أنت هنا

مسائل متفرقة "مما تعم به البلوى" في الحج
25 ذو القعدة 1431
اللجنة العلمية
المسألة الأولى: لباس المرأة في الحج
المسألة الثانية: التوكيل في رمي الجمار
المسألة الثالثة: في ألبسة معاصرة
المسألة الرابعة: المرأة الحائض في الحج
المسألة الخامسة: استعمال الصابون المعطر
المسألة السادسة: الحج على نفقة الدولة

المسألة السابعة/ الاشتراط عند خوف المنع :

 المسألة الثامنة/ وضع الشمسية :

 المسألة التاسعة/ لبس النظارة ، أو سماعة الأذن ، أوساعة اليد ، أو الحزام أو ضبابة ( ضغاطة ) اليد أو الرجل أو الحذاء المخروز الذي فيه خيوط :

المسألة العاشرة/ وضع الكمام على الفم والأنف :
المسألة الحادية عشرة/ استخدام مكائن الحلاقة :

 المسألة الثانية عشرة/ وجود الخط الأسود في بداية الطواف :

المسألة الثالثة عشرة/ التوكيل في الهدي :

 المسألة الربعة عشرة/ الدفع من عرفة قبل الغروب.

المسألة  الخامسة عشرة/ الدفع من مزدلفة قبل الفجر :

 المسألة السادسة عشرة/ الترتيب بين أعمال يوم النحر :

 المسألة السابعة عشرة/ الطواف في السطح والسعي فوق سطح المسعى:

 المسألة الثامنة عشرة/ النزول إلى المسعى في الطواف :

 المسألة التاسعة عشرة/ رمي الجمرات من فوق الجسر :

المسألة العشرون/ طواف الحامل والمحمول :
المسألة الحادية والعشرون/ مكان نحر الهدي :
المسألة الثانية والعشرون/ مكان تفريق لحم الهدي :
المسألة الثالثة والعشرون/ وجوب الرمي بسبع حصيات :
المسألة الرابعة والعشرون/ مكان أخذ حصى الجمار :
المسألة الخامسة والعشرون/ حكم الشك في عدد الحصى :

المسألة السادسة والعشرون/ إجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع :

المسألة السابعة والعشرون/ طواف الوداع للعمرة :
المسألة الثامنة والعشرون/ تكرار العمرة :

 

 



المسألة الأولى: لباس المرأة في الحج
       

        المرأة المحرمة تُمنع من شيئين: لبس النقاب، والقفازين، كما ورد ذلك في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أن النبي “صلى الله عليه وسلم” قال: ".. ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين"([1]).   والنقاب: شيء يُخاط على قدر الوجه وتلبسه المرأة، ويكون ملاصقاً للوجه ومثله البرقع، فهذا لا يجوز للمرأة لبسه وهي محرمة، وكذلك القفازان وهي التي تفصّل على قدر الأيدي وتلبسها المرأة، فالمرأة في الحج يجب عليها أن تترك هذين وألا تلبس البرقع والنقاب والقفازين([2]).

        فللمرأة أن تكشف وجهها إذا كانت بحضرة النساء أو جالسة وحدها، أو عند محارمها، أما عند ملاقاة الرجال الأجانب فإنها تُسدل خمارها من فوق رأسها على وجهها، و تعتقد بعض النساء جواز كشف الوجه أمام الرجال ما دامت محرمة وهذا خطأ، والواجب تغطيته؛ ومن الأدلة على ذلك:

1.قول عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله “صلى الله عليه وسلم” محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه"([3]).

2.   عن أسماء بنت أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما - قالت : كنا نغطي وجوهنا من الرجال ، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام"([4]).

        فإن انتقبت المرأة أو لبست القفازين، أو غطت وجهها في عدم حضرة الرجال عالمة بالحكم عامدة أثمت وعليها فدية وهي ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيامثلاثة أيام([5])، لكون هذا محظور من محظورات الإحرام.

 

 

 
المسألة الثانية: التوكيل في رمي الجمار
       

        ومما عمت به البلوى بين الحجاج في الحج التسرع في التوكيل، فتجدهم توسعوا في ذلك ونراهم يوكلون غيرهم في رمي الجمار ولو لم يكن هناك عذر يستدعي ذلك، وقد تحدث الفقهاء كثيرًا عن هذه المسألة، فهم يجيزون التوكيل للمريض، والعاجز كالشيخ الكبير والمرأة الضعيفة، والصغير، ونحوهم، واختلفوا في إيجاب الدم على من وكَّل غيره، فالجمهور: الحنفية والشافعية والحنابلة لايوجبون الدم ولا الإثم على من وكّل غيره([6])، أما المالكية فذهبوا إلى أن من عجز عن الرمي بنفسه فعليه أن يستنيب من يرمي عنه ويلزمه دم، وفائدة الاستنابة أنها تسقط الإثم فإن لم يستنيب فعليه دم وعليه إثم([7]).

 

 

المسألة الثالثة: في ألبسة معاصرة
       
       

        النظارة، وسماعة الأذن، وساعة اليد، أو الحزام أو ضبابة ( ضغاطة ) اليد أو الرجل أو الحذاء المخروز الذي فيه خيوط،،،

        والتخريج الشرعي لهذه الأشياء أمره سهل هيّن فقد بيَّن النبي “صلى الله عليه وسلم” ما يحرم على المحرم لبسه كما في  حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلاً قال : يا رسول الله: ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: " لا يلبس القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه زعفران أو ورس"([8]). والذي يظهر أن النظارة والسماعة وساعة اليد والحزام وضبابة اليد أو الرجل والحذاء المخروز الذي فيه خيوط لا تدخل في هذه الخمسة لفظًا ولا معنى .

 

 

 
المسألة الرابعة: المرأة الحائض في الحج
       

        إذا حان وقت الإحرام بالحج والمرأة حائض وتريد الحج فإنها تُحرم –كغيرها- وتُمارس كل أعمال الحج لكنها لا تطوف، وتذهب إلى منى مباشرة، ثم تقف بعرفة، وتعود إلى منى –مرورًا بالمزدلفة- لترمي الجمرات، كل هذا يجوز لها القيام به وهي حائض. فإذا طَهُرت من حيضها اغتسلت وطافت هذا عن حكم حج الحائض في الجملة.

        وقد ورد حديث عائشة رضي الله عنهما: أن صفية بنت حيي رضي الله عنها زوج النبي “صلى الله عليه وسلم” حاضت في حجة الوداع ، فقال النبي “صلى الله عليه وسلم”: "أحابستنا هي؟" فقلت: إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت. فقال النبي “صلى الله عليه وسلم”: "فلتنفر"([9]).

        فدل هذا على سقوط طواف الوداع على الحائض، كما دل على عدم سقوط طواف الإفاضة، وأن عليها أن تطوف إذا طهرت، لكن قد يقع حرج شديد فيما إذا كانت المرأة أتت من بلاد بعيدة، يصعب عليها الرجوع بل قد يتعذر لصعوبة الوصول إلى الأماكن المقدسة في الوقت الحاضر من عرقلة الأنظمة ذلك، وقد تكون هذه المرأة برفقة حملة حج ملزمة بالمضيئ معها، لذا ذهب بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى جواز أن تتحفظ المرأة وأن تطوف ولا شيء عليها([10]). إلا أنه يمكن للمرأة أن تستعمل ما يمنع نزول دم الحيض أثناء فترة الحج، فقد قرر مجمع الفقه السوداني جواز درء الحيض للمرأة باستعمال ما يؤخر الدورة الشهرية إذا لم يترتب على المانع أي ضرر، ومقيد بمعرفة الطبيب المسلم الموثوق به([11]).

 

 

 
المسألة الخامسة: استعمال الصابون المعطر
       
       

        اختلف العلماء المعاصرون في حكم الصابون المعطر للمحرم فمنهم من يمنعه – وهو رأي الأكثر– ومنهم من يجيزه وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. والجمع بين القولين بأن يُقال بأن الصابون المعطر أنواع:

نوع من العطور يستخلص منه منظفات للرأس والجسم، وبخاخ للتطيب منه، ومنه الصابون أيضًا، وهذا لا شك أنه يمنع منه المحرم لأن الصابون يراد منه العطر نفسه.

(الصابون) المعروف الذي نستخدم لتنظيف اليدين وغيرهما، وهذا ليس بعطر، وإنما المقصد منه التنظيف، أو إزالة الرائحة الكريهة بالنكهة الذكية كرائحة التفاح، أو النعناع. وهذا واضح فلو أن أحدنا دخل (البقالة) وقال للبائع أعطني عطرًا، ثم أعطاه الصابون لعُد ذلك سخرية منه.

لكن حتى هذه (الصوابين) إذا وُجدت فيها رائحة معطرة فالأولى ومن باب الورع تجنبها، واستعمال صابون آخر غير معطر([12]).

المسألة السادسة: الحج على نفقة الدولة

        قرر مجمع الفقه السوداني أنه إذا رأت الدولة أن تتكفل بإحجاج بعض المواطنين لمصلحة تراها –وتقدير المصلحة متروك لها- فلا مانع من ذلك([13]).

 

 

المسألة السابعة/ الاشتراط عند خوف المنع :

اختلف العلماء – رحمهم الله – في الاشتراط عند الدخول في النسك ، والصواب في هذه المسألة ما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أنه لا يسن الاشتراط إلا لمن خاف ما يمنعه من أداء النسك ، وهذا القول به تجتمع الأدلة ، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – أحرم في عمره كلها ولم يعرف أنه كان يشترط عند الإحرام ، وكذا في حجة الوداع ، ولم يأمر أصحابه به ، وإنما أمر من جاءت تستفيه لأنها خشيت أن يشتد بها المرض فيمنعها من أداء النسك كما في حديث ضباعة بنت الزبير – رضي الله عنها - في " صحيح مسلم " .
ويلحق في هذه المسألة من خاف من منع قوات الأمن له من أداء الحج وفقا لترتيبات الحج الأمنية التي طبقتها السلطات في السعودية عند المواقيت المكانية ، فمن خشي أن يمنع من أداء النسك فله أن يشترط عند الإحرام ويقول : اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ، ومن لم يخف فليس له أن يشترط .
تنبيه : يتعمد بعض الحجاج – هداهم الله - من باب الحيلة لبس الثياب لتجاوز نقاط التفتيش الأمنية ثم يخلعون ثيابهم ، ويبقون في ملابس الإحرام ، ولا شك أن هذا الفعل محرم ، ويلزم صاحبه دم لتعمده فعل محظور من محظورات الإحرام، وهو لبس المخيط
.

 المسألة الثامنة/ وضع الشمسية :

إذا ستر المحرم رأسه بساتر متابع كالمحمل والثوب والشمسية فعند الحنفية والشافعية أنه لا شيء عليه وهو الصواب ، لما روى مسلم في " صحيحه " عن أم الحصين – رضي الله عنها – قالت : " حججت مع النبي – صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع ، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي – صلى الله عليه وسلم – والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة " .

 المسألة التاسعة/ لبس النظارة ، أو سماعة الأذن ، أوساعة اليد ، أو الحزام أو ضبابة ( ضغاطة ) اليد أو الرجل أو الحذاء المخروز الذي فيه خيوط :

بين النبي – صلى الله عليه وسلم - ما يحرم على المحرم لبسه ، فقد روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلا قال : يا رسول الله : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس " . والنظارة والسماعة وساعة اليد والحزام وضبابة اليد أو الرجل والحذاء المخروز الذي فيه خيوط لا تدخل في هذه الخمسة لفظا ولا معنى .

 

 

المسألة العاشرة/ وضع الكمام على الفم والأنف :

يجوز للمحرم وضع الكمام على فمه وأنفهه سواء كان ذلك لحاجة أو لغير حاجة لأنه يجوز على الصحيح من قولي أهل العلم أن يغطي المحرم وجهه ، فإن مستند من منع ذلك ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – في قصة الرجل الذي وقصته دابته فمات فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " . زاد مسلم " ولا تخمروا رأسه ولا وجهه " . وهذه الرواية غير محفوظة ويدل لذلك أن شعبة قال : حدثنيه أبو بشر ثم سألته عنه بعد عشر سنين فجاء بالحديث إلا أنه قال : " لا تخمروا رأسه ولا وجهه " .
وروى القاسم قال : " كان عثمان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم يخمرون وجوههم وهم حرم " ، وكذا ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما - في " المحلى " وروى الدار قطني والبيهقي عن ابن عمر أنه قال : " إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه " . وقال جابر – رضي الله عنه - : " يغطي المحرم أنفه من الغبار ، ويغطي وجهه وهو نائم " .

 
المسألة الحادية عشرة/ استخدام مكائن الحلاقة :

هل الأخذ من شعر رأس المحرم بهذه المكائن يكون حلقاً أم تقصيراً ؟
والجواب أن يقال : الحلق في اللغة : أخذ شعر الرأس من أصله بالموسى ، وما لا يمكن معه القص فهو الحلق ، وهذا منتف في مكائن الحلاقة ، إذ إنه بمختلف درجات ماكينة الحلاقة يبقى من الشعر شيء بعد الأخذ منه .

 المسألة الثانية عشرة/ وجود الخط الأسود في بداية الطواف :

تكلم المعاصرون في مشروعية هذا الخط على قولين مشهورين ، فمنهم من يمنعه كالشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - ، والشيخ بكر بو زيد – حفظه الله – وله رسالة في ذلك ، ومنهم من يجيزه كالشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله - ، والشيخ محمد بن سبيل – حفظه الله - ، وله رسالة في ذلك . ولكل من القولين حجته ، لكن تنبغي الإشارة إلى أنه مع مشروعية هذا الخط إلا إن فيه خللاً هندسياً ، فعرض الخط من أوله عند الحجر إلى آخر المطاف على قدر واحد ، والمعروف هندسياً أن الدائرة كلما اتسعت اتسع قطرها ، فالواجب زيادة عرض الخط الأسود وتغليظه كلما اتجهنا إلى آخر المطاف ، وهذا يعني أن الطائف في آخر المطاف تكون محاذاته للحجر الأسود قبل وصوله إلى الخط الأسود خلافا لما عليه الخط الأسود الآن .

 

 

المسألة الثالثة عشرة/ التوكيل في الهدي :

الواجب على الحاج إبراء للذمة أن يتولى ذبح هديه بنفسه ، ويشرف على توزيعه على الفقراء والمساكين مع أكل شيء منه – استحباباً - ، وأما التوكيل فإن كان الوكيل ثقة أميناً فلا بأس وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية بجواز دفع قيمة الهدي للبنك الإسلامي .

 
 

 المسألة الربعة عشرة/ الدفع من عرفة قبل الغروب.
لا خلاف بين أهل العلم أن من وقف بعرفة ليلاً ولم يدرك جزءاً من النهار أن حجه صحيح ولا شيء عليه. قال في " الشرح الكبير": لا نعلم فيه خلافاً.
وإنما اختلفوا فيمن دفع من عرفة قبل الغروب على أقوال منها:
القول الأول: لا يجوز الدفع من عرفة قبل الغروب، ومن فعل ولم يرجع فعليه دم.
وهو قول الحنفية وأحد القولين عند الشافعية وقول الحنابلة وهو قول عطاء، والثوري، وأبي ثور.
واستدلوا على تحريم الدفع قبل الغروب بفعله – صلى الله عليه وسلم - ، حيث لم يدفع إلا بعد غروب الشمس، والاقتداء بفعله هذا متعين؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني مناسككم " .
القول الثاني: جواز الدفع قبل الغروب، فمن دفع فلا دم عليه، ولا يلزمه الرجوع، ولكن خالف السنة.
وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية، واختاره النووي وهو مذهب ابن حزم

 


واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: حديث عروة بن مضرِّس - رضي الله عنه - قال :" أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طي، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال – صلى الله عليه وسلم - : " من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه، وقضى تفثه " أخرجه أحمد والترمذي .
ووجه الدلالة من الحديث ظاهر : حيث دل على أن من وقف بعرفة نهاراً دون الليل فحجه تام، ولا شيء عليه.
ويُحمل فعله – صلى الله عليه وسلم - من الوقوف حتى الغروب على الاستحباب لأجل هذا الحديث.
فيكون وقوفه إلى وقت الغروب بمنـزلة نزوله – صلى الله عليه وسلم - بعرفة قبل الزوال.
قال الشنقيطي – رحمه الله - " قوله – صلى الله عليه وسلم- :" فقد تم حجه " لا يساعد على لزوم الدم؛ لأن لفظ التمام يدل على عدم الحاجة إلى الجبر بدم. والحاصل أن من اقتصر في وقوفه على الليل دون النهار أو النهار دون الليل فأظهر الأقوال فيه دليلاً: عدم لزوم الدم"ا.هـ مختصراً.
الدليل الثاني : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من أدرك عرفات قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج" ، وفي لفظ " من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فقد أدرك حجه " . رواه أحمد والترمذي.
ووجه الدلالة: أنه إذا جاز الوقوف بعرفة ليلاً دون النهار بدون دم، فلأَن يجوز الوقوف بها نهاراً دون الليل بدون دم من باب أولى، ولا يصح التفريق بين الأمرين.
وبذلك يعلم أيضاً أن البقاء في عرفة إلى غروب الشمس هو فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وهديه، ولكن القول بالنفرة قبل الغروب من يوم عرفة له حظه من الاستدلال والنظر، وقال به أئمة علم يقتدى بهم، وأن الحرج الذي يصيب الناس في النفرة من عرفة حيث لا يصلون إلى المزدلفة إلاّ في ساعات متأخرة من الليل يجعل المصير إلى هذا القول والتوسعة على الناس به له اعتباره، وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أذن لضعفة أهله بالنفرة من المزدلفةخوفاً من حطمة الناس فإن المعنى موجود اليوم وعلى وجه أشد في النفرة من عرفة .

 


المسألة  الخامسة عشرة/ الدفع من مزدلفة قبل الفجر :

هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – المبيت بمزدلفة إلى بعد طلوع الفجر ، والمستحب الاقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وأما الضعفة من النساء والصبيان والكبار والعاجزين والمرضى ، وكذلك من لا يستغنون عن رفقته من الأقوياء فيجوز لهم الدفع بعد منتصف الليل . والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " بعثني – رسول الله صلى الله عليه ومسلم – في الثقل – أو قال في الضعفة – من جمع بليل " . والمذهب الشافعي وأحمد – رحمهما الله - . جواز الدفع بعد منتصف الليل لأهل الأعذار وغيرهم .
والعمل بهذا القول مهم مع كثرة الناس وشدة الزحام ، وما يلحق الناس من جراء ذلك من الكلفة والمشقة .

 


 المسألة السادسة عشرة/ الترتيب بين أعمال يوم النحر :

أجمع العلماء على استحباب الترتيب بين أعمال يوم النحر ، وذلك بتقديم الرمي ، ثم الحلق أو التقصير ، ثم طواف الإفاضة ، كما رتبها النبي – صلى الله عليه وسلم – في فعله .
كما أجمعوا على جواز على تقديم بعضها على بعض في حق الناسي والجاهل .
واختلفوا في تقديم بعضها على بعض في حق العامد العالم ، فمذهب الشافعي وأحمد وجمهور التابعين جواز ذلك مستدلين بأحد طرق الحديث المروي في " الصحيحين " عن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سأله رجل : " يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح . قال : اذبح ولا حرج . وقال آخر : ذبحت قبل أن أرمي . قال : ارم ولا حرج ، فما سئل عن شيء غلا قدم ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج " . ولم يقيده بالناسي والجاهل .
 ومثل هذا القول يتوكد مع الزحام الموجود الآن . والله أعلم

 

 المسألة السابعة عشرة/ الطواف في السطح والسعي فوق سطح المسعى:

أصدرت هيئة كبار العلماء فتوى بجواز السعي عند الحاجة فوق سقف المسعى قياساً على جواز الطواف حول الكعبة في أروقة المسجد الحرام وفي سطوحه ، وعلى جواز الصلاة الصلاة إلى هواء الكعبة ممن كان في مرتفع عن بنائها كمن في الطائف مثلاً ن وعلى صحة الطواف والرمي فوق دابة ونحوها ، لأن ذلك لا يخرج عن مسمى السعي فهو سعي بين الصفا والمروة ، وأما إذا لم يكن ثم حاجة بأن كان السعي في وقت لا ازدحام فيه فإن الاحتياط لكمال العبادة يقضي بعدم ذلك خروجا من خلاف من منعه ، ولانتفاء العذر المبرر للجواز. ( فتاوي الشيخ ابن منيع 3/81 )

 


 المسألة الثامنة عشرة/ النزول إلى المسعى في الطواف :

الناظر إلى زحام الناس الشديد عند بداية الطواف في سطح المسجد الحرام يجد ما يلحق الطائفين من المشقة الشديدة لضيق المكان ، ويتوقف السير أحيانا دقائق عديدة ، ويكثر اللغط والشجار بين الناس مما يضطر بعضهم إلى النزول إلى المسعى ، ومع أن المسعى قد ألحق أخيرا ضمن المسجد من حيث البناء ، إلا أن الرأي مستقر عند العلماء المعاصرين على أنه ليس من المسجد وأنه لا يشرع الطواف به لأن من طاف بالمسعى فقد طاف خارج المسجد ولا يصح الطواف حينئذ ، ونظرا لما ذكرنا من المشقة الشديدة على الطائفين فقد رخص بعض العلماء في نزول الطائفين إلى المسعى عند الضرورة والزحام الشديد ، وممن رخص في ذلك الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين – رحمهما الله - .

 


 

 المسألة التاسعة عشرة/ رمي الجمرات من فوق الجسر :

 يجوز رمي الجمرات من أي جهة من فوق أو من أسفل أو جعلها عن يمينه أو عن يساره .
قال ابن حجر – رحمه الله - : وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها ( أي جمرة العقبة ) جاز ، سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها ، والاختلاف في الأفضل . ا.هـ.
قال في المنتهى وشرحه : وله رميها أي الجمرة من فوقها لفعل عمر لما رأى الزحام عندها .ا.هـ.
* الرمي ليلاً : ذهب جمع من العلماء إلى جواز الرمي ليلاً لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - حدد أوله ولم يحدد آخره ، ولما سأله رجل كما عند البخاري من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما - : " رميت بعد ما أمسيت . قال : لا حرج " . والمساء يكون آخر النهار ، وفي أول الليل ، ولم يستفصل النبي – صلى الله عليه وسلم – عما يقصده الرجل ، فعلم أن الأمر واسع . وهذا القول هو مذهب الحنفية ورواية عند المالكية وهو المصحح عند الشافعية ، وهو ما أفتى به المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي برئاسة الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله - ، وذلك حينما اشتد الزحام على الجمرات .

 

 

 
المسألة العشرون/ طواف الحامل والمحمول :

قد يطوف الإنسان ومعه آخر يحمله كطفل محرم – أيضاً – فيقع الطواف عن الحامل والمحمول ، ولا يلزم الحامل أن يطوف لنفسه طوافاً مستقلاً ، لأن كل واحد منهما طاف بنية صحيحة ، ويصدق عليه أنه طاف بالبيت ، والصبي إن كان مميزاً نوى الطواف ، وإن كان غير مميز نوى عنه وليه ، وهذا هو الراجح إن شاء الله تعالى ، ويؤيد ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة المرأة الخثعمية ، وفيه : ( فرفعت إليه امرأة صبياً ، فقالت : ألهذا حج ؟ قال : » نعم ، ولك أجر « ) أخرجه مسلم (1336) .

ووجه الدلالة : أن النبي “صلى الله عليه وسلم” أخبر المرأة بصحة حج الصبي ، ولم يأمرها أن تطوف به طوفاً مستقلاً مع أن المقام مقام بيان وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، فلما لم يأمرها دل على جواز طوافها به محمولاً ، ويجزئ الطواف عنهما معاً .

 وذهب بعض العلماء إلى أن الصبي إذا كان غير مميز فلا بد لوليه أن يطوف عن نفسه ثم يطوف بالصبي أو يسلمه إلى ثقة يطوف به ، لأن الصبي لم يحصل منه نية ولا عمل ، وإنما النية من حامله ، ولا يصح عمل واحد بنيتين لشخصين ، والسعي يأخذ حكم الطواف في هذا الحكم على هذا التفصيل .

وكذا لو دفع عربة يركبها الطفل أو الكبير أو المريض أجزأ ذلك عن الراكب ومن يدفع العربة ، والله أعلم .

 

 

المسألة الحادية والعشرون/ مكان نحر الهدي :

ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن نحر الهدي لا بد أن يكون داخل الحرم في مكة أو منى أو مزدلفة ، سواء كان هدي تطوع أو هدي تمتع أو قران ، لقوله تعالى : ] ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [ [الحج/33] والمراد بذلك : الحرم كله ، كما ذكر المفسرون ، وقال “صلى الله عليه وسلم” : ( نحرت هاهنا ومنى كلها منحر ) أخرجه مسلم من حديث جابر “رضي الله عنه” (1218) (149) ، وعند أبي داود (1937) وابن ماجة (3048) وأحمد (22/381) بلفظ ( كل فجاج مكة طريق ومنحر ) وأخرجه البيهقي (5/239) عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : ( مناحر البدن بمكة ، ولكنها نزهت عن الدماء ، ومنى من مكة ) وإسناده صحيح ، وعلى هذا فلا ينحر هديه في عرفة أو غيرها من الحل ، لأنها خارج الحرم ، فلا يجزئ على المشهور عند أهل العلم ، وبعض الناس قد يغفل عن ذلك ، فينبغي التنبه له .

أما الهدي لفعل محظور – كحلق الرأس – فهذا يجوز أن يكون في محل فعل المحظور ويجوز أن يكون في الحرم ، لأن ما جاز في الحل جاز في الحرم إلا جزاء الصيد فلا بد أن يكون في الحرم ، لقوله تعالى : ] فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ [ [المائدة/95] .

وأما هدي الاحصار – وهو وجود مانع من الوصول إلى البيت – فإنه يذبحه في مكان الإحصار لقوله تعالى : ] فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[ [البقرة/196] ، لكن لو أراد نقله إلى مساكين الحرم فلا بأس لما تقدم ، والله أعلم .

 

 

المسألة الثانية والعشرون/ مكان تفريق لحم الهدي :

يفرق لحم الهدي داخل حدود الحرم ، ثم إن كان هدي تمتع أو قران أو تطوع فله أن يأكل منه ويهدي ويتصدق على مساكين الحرم ، لأنه “صلى الله عليه وسلم” أكل من لحم الهدي ، كما في حديث جابر “رضي الله عنه” عند مسلم ، ولأنه دم نسك فهو بمنزلة الأضاحي ، فإن أرسل منه إلى الفقراء في العالم الإسلامي فهذا عمل مشكور وجهد طيب .

وإن كان لترك واجب – على القول به – فإنه يتصدق بجميع لحمه على مساكين الحرم ، ولا يأكل منه شيئاً .

 

 

المسألة الثالثة والعشرون/ وجوب الرمي بسبع حصيات :

جمهور العلماء على أن الرمي بسبع حصيات شرط من شروط صحة الرمي ، فإن نقص واحدة لم يصح الرمي ، وعليه الرجوع إلى إتمام ما نقص ، لأن النبي “صلى الله عليه وسلم” رمى كل جمرة بسبع حصيات – كما نقل ذلك جابر وغيره من الصحابة – وقال : ( لتأخذوا مناسككم ) فيجب الاقتداء به “صلى الله عليه وسلم” في ذلك ، ولا يعرف أنه أذن لأحد أن يرمي بأقل من سبع .

وأما ما أخرجه النسائي (5/275) وغيره ، عن مجاهد قال : قال سعد “رضي الله عنه” : ( رجنا في الحجة مع النبي “صلى الله عليه وسلم” وبعضنا يقول : رميت بسبع حصيات ، وبعضنا يقول : رميت بست ، فلم يَعِبْ بعضهم على بعض ) فهو أثر منقطع ، لأن مجاهداً لم يسمع من سعد بن أبي وقاص “رضي الله عنه” ، كما قاله ابن القطان ، والطحاوي وغيرهما ، نقل ذلك في ( الجوهر النقي ) (5/149) وذكر أن الأخبار تظاهرت بوجوب السبع ، ولم يثبت أن الرسول “صلى الله عليه وسلم” أقر الصحابة على ذلك ، ولا اجتهاد في موضع النص .

 

 

المسألة الرابعة والعشرون/ مكان أخذ حصى الجمار :

ليس لحصى الجمار مكان معين تُلقط منه ، بل تؤخذ من أيّ مكان من مزدلفة أو من منى أو من الطريق ، لأن النبي “صلى الله عليه وسلم” لم يحدد لذلك مكاناً ، وعلى هذا فليس من السنة أن الحاج إذا وصل مزدلفة ليلاً أن يشتغل بلقط حصى جمرة العقبة أو جمار أيام التشريق ، كما يفعل بعض الحجاج .

وفي حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – ( وفي روايةٍ الفضلُ بن عباس ) قال : قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” غداة العقبة وهو واقف على راحلته :   ( هاتِ الْقُطْ لي … الحديث ) أخرجه أحمد (3/350) والنسائي (5/197) وابن ماجة (3029) وإسناده صحيح على شرط مسلم .

وليس في الحديث نص على المكان ، وإن كان ظاهره أنه لقطها له من مزدلفة ، لأن قوله ( غداة العقبة ) يدل على أنه أول النهار ، وقد كان “صلى الله عليه وسلم” أول النهار في مزدلفة ، ولكنه ليس صريحاً في ذلك بل يحتمل أنه أخذها من منى عند الجمرة ، فإنه لم يحفظ عنه “صلى الله عليه وسلم” أنه وقف بعد مسيره من مزدلفة إلى منى ، ولأن هذا هو وقت الحاجة إليه ، فلم يكن ليأمر بلقطها قبله لعدم الفائدة فيه ، وتَكَلُّفِ حمله ،وعلى فرض المعنى الأول ، فليس عاماً في جميع الجمار ، بل هو خاص بجمرة العقبة ، والمقصود أنه يلقط حصى الجمار من أيِّ مكان ، والله أعلم .

 

 

المسألة الخامسة والعشرون/ حكم الشك في عدد الحصى :

يجب الرمي بسبع حصيات لكل جمرة من الجمار الثلاث في أيام التشريق ، وعلى من نقص حصاةً أو اكثر أن يرجع ويتم ما نقص .

ومن سقط منه حصاة أو أكثر قبل الرمي فله أن يأخذ من الحصا الموجود عند الحوض ويرمي به ، ولو كان قد رُمي به ، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة ، وقد نص الإمام الشافعي – رحمه الله – على جواز ذلك ، إذ لا دليل على المنع ، ولأنه حجر لم يتغير منه شيء ، ويمكن رميه مرة أخرى ، والمعنى الذي من أجله شرع الرمي موجود فيه ، مع ما في ذلك من التيسير على الناس ، فإن الإنسان قد يسقط منه حصاة وهو على الحوض ، فكونه يؤمر بأن يخرج ويأتي بها من بعيد ، ثم يدخل للرمي مرة أخرى – وقد يكون زحاماً – لا يخلو ذلك من مشقة .

ومن شك في عدد الحصا ، فقاعدة الفقهاء أنه لا يلتفت إلى الشك بعد الفراغ من العبادة ، ومع ذلك فالأحوط أن يزيل الشك باليقين إذا كان عند الجمرة ، فإن رجع إلى منزله لم يلتفت إلى ذلك ، والله أعلم .

 

 

المسألة السادسة والعشرون/ إجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع :

إذا أخر طواف الإفاضة – وهو طواف الحج – فطافه عند خروجه من مكة أجزأ عن طواف الوداع ، لكن ينوي طواف الحج ، لأنه ركن ، وطواف الوداع واجب ، فيجزئ الأعلى عن الأدنى لا العكس ، وإنما أجزأ طواف الإفاضة عن الوداع ، لأن المأمور به أن يكون آخر عهده بالبيت ، وقد فعل ، وهما عبادتان من جنس واحد فأجزأت إحداهما عن الأخرى .

وهذا واضح بالنسبة للمفرد والقارن الذي سعى سعي الحج مع طواف القدوم ؛ إذ ليس عليه بعد ذلك إلا الطواف ، ويكون آخر عهده بالبيت .

أما المتمتع الذي أخرَّ طواف الإفاضة إلى وقت خروجه من مكة فإن عليه السعي بعده ، فلا يكون آخر عهده بالبيت ، فهل يحتاج إلى وداع بعده ؟

الأظهر – والله أعلم – أنه لا يحتاج إلى وداع بعد السعي ، لأن السعي تابع للطواف ، فلا يضر الفصل بين الطواف وبين الخروج بالسعي ، وقد بوب البخاري – رحمه الله – فقال (3/612) : ( باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع ؟ ) ثم أورد حديث عائشة – رضي الله عنها – ، وفيه : ( أخرج بأختك من الحرم فَلْتُهِلَّ بعمرة ثم افرُغا من طوافكما ) وظاهره أنها لم تؤمر بوداع ، قال ابن بطال – رحمه الله – في شرحه على البخاري (4/445) : ( لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف وخرج إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع ، كما فعلت عائشة ) ونقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، وأقرَّه .

لكن يشكل على ذلك رواية أخرى للبخاري (1560) وفيها تقول عائشة – رضي الله عنها – بعد أن أمر الرسول “صلى الله عليه وسلم” أخاها أن يخرج بها لأداء العمرة : ( فخرجنا حتى إذا فرغتُ ، وفرغتُ من الطواف ) فهذا ظاهره أن الفراغ لأول من العمرة ، والفراغ الثاني من طواف الوداع ، ولعل هذا هو الذي جعل البخاري ساق الترجمة بلفظ الاستفهام ، ولم يبتَّ في الحكم ، والله أعلم .

 

 

المسألة السابعة والعشرون/ طواف الوداع للعمرة :

دلت السنة الصحيحة على أن طواف الوداع من مناسك الحج وشعائره ، لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – ، قال : ( أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض ) أخرجه البخاري (1755) ومسلم (1328) (380) ، وعنه – أيضاً – “رضي الله عنه” ، قال : كان الناس ينفرون في كل وجه ، فقال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” : ( لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ) أخرجه مسلم (1327) وفي لفظ : ( كان الناس ينفرون من منى إلى وجوههم ، فأمرهم رسول الله “صلى الله عليه وسلم” أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، ورخص للحائض ) أخرجه الحاكم (1/476) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي .

 

 

فهذا الحديث بألفاظه نص صريح في أن طواف الوداع خاص بالحج من وجهين :

الأول : أن النبي “صلى الله عليه وسلم” قال ذلك في حجة الوداع ، وخاطب به الحجاج ، ولم ينقل أنه قال ذلك في عمرة من عُمَرِهِ .

الثاني : أن الأوصاف المذكورة لا تنطبق إلا على الحج ، لأنه لولا الوداع لكان الناس ينفرون من منى بعد رمي الجمرات إلى حيث شاءوا ، فأمروا أن يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت .

وأما العمرة فليس لها وداع ، بل نقل ابن رشد في ( بداية المجتهد ) (2/266) الإجماع على أنه ليس على المعتمر إلا طواف القدوم ، أي : طواف العمرة ، وقد صرح جمهور الفقهاء بأن طواف الوداع لا يجب على غير الحاج ، وذلك أنه لم يثبت عن النبي “صلى الله عليه وسلم” أنه أمر الأمة بطواف الوداع للعمرة ، ولأنه “صلى الله عليه وسلم” قد اعتمر أربع عُمَرٍ ولم ينقل أنه طاف للوداع في واحدة منها ، ولا أمر أحداً من أصحابه بذلك ، ولو حصل لنقل إلينا كنقل سائر المناسك ومنها طوافه للوداع في الحج .

وقد اعتمر أصحابه “صلى الله عليه وسلم” و التابعون لهم بإحسان ولم ينقل أنهم كانوا يطوفون للوداع ، ولا تكلموا بذلك ، والأصل براءة الذمة ، فلا يُنتقل عنها إلا بدليل صحيح سالم عن المعارض ، وعلى هذا فليس للعمرة وداع سواء خرج المعتمر بعد أداء المناسك ، أو أقام في مكة ثم خرج ، والله أعلم .

 

 

المسألة الثامنة والعشرون/ تكرار العمرة :

دلت الأحاديث الصحيحة على فضل العمرة ، واستحباب الإكثار منها ، ومن ذلك ما تقدم من حديث أبي هريرة “رضي الله عنه” أن الرسول “صلى الله عليه وسلم” قال : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) متفق عليه .

وعن ابن مسعود “رضي الله عنه” أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قال : ( تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة ) أخرجه أحمد (1/387) والنسائي (5/115) والترمذي (810) وهو حديث حسن ، وصححه الترمذي ، وله شواهد .

لكن ينبغي أن يعلم أن تكرار العمرة الذي ثبت فيه الثواب هو ما كان من الميقات في سفرة مفردة ، كما قرر ذلك أهل العلم ، ومنهم العلامة ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد (2/94-175-176) .

وأما الإحرام بالعمرة ثم الإحرام بأخرى بعد فراغه من الأولى ، فهذا ليس من هدي سلف هذه الأمة ، وهم أدرى منا بمعاني نصوص الشرع ، والعمرة عبادة ، ولا بد من دليل يفيد استحباب ذلك ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في الفتاوى (26/145) : ( والإكثار من الطواف من الأعمال الصالحة ، فهو أفضل من أن يخرج الرجل من الحرم ويأتي بعمرة مكية ، فإن هذا لم يكن من أعمال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، ولا رغَّب فيه النبي “صلى الله عليه وسلم” أمته ، بل كرهه السلف ) .

وقال – أيضاً – (26/249) : ( فأما كون الطواف بالبيت أفضل من العمرة لمن كان بمكة ، فهذا مما لا يستريب فيه من كان عالماً بسنة رسول الله “صلى الله عليه وسلم” وسنة خلفائه وآثار الصحابة وسلف الأمة وأئمتها … ) .

وقال – أيضاً – (26/264) : ( وهذا الذي ذكرناه مما يدل على أن الطواف أفضل ، فهو يدل على أن الاعتمار من مكة وترك الطواف ليس بمستحب ، بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار ، بل الاعتمار فيه حينئذٍ بدعة ، لم يفعله السلف ، ولم يؤمر بها في الكتاب والسنة ، ولا قام دليل شرعي على استحبابها ، وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة باتفاق العلماء ) .

وعلى هذا فما يفعله كثير من الناس من الإكثار من العمرة في رمضان أو بعد الحج أو في أوقات أخرى ، حيث يخرجون إلى التنعيم أو غيره من جهات الحل ، وقد سبق أن أتى الواحد منهم بعمرة من الميقات الذي مرَّ به ، فهذا كله غير مشروع ، لعدم الدليل عليه – كما تقدم – بل الأدلة تدل على تركه ، فإن النبي “صلى الله عليه وسلم” وأصحابه لم يفعلوا ذلك في حجة الوداع ولا غيرها ، إلا عائشة – رضي الله عنها – ، كما سيأتي ، مع ما في ذلك من إيجاد الزحام في المطاف لأناس يطوفون إتماماً لمناسك حجهم      – كما في أيام الحج – أو يطوفون لنسك أحرموا به من الميقات – كما في رمضان أو غيره – أو يطوفون تطوعاً – وهم أفضل من هؤلاء كما تقدم – ، وأما كون عائشة – رضي الله عنها – اعتمرت بعد حجتها فهذا لا دليل فيه على تكرار العمرة أو الإتيان بها بعد الحج لمن اعتمر قبله ، وذلك لأمرين:

الأول : أن عمرة عائشة – رضي الله عنها – من التنعيم إما أن تكون قضاء لعمرتها المرفوضة عند من يقول بذلك ، وإما أن تكون زيادة محضة وتطيباً لقلبها عند من يقول : إنها كانت قارنة .

الثاني : أن النبي “صلى الله عليه وسلم” انتظر عائشة في الأبطح ومعه أصحابه وتأخروا لأجلها ، فلو كانت العمرة مشروعة لذهبوا جميعاً ، حرصاً على الثواب ، واستفادة من الوقت ، لكن لم يحصل ذلك ، فينبغي للمسلم أن يتأسى بنبيه وقدوته محمد بن عبد الله “صلى الله عليه وسلم” ، وأن يكثر من الطواف بالبيت والدعاء ، فهذا هو الأفضل ، والله أعلم .



([1]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة (2/653) رقم (1741).

([2]) انظر فتح الباري (4/53)، التمهيد لابن عبد البر (15/107).

([3])  أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب في المحرمة تغطي وجهه (1/568)، رقم (1833)، والإمام أحمد في مسنده (6/30)، رقم (24067)، والبيهقي في السنن الكبرى، في كتاب الحج باب المحرمة تلبس الثوب من علو فيستر وجهها وتجافي عنه (5/48)، رقم (8833)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (20/107)، رقم (2690).

 ([4])  أخرجه ابن خزيمه في صحيحه في كتاب الحج، باب إباحة تغطية المحرمة وجهها من الرجال (4/203)، رقم (2690)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، في كتاب المناسك (1/624)، رقم (1668)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (4/212)، رقم (1023). وقد ورد حديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: "إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها"، أخرجه الدار قطني في كتاب الحج (2/294)، رقم (254)، والبيهقي في السنن الكبرى، في كتاب الحج، باب المرأة لا تنتقب في إحرامها ولا تلبس القفازين، قال عنه ابن القيم رحمه الله: "لا أصل له "، [انظر: حاشية ابن القيم على سنن أبي داود، لمحمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، عام1415هـ] إلا أن كثيرًا من النساء القادمات للعمرة يكشفن وجوههن أثناء الإحرام وبعده، حتى أصبح كشف الوجه ظاهرة تشاهد في الحرم، فعليها أن تغطي وجهها، وإن كان في تغطية الوجه خلاف بين العلماء إلا أن الذي أدين الله به وجوب تغطية المرأة لوجهها لا سيما عند حضورها في مجمع الرجال، وهذه الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان.

 ([5]) انظر: المغني (3/311). 
 ([6])  انظر روضة الطالبين (3/115).   

 ([7])  انظر: مختصر خليل للخرشي (2/336)، ومنح الجليل (2/283).   

 ([8]) سبق تخريجه ص (311)   

 ([9]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب حجة الوداع (4/1598)، رقم (4140)، ومسلم، في كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (2/963)، رقم (382).

 ([10]) شرح العمدة (3/569-584)، مجموع الفتاوى (16/261).

 ([11]) انظر: رابعًا من قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 2 (13/21)، المنشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في السودان، العدد 1422هـ، 2001م، ص (313).

 ([12]) فتاوى الشيخ ابن باز (15/410،408).

 ([13]) انظر: ثالثاً من قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 2 (13/21)، المنشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في السودان، العدد 1422هـ، 2001م، ص (314).