولاها شيئاً من أمر السوق مع ابنها، ولعل ذلك فيما يختص بما يحتاج الرجال دخول النساء فيه فكانت تساعده في ذلك والله أعلم، وهذا الصنيع له وجهه الذي لا يخفى فإن شؤون النساء قد لايناسب مباشرة بعض حالات احتسابها رجال، وهذا ظاهر.
الرد على الدليل الثامن/ بالنسبة لشبهةالوضوء فهذه أقوال العلماء حولها : قال العلماء : ( اِجْتِمَاع الرِّجَال وَالنِّسَاء لِلْوُضُوءِ فِي إِنَاء وَاحِد فَلَا مَانِع مِنْالِاجْتِمَاع قَبْل نُزُول الْحِجَاب ، وَأَمَّا بَعْده فَيَخْتَصّ بِالزَّوْجَاتِوَالْمَحَارِم([17])  وظاهر قولهجميعاً أنهم كانوا يتناوبون الماء في حالة واحدة ولا مانع من ذلك قبل نزول الحجابوأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم قاله الحافظ. وقال الرافعي: يريد كل رجل معامرأته وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد، وكذلك ورد في بعض الروايات واستحسنهالسيوطي ) ([18]) . بل ذكر ابنالجوزي([19]) عن أبي سلامة : انتهيت إلى عمر وهو يضرب رجالاً ونساءًفي الحرم على حوض يتوضئون منه , حتى فرق بينهم , ثم قال : يا فلان . قلت : لبيك . قال : لا لبيك ولا سعديك !! ألم آمرك أن تتخذ حياضاً للرجال وحياضاً للنساء؟والحديث الثاني حول شبهة الوضوء مشكوك في صحته خاصة بالسند , فسند( اختلفت يدي ويد الرسول .. ) ففيه أسامة بن زيد الليثي : وأحاديثه بين (اضطراب ) و(مناكير) , هو (ضعيف) و ( ليس بشيء ) , و ( يُكتب حديثه ولا يُحتج به ) و ( ليسبالقوي ) و (ليس بالثقة ) , وهذه ألفاظ علماء الحديث بالنص عنه , كما في الكامللابن عدي , الجر ح والتعديل للرازي , والتعديل والتجريح للباجي المالكي . مع العلم حتى ( لو ) صح فهو كما قال علي أبا بطين عنه وعن حديث وضوء الرجال مع النساء : (محمولتانعلى ما قبل وجوب الحجاب، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم، ولا يسوغ حملهما على ما بعدفرض الحجاب، لأنه ضرب للأدلة بعضها ببعض، ولاسيما أن أدلة تحريم الاختلاط تضافرتبعد الهجرة النبوية وهي متواترة ) كما أوضحنا سابقاً عند ابن حجر وغيرههذا الحديث يجب ربطه بحال الفقروالشح الذي كان في ذاك الزمن، لا ما كان في زماننا من تسهيل ذلك وتوفره، فكانتالمياه شحيحة، ويتوافق دخول وقت الصلاة وجود الآنية الصغيرة (مواطن الماء) والمياهالقليلة مع توافق دخول الوقت للصلاة، وقد يقال ان الرجال كانوا يتوضأون ثم يأتيالنساء ليتوضأن، وكل ذلك من اناء واحد (كما ذكره الشراح ووجهواالأحاديث) أو لعل الناس كانوا يتسابقون على الماءللعبادة، كحالنا الآن عند ماء زمزم، ولا يراد به ما يظنه الظانون، الذين يريدون أنيخربوا بيوتهم بأيديهم وهم لا يعلمون!.وقد قال ابن حجرالعسقلاني في شرح الحديث: (جَمِيعًا): وَقَدْ أَجَابَ اِبْن التِّين عَنْهُ بِمَاحَكَاهُ عَنْ سَحْنُون أَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ الرِّجَال يَتَوَضَّأونَوَيَذْهَبُونَ ثُمَّ تَأْتِي النِّسَاء فَيَتَوَضَّأْنَ.

 

 

 

مما رد به المجيزون على المحرمون للاختلاط
لما كانت من الوضوح بمكان، عمد مبيح الاختلاط إلى تأويلها وصرف معانيها إلى ما يتوافق والاختلاط، أو الإعراض عنها !!؛ لأنه عسير الجمع بينهما.
-         ادعوا أن حكم القرار خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أتوا في هذا بالعجب وأفصحوا عن قلة فقه وبصيرة بمعاني الأوامر الإلهية، فإن عمدتهم في هذا: أن الخطاب توجه إلى الأزواج.
ويرد على مذهبهم هذا من وجوه:
الأول: أنه يلزم عن قولهم هذا، أن كل خطاب توجه إلى أحد بعينه، فحكمه خاص به، وحينئذ فالشريعة كلها خاصة بالصحابة؛ لأن الأمر الإلهي نزل يخاطبهم حين نزل، فمن بعدهم لم يأت بعد.
وما هكذا سبيل العلماء، سبيلهم أن الحكم يخص المخاطب بشرط هو: إذا ورد دليل آخر يدل على الخصوصية. وقد قال تعالى مخاطبا الأزواج: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}. فهل سيدّعون أن النهي عن التبرج أيضا خاص بالأزواج؛ لأن الخطاب توجه إليهن ؟.
الثاني: دلت أدلة أخرى على : أن الحكم يعم جميع النساء. كحديث أم حميد الساعدي: (صلاتك في بيتك خير من صلاتك في مسجدي). فتأكد أن مخاطبة الأزواج لم يكن بغرض اختصاصهن بالحكم.
الثالث: لم ينقل أحد من المفسرين أن الحكم بالقرار خاص بأزواج النبي، بل قال القرطبي: "الشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة".
الرابع: قيل لهم: لم خص الأزواج بالقرار ؟. قالوا: لحرمتهن ومنزلتهن.
فيقال لهم: هذه الحرمة والمنزلة تشمل فاطمة بنت رسول الله ولا شك. فيجب عليها القرار أم لا ؟.
فإن قالوا: يجب عليها القرار. فهاهم أدخلوا من لم يتوجه الخطاب إليه، فبطل قولهم بالتخصيص.
وإن قالوا: لا يجب عليها القرار؛ لأنها لم تخاطب. بطل تعليلهم، وما بني عليه من التخصيص .
فكيفما قدرت، فقولهم باطل.
-         لكن ماذا صنعوا بالحجاب، وهو أصرح الأدلة على منع الاختلاط؛ إذ لا معنى له ولا فائدة مع إباحة الاختلاط، فالحجاب هو الفصل والمباعدة، والاختلاط عكس ذلك ؟.
لما كانوا في هذه الإباحة للاختلاط المنظم متناقضين مع معنى الحجاب والحكمة منه، صاروا إلى القول بالتخفف منه، حتى يتلاءموا مع هذا الوضع الجديد، المناقض للحجاب، فمن كان يقول بوجوب تغطية الوجه، رجع إلى القول بالكشف، ومن كان يقول بكشف الوجه، وأفضلية تغطيته، عاد يقول: الأحسن الكشف، حتى تقدر على أداء مهامها دون عائق بصري، قد ينتج عنه خطأ وكارثة.
حتى وصل بها الحال إلى حجاب يغطي الرأس فحسب، ثم تلبس ما تشاء من قميص وإزار حتى "البنطلون"، ولو بدا تفاصيل الجسد؛ أي جعلوا مجرد ستر البدن هو الفرض دون تقاسيمه وتفاصيله، وهذا بالاتفاق منكر، فانتشر هذا واشتهر، فأنكروه أولاً على خجل، ثم سكتوا، ثم قبلوه وأقروه؛ بأن الواقع الجديد يتطلب هذا النوع من الحجاب، وهكذا دخلوا في فكرة عصرنة الإسلام؛ أي تطويع أحكام الإسلام بما يناسب أحوال العصر.. صار العصر هو الإله؟!!.
ومن الدليل على هذا: تجويزهم - بل دعوتهم - للمرأة المشاركة في الأولمبياد الرياضية، وبالقطع لن تستطيع المشاركة بالحجاب الشرعي السابغ، إنما بحجابهم العصري المجسم المقسم للبدن.
وتجويزهم المشاركة في التمثيل، والغناء بين الرجال، إلى غير ذلك..
صاروا إلى القول بأن للمرأة أن تمارس كافة النشاطات – بلا استثناء - بين الرجال.. "بحجابها". ؟!!.
وهكذا هدموا الحجاب نفسه ونقضوه، بعدما هدموا معناه بإباحتهم الاختلاط، فما عاد حجاب هؤلاء النسوة والفتيات كحجاب الصحابيات والمؤمنات، وكما جاء الوصف في القرآن جلبابا يغطي من الرأس حتى القدم، واستقر عليه تفسير الصحابة، قال تعالى: { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}.
قال ابن عباس: " أمر الله نساء المؤمنين، إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن، من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة".
فأين هذا من حجاب ليس إلا الخمار فحسب، لا يغطي إلا شعر الرأس والعنق، وبقية البدن خالٍ من الجلباب، ظاهر المفاتن لكل عين ؟.
ولا عجب من الوصول إلى هذا الحال؛ فهو يؤكد ما تقدم: أن الحجاب والاختلاط المنظم يتنافيان.
-         أما عن موقفهم من نصوص غض البصر. فلما علموا استحالة غض البصر في الاختلاط، حرفوا معنى الأمر الإلهي؛ ليتلاءم مع حياة الاختلاط.
فعندهم: يغض بصره إذا خشي الفتنة.
فانظر إلى هذا التحريف البيّن: أمرت الآية بغض البصر ابتداءً، منعا للفتنة..
وهم يبيحون النظر والاسترسال، حتى إذا خشي الفتنة، أمروه بالكف.
فمن يتبعون: آلآية، أم أهواءهم ؟.
-         وعن نصوص الفتنة والاتقاء للنساء، هم يغضون البصر، ويكفون عن التأمل.
ونحن نتكلم عن المنتسبين للعلم والدعوة، أما غيرهم فيسخرون منها، وهم يعلمون أنها كلام نبوي شريف قاله ونطق به من لا ينطق عن الهوى، فيقولون: لا يزال فينا إلى اليوم من يعتقد أن المرأة عورة، وأنها فتنة ؟؟!!..
-         وإذ نأتي إلى نصوص المباعدة والفصل، فإنهم كانوا أشد إعراضا لها.
ألقوها خلفهم ظهريا، ولم يرفعوا رأسا بفصله صلوات الله وسلامه عليه بين النساء والرجال في المساجد، وعند أبوابها، والطرقات، وفي مجالس العلم، وفي المواعظ والدروس والشورى والسفر والحضر والتجارات والأعمال.
إنما عارضوها بما ظنوه مبيحا للاختلاط، في الطواف والأسواق والجهاد، ولم يتفكروا:
إذا كانت هذه تبيح وتلك تمنع، فكيف جاز لهم تقديم الإباحة وتعطيل المنع، فأيهما الأولى بالتقديم؟.
كان الأولى بهم النظر، لتحديد ما يكون هو الفرض والواجب تقديمه، فإن اعتاص عليهم، قلدوا الراسخين في العلم، وحينئذ لن يملكوا إلا تقديم النصوص القولية المؤيدة بالتطبيقات العلمية - وهذه حال ووصف النصوص المحرمة للاختلاط - على النصوص العملية غير المؤيدة بالقولية، وهذه حال ووصف المبيحة، والتي فوق ذلك هي محتملة متشابهة؛ لها أكثر من معنى.
قال الله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا * فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما}.


([1])   في البحر المحيط 6/177
([2])   2/393
([3])   4/198
([4])   2/202
([5]) في البحر المحيط 6/170 
([6])6/171 
([7])6/169 
([8])  الفتح 11/72
([9])  في الفتح 11/78
([10])الفتح 11/78   
([11])   البخاري 5/2005، ومسلم 4/1711.
([12])   انظر تهذيب الكمال (25/207).
([13])   في المحلى 9/429.
([14])   انظر شرح الزرقاني 1/286.
([15])   2/649.
([16])   الإصابة 3/242
([17])   انظر صاحب عون المعبود 1/99 , ابن حجر في الفتح 1/308 , شرح الزبيدي 1/145 ). )
([18])   شرح الزرقاني على موطأ مالك 11/ 62
([19])   في تاريخ عمر ص 113