التربية الاسرية في الإسلام (3)
29 شعبان 1431
د. خالد رُوشه

- أشكال الأسرة :

           ا – الأسرة النووية : وتتكون من الزوجين والأبناء , وتتميز بكونها مستقلة بنفسها من حيث السكن , والاستقلال الاقتصادي  , وينتشر هذا النوع من الأسر في المدن والحضر .
           ب- الأسرة الممتدة : هي أسرة تضم الأصول والفروع , وتتكون من الزوجين والأبناء ويزيد عدد أفرادها وإمكان انضمام أفراد قربى آخرين , فتنضم إليها زوجات الأبناء , وأبناء الأبناء , وتضم أيضًا الجدود ،وتتميز بكونها تجمع كل أفرادها في مسكن واحد ويشتركون في الوظائف الأساسية للأسرة , كما أنها لا تعتبر الأفراد مستقلين من الناحية الاقتصادية بل تتداخل فيها المصادر والموارد وتقسم فيها مسئوليات الإنفاق  .

         ج -  أضافت المراجع العلمية شكلا آخر من الأسر وهو : الأسرة البديلة , وتم تعريفها على اعتبارها " أسره لا ينتمي إليها الطفل بيولوجياً، ولكنه يعيش في كنفها وربما يحمل اسمها فيكون متبنى أو لا يحمل اسمها فيكون مكفولاً , وكذلك يمكن تسميتها كذلك بالأسرة الحاضنة فهي تقوم باحتضان الطفل المجهول والمحروم من الأبوين، بدلا من العيش داخل مؤسسة إيوائية من أجل تعويضه عن أسرته الطبيعية التي حرم منها، ليأخذ منها المبادئ والقيم ، والمفاهيم الاجتماعية العامة، التي لا يمكن أن يحصل عليها في المؤسسة الإيوائية "  , وهذا النوع من الأسر يندر وجوده في المجتمعات الإسلامية حيث منع الإسلام التبني , ومنع دخول الأبناء المميزين الأجانب على النساء بغير حجاب , كما حرم دخول الأبناء البالغين على النساء الأجنبيات وحرم الخلوة بهن , ولكن الإسلام أمر برعاية الطفل الفقير واستحب رعاية الطفل اليتيم ويأمر بالإنفاق عليه ودعمه بكل الأوجه بشرط عدم اختلاطه بالمحارم ليحفظ المجتمع المسلم دوما ظاهرا في الأنساب والعلاقات .

 

5- التربية في ظل الأشكال المختلفة من الأسر :
يؤثر شكل الأسرة على العملية التربوية الموجهة للأبناء , فالأسرة النووية يقتصر مصدر التوجيه فيها على الأبوين فقط , في حين تتعدد مصادر التوجيه في الأسرة الممتدة , كما يتوحد القرار ومصدره في الأسرة النووية في حين تتعدد القرارات ومصادرها في الأسرة الممتدة .... وهكذا

 

وبالتالي يتأثر الأبناء بما سبق سلبا وإيجابا , فتميل شخصية الأبناء في الأسرة النووية نحو المحافظة وتقليد دور الوالدين والتشبه بهما , بينما تتعدد مصادر التقليد والتشبه في الأسرة الممتدة لدى الأبناء , وقد منح العلماء والمفكرون الشكل الأسري الممتد الوصف الأكثر قدرة على بناء تربوي أكثر إيجابية حيث تتسع فرصة بناء الشخصية القوية الغير خاضعة والمتصفة بالحرية المقننة , وتنتقل صفات المجتمع وقيمه بصورة أكبر إلى شخصية الأبناء , وتتسع المرجعية النفسية والعلمية والقيمية لدى الأبناء في صورة الأسرة الممتدة حيث يوجد الأجداد الأكثر خبرة وتتعدد الشخصيات الموجهة والمربية والمعلمة ..

 

إلا أننا ينبغي أن نوضح أن تطورات العصر الحديث تدفع دوما في طريق بناء أشكال الأسر النووية المقتصرة على الوالدين والأبناء وتدفع في سبيل الاستقلال المعيشي والاقتصادي , وهو ما ينتج عنه بعض السلبيات المؤثرة على شكل المجتمع مثال قطع العلاقات الرحمية والانطواء العائلي والسعي للمصلحة الشخصية من كل عائلة لأخرى وهكذا , حتى وصل الأمر في المدن العربية أن يلتقي أبناء العمومة ولا يعرف بعضهم بعضا !!

ثالثا : دورة حياة الأسرة :
نقصد بدائرة حياة الأسرة وصفا لحياة الأسرة المفردة والمراحل التي تمر بها بدءا من الزواج حتى تفككها سواء بالطلاق أو الوفاة .
وتختلف دورة حياة الأسرة باختلاف طبيعة المجتمع التي تتواجد فيه ومما لا شك فيه أن سيطرة الطابع الفردي على الواقع الاجتماعي المعاصر قد أحدث تحولا في دورة حياة الأسرة النووية ( الشكل الأسري العصري المنتشر في المدن ) فكل أسرة تمثل على حدة قصة حياة خاصة قد تنتهي مع حياتهما أو حياة أحدهما

 

والأسرة كجماعة تربوية صغيرة لها تاريخ طبيعي يمكن معرفته واستشراف مستقبله ولها مراحل ترتبط بالتغير المستمر في حجمها ووظائفها وأدوار أعضائها والسن التي تبدأ عندها وعدد الأبناء وغيرها من الظواهر والعلاقات التي ترتبط بكل مرحلة من مراحل التغير التي تمر بها الأسرة بما تشتمل عليه من حاجات بيولوجية وشخصية وثقافية ومادية

 

وإذا كانت مراحل دورة حياة الأسرة تدور حول الطفل الذي هو في مركزها فإن المرحلتين الأولي والأخيرة من دائرة حياة الأسرة تتركز حول الزوجين فقط
ولأهمية البعد الزمني وتتابع الأدوار التربوية نفضل المتابعة التطورية في دراسة حياة الأسرة إذ تعد أفضل المداخل لدراسة التغيرات الزمنية والتفاعلية .

 

 المرحلة الأولي مرحلة الإعداد للزواج : وتشمل الاختيار و الخطبة وعقد الزواج وتأثيث منزل الزوجية  .
فيمثل اختيار الزوجة عاملا أساسيا ومؤثرا  على البناء الأسري ا لتربوي اللاحق وينصح العلماء التربويون باختيار الزوجة الزكية المتعلمة لينة الطباع ولكن الإسلام ينصح بصفة الدينونة والتقوى والصلاح وحسن العلاقة بالله قبل غيره من الصفات إذ يرى الإسلام أن العلاقة بالله إذا صلحت عند المرأة صلح معها شأن الأسرة صلاحا كبيرا واستطاعت المرأة أن تربي جيلا خلوقا تقيا صالحا نفي النفس إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم ناصح الشباب المقدمين على الزواج ( فاظفر بذات الدين ) وكأنه يعتبر المرأة ذات الدين ظفرا وكسبا نادرا لابد أن يستمسك به المرء .

 

ويعتبر الاختيار الناجح خطوة للخطبة الناجحة التي فيها يتم طلب الزواج من ولي المرأة ويتم الاستعداد للزواج والاتفاق على شئونه .
وينصح الإسلام بعدم المبالغة في المهور ليتيسر على الشباب أمر الزواج ولئلا تنتشر الفاحشة في المجتمع بل قد ثبت عن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم أنه قد زوج امرأة بأقل  القليل من المهر وزوج أخرى بسورتين من القرآن وقال لخاطب آخر ( ألتمس ولو خاتما من حديد ) .

 

وفي الوقت الذي تجد أن دورة حياة الأسرة في المجتمعات الغربية تبدأ بعقد الزواج الرسمي بعدما يقضي الرجل والمرأة فترة معرفة وصداقة وطيدة فإن ا لإسلام جعل فترة الخطبة فترة لا يحل فيها من المرأة شئ للرجل بعدما يحصل بينهما القبول ولكن تعد تلك الفترة فترة إعداد كما سبق في المجتمعات الإسلامية .

 

ويلاحظ أن فترة المعرفة والصداقة في المجتمعات الغربية التي حرمها الإسلام قبل الزواج تتسبب في كثير من المثالب والمشكلات المجتمعية إذ يستغني الكثير منهم بتلك ا لمعرفة عن الزواج وتنتشر الرذيلة في المجتمعات التي بلغت حدا أعلنت عنه مراكز دراسات فرنسية أن 40% من الأطفال المولودين في عام 2007 هم من الأطفال غير الشرعيين .

 

وينصح الإسلام بالاقتصاد والتقلل في تأسيس بيت الزوجية وعدم  المبالغة في الأثاث وثمنه ما ييسر عملية الزواج على الشباب ، وللأسف فإن المتابعات البحثية الدقيقة قد أثبتت أن التكاليف الزواج في الدول الإسلامية عموما والعربية خصوصا تفوق تكاليف الزواج في الدول الغربية برغم النصائح  المتكررة من النبي صلى الله عليه وسلم مثال قوله ( خير النساء أقلهن مهورا ) .

 

 المرحلة الثانية : بدء الحياة الزوجية ولا يوجد أطفال
إن هذه المرحلة هي بداية الأسرة بالفعل وهي تشمل حياة الزوجين معاً وإيجاد البيئة المناسبة للحياة وتكيف كل منهما مع الآخر والمرور بتجارب جديدة ونشأة اتجاهات جديدة للشريكين بعضهما نحو بعض ونحو المجتمع  وتعود كل من الرجل والمرأة على عادات تقوم بينهما .

وفي حين تكون هذه المرحلة مرحلة سلبية في المجتمعات الغربية وتحصل فيها كثير من حالات الانفصال نتيجة سوء التكيف بين الزوجين فإن هذه المرحلة تعد عند  الزوجين المسلمين من أجمل  مراحل الزواج وقد أوصى  نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم فيها أو في غيرها للرجل بالصبر على المرأة والنظر إلى محاسنها وغض الطرف عن صفاتها السيئة إذ يقول صلى  الله عليه وسلم " لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلق أحب منها أخر " فهو يوصي الزوج ألا يفارق زوجته بسبب صفة يكرهها وإنما يصبر وينظر لصفاتها التي يحبها >>

وكذلك أوصى المرأة بطاعة زوجها بالصبر عليه وحفظة في مالها ونفسها إذ يصف النبي صلى الله عليه وسلم المرأة الصالحة بقوله " إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضه "
ويجب على الزوج في تلك ا لمرحلة أن يضع بمشاركة زوجته وبالتفاهم معها المبادئ والقيم الأساسية التي سينبني عليها مستقبل أسرته ويرسم معها الشكل المثالي المأمول لأسرته في حاضرها ومستقبله ، وكثير من المشكلات الزواجية إنما تنشأ بين الزوجين لتغافلهما عن هذه الخطوة في هذه ا لمرحلة بالذات .