همسات ناصحة للمسلمات في رمضان
7 رمضان 1431
أميمة الجابر

بحثت عما يمكنني أن أكتبه لأخواتي المسلمات في رمضان , فوجدت أنه لا شىء يساوي تدعيم رؤية القلب , ومساعدة البصيرة , ووصف الخطى العملية التطبيقية في أيام هذا الشهر الكريم .

كلنا – كنساء مسلمات – ننتظر هذا الشهر الكريم , لنقدم بين يدي حياتنا القابلة ورقات جديدة , بيضاء لم تتلون بعد بأي نوع من ألوان الآثام .

 

كما ننتظره لنحدث تغييرا واقعيا في أيامنا وعاداتنا بل وآمالنا وأحلامنا , نحو ما يرضي الله ربنا ويهيىء لنا حياة سعيدة وآخرة صالحة .

وعلى أية حال فإن الإيمان الراقد في الصدور و الهمة التي ربما تكون قد فترت وضعفت لا تحتاج منا فقط لعزم جديد بل تحتاج لبعث جديد لقلوبنا , وترتيب جديد لمفردات حياتنا يمكنه دعم ما نرجو  .

غير محق من ظن أن الرقاد الطويل يصلح معه اليقظة العاجلة , ولا من ظن إن الجفاء الطويل يمكن معه الوصل المفاجئ ..

 

كل شىء يبدو تدريجيا في هذه الحياة , حتى إن النور الذي يظهر في السماء بعد الظلام لا يظهر فجأة ولكن يتدرج الضوء شيئا فشيئا حتى يعم نور الصباح , والمريض الذي يعاني من الآلام الشديدة لن يشعر بالراحة فجأة , ولكن يتدرج الشعور بالراحة من هذا الألم شيئا فشيئا حتى يشعر بالشفاء النهائي وتعود الأعضاء المريضة بالتواصل مع الجسد مره ثانية لأداء وظائفها .

 

لكن على أية حال مهم جدا خطوة البداية واساسي جدا القبض على زمام المبادرة , وهاهو مؤقت الأيام ينادي , وعقارب الساعة تبدأ دورة من جديد , فتعالي بنا نبني تصورا عن الايام القادمات في الشهر المبارك لعلنا نجتمع جميعا في جنة الرضوان ومستقر رحمة الرحمن ..

 

أول مبادىء التصور الناجح هو إحسان الظن بالله سبحانه , فمهما كان الجفاء الذي وصلت إليه بينك وبين إيمانك , فأحسني الظن بكرم الله فهو الغفور الودود ,العفو الكريم فالله –سبحانه وتعالي -  , يتقرب منا أضعاف ما نتقرب منه سبحانه , إذا نحن رغبنا في القربى والإنابة ,  كما في الحديث : ((إذا تقرب إلي عبدي شبرا تقربت إليه ذراعا , وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة))

 

إن إحسان ظنك بربك يمثل دافعية قوية في بداية الطريق كما يمثل سعادة تصحبك أثناء الجهد والعمل , ولذلك أوصيك اختي بالتقرب إلى الله . خذي بيد نفسك بصدق نية يعينك الله –سبحانه وتعالى –

كذلك فالنقاء والتلقائية والوضوح مع النفس تمثل أساسا آخر في بداية هذا الطريق , إن الصادقين يبدون في مرآة أنفسهم بأحلى حلل وأفضل قيمة

 

ثم المسارعة بالصالحات بلا توان ولا تسويف ولا تأخر ... فيكون لديك كسب دائم ومخزون صالح متراكم ..
وهاهي نصائحي التطبيقية إليك في رمضان : 

 قبل البدء قدمي هدية التواصل بعد الجفاء , فابدئي من الآن بالاستغفار وألحي على الله من الآن أن يقبلك في رمضان فهو سبحانه  يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء , وهو سبحانه يقبل من يشاء من عباده ويعتق رقاب من يشاء .

 

وإن كثيرا من النساء يقومون بالاستعداد لرمضان قبله , لكن بطريقتهن الخاصة !!
يجعلن أول الأولويات تجهيز المطبخ ! والبحث عن ميزانية شراء كل النواقص والزوائد , والبحث عن أصناف الطعام الجديدة , وكتابة جدولة لقضاء لياليه بطرق مختلفة , وقد تقوم بينهن وبين ازواجهن المشكلات وقد يحمل الأزواج هما بقدوم هذا الشهر !

 

لست ضد الطعام والشراب بحال , بل لابأس أن توسعوا على أنفسكم بقدر طاقة يتحملها رب المنزل , لكن يجب ألا نجعل رمضان بمفهوم هو عكس ما يراد منه , فهو شهر التقلل من الحياة لا شهر زيادة الترفه فيها والانغماس في متاعها , إن صنفا واحدا على المائدة قد صنع بإتقان يفي بالغرض , ويبقى للفقراء نصيب واليتامى والمساكين والأرامل نصيب هو أفضل في حقهم وحقنا من أن نلون موائدنا بألوان الطعام التي غالبا ما تصيبنا بتخمة وفتور عن الطاعات .

 

كذلك فالوقت اختي , أرجو منك الاستفادة من الوقت في شهر رمضان لا تجعلى دقائق رمضان تفوت منك دون ان تشعري , وكما ذكرت – فللأسف - ان كثيرا من النساء طول اليوم في رمضان بالمطبخ منذ الاستيقاظ من النوم وحتى اذان المغرب !!

يجب أن تجعلي للمطبخ هذا وقتا معينا لا يطغى على أوقاتك الأخرى , فإن لك شغلا آخر هو أكثر أهمية من الانشغال بالطعام وصنعه أو حتى الإشراف عليه .

 

أما إن أبيت إلا المكوث في المطبخ فترة طويلة – مضطرة إلى ذلك – فلا تعدمي الاستفادة أثناء تواجدك فيه , فأثناء عملك بالمطبخ وطول فترة عملك به ليس عليك إلا الانشغال بذكر الله " فسبحان الله .. والحمد لله .. ولا إله إلا الله .. واستغفر الله .. والله اكبر .. ولا حول ولا قوة إلا بالله " فالله سبحانة وتعالى سميع كريم يضاعف لك كل ذكر بأضعافه .

 

ثم وقتك هذا لا تنسي أن تقسميه بين القيام والقرآن والتدبر والدعاء مع دورك كربة منزل أو أما أو زوجة , إنك إن أهملت ذلك فقد أعرضت في الحقيقة عن رمضان وقد أعرض رمضان عنك !

ومن النساء من تبدأ رمضان بالانشغال , وتنهيه أيضا بالانشغال , تبدؤه بالانشغال بألوان الطعام , وتنهيه بالانشغال بشأن البيت والتحضير للعيد , وتضيع الأوقات بين ذلك وتلك , فأنصح كل اخت ان كانت لابد فاعله أن تقوم بهذه الأعمال مثلا قبل رمضان للحفاظ على دقائق رمضان الغالية

 

 أما تلاوة القران فهي العبادة الأشهر في رمضان والقربى الأكثر مناسبة لهذا الشهر , فهي تطهر القلب وتزيل الكرب وتفرج الأزمات , وتنقي السريرة فعليك أختي الإكثار من تلاوة القران . يقول صلى الله علية وسلم " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنه بعشرة امثالها , لا اقول (الم)  حرف ولكن الف حرف ولام حرف وميم حرف " حسن صحيح رواه الترمذي
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " اقرءوا القران فإنه يأتي يم القيامة شفيعا لأصحابه " حديث صحيح رواح مسلم

 

إن دمعاتك أيتها الاخت كثيرا ما أكاد أراها تتساقط بين الحين والحين في موقف مؤثر أو حزن عابر أو جرح مفاجىء , أفتمنعينها وتتركينها تجف بينما القرآن بين يديك ؟!

إقرئي كلام ربك وابك كثيرا , وبللي الثرى بدمعاتك , واغسلي تقصيرك وغفلتك في سابق الأيام بالعطر الحلال عطر الدمع النقي الصافي ..

 

إن شهرا كهذا لايمكنك أن تستشعري لذة العبودية فيه بدون قراءتك القرآن في كل ليلة , وبدون تدبرك معانيه وتشريعاته ومفاهيمه , إنه شفاء للقلوب المريضة والأبدان العليلة , ودوبان للحجارة المتحجرة الرابضة على صدورنا إثر الغفلة والتيه الذي نعيشه كل يوم " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله "

 

كذلك أنبهك ههنا بالاهتمام بالأولاد في شهر رمضان بالخصوص , اهتماما أكثر وأكثر , فإن حب الأولاد للهو واللعب قد يمنع عنهم خيرا كثيرا , فعليك دفعهم للخير دفعا , وإشعارهم بأن هذا الشهر ثمين كأكثر ما يكون وأن اغتنامهم فيه العبادات افضل من اللهو واللعب مع موازنة بين تركهم فترات لبعض اللعب المفيد وبعض المسابقات النافعات ..

 

فلا بد من الاجتماع معهم في الصباح ومتابعة قراءة أذكار الصباح , و الاجتماع معهم بعد العصر ومتابعة قراءة اذكار المساء , ودفعهم لحفظها والمداومة عليها , وتعليمهم فضلها , ومتابعتهم وحثهم على قراءة القران في هذا الشهر . اما الصغار منهم فتشجيعهم على الصيام و قبل المغرب شراء لهم بعض الألعاب الصغيرة التي تلههم عن التفكير في الطعام والشراب وتجهيز لهم الثياب البيضاء للذهاب إلى المسجد في كل الصلوات حتى صلاة الفجر .

 

ولا أنسى أن أذكرك ههنا بقيمة الجلسات الخاصة بين الأم وابنها أو بنتها كل على حده , تبث إليه مما علمها الله من معاني الخشية والإيمان والتوكل حيث تنقش هذه الكلمات في ذهن الابن وقلبه وتظل عبر الايام .

ودعيني اجعل هنا عنوانا هاما يميز أيام الشهر الفضيل وهو " المسابقة في الخيرات " , إنه عنوان يصلح كرمز لشهر رمضان في بيوتنا , يمكن لسيدة المنزل تطبيقه على أفراد بيتها جميعا , تسابق إلى أعمال الخير , ففي الصدقة تسابق للوصول للفقير واليتيم والمستحقين , وفي الذكر والقرآن تسابق في التحصيل والإنجاز , وفي القيام تسابق في الانتظام والأداء وفي الأعمال الخفية الصالحة تسابق في الستر والعمل , بل إن في تفريج الكربات في هذا الشهر مسابقة أي مسابقة بمساعدة المحتاج سواء بمال او بخدمة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة , ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والاخرة , ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة , الله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه  " رواه مسلم

 

 فأنت تستطيعين كذلك إضفاء بهجة على شهرك هذا عبر التسابق , فلا يكون الأمر مفروضا بالضغط والإرغام لكن يكون بالحب والمتعة والسعادة .

ثم لا أنسى أن أذكرك  بصلة الأرحام , وصلة الأقارب , فكثير من النساء تجف العلاقة بينهن وبين ارحامهن نتيجة مشكلات ناتجة من التعامل الحياتي سواء معهن ومع أقربائهن أو نتيجة مشكلات تخص أزواجهن , وللمرأة في صلة الرحم دور كبير في تنقية الأجواء وإرسال الهدايا , والنصح بالخير والمعروف , كما عليها أيضا أن تحض زوجها على صلة رحمه وتدفعه إلى ذلك .

 

ثم أمر آخر وهو أن بعض النساء تتوتر علاقتهن مع أهل الزوج سواء كان والد أووالدة الزوج , فعليك إصلاح هذه العلاقة خاصة في هذا الشهر الكريم , وابذلي نفسك لوجه الله سبحانه محاولة قدر استطاعتك الإحسان إليهم وحسن معاملتهم وبرهم , فإن ذلك فوق كونه عمل صالح فإنه يجلب لك رضى زوجك ومحبته .

 

ولست بحاجه ههنا أن أذكرك بالصلة بينك وبين ربك بآداء الفرائض , لكنني أؤكد عليك في الإهتمام بصلاة القيام وأن تتهجدي خاصة في الثلث الأخير من الليل ..,
ففي الحديث : " إن في الجنة غرفا يرى باطنها من ظاهرها اعدها الله تعالى لمن اطعم الطعام والان الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام " , وفيه أيضا " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "

 

فلا تفوتي السحر , إنه وقت المناجاة والدعاء , (( اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا ))..((اللهم اعتق رقابنا من النار )) ..
ففي هدوء الليل ... , وسكينته .. الرحمات تتنزل .. والبركات تملأ المكان , ابواب السماء مفتوحة ... ; الدعوات مستجابة .

 

فعندما يصلي الإنسان ويستشعر ان هذه آخر صلاة له في الدنيا  . كيف تكون هذه الصلاة ؟ إنها صلة المودع ولذلك انصحك ان تستشعري من قلبك ان هذا سوف يكون اخر رمضان لك , سوف تخافين ان تنامي لأنك سوف تشعرين ان النوم سوف يعطلك عما ترغبين فيه من القربى إلى الله , واذكري مقولة ابن القيم "النعيم لا يدرك بالنعيم ,ومن اثر الراحة فاتته الراحة فاحذر ان تفوتك راحة الاخرة براحة الدنيا "

 

كذلك الإكثار من التوبة مع أداء الحقوق والأمانات حتى نفوز في اخر هذا الشهر ..فالتوبة باللسان والقلب معا , والاهتمام بالليالي الفردية في رمضان تحريا لليلة القدر  ذات الجلال والقدر.

 

إن قيمة عظيمة يمكننا أن نكسبها في رمضان وزينة حلوة يمكننا أن نتزين بها مستغلين روعة هذا الشهر , وأقصد بها الإخلاص القلبي النقي , أن نحيا بالإخلاص طوال الشهر , فيكسو الإخلاص جميع أعمالنا , صومنا , صلاتنا , قيامنا , إن هذا الشعور هو الدافع الأول الذي يمكن أن يدفعنا لترك الذنوب , وكبح جماع الأعضاء والأفكار الشريدة .

 

طهري لسانك من الغيبة والنميمة بالإخلاص , وطهري عملك من الرياء بالإخلاص  , وطهري قلبك من شوائبه بالإخلاص , حتى تفوزي بعد هذا التعب والمجهود بالمغفرة .

وإخيرا ارجو من الله ان يرحمنا في رمضان وأن يغفر لنا ولسائر المسلمين وأن ينصر الله سبحانة وتعالى اخواننا المسلمين في كل مكان ويكون رمضان وعيد سعيد على الأمة الإسلامية . آمين يا رب العالمين ...