في تكريم د.عمارة.. قراءة لأهمية تفنيد الشبهات
30 ذو القعدة 1431
همام عبدالمعبود

أثنى أكثر من مائة مفكر وعالم وأديب وداعية وخبير وباحث؛ على الدور الذي يقوم به المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة؛ في "الذود عن حياض الإسلام"، و"تفنيد الشبهات التي يثيرها أعداؤه"، وأشاروا إلى "جهده الكبير في مواجهة معاول العلمانية الهدامة، وخطط الفكر التغريبي المدمر"؛ مؤيدين ترشيح مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف له لنيل جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، في مجال الدراسات الإسلامية وحقوق الإنسان لعام 1432 هجريًّا و2012 ميلاديًّا.

 

وعقد مركز الإعلامي العربي قد عقد؛ مساء الثلاثاء 2/11/2010م، بالقاعة الكبرى بنقابة الصحفيين المصريين؛ احتفالية كبرى؛ لتكريم الدكتور محمد عمارة؛ ضمن مشروع "رموز في دائرة الضوء"، الذي يتبناه المركز، عرفانًا بدور رموز الأمة في نهضتها الحضارية. ويعتبر عمرة رابع المكرمين ضمن هذه السلسلة؛ فقد سبقه كلاً من: الدكتور حسن الشافعى؛ أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم، والدكتور أحمد العسال؛ الرئيس الأسبق للجامعة الإسلامية في باكستان- رحمه الله- والأديب الإسلامي الدكتور جابر قميحة.

 

واستهلت الاحتفالية التي نظَّمها مركز الإعلام العربي؛ لتكريم الدكتور عمارة عنوان "د. محمد عمارة.. مفكر الوسطية والتجديد"، بعرض فيلم وثائقي بعنوان "القلم المرابط"، استعرض سيرة ومسيرة الدكتور محمد عمارة، وتحدث فيه عدد من الشهود على هذه الرحلة الطويلة؛ يتقدمهم: الدكتور علي جمعة؛ مفتي الديار المصرية، والدكتور إبراهيم غانم الخبير بمركز البحوث الجنائية والاجتماعية، والكاتب الصحفي جمال سلطان.

 

شارك في الاحتفالية نخبة كبيرة من رموز الفكر والأدب والدعوة والسياسة، من أساتذته وتلامذته ومحبيه، كان في مقدمتهم: العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمؤرخ المستشار طارق البشري ونائب رئيس مجلس الدولة السابق، والدكتور حسن الشافعي؛ عضو مجمع اللغة العربية وأستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة، والكاتب الصحفي فهمي هويدي، والمستشارة نهى الزيني نائب رئيس النيابة الإدارية، والمفكر الإسلامي الدكتور عبد الحليم عويس، والمفكر الإسلامي الدكتور محي الدين عطية.

 

كما شارك في الاحتفالية عدد من رموز وقيادات جماعة الإخوان المسلمين؛ يتقدمهم: الدكتور محمد بديع، المرشد العام للإخوان، ومحمد مهدي عاكف، المرشد السابق للجماعة، والدكتور محمود عزت، نائب المرشد العام للإخوان، والدكتور محمد علي بشر، والدكتور عصام العريان، والدكتور عبد الرحمن البر، أعضاء مكتب الإرشاد، وسيد نزيلي مسئول المكتب الإداري للإخوان بالجيزة، والنائب الشيخ السيد عسكر، عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، والأديب الإسلامي الدكتور جابر قميحة،
وكان من بين الحضور: الدكتور مختار المهدي لرئيس العام للجمعية الشرعية الرئيسية؛ والأستاذ بجامعة الأزهر، والدكتور السيد دسوقي، والدكتورة نادية مصطفى، والكاتب جمال سلطان، وصلاح عبد المقصود؛ مدير مركز الإعلام العربي، ووكيل مجلس نقابة الصحفيين، ومحمد عبد القدوس مقرر لجنة الحريات بالنقابة، وجمع غفير من الإعلاميين والباحثين ومحبي وتلامذة الشيخ، ومندوبو بعض وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية والفضائيات العربية.

 

 

تكريم الرموز سنة إسلامية
وقبل الختام؛ جاءت كلمة فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي؛ والتي أكد فيها أن: "تكريم الرموز سنة إسلامية؛ فالله كرم كثيرًا من الأنبياء والمرسلين، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) [مريم - 41]، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا) [مريم - 51] والرسول كرم كثيرا من أصحابه؛ ومنح بعضهم ألقابا خلدهم التاريخ بها؛ فهذا الصديق، وذاك الفاروق؛ وذلك ذو النورين؛... إلخ"؛ معتبرًا أن "من حق المحسن أن نقول له أحسنت"؛ ففي الحديث "من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه به، فا دعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" (رواه أبو دواد وغيره).

 

وقال القرضاوي: "ومن هذا المنطلق فإننا نقول للدكتور عمارة: أحسنت، وجزاك الله خيرا لما قدمت لخدمة الإسلام والمسلمين، فالرجل ألف 250 كتابًا، في خدمة الإسلام والمسلمين، لكن آفتنا أننا نحن المسلمين أقل الناس تقديرا لعلمائنا ودعاتنا، ومشكلتنا أننا لا نكرم علماءنا إلا بعد موتهم"؛ مستدركًا "لقد هداني الله فألفت كتابًا بعنوان: (الشيخ الغزالي كما عرفته.. رحلة نصف قرن)، كتبته في حياته، وأهديته له، فقرأه الرجل وسر به أيما سرور.

 

واعتبر القرضاوي أن : "د. عمارة من الرجال الذين ادخرهم الله لنصرة هذا الدين، بل إنني أرى أنه من مجددي هذا القرن، وأن الله أرسله على رأس هذه المائة ليجدد لهذه الأمة دينها، فالوسطية لا تكون إلا بالتجديد والتجديد لا يكون إلا وسطيا، وعمارة من علماء الوسطية والتجديد، مذكرا بقول الإمام أحمد بن حنبل: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"؛ متعجبًا ممن لا يعتبرون الإمام ابن تيمية – رحمه الله- من المجددين!،
وأشار القرضاوي إلى أن "عمارة وقف بالمرصاد لكل من حارب الإسلام في الداخل والخارج، فهو المؤلف والمحقق والأديب والمفكر والداعية، وأهم ما ميزه أنه لم ينظر إلى الإسلام على أنه متهم ثم يقوم بالدفاع عنه؛ وإنما اعتمد أسلوبًا جديدًا وهو مواجهة أعدء الإسلام؛ انطلاقًا من أن الهجوم خير وسيلة للدفاع؛ فقد وقف عمارة يدافع عن الصحوة الإسلامية وعن الشباب المسلم الذي يتهمونه بالتطرف والإرهاب، وعن اللحى والحجاب والنقاب واعتبرها رموزا للتحدي، رافضًا أن يسلك طريق التبرير والتماس الأعذار للإسلام والمسلمين.

 

وقال القرضاوي: "ومن مميزاته أنه يتتبع الموضوع؛ الذي يكتب فيه بدقة شديدة؛ وفي الإجمال فإني أعتبره المدافع الأول عن الإسلام في الوقت الحالي، فلديه من الأسلحة ما يمكنه من الدفاع، كما ساعده على ذلك تكوينه الأزهري والدرعمي (نسبة إلى كلية دار العلوم جامعة القاهرة)، فهو يقرأ في القديم والحديث وفي المترجمات، ولديه حاسة يقظة لالتقاط ما ينفع من الموضوعات، ولهذا عندما أردت أن أكتب عنه غرقت في بحره!".
وأضاف القرضاوي: "عمارة في كتابه (كشف مكائد النصارى ضد الإسلام) تتبع الموضوع منذ الفتح الإسلامي وحتى العصر الحديث، ومنذ عهد الجماعة القبطية في الخمسينيات وحتى اليوم، وقد أثبت فيه أن المسلمين لم يجبروا النصارى يومًا على الدخول في الإسلام. مختتما بقوله: "أنا ود. عمارة من مدرسة واحدة، فاهدافنا واحدة، ومنطلقاتنا واحدة، ونحن مشتركان في أشياء كثيرة".

 

 

عمارة عسكري الإسلام
واختتمت الاحتفالية بكلمة الدكتور محمد عمارة؛ والتي شكر فيها الحضور، وأوضح أن "هذا الاحتفال من مقامات الشكر والحمد لله سبحانه وتعالى"، وأن "العالم الحق يجب ألا يتوقف عند التعلم (تعليم نفسه) بل يجب أن يمتد حاله إلى التعليم (تعليم غيره)، معتبرًا أن "مقاومة الظلم فريضة، وهذا مصداقا لما رواه أبو داود، وابن ماجه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): "أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ".

 

وأوضح عمارة أن "أول كتاب اشتريته غير الكتب الدراسية المقررة كان كتاب: (النظرات) للأديب المصري لطفي المنفلوطي، وأول مقال كتبته كان بعنوان: "جهاد" وكان عن الفدائيين في عام 1948م"؛ وعن الفترة التي قضاها داخل أحضان الفكر اليساري؛ قال عمارة: "لقد أرسلت في بعثة إلى اليسار لتكتمل عندي الصورة، ولأدرك عظمة الإسلام"؛ وأضاف: "كان دعائي في ليلة القدر: "اللهم اغفر لي واجعلني من أهل العلم".

 

وذكر أنه بدأ يخطب الجمعة ولم يبلغ بعد، "وكان عندي لثغة في حرف الراء؛ كانت تعوقني وأنا أخطب؛ فدعوت الله أن يخلصني منها، فستجاب الله دعائي وخلصني منها"؛ وقد "تخرجت في دار العلوم عام 1965م، متأخرا ثمان سنوات بسبب الاعتقال وممارسة السياسة"، وقد "كنت أحرص على القراءة حوالي 18 ساعة يوميًا"، كما "حصلت على درجتي الماجستير والدكتوراة لأرضي أمي وأعوضها عن سنوت السجن والاعتقال التي أخرتني عن أقراني".

 

وقال عمارة: "كان اهتمامي الأول كيف أكون مكتبة، بدأت بمكتبة صغيرة جدا، حتى صر بيتي كله مكتبة، فأولادي ولدوا في مكتبة كبيرة"، معتبرًا أن "مشكلة أمة اقرأ أنها لا تقرأ"، رغم أن "فريضة العلم نزلت قبل فريضة التوحيد"؛ قل تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ...) [محمد - 19]، مشيرًا إلى "أنني رفضت السفر للعمل في عدد من البلدن النفطية، واعتذرت عن العمل بعدد من الجامعات لأنني قررت أن أتفرغ للعلم والمرابطة على ثغر العلم".

 

وأشار عمارة إلى أنه "بعد هجوم الكنيسة علي، وامتناع الصحف الحكومية جميعها عن نشر أي شيء عن كتبي، ومنعو حتى ذكر أسمائها؛ زادت نسبة توزيع كتبي في العالم العربي سبعة أضعاف التوزيع العادي"، مداعبًا الحضور: "والآن بعدما عرفوا ذلك سيتوقفوا عن مهاجتمتي حتى لاتزيد نسبة توزيع كتبي، وفي كلٍ خير"!، مشيرا إلى أن "آخر كتاب ألفته، وسيصدر خلال شهر بعنوان: (من يحمي المسيحيين العرب.. الإسلام أم الفاتيكان)" مختتمًا بقوله: "أنا عسكري الإسلام".

 

أمتنا في خطر!
وكان من أبرز الكلمات التي قيلت في الاحتفالية؛ قول الدكتورأحمد كمال أبو المجد: "كنت دائما ما أغبط د. عمارة؛ كلما رأيته ساهرا على مستقبل الأمة، فأنا لا أكاد أعرف أمة غير أمتنا لا تريد أن تعرف/ تقرأ عن تاريخها وتراثها، وكثيرا ما يستولى علي إحساس بأن أمتنا في خطر"، فيما أوضح الدكتور عبد الحليم عويس أن: النهضة هي قضية د. عمارة الأساسية، فهو لا ينظر إلى شيء آخر، كما أشهد له بالموسوعية العجيبة، والتفرغ الكامل للعلم، فهو موسوعي في عصر قل فيه الموسوعيون، وهو خبير وطبيب في تشريح المصطلحات"، منتقدًا "دفاع عمارة المستميت عن الشيخ رفاعة الطهطاوي رغم أن له سقطات وهنات"؛ موضحًا أن "عمارة في النهاية بشر وليس معصومًا".

 

كما اعتبر الدكتور مختار المهدي أن "د.عمارة قيمة وقامة؛ قيمة إسلامية مجددة، وقامة إسلامية في الذود عن حيض الإسلام؛ ويصدق فيه قول ربنا سبحانه وتعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء - 18]؛ مضيفًا أن "مواقف عمارة دفاعا عن الإسلام بجرأة وعلم وتوثيق كانت عندي أعلى مقامًا ما كتبه في الموسوعة العلمية؛ لأن العلم ما لم يفعل بالدعوة الجريئة (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا) [الأحزاب - 39]؛ معتبرًا أن "هذا النوع قليل في هذه الإيام لكن لابد لهذا القليل أن يصمد ويثبت".

 

وبينما شبه الدكتور سيد دسوقي المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة بالشيخ محمد عبده؛ رأى الدكتور جابر قميحة أن "د. عمارة يمتاز بالرجوع إلى الحق، والتحدي بالدفاع عن الإسلام، والتصدي لكل من يتطاول على العقيدة"؛ مشيرًا إلى أنه "جمع بين القدرتين؛ القدرة على الأداء المنطوق، والقدرة على الأداء المكتوب؛ فهو وإن كان كاتبًا مرموقًا فإنه محاضر قدير".