معارف مقدسية .. تحيي القدس في ذاكرة شباب الأمة
12 شعبان 1431
إيمان يس

أقامت لجنة القدس بإتحاد الاطباء العرب بالعاصمة المصرية القاهرة، الدورة الثانية للمعارف المقدسية التي استمرت على مدى يومي 27و 28 رجب الماضي، وذلك بعد الإقبال اللافت للدورة الاولى، التي كانت منذ 3 أشهر.

افتتحت الدورة بكلمات ترحيبية لكل من الدكتور جمال عبد السلام مدير لجنة القدس باتحاد الأطباء العرب، والدكتور حمدى السيد نقيب الأطباء، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والسفير محمد صبيح ممثل الجامعة العربية والأمين العام المساعد لشئون فلسطين والأراضى العربية المحتلة

 

حيث ألقى الدكتور محمد الكحلاوي ـ أمين عام اتحاد الآثاريين العرب ـ محاضرة بعنوان وضع الآثار الإسلامية في القدس في ظل الاحتلال الصهيوني، حيث قارن بين تعامل الإسلام مع الآخر مستشهدا بآثار مدينة القدس التي تعد المعابد والكنائس جزءا رئيسيا من مكوناتها رغم الفتح الإسلامي، وبين ما يشهده المسجد الأقصى الآن في ظل الإحتلال الصهيوني من حرق ومحاولات هدم وتقسيم ونبش لم يعانيه أي أثر في العالم على مر العصور!!
وأوضح مخاطر أعمال التنقيب "الإسرائيلية" على عمارة المسجد الأقصى، حيث تحدى الصهاينة وأعوانهم أن يثبتوا بلغة علمية سليمة وجود أثر واحد في المنطقة يرجع أصله لدولة يهودية أو يثبت قيام دولة لهم في هذا المكان، مؤكدا أنهم خلال ثلاثة قرون من التنقيب المستمر بأحدث الوسائل أثبتوا بحفرياتهم أن جميع الآثار في هذه المنطقة تعود لعصور إسلامية ورومانية وبيزنطية، لكنهم يتعمدون إخفاء هذه الحقائق وإلا لماذا لم يخرجوا لوسائل الإعلام بأثر واحد ولا حتى "بشقفة" ـ وهي أصغر قطعة في علم الآثار ـ يثبت ملكيتهم التاريخية لهذه البقعة

 

وأكد تعمد الصهاينة الإعتداء على المسجد ؛فالأنفاق الآن أصبحت تشكل شبكة عنكبوتية عشوائية تسمح بسير سيارة كبيرة بينما المتعارف عليه في علم الآثار أن أي فتحة يجب ألا يتجاوز قطرها ما يسمح بمرور شخص واحد فقط.
واتهم الكحلاوي المنظمات العالمية بالصمت المجرم على ما يجري في مدينة القدس، فقد علمت اليونسكو باستخدام الصهاينة لمواد كيميائية تتسبب في تفكيك التربة تحت الأقصى مما يجعله عرضة للإنهيار في أي لحظه لأنه مبني بنظام الحوائط الحاملة واكتفت بمناشدتهم ألا يستخدموا هذه المواد ولم تجبرهم أو تحاسبهم رغم أنه كان يتعين عليها أن تمنعهم من عملية الحفر برمتها، كما أنها تمنع انضمام أي عربي أو مسلم للبعثات التي تنقب عن الآثار في مدينة القدس، وطالب الحكومات العربية بالضغط على اليونسكو لتشكيل لجنة من علماء عرب ومسلمين لحماية آثار البلدة القديمة

 

وحذر الكحلاوي من خطورة نشر صور لقبة الصخرة فقط أو للمسجد القبلي فقط على أنها صورة المسجد الأقصى، وأوضح أن الأقصى هو كل ما دار عليه السور ليشمل قبة الصخرة والمسجد القبلي ومعالم أخرى كثيرة في مساحة تبلغ 144 ألف متر مربع مؤكدا أن خطورة الجهل بحدود المسجد تعرضه للسرقة والتقسيم من قبل الصهاينة دون أن يشعر المسلمون بحجم الكارثة.

 

وكشف الكحلاوي عن حقيقة غاية في الأهمية وهي أن المحور الهندسي للأقصى يتجه نحو الكعبة مما يؤكد أن البنَاء واحد، وأن الأقصى بني ليكون مسجد وأن ملكيته تعود بالتأكيد للقوم الذين يملكون الكعبة. وأشار أيضا إلى ما أعلنه عالم الآثار اليهودي موزار الذي درس نوعية حجارة المسجد في محاولة منه لإثبات أنها نفس حجارة الهيكل، لكنه وقف عاجزا أمام الحقائق العلمية ولم يجد إلا أن يعلن أن حجارة الأقصى تنتمي لحجارة القصور الأموية المحيطة به من الجهة الجنوبية.
وشدد الكحلاوي على أهمية الوثائق وعلم الآثار لأنها تمثل لغة حوار مشتركة يمكن من خلالها إثبات الحق الإسلامي في المدينة لمن لا يدينون بالإسلام، مشيرا إلى أول وثيقة أممية بشأن القدس كانت في عام 1939 عندما أقرت الأمم المتحدة بعدم وجود أي حق لليهود في البلدة القديمة وأن القدس حق إسلامي خالص، وأضح أن هذه الوثيقة جاءت على خلفية مطالبة اليهود بأربعة أمتار على حائط البراق لممارسة طقوسهم بينما هم الآن قد هدموا حي المغاربة بأكمله وضموه إلى ساحة الحائط ويجتمعون بالآلاف لممارسة طقوسهم.

 

وأكد الكحلاوي أن الإجرام الصهيوني يتعمد الإعتداء على الآثار مدللا على ذلك بالجدار العازل الذي يعطي لليهود أكثر من 10 آلاف معلم أثري عالمي هام بينما يعطي للفلسطينين 330 أثر فقط !!
أيضا طالب كل من منظمات الإليسكو الإسيسكو ومنظمة المؤتمر الإسلامي بسرعة تسجيل التراث المقدسي المهدد بالخطر وسرعة التوثيق العلمي والأثري لكافة الآثار الموجودة بالقدس جمع وثائق المدينة المقدسة لتكوين ملف تاريخي يثبت الملكية التاريخية و للمدينة، مستنكرا وضع علامة نجمة على مدينة القدس في سجلات اليونسكو بما يعني أنها غير معلومة الهوية "ولا صاحب لها" !!

وتحت عنوان "القدس ونظرية المقاصد..رؤيى سياسية" ألقى الدكتور سيف الدين عبد الفتاح ـ أستاذ بكلية الإقتصاد والعلوم السياسيةـ محاضرة قيمة ربط فيها بين حال القدس وحال الأمة، فمتى سقطت القدس دل ذلك على سقوط الأمة ومتى نهضت كان ذلك دليلا على نهوضها
وشرح عبد الفتاح نظريتة لتحرير القدس والتي تعود مرجعيتها لمقاصد الإسلام الخمس، موضحا أنها تمثل ذات المباديء التي تربى عليها جيل صلاح الدين.

 

فإذا كانت مقاصد الشريعة الإسلامية هي حماية الدين ثم النفس ثم العقل ثم النسل ثم المال، فإن أول وسائل الدفاع عن الأقصى هو بناء العقيدة السليمة، ثم النفس المقدسية التي تربت على الجهاد والعزة والتمسك بالحق، ثم العقلية المقدسية التي تعرف قدر القدس وتنشغل دائما بإيجاد وسائل صموده وتحريره، وبعد ذلك تأتي أهمية حفظ النسل بالحفاظ على وحدة الصف، وأخيرا.. فلا بد من مساندة المرابطين ماديا وإمدادهم بما يحفظ صمودهم، وأيضا علينا أن ننظر للمسجد الأقصى باعتباره رأس مال لهذه الأمة فإذا فرطت فيه فقد فرطت في مقدساتها وعزها وحرماتها.
وهنا استنكر وضع " القدس " على طاولة المفاوضات متسائلا عن أولويتها عند المفاوض المسلم ومشددا على ضرورة أن ندرس مآلات سلوكياتنا على مستقبل القدس ومكانتها
وأوضح عبد الفتاح أنه يقصد بالشخصية المقدسية كل فرد من أبناء الأمة وليس أهل القدس وحدهم فمن الخطورة الحديث عن صلاح الدين وحده بل لا بد من الحديث عن جيل صلاح الدين فالنصر لا يصنعه أشخاص بل تتكاتف لتحقيقه جهود الأمة.

وفي سياق متصل حذر عبد الفتاح مما وصفه بالاستجابات الانفعالية للأمة، التي تحدث بشكل مؤقت نتيجة الإنفعال بحدث ما موضحا أن هذا النوع من الاستجابة إما أن يؤدي إلى الإندفاع أو التراجع كما أنه دائما ما يواكب محاولات الإلهاء من النظام السياسي لذا أكد ضرورة تطبيق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " قائلا " قلل عملك لكن اكسبه الديمومة"

واتهم عبد الفتاح وسائل الإعلام بمحاولة استغلال الاستجابات الانفعالية لصناعة ما أسماه بالرضا الكاذب عن طريق الإلتفاف حول مشاكلنا المصيرية وافتعال وتأزيم مشاكل أخرى أقل أهمية وتهويلها مما يكسب المواطن حالة من اللامبالاة نتيجة المشاهدة المستمرة لمشاكل دون ايجاد حلول لها

 

واختتم اليوم الأول بمحاضرة للدكتورة أمل خليفة ـ باحثة متخصصة في شؤون القدس ـ شرحت فيها أهم معالم المسجد الأقصى والبلدة القديمة
حيث اصطحبت الدكتورة أمل خليفة ـ الباحثة في شؤون المسجد الأقصى ـ الحاضرين في جولة بين ربوع البلدة القديمة موضحة أن هذا الإسم يطلق على المساحة التي تقع داخل السور، وأن بناء السور جاء حفاظا على المدينة من الغزو مثلها في ذلك مثل بقية المدن الكبرى في التاريخ الإسلامي كالقاهرة والإسكندرية، إلا أن سور القدس ظل باقيا ولم يسقط بمرور الزمن كما حدث لباقي الأسوار لأن سليمان القانوني بناه ليصمد أمام الزلازل التي عادة ما تتعرض لها المدينة مرة كل قرن على الأقل، فبلغ سمك السور في بعض المواضع 4 أمتار.
وبدأت خليفة جولتها من الجهة الشمالية من السور وحددت مواضع الأبواب في هذه الجهة وعددها 3 أبواب هي على الترتيب باب الساهرة ثم باب العمود الذي يعتزم الصهاينة إغلاقه لمدة عامين كي يضيقوا الخناق على أهل القدس فهذا الباب هو الباب الرئيسي لسكان هذه الجهة كما أنه يؤدي مباشرة إلى سوق المدينة وإغلاقه يتسبب في خسائر مادية فادحة للتجار ظنا منهم أن هذا سيدفعهم إلى ترك بيوتهم لكن أهل القدس صامدين لا يخرجون منها أبدا، أما الباب الثالث في هذه الجهه فيسمى الباب الجديد الذي بناه السلطان عبد الحميد حتى يسهل دخول الفرنسيين إلى كنائسهم فهذا الباب يطل على الحي المسيحي من المدينة.

 

ثم اتجهت خليفة إلى الناحية الغربية من المدينة حيث باب الخليل أو بوابة يافا الذي يقع في منتصف هذه الجهة،وهو من أحصن أبواب المدينة وقد بني على شكل زاوية قائمة حتى يمنع أي هجوم على المدينة من الجهة الجنوبية، كما أن هناك فتحة عريضة في السور بجوار هذا الباب تسمح بمرور السيارات حيث أن الأبواب لا تسمح إلا بالمرور الفردي، أنشئت هذه الفتحة في العصر العثماني حتى يتمكن القيصر الألماني فيلهلم الثاني من زيارة المدينة مع أسرته وحاشيته.
ثم عرجت خليفة على الجهة الجنوبية من المدينة والتي تشمل باب النبي داود المسمى باب صهيون نسبة إلى تلة تقع بمواجهة هذا الباب يطلق عليها اسم جبل صهيون، وهنا لفتت خليفة إلى أن اليهود قد نسبوا أنفسهم لهذا الجبل، فأول محاولة لإيجاد تجمع مستقل لهم في القدس حملة اسم جمعية أحباء صهيون، ومع تعاقب الأحداث أطلقوا على أنفسهم لقب صهاينة في محاولة منهم لإيجاد جذور لهم في المنطقة !!، كما أن هذا الباب لا يسمح للمسلمين بالدخول منه.
ومع مواصلة السير بمحاذاة السور في الجهة الجنوبية نصل إلى باب المغاربة وهنا لفتت خليفة إلى إشكالية هامة تواجه الدارسين، وهي وجود أسماء مشتركة بين أبواب البلدة القديمة وأبوب المسجد الأقصى، فهذا الباب يختلف عن باب المغاربة الخاص بالمسجد الأقصى، ومن سوء أدب الصهاينة يطلقون عليه اسم باب القمامة لأنهم يخرجون منه القمامة!!
أما باب الأسباط أو باب ستي مريم فهو الباب الذي دخل منه اليهود في عام 67، كما أن هذا الباب هو المدخل الرئيسي للسيارات وبالتالي يمكن السيطرة على المدينة من خلاله وهذا ما يلجأ إليه اليهود عند منع المصلين من الوصول للمسجد الأقصى، ويقع هذا الباب في السور الشرقي من المدينة فوق المسجد مباشرة.

 

أما عن الأبواب المغلقة من السور فعددها 5 أبواب وهي أبواب يتحد فيها سور المدينة مع سور المسجد الأقصى وهذا ما دفع صلاح الدين الأيوبي إلى إغلاقها حتى لا يكون المسجد هو أول ما يتعرض للهجمات، وتقع 2 من هذه الأبواب في الجهة الشرقية وهي باب الرحمة والمغفرة وتسمى أيضا الأبواب الذهبية، والباب الآخر يعلوها باتجاه الشمال ويسمى باب الجنائز
وأوضحت خليفة أن الجهة الشرقية ـ التي يتحد فيها سور المسجد بسور الميدنة ـ هي الأقدم من حيث البناء، حيث يرجع تاريخ المداميك في هذه الجهة إلى عصر اليبوسيين ـ من بطون العرب ـ أي منذ 5 آلاف عام.
كما أن هناك 3 أبواب أخرى مغلقة في الجهة الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة حيث يتحد أيضا سور المسجد بسور المدينة وهي الباب المفرد والباب المزدوج والباب الثلاثي.
كما أوضحت خليفة أن مدينة القدس كانت تنقسم إلى أربعة أجزاء أكبرها الربع الإسلامي ثم المسيحي ثم ربع الأرمن ثم الربع اليهودي الذي كانت تسكنه 150 عائلة يهودية من مجموع 700 عائلة سكنت تلك المنطقة

 

وأنهت خليفة كلمتها بالإشارة إلى العلاقات الطيبة التي كانت تجمع المسلمين بالمسيحيين في هذه البلدة، بدءا بالحفاوة التي لقيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه من القس سفرنيوس الذي سلمه مفاتيح المدينة، ومرورا ببنود العهدة العمرية التي تحفظ للمسيحيين كنائسهم وصلبانهم، ثم انتهاءً بالمذبحة التي جرت بيت الطوائف المسيحية على اقتناء مفاتيح كنيسة القيامة فلم يجدوا إلا أن يوسطوا المسلمين بينهم، وآلت مفاتيح الكنيسة لعائلة نسيبة المسلمة على أن يقوم رجل من عائلة جودة المسلمة بفتح الكنيسة صباحا واغلاقها مساءا وإعادة المفاتيح لعائلة نسيبة، وظلت هكذا حتى سقوط القدس في يد الصهاينة.
كما أشارت خليفة إلى سوء العلاقة بين المسيحيين وبين اليهود، يؤكد ذلك بند الوثيقة العمرية الذي اشترط فيه سفرنيوس " ألا يساكنهم فيها يهود"!!