كيف لو كان هذا آخر رمضان يمر عليك ؟!
1 رمضان 1431
د. خالد رُوشه

أيامنا في الحياة معدودة قصيرة , ومهما طالت فلن تعد أن تكون سريعة الانقضاء , وشريط الحياة يمر في ذاكرة أحدنا فيعرض له أيام طفولته كأنها مرت بالأمس القريب , ويذكره بسنين مرت وكأنها لم تنقض بعد , إنها الحياة العاجلة , والدنيا الزائلة  , سعادتها سريعة الانقضاء , وتبعاتها ثقيلة القضاء , فياويل من غفل عن الصالحات فيها فغره الغرور , ويا فلاح من تفهم وصفها فجعلها للآخرة معملا ومعدا ..

وها نحن اليوم معا في موقف من مواقف الحياة المتكررة , قبل أيام قليلات – بحسب شريط الذكريات – كنت أكتب ههنا مقالا عن استقبال رمضان في العام الفائت , وكنت أحذر نفسي وقرائي أن تنقضي منهم أيامه بغير ما يرجوه الصالحون , ثم دارت دورة الحياة دورة صغيرة , خالطنا فيها الأعمال والأشغال والمواقف والخلق , انشغلنا في أيامنا المتسارعة كأن هناك من يدفعنا نحو الغفلة دفعا , فانقضي عام كامل , وعاد الهلال ليبدو في دورة جديدة !!

حقيق على الأخيار أن يفرحوا برمضان , لكن أيضا حقيق عليهم أن يهتموا كثيرا لما دارت به الأيام من أعمال , انغمسوا اثناءها في كل ما ينسي عن لقاء الله , فعاد أحدهم خالي الوفاض , فارغ الجراب , إلا من مال اكتسبه , أو شغل أنجزه , نسي فيه حظ الآخرة !

هذه المرة مختلفة , اريد أن أطرح فيها تساؤلا فيما يخص رمضان , كيف لو كان هذا آخر رمضان يمر علينا في دورة الحياة الخاصة بنا ؟!

كيف سيكون تعاملنا مع استقباله وأيامه وليله ونهاره ؟ كيف سيكون شعورنا بينما تنقضي ساعاته ؟ كيف سيكون هدفنا طوال ثلاثين يوما هي عمره بيننا ؟!

إن الحياة في نظر كثير من الناس حلوة خضرة  , يتشبثون بها ويتعلقون بمكاسبها ونعمها , فلا يتصورون الرحيل عنها , ولايريدون مجرد التفكير في الرحيل !

لكن الحكماء ينظرون بنظرة مختلفة , والصالحون الذين رزقهم الله نعمة البصيرة يرون الأيام برؤية أخرى , إنها لحياة قصيرة مهما طالت , ونعمة قليلة مهما كثرت , وسعادة راحلة مهما تصورنا بقاءها , فالأعمار زائلة والموت ينادي على الناس كبيرهم وصغيرهم ولا يستثني أحدا ..
إذن فمن الممكن على اية حال لكل أحد منا أن يكون رمضانه هذا هو الأخير , ومن الممكن أن يكون وداعه لأيامه هو وداع الراحلين أبدا فكيف ينبغي أن نتصرف ؟!!

ماأرشحه لنفسي ولقارئي الكريم  ثلاثة أمور أساسية نستطيع بها أن نبتدئ هذه الأيام :
أولها نظرة للوراء , تجمع سيرتنا مع الله العظيم جل شأنه , ندقق فيها لما نظنه قد كتبه الكرام الكاتبين من ذنوب وآثام علينا في مشوار حياتنا الفائتة , نجمعها ونبذل جهدنا مااستطعنا لإحصاء مااستطعنا منها , ونضعها بين أيدينا بينما نحن نتمثل أنفسنا في موقف الحساب أمام رب الأرض والسماء , نستحضر الندم المحرق عليها ونستشعر الحزن المؤلم على أفعالنا ومعاصينا , نستثقل المسئولية إذا نحن لقينا ربنا بهذا الحمل الثقيل , نستدعي الدمعات ونسكب الحسرات , نسجد لله طلبا للغفران , ياربنا نحن الضعفاء العصاة المذنبون , جئناك بما يثقل كاهلنا ويعيق فلاحنا , نرجوك الغفران لها جميعها فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة ..

وثانيها نظرة للحقوق المادية , فنراجع كل شىء قد حصلنا عليه بباطل أو بغصب أو بعدم رضا ونراجع كل شىء قد أخذناه بغير حقه فنرده ونتخلص منه  .

كذلك فنحصي الأمانات التي لدينا مهما كانت قليلة , مال ائتمننا عليها الناس , أو حفيظة مودعة , أو كتاب منسي أو حتى عود سواك تركه بعضهم أمانة عندنا

كذلك نحصي الديون التي علينا فنردها لأصحابها , أو نستسمح أصحابها فيها حتى وقت الأداء أو نوصي بها في وصيتنا التي ننام وهي تحت رؤوسنا .

وثالثها نظرة للحقوق المعنوية , فنرد غيبة من اغتبناه , نذكره في المجالس بما يحب , وندعو له أن يغفر الله له , ونستسمح من كنا قد أخطانا في حقه بسباب أو غضب أو حتى صراخ وتأنيب بغير حق ..

إنها أيها الصائمون نصائح الراحلين , الذين لا يلوون على شىء من الدنيا , ولايأملون في أيامها غير طاعة الله سبحانه , لعلنا أن يأتينا رمضان ويرحل عنا فيشفعه الله فينا ويشهد معنا لا علينا ..