" نحو تربية جنسية راشدة " .. ملامح في التربية الجنسية
25 ذو القعدة 1431
معتز شاهين

- نظرة الكبار نحو الجنس :

" تبدأ تربية الطفل المسلم من نقطة سابقة كثيرًا على مولده ، وهي وجود أبوين مسلمين ، هما ذاتهما قد تربيا على الإسلام ، وبمقدار رصيدهما الذاتي من التربية الإسلامية يكون توقعاتنا لثمرة تربيتهما لهذا الطفل. "
كتاب ( منهج التربية الإسلامية ) – محمد قطب – الجزء الثاني – دار الشروق – الطبعة الثانية عشرة – صـ 339

فالكبار هم المناط بهم تربية أولئك الأطفال الصغار وتعريفهم بالتربية الجنسية القويمة ، فكيف سيعلمونهم شيئًا هم أنفسهم لم يتعلموه ؟ 

لذا فقد حرص المشرع الإسلامي على ضرورة إلمام الكبار بوجهة النظر الإسلامية نحو الجنس ؛ باعتباره فطرة يجب توجيهها لا كبتها ، و لكي يستطيع هؤلاء المربون القيام بأعباء التوجيه الجنسي لهؤلاء الصغار نظريًا وعمليًا . ويكون المقصد من ذلك التوجيه ألا يصنع عفّة في ضبط النفس عن كل شهوة جنسيّة محرمة فحسب، بل يقصد تحقيق استقرار نفسي لأفراد المجتمع المسلم ككل .

وعلى المربيين أن يفهموا أن قيامهم بإنجاز هذه المهمة هو عمل ايجابي في الأصل ، فالتربية الجنسية تصون جانباً من الشخصيّة المسلمة، وتحفظ بتعاليمها التوازن الداخلي للفرد المسلم إزاء مظاهر النشاط الجنسي، إنّه بأمر المشرع الإسلامي يتعلم من هذه التربية الحلال والحرام، ويتعرّف على النجاسات وأحكام التطهر منها، ويسهم بقدر كبير في تكوين أجيال للأمّة متصلة بالله عز وجل حتى في الأمور التي تسلب وعي الإنسان لقوة تأثيرها .

2- التربية الجنسية من الكتب الفقهية :

فكما ذكرنا من قبل أن التشريع الإسلامي قد أوجد نظاما متكاملا للتربية الجنسية في حياة الفرد منذ الطفولة وحتى اكتمال الرشد وبناء الأسرة المسلمة ، ويقوم ذلك النظام على عدة أسس من أهمها :
يمتلىء النظام التشريعي الإسلامي وكتب الفقه بكثير من الأمور المتعلقة بالتربية الجنسية ، ولكننا هنا اختصارًا للمساحة اخترنا الملامح الأهم ، والمتعلقة بشكل مباشر بموضوعنا الأساسي.
• آداب الاستئذان :

قال تعالى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  ] النور 58:59

وهنا تدرج التشريع القرآني في أحكام الأستئذان ، فميز بين الطفل الغير مميز [ َالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ] ، والطفل المميز [ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ] .
فهناك ثلاث أوقات للاستئذان للطفل غير المميز وهي .. قبل الفجر ، وقبل الظهيرة ، و بعد صلاة العشاء ، لما في تلك الأوقات من وضع للثياب ، والنوم والراحة ، وكذلك التكشف في العورات . وهي أشياء يجب ألا يراها الطفل لما لها من أثر نفسي وسلوكي سيء على نفسية الطفل. وتنتهي الآيات بتوضيح وجوب استئذان الطفل المميز في كل الأوقات.

• غض البصر :

قال تعالى [ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ...  ] النور 30: 31
ويقول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – ( النظرة سهم من سهام إبليس ، من تركها مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه )
 رواه الحاكم وقال صحيح

فهدف الإسلام من غض البصر هو إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ولا تستثار فيه الغرائز في كل حين

• التفريق في المضاجع :

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( .. وفرقوا بينهم في المضاجع )

فالتفريق في المضاجع يجنب الأولاد من الجنسين أية احتكاكات بدنية يمكن أن تؤدي إلى بعض المداعبات الجنسيّة الخطرة ، وكذلك هو وسيلة تربوية مهمة ، فكل فرد لديه غرفة مستقلة – إن امكن ذلك - ، أو سرير خاص به ، كل ذلك يؤدي لشعور الطفل  بالاستقلالية والتفرد.

• صوم السنن :

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء ).

 

3- خصوصية الأعضاء التناسلية :

على المربي ان يشرح للطفل أن هناك أشياء خاصة به وحده لايمكن لأحد ان يشاركه فيها ومنها ( الاعضاء التناسلية ) ، ويكون ذلك بشكل غير مباشر ، فنبدأ الكلام مع الطفل حول أجزاء الجسم بشكل عام ( عين ، رقبة ، رأس ... ) ، وكيف تختلف بعض الأعضاء في بابا عن ماما ؛ كالشعر .. طويل عند ماما وقصير عند بابا ، ثم يتم لفت النظر بصورة غير مباشرة إلى الاعضاء التناسلية ، وأنه يجب أن يهتم بنظافتها أولاً حتى لاتنتقل الأمراض إليه ، ويجب ألا يراها أحد لأنه خاصة به وحده فقط .

ولحماية أبنائنا من خطر التحرش ، على المربي ان يعود الطفل على أنواع لمس الجسد عمومًا ( لمسة صحية ، ولمسة غير صحية ) ، فاللمسة الصحية مثل ما يمكن أن يحدث من الأم أثناء تغيير الملابس أو مصافحة الأقرباء ومعانقتهم ، ويكون اللمس الصحي لليدين والكتفين والذراعين، وبصورة سريعة ودون الحاجة لكشف أي جزء من الجسم أو رفع الملابس عنه.

ويقع الكثير من المربين في خطأ كبير وهو أنهم يقومون بمداعبة الطفل في تلك المناطق الحساسة من باب المداعبة ، لأن ذلك سيجعل الطفل يقع في حيرة من أمره . مع ضرورة تعويد أطفالنا وخصوصًا الإناث منهم على عدم خلع ملابسهم أمام أحد ، أو خارج البيت مهما كانت الظروف.

 

4- تحسين البيئة المحيطة بالطفل :

• إشاعة الفاحشة والرقابة الخارجية :

والرقابة الخارجية هنا يقصد بها المجتمع ووسائل ضبطه لأفراده ، فأي مجتمع مهما بلغت درجة الحرية به ، لا يسمح لأفراده أن يتخطوا الحدود والقوانين والأعراف التي وضعها على مر الزمن ، ويفرض المجتمع على كافة مؤسساته أن تلتزم بتلك الحدود والقواعد ، وخصوصًا المؤسسات ذات التأثير الكبير على أفراده عامة والصغار منهم خاصة . كوسائل الإعلام ، والنوادي وغيرها.

وعجبًا نجد في مؤسسات مجتمعاتنا الإسلامية ، فهي أشد ما يكون بعدًا عن قواعد وأعراف بل وعن ديننا الحنيف بتوجيهاته السامية ، فلمصلحة من كل ذلك البعد والانفصام ؟

ولا يمكن للأب أو الأم تحييد أثر تلك المؤسسات على نفوس صغارهم تحييدًا تامًا ، ولكن يمكن تقليل فرص التأثير أو الحد من نسبة ذلك التأثير ويكون ذلك بعدة طرق منها :
- تيسيير الرفقة الصالحة للأبناء.
- العمل على إيجاد منافذ مجتمعية صالحة ، يستطيع من خلالها الطفل التفاعل اجتماعيًا مع نماذج من الأفراد تصلح أن تكون قدوات يحتذى بها.
- محاولة إيجاد بديل إعلامي نافع وفن هادف ، وهذا الأمر يحتاج لتضافر جهود المجتمع ككل وليس أفراد فقط .

• إبعاد الطفل عن العملية الجنسية والمثيرات الجنسية المختلفة :

فكم من مأسي وازمات نفسية تحدث نتيحة لإطلاع الأطفال على أبويهم اثناء الجماع ، فالعلاقة الزوجية علاقة أساسها الكتمان والسرية ، ورؤية الطفل لها يؤثر على استقامته في المستقبل . ففي كثير من الأحيان تحدث للطفل ( إفاقة جنسية مبكرة ) ، قد ينتج عنها قيام الطفل بسلوكيات جنسية منحرفة .

لذا فقد قام رأي المشرع الإسلامي على حكمين : أولهم منع رؤية الطفل الغير مميز لعورة الابوين  ، والآخر حرمة رؤية الصبي المميز لهذا السلوك لأنه يميز ويمكن أن يصف ما يراه. وقد جاء في الأثر : " لو أن رجلاً غشي امرأته ، وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ، ويسمع كلامهما ونفسَهما ما أفلح أبداً. ".

5 - استعفاف لا استقذار :
 
في لسان العرب ( العفة ) : هي الكف عما لا يحل و يجمل ، و ( الاستعفاف ) : طلب العفاف وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس ، وقيل: الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء .. و يقصد بالاستعفاف هنا : إخماد الغريزة الجنسية و التسامي بالإحساسات الشهوية و تهذيب الميول الجسدية .

والاستعفاف الذي يقصده الإسلام يعني التوجيه السليم لتلك الطاقة الفطرية حتي ييسر الله لها الطريق الصحيح وهو الزواج. أما ( الكبت ) : يعني إزدراء العملية الجنسية واستشعار الإثم لمن يزاولونها ولو كان عن طريق الزواج حتى. وقد يتطور الكبت عند بعض الأشخاص ليتحول إلى استقذار الدوافع الجنسية نفسها وعدم اعتراف الإنسان بينه وبين نفسه أن مشاعر الجنس يجوز ان تخطر في باله حتى .

والإسلام بالذات لا يستقذر الدوافع الجنسية ، فهو يعترف بها اعترافًا واضحًا وصريحًا على أنها الأمر الواقع الذي لايستنكر في ذاته ولايستقذر ، قال تعالى [ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ... ] الآية آل عمران : 14 ، وقوله – صلى الله عليه وسلم – ( حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء ... ). ولكن الإسلام يحدد فقط مصارف الجنس ، فهو حين يدعو إلى التبكير بالزواج يخفف الضغط على الاعصاب إلى أصغر مدى ممكن ويريح النفس البشرية من كثير من عوامل الأضطراب .

( وإنما وجد الكبت حقاً في العالم الإسلامي منذ عهد قريب ، حين خرجت المرأة سافرة متبرجة ، وأصبحت فعلاً أو حكمًا في متناول الشباب الجائع ، الذي تمنعه من الزواج المبكر ظروف اقتصادية واجتماعية وفكرية تطيل فترة التعطل الجنسي وتدفعه إلى الجريمة . حين ذلك وُجد الكبت .. ووُجد الصراع الداخلي بين تعاليم الدين ودفعه الجريمة ، ولم يكن نتيجة اتباع تعاليم الدين – كما يريد البعض أن يُفهم - ، وإنما كان نتيجة انحراف المجتمع عن الدين )
كتاب ( في النفس والمجتمع ) – محمد قطب – دار الشروق – الطبعة الثانية عشرة – صـ 82/83

ومن الأسباب المعينة على الاستعفاف اتخاذ الإسلام منهاج حياة ، والزواج المبكر ، والمجاهدة و تقوية الإرادة ، وغض البصر ، وتجنب المثيرات الجنسية ، ومنع الخلوة المحرمة بين الرجل و المرأة ، وستر المرأة وحجابها ، والصحبة الصالحة ، وملء الفراغ بما ينفع ، وقيام الأسرة بدورها.

 

6- العفاف المبكر :

فحينما تفشل التربية الجنسية في التقويم ، ويصبح الفرد غير منضبط جنسيًا من واقع نظرة الشرع والمجتمع الذي يعيش فيه ، يصبح ( الزواج المبكر ) الحل أو العلاج الوقائي لحالة ذلك الفرد. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج ... ).

فالزواج المبكر حل مشروع يرضى الإله والمجتمع ، كما يزيح التوتر الحاصل للفرد نتيجة للرغبة الجنسية الموجودة بداخله ، فيجعل الطفل منسجم نفسيًا مع نفسه ، ومجتمعيًا مع المجتمع الذي يعيش فيه