ساركوزي: هل اقتربت النهاية؟
14 ذو القعدة 1431
ياسمينة صالح

لم يكن سبر الآراء الأخير الذي نشرته صحيفة" لوجورنال دوديمانش" الفرنسية بداية الشهر ليخفي المكانة التي أصبح يلعبها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في حياة الفرنسيين، فقد اعتبر 70% ممن شملهم التصويت أن فرنسا تمشي بخطوات واثقة نحو الكارثة، وأن ساركوزي أعاد فرنسا إلى الوراء وأن صورة فرنسا في العالم أصبحت سيئة للغاية، وسوف تتسبب في انهيار الجمهورية الخامسة انهيارا مدويا.. صحيح أن الذين شملهم التصويت كانوا يقصدون أشياء كثيرة تسبب في انهيارها ساركوزي، منها الضمان الاجتماعي للفرنسيين، ومنها الأوضاع المعيشية التي تراجعت بتقدم عدد المعوزين، وظروف العمل والرواتب غير المتساوية بين الفرنسيين الخ، لكنه أيضا عكست النظرة الحقيقية التي ينظر بها الشعب الفرنسي، وليس المهاجرين ولا المسلمين، ولا سكان المريخ، بل الفرنسيين أنفسهم لرئيسهم الذي اتهمته صحيفة" دودروا" بالشوفينية وبأنه يصطاد في المياه العكرة لغاية في نفسه، وأنه أساء إلى الفرنسيين أكثر مما أساء لهم الألمان إبان الحرب العالمية الثانية ! لقد تفاجأ الفرنسيون أن رئيسهم أصبح "يغرس" أفراد من عائلته في مناصب مهمة، دون أن تنطبق عليهم شروط المنصب، مثل ابنه الذي أثيرت حوله الكثير من الأقاويل حول ميوله السياسية التي "تفجرت" فجأة، وبأنه قد "يصبح" وريثا شرعيا لتركة الإليزيه ! وهذه ليست نكتة، إذ يمكن الذهاب إلى الصحف الفرنسية نفسها والبحث عن كل الملفات الساخنة التي تطرقت إليها عن نجل ساركوزي، وعن رغبته في تبوء منصب سياسي كبير، كتعبير ساخر أن السياسة الذي حملها الرئيس الفرنسي (يهودي الأصل) لا علاقة لها بالدساتير الفرنسية، ولا بالقوانين التي قد تشهد استفتاءات قادمة لأجل أن يحظى هذا المهوس بالأضواء بعهدة جديدة قد تمتد مدى الحياة (على غرار ما يحدث في الأوطان العربية) ! فرنسا التي طالما تباهى العالم بها تحولت في ظل سنوات قليلة إلى مستوطنة يهودية، بل وصهيونية في ميولها (تراجع الحريات الشخصية، ارتفاع العنصرية ضد العرب المسلمين والسود والهنود والأتراك، العودة القوية للإعلام السياسي الصهيوني سواء في الصحافة المكتوبة أو في الفضائيات...الخ)، والحال أن فرنسا هذه أصبح يقودها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وإعلاميا شخص يسعى إلى ممارسة تصفية سياسية وفكرية ودينية شاملة على خصومه الديغوليين أولا، وعلى خصومه التقليديين (المهاجرين). فقد بدأت آلية الحرب الشعواء منذ كان ساركوزي وزيرا للداخلية، أيام نعت المهاجرين بالأوباش، ولم يكن ذلك محض مصادفة، وليس لأنهم طالبوا بتحسين أوضاعهم كمواطنين أفارقة يحملون الجنسية الفرنسية، أو كعمال يتم استغلالهم في عملية بناء البنية التحتية الفرنسية، بل لأنه في تلك المرحلة الصعبة سياسيا، خرجت دراسات منتظمة عن المعهد الأوروبي للدراسات الحضارية (مقره اسبانيا) تناولت فيها المسلمين في أوروبا، وتأثيرهم على المجتمعات الأوروبية التي وجدت نفسها أكثر ميلا وتقبلا للإسلام السمح، وهو ما جعل جريدة اللوموند تتحدث في تلك الفترة بالذات عن "الخطر الذي يمثله المهاجرون المسلمون على الجمهورية الخامسة" ! فقد نشرت الصحيفة وقتها أن فرنسي واحد من أربعة أصبع يعلن إسلامه بشكل علني، وأن عدد الفرنسيين الذين أسلموا في مناطق الجنوب (ذات الأكثرية المسلمة المهاجرة) يشكل ظاهرة "خطيرة" على الكيان الفرنسي العلماني ! المصيبة أن عدد من "المتثاقفين" العرب انحازوا إلى هذه الحرب لغاية في نفس يعقوب ! كان التخويف الفرنسي جاهزا إعلاميا وسياسيا تحت شعار" لن يتم أفغنة فرنسا" كما يمكن أن يكون الشعار سخرية مطلقة، على اعتبار أن لا شيء أعطى الانطباع أن ثمة محاولة أفغنة فرنسا، إنما كان التركيز بشكل كبير على نعت المسلمين بالإرهابيين عبر تقريبهم جماعيا مما حدث في الجزائر من مجازر بشعة في التسعينات من القرن الماضي.. لقد شكلت الصورة الجزائرية (العنف المسلح في الجزائر) مادة شبه يومية للحديث عن خطر المهاجرين المسلمين، بالخصوص من أصول مغاربية على فرنسا، عبر ربطهم كليا بالإرهاب وجعل كل مسلم ملتحي أو كل مسلمة محجبة خطرا على العلمانية الفرنسية، إلى حوّلوهما خطرا على أوروبا كلها، بل وعلى الكرة الأرضية !!

 

ماذا بعد النقاب؟
هو السؤال الذي طرحته بعض الصحف الفرنسية في الأسبوعين الماضيين، وهو السؤال الذي يعني أن الحروب القادمة سوف تحمل صبغة جديدة، إن لم تصب في ذات المحور "مكافحة الإرهاب" الذي جعل فرنسا ترسل عساكرها إلى الساحل الإفريقي لمحاربة تنظيم القاعدة كتعبير أن فرنسا الاستعمارية ما تزال تحاول خلق أجواء استيطانية حتى في قارة أخرى تحت مسمى الإرهاب، ضمن منافسة أوروبية أمريكية لأجل بناء قاعدة عسكرية في تلك المنطقة، والتي سوف تعني تعرية دول الساحل الإفريقي كلها وجعلها مكشوفة أمنيا وعسكريا تماما بالنسبة لإسرائيل التي تراهن على تلك القاعدة العسكرية منذ أكثر من عشرين سنة ! لقد ربط الإعلام المتصهين في فرنسا ودول أوروبية وفي أمريكا الإسلام بالإرهاب، لجعل القرارات التي يتم اتخاذها سياسيا وأمنيا مفروغ منها (التجسس على المكالمات، التجسس على الأشخاص، مراقبة أرصدة البنوك لأشخاص ينظر إليهم كمشتبه فيهم، التجسس على الحواسيب وعلى الإيميلات، التجسس على المواقع الالكترونية... الخ)، فإنه من المؤكد أن القرارات القادمة سوف تكون ضد المسلمين بشكل مباشر. إذ نجح ساركوزي في تمرير "قضية" النقاب إلى البرلمان، مثلما نجح في تجييش الإعلام الفرنسي اليهودي ضد المسلمين، بل فرنسا تعيش اليوم حالة فوبيا غير مسبوقة، يراد بها النيل من معنويات المهاجرين، وقد نجحوا بلا شك في خلق البلبلة، حيث كشفت قناة فرانس2 أن المناطق التي يسكنها المهاجرين صارت أقل ازدحاما في أوقات المساء، بحيث أن أغلب السكان يفضلون البقاء في بيوتهم، وعدم التجول في الشوارع، وهي الظاهرة التي قالت عنها القناة بأنها جديدة، وأن خوف المهاجرين من دوريات التفتيش يضاهيه خوفهم من الاعتقال المفاجئ، وبالتالي الترحيل المفاجئ ! عدد المهاجرين المسلمين (وقلة من الأفارقة السود) الذي تم تهجيرهم إلى بلدانهم بلغ 10 آلاف مهاجر منذ شهر فبراير من السنة الحالية، والغريب أن أغلبهم يحملون بطاقة الإقامة الدائمة، وبعضهم يحمل الجنسية الفرنسية التي تم إسقاطها عنهم وفق قانون الهجرة الجديد، والذي تضمن ما يسمى بالبنود الهامشية، مع أنها تحولت في ظرف أشهر إلى بنود رئيسية تمت على أساسها ترحيل آلاف المسلمين من التراب الفرنسي، بعضهم رُحلوا دون أسرهم، وهو ما يتنافى مع كل قوانين الإتحاد الأوربي التي تعتبر فرنسا جزء منه ! لقد تسببت القرارات الأخيرة بتراجع مستوى الحريات الشخصية في فرنسا وصل إلى حد" تقنين" اللباس الخاص بالمرأة المسلمة، وهو من أكثر أنواع المساس بحريتها الشخصية، حيث أن اعتبار الحجاب لباسا "دينيا" أمر يتناقض تماما مع كون ذلك اللباس اختياريا أو لا، فكل امرأة ارتدت الحجاب في فرنسا فعلت ذلك عن قناعة مطلقة (65% من تلميذات المدارس المسلمات قلن أنهن لبسن الحجاب برغبة منهم، في ردهن على سؤال أجراه معهد لدراسة شؤون المهاجرين، وأن غير المحجبات من المسلمات في فرنسا قلن أنهن سوف يلبسن الحجاب دون شك لأنه جزء من هويتهن المسلمة)، وهو ما يعني أن التلميذة المسلمة التي ولدت وعاشت على أرض علمانية اختارت أن تحافظ على إسلامها بمحض إرادتها، وأنها بهذا حرة وفق الحرية التي يكفلها القانون الفرنسي. لقد حدث تناقض رهيب في سير القانون الفرنسي المدني نفسه، الذي انقلب من حامي الحريات الشخصية إلى مضطهد للأقليات، ومضطهد للمسلمين تحديدا.. مع أن نسبة مهمة من الفرنسيين لا يرون في الإسلام خطرا، حيث ردا على سؤال أجرته (سي أس أي CSI):" هل الإسلام خطر على فرنسا؟" جاءت نسبة مهولة 71% بالقول أن الإسلام لا يشكل خطرا على فرنسا، وأنهم لا يشعرون بأدنى خوف أمني من الإسلام. دراسة كهذه والتي كشفت عنها صحيفة "لوبارزيان"، أكدت أن الحرب المسعورة التي يخوضها اليمين المتطرف من جهة، والرئيس الفرنسي وطائفته من جهة ليست لحماية الفرنسيين من خطر لا يستشعرونه أصلا، بل لتقويض المسلمين، ومنعهم من إبداء أي مساندة معنوية أو مادية لنصرة القضايا المهمة، أولها القضية الفلسطينية التي تشكل "مربط الفرس" بالنسبة للوبي اليهودي المسيطر على الإعلام وعلى الثقافة في فرنسا، في محاولة التطويق على الفرنسيين أنفسهم الذين يناصرون القضية الفلسطينية، وأنهم يشكلون اليوم خطرا حقيقيا على اللوبي اليهودي، بحيث من الصعب اتهامهم بالإسلامية باعتبارهم فرنسيين غير مسلمين، وهو ما جعل عمدة إحدى المدن الفرنسية الشمالية يأمر في مايو الماضي برش المتظاهرين الفرنسيين بالمياه القذرة عقابا لهم لأنهم خرجوا لمناصرة سكان غزة المحتجز خلف قضبان المجتمع الدولي.. 

 

مؤامرة دولية للتضييق على المسلمين جميعا:
لن نستعمل المصطلحات الكبيرة وغير المجدية بالمجان، لكنها فعلا المؤامرة التي تبدو جاهزة اليوم لتقنين الجالية المسلمة في أوروبا كلها، وقد تم المصادقة رسميا على حظر النقاب في فرنسا على الرغم من أن فرنسا لا يتعدى عدد المنقبات فيها 1300 منقبة، وأغلبهم فرنسيات عن سابع جد، مع ذلك تمت المصادقة على قانون سوف يطارد النقاب في كل مكان، بل والأدهى أنه سوف يعرض المنقبات إلى كل أنواع الإهانة عبر إجبارهن على نزعه بالقوة في الشارع، ثم دفع غرامة مالية، حسب ما ذكرته مواقع فرنسية على الانترنت، كتخويف صريح للمنقبات بأنهن لا يملكن حلا، لكن الحقيقة المؤلمة أن النقاب نفسه ليس أكثر من حجة لتمرير قوانين أكبر وأكثر وأخطر، بحيث أن استسهال الدول الإسلامية نفسها مع هذا الحظر، باعتقاد أنه شأن فرنسي داخلي، أعطى للجميع تلك الفكرة الجاهزة بأنه لن يتم الوقوف في وجه ما سيأتي، وما سيأتي سوف يشمل لباس المسلمين، مثلما سوف يشمل مساجدهم (إيطاليا وإسبانيا تستعدان لاستفتاء حول المآذن في البلدين) وستقول النظم العربية أيضا أنه شأن داخلي ! بمعنى أن ما سوف تشهده الأسابيع القادمة من تطورات لن تمس القبعة اليهودية المنتشرة في أوروبا، ولن تمس اللباس الديني اليهودي، ولن يمس المعابد اليهودية (عددها أكثر من الكنائس مرتين في أوروبا)، ولن يمس الوجود اليهودي بما فيه المتصهين والمتطرف والدموي، بل سوف يمس بكل بساطة المسلمين، والنساء بشكل خاص، مثلما سوف يمس حقهم في الدراسة بالحجاب، وحق المسلمين في المساجد وفي الصلاة، وحقهم في الصيام وفي العيد. فالتحضير للدخول الاجتماعي عبر جملة من الاقتراحات التي سوف تصب آليا في إشكالية "حظر المآذن" في كل من إيطاليا واسبانيا وبلجيكا، بعد أن يتم التضييق على المنقبات، حيث كشفت صحف فرنسية أن إيطاليا هي أول دولة سوف تسير في نفس الطريق الفرنسي بالنسبة لمسألة النقاب، وأن الحرب على المنقبات سوف تكون مفتوحة، لأنها سوف تشمل آليا الحجاب، والشعائر الإسلامية. على الرغم من أن وقف هذا النزيف الدموي ضد المسلمين في أوروبا لا يحتاج إلى حرب عسكرية (لن نقدر عليها)، بل إلى قرارات سياسية عربية جريئة وشجاعة لضرب على الأيدي الآثمة، ففي يد الدول العربية أكثر من مليون طريقة لجعل أوروبا تنزف ماديا (مقاطعة المنتجات الأوربية والسياحة في أوروبا)، مثلما كان بيدهم ألف طريقة لوضع سويسرا قبالة الجدار كتلميذ خايب (سحب الأموال الرسمية المسروقة من الشعوب من البنوك السويسرية).. ولكن.... لنا الله جميعا !