28 ذو الحجه 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ سأعرض عليكم مشكلتي، وأتمنى من الله أن تساعدوني في الحل. المشكلة أنني تزوجت، وكانت فترة الخطوبة بين 3 إلى 4 أشهر، وكانت لقاءاتي واتصالاتي بالزوجة بعد عقد القران رسميًا.
تزوجت؛ وسافرت أنا وزوجتي خارج السعودية، وفي بداية الزواج رأيت أن زوجتي لديها إعاقة بسيطة؛ في قدمها اليسرى، والزوجة تستحي من ذلك الأمر جدًا، فقلت الحمد الله، وصبرت، علمًا بأن أهلها لم يخبروني بذلك قبل الزواج.
وبعد 9 أيام من زواجنا، ونحن في رحلة ترفيهة؛ إذ بالزوجة تصاب بتشنجات غريبة، ثم تسقط على الأرض، وكادت تصاب بالأذى، فأمسكت بها، وأنا لا أعرف ما الذي أصابها، ثم بدأت بالهلوسة في الكلام، ثم بلعت لسانها، وأخرجنا لسانها بعد محاولات شاقة، والحمد الله.
بعدها أخبرتني بالحقيقة؛ وأنها كانت تعالج من "الصرع" منذ فترة، ثم تشافت وانقطعت عن العلاج، بعدها تحولت الإجازة إلى تعاسة، ولم أستطع حتى مجرد النظر إليها؛ فكلما نظرت إليها تذكرت ذلك الموقف بتفاصيله.
وعندما عدنا تحدثت مع والدها وأهلها، وأخبرتهم بأن ذلك لا يجوز شرعًا، وأنه يعتبر من الغش والتدليس، وكنت صريحًا وواضحًا معهم، فأجابوني بأن انقطاعها عن العلاج هو الذي أدى إلى عدم إخباري، وأن والدها أراد إخباري قبل الزواج، ولكن زوجته رفضت بحجة شفائها، وقد تفهم أهلها أخطاءهم، وقالوا: نحن متقبلون لما تريد أن تفعله، وإن حصل طلاق حتى المهر سيرد لك.
والآن؛ أعيش في صراع شديد، وسرحان في كل حياتي، حتى في الصلاة، كما تضايقني كلمة عريس، لا أريد سماعها، وقد أخبرت والدي بالأمر بعد إلحاح شديد منه، وكان رأيه أن هذا يرجع لك، وإن اردت الطلاق فأنت على حق. فماذا أفعل؟.. يكاد رأسي ينفجر، والبنت خلوقة ومؤدبة.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
لا شك أخي الكريم أن أهلها أخطأوا عندما قرروا ألا يخبروك بأمر مرضها، كما أنها أخطأت هي الأخرى عندما أخفت عنك مرضها، فالإسلام واضح في هذا الأمر؛ وهو يحرم الغش وينهى عنه؛ فعن أبي هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أن رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟، قال: أصابته السماء يا رَسُول اللَّهِ، قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس! من غشنا فليس منا.
وفي ردها على سؤال نصه: (إذا أصيبت المرأة بمرض هل يُخبرُ الخاطب؟)؛ قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية: (يجب على الولي أن يبين للخاطب ما في المرأة من العيوب والأمراض إذا كان الزوج لا يعرف ذلك، حتى يكون على بصيرة؛ لأن في عدم إخباره بذلك غشاً له).
وبهذا يتبين لنا أن الزوجة وأهلها مخطئون بداية في إخفاء أمر مرضها عنك؛ وأنه كان يجب عليهم أن يصارحوك بحقيقة المرض ونوعه، وتطوراته، والمراحل التي قطعوها في العلاج، ولكنهم لم يغعلوا ظنًا منهم أنها قد شفيت من المرض؛ بعدما انقطعت عن العلاج، هذا إن أحسنا الظن بهم، خاصة وأني قد فهمت من رسالتك أنهم اعترفوا بخطئهم، وأقروا بذنبهم، وأبدوا استعدادهم لقبول ما تراه، حتى وإن كان التطليق والانفصال، مبدين استعدادهم لرد المهر الذي دفعته إليهم.
والآن وقد أصبحت الكرة في ملعبك، وأصبح القرار النهائي في يدك أنت، فإنني أود أن أوضح لك أن أمامك خيارين؛ الأول: أن تطلقها؛ وهذا حقك الشرعي، لكونهم غشوكَ، وأخفوا عنك عيوبًا جوهرية تتعلق بمرضها، حسبما أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وبهذا يقول جمهور الفقهاء؛ وليس عليك في هذا إثم ولا ذنب، والخيار الثاني: أن تبقي عليها، وتصبر وتحتسب الأجر عند الله، وهو بلا شك أمر ثقيل على النفس، لكن أجره كبير، إن شاء الله.
وفي السنة النبوية قصة وثيقة الصلة بموضوعك؛ أسردها عليك تمامًا للفائدة؛ فعن عطاء بن أبي رباح (رضي الله عنه) قال: قال لي ابن عباس (رضي الله عنهما): ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟!، فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء؛ أتت النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي؛ فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك، فقالت: أصبر؛ ثم قالت إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها" (متفق عليه).
وأود أن أوضح لك – أخي الكريم- أن الصرع نوعان: صرع بسبب تشنج الأعصاب، وهذا مرض عضوي يمكن أن يعالج من قبل الأطباء بإعطاء العقاقير التي تسكنه أو تزيله بالمرة، ونوع آخر يكون بسبب الشياطين والجن؛ حيث يتسلط الجني على الإنسي فيصرعه، ويدخل فيه، ويضرب به على الأرض، فيغمى عليه من شدة الصرع، ولا يحس بشيء، وفيه يتلبس الشيطان أو الجني بنفس الإنسان ويتكلم على لسانه، وهذا النوع من الصرع علاجه بالقراءة من أهل العلم.
وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ...) [البقرة - 275]، وهذا دليل على أن الشيطان يتخبط الإنسان من المس وهو الصرع. وجاء في السنة ما رواه الإمام أحمد (رضي الله عنه) في مسنده، أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان في سفر من أسفاره فمر بامرأة معها صبي يصرع، فأتت به إلى النبي (عليه الصلاة والسلام) فخاطب الجني وتكلم معه، وخرج الجني، فأعطت أم الصبي الرسول (صلى الله عليه وسلم) هدية على ذلك.
وذكر ابن القيم (رحمه الله) وهو تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) أنه جيء إليه برجل مصروع، فجعل يقرأ عليه ويخاطبه، ويقول لها اتقي الله واخرجي- لأنها كانت امرأة- فتقول له إني أريد هذا الرجل وأحبه، فقال لها شيخ الإسلام لكنه لا يحبك، اخرجي، فقالت إني أريد أن أحج به، قال: وهو لا يريد أن تحجي به، اخرجي، فأبت، فجعل يقرأ عليها، ويضرب الرجل ضرباً عظيمًا، حتى أن يد شيخ الإسلام أوجعته من شدة الضرب. فقالت الجنية: أخرج كرامة للشيخ، قال: لا تخرجي كرامة لي، واخرجي طاعة لله ورسوله، فما زال بها حتى خرجت.
وجاء في الموسوعة الطبية أن "الصرع هو حالة عصبية تُحدث من وقت لآخر اختلال وقتي في النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ"، وأن "النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ ينشأ من مرور ملايين الشحنات الكهربائية البسيطة من بين الخلايا العصبية في المخ"، وأن "هذه التغيرات الفيزيائية تسمى تشنجات صرعية ولذلك يسمى الصرع أحيانا "بالاضطراب التشنجي". وبينت الموسوعة أن هناك فرق بين التشنج والصرع؛ فقالت إن "التشنج عرض من أعراض الصرع"، أما "الصرع فهو مرض أو إصابة دائمة".
وأوضحت الموسوعة أن "أهم أداة في التشخيص هي التاريخ المرضى الدقيق للمريض"؛ وبينت أن ذلك يتم "بمساعدة من الأسرة والملاحظات التي تدونها عن حالة المريض والوصف الدقيق للنوبة"، أما الأداة الثانية لتشخيص مرض الصرع فهي "رسم المخ الكهربائي"، وهو جهاز يسجل بدقة النشاط الكهربائي للمخ وذلك بواسطة أسلاك تثبت على رأس المريض وفيه تسجل الإشارات الكهربية للخلايا العصبية على هيئة موجات كهربائية. موضحة أن علاج مرض الصرع يتم بعدة طرق أهمها "العلاج بالعقاقير المضادة للتشنج"، ونادراً ما نلجأ للجراحة كعلاج للنوبات الصرعية المتكررة، لأن العلاج بالعقاقير هو الخيار الأول والأساسي للعلاج.
وتوصي الموسوعة الطبية ببعض الإرشادات المهمة للتعامل مع مريض الصرع إذا عاودته النوبة؛ والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:-
1. لا تحاول أن تتحكم في حركات المريض أثناء النوبة.
2. امنع المريض من إيذاء نفسه.
3. مدد جسمه على الأرض أو في الفراش.
4. ضع المريض على جانبه وأجعل الرأس مائلاً قليلاً إلى الخلف للسماح للعاب بالخروج ولتمكينه من التنفس.
5. ابعد أي أدوات حادة أو قطع أثاث عن متناول يده.
6. لا تعطه أي دواء أثناء النوبة ولا تحاول إيقاظه منها.
7. حاول أن تهدى من روعه قدر استطاعتك؛ لأن المريض يكون بعد النوبة مرهقاً وخائفاً.
8. تذكر أن تسجيلك لحالة المريض أثناء النوبة ومدة النوبة نفسها مفيد للطبيب المعالج.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يهديك إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وأن يجزيك على صبرك خير الجزاء، وأوصيك بتجديد النية والإخلاص لله سبحانه وتعالى في حال أخذك بالخيار الثاني، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.