قمة سرت.. ضريبة التقسيم
7 ذو القعدة 1431
حمزة إسماعيل أبو شنب

انتهت القمة في المدينة الليبية سرت بآراء توافقية، القمة دعمت وحدة السودان والصومال بكلمات رنانة لكنها لا تسمن ولا تغني من جوع، قمة أيدت المصالحة الفلسطينية، لكنها تجاهلت قضايا مهمة كتهويد القدس والنزاع في لبنان، وتركت القضية الفلسطينية لمحمود عباس الذي لا يمكنه أن يتحمل مسؤوليتها، وبدون قرارات حقيقية سوى قرار خجول بدعم الصومال مالياً !!

 

القمة لم تقدم شيئاً جديداً، لذا فقد فظل التوجه الأمريكي باستكمال مشروع الفوضى الخلاقة قائماً، ذلك المشروع الذي انتهجته إدارة بوش وكانت تشرف عليه وزيرة الخارجة السابقة كوندليزا رايس، وكانت نتائجه واضحة على الساحتين الفلسطينية واللبنانية من صراعات واشتباكات عام 2007 في قطاع غزة، لتصبح الضفة والقطاع بإدارتين منفصلتين، وفي عام 2008 في لبنان والتي تحولت لمناطق عسكرية تخضع لسيطرة القوى اللبنانية المتصارعة .

 

واليوم تستكمل الإدارة الأمريكية ذلك التوجه من خلال سوزان رايس ومجلس الأمن الدولي ولكن هذه المرة بشكل أخطر على المنطقة العربية برمتها، ولعل زيارة رايس ومن معها من مجلس الأمن لمنطقة جنوب السودان هي بمثابة رسالة للرئيس البشير بأن الجنوب بات في عديد الدول الجديدة في العالم الإفريقي، وأن مجلس الأمن سيعترف به فورا ظهور نتائج الاستفتاء أو حتى قبل الاستفتاء، تحت ذرائع تسوقها حكومة جنوب السودان كما نسمع اليوم من استفاء من طرف واحد، ونشر قوات دولية، وترسيم حدود قبل الانفصال، والدليل على ذلك كلام رئيس البيت الأبيض في الجمعية العامة حول تمنيه أن يكون عضواً جديداً في الجمعية العامة العام القادم، واعتقد لحظتها عباس وفريقه أنه يقصد الدولة الفلسطينية، ولكن يبدو لي أنه كان يقصد جنوب السودان .

 

لم يتوقف الأمر عند تقسيم السودان في ظل ابتعاد فلسطين وفي ظل تقسيم الصومال حالياً، لأن الأمر قد يشمل دول عديدة، ولعل الحالة اليمنية ماثلة أمامنا في الصراع المتصاعد في الجنوب تارة، وحرب الحوثين تارة أخرى، أما في الساحة اللبنانية والتي هي على شفا حرب ساخنة جداً _ مع تصاعد التوتر بين الفرقاء حول قرارات المحكمة الدولية المتوقع صدوره _ فقد نشهد تقسيماً جديداً أيضا في لبنان، ولكنها في هذه الحالة لاعتبارات طائفية .

 

ولكن أكثر ما يقلق في المتغيرات الحادثة على الساحة السياسية، أن صراعاً يدور رحاه هناك على النفوذ بين إيران وأمريكا، ودعم كل منهما للأطراف التي تعنيه، وبمنطق ديني لا سياسي، وبطريقة تجعل العرب السنة هم الضحية في كل هذه المخططات التي نلمحها، بالرغم من قوة التحالف العربي السني من قوى الاعتدال مثل السعودية ومصر .

 

إذن فالناظر إلى الحالة اللبنانية يرى أن الهجوم الذي شنه حزب الله على الموالية عام 2008 م  في لبنان كانت تستهدف سنة لبنان بشكل محدود، لأنهم هم الحلقة الأضعف في الصراع الدائر بين أمريكا وإيران، في ظل تخلى دول الاعتدال عنهم وتركهم تحت رحمة سلاح حزب الله , أما السودان فالتقسيم فيه على أساس الديانة، ففي الشمال السوداني مسلمون، وفي الجنوب مسيحيون , وأما الحالة اليمنية ووضع البحرين _ بعد كشف المخططات الأخيرة _، والنفوذ المتزايد للشيعة في الكويت، مرورا بالإمارات المتحدة .
المشكلة ليست في إيران ولا في أمريكا، فاللوم يقع على العرب السنة الذين ما فتئوا يصطنعوا عداءات حسب الرغبة الأمريكية، كإضعاف العراق، وترك حماس تعاني الحصار وحدها، وشن ما تسميه حرباً على الإرهاب ( الإسلاميين )، ورغم ذلك لم تسلم دول الاعتدال هذه منهم، فمصر تتعرض لمشكلة كبري نيلها في ظل دعم إسرائيل لأثيوبيا في بناء السدود، ناهيك عن المبادرة العربية التي لم يستمع لها أحد من حلفائها.

 

ليس أمام العرب إذن مخرج إن أرادوا الفكاك من هذه الأخطار، إلا القيام بخطوات جريئة تصب في إطار ترك التحالف مع أمريكا، ودعم الإسلاميين، وتمنية قدرات المقاومة في فلسطين، لأنها هي نقطة الارتكاز التي يمكن الانطلاق منها نحو قوة عربية سنية، والتحالف مع الدولة التركية التي كانت يوماً رائدة العالم الإسلامي، وكان العرب جزءاً منها، ولنترك التاريخ المزيف ضد تركيا ، ولا ننسي أننا مسلمون قبل كل شيء. ومحتم أن " قوي الاعتدال " إن لم تتحرك في ذلك الاتجاه، فسيكون مصيرها  (التقسيم).