عام الحسم في أفغانستان.. مهام طالبان للمرحلة القادمة؟
10 ذو الحجه 1431
خالد يوسف

المراقب لتطورات أحداث الإعتداء العسكرى الإجرامي الأمريكي/ الغربى الذى يكاد يبدأ عامه العاشر ضد الشعب الأفغانى البطل، لابد وأن يلاحظ مجموعة من الشواهد والوقائع ذات الدلالة، تؤدى كلها إلى إستنتاجين.. أن الإحتلال الأمريكى/ الغربى قد فشل فى تحقيق معظم إن لم يكن كل أهدافه من عدوانه الغاشم على الشعب الأفغانى.. وأن العد التنازلى لأيام هذا الاحتلال الكريه قد بدأ، وأن وتيرة سقوطه فى تصاعد، قد يكون أسرع مما يتخيل أو يتمنى رئيس أمريكا وحلفائه.

 

فذلك العدوان الذى بدأ فى 7 أكتوبر 2001 وحشد له الجيش الأمريكي والجيش البريطاني، إتخذ مساره فى عمليتان عسكريتان في أفغانستان للسيطرة على الدولة.. عملية أسموها "قوة الحرية المستديمة OEF" وهي عملية حربية تضم بعض شركاء متحالفين"، وحاليا تعمل في المقام الأول في الشرق وأجزاء جنوبية من الدولة على حدود باكستان.. وتضم قرابة 28,800 من القوات الأمريكية.

 

العملية الثانية هي ما أسمى بالقوة الدولية الأمنية المساعدة ISFA التي أسست من قبل "مجلس أمن الأمم المتحدة" في نهاية ديسمبر 2001 بدعوى "تأمين كابل" والمناطق المحيطة. وقد أحكم حلف شمال الأطلنطى "الناتو" السيطرة علي ISFA في 2003. وبحلول 23 يوليو 2009 كان لISFA قرابة 64.500 مقاتل من قوات 42 دولة.. للولايات المتحدة منها قرابة 29.950 في ISFA.

 

فما هى تلك الأهداف المعلنة والخفية للعدوان والتى أحبطتها المقاومة الأفغانية البطلة، حتى أعلن أوباما عن إنسحاب قوات الناتو فى منتصف العام القادم.

 

 

الأهداف المعلنة

 

كان الهدف المعلن للغزو هو التصدى "للإرهاب" الذى يقف خلف حادثة الحادى عشر من سبتمبر 2001، فى إطار سياسة أمريكا المعلنة بإستخدام القوة الصلبة لتحقيق أهدافها على كل رقعة المعمورة، وإيجاد أسامة بن لادن وآخرين من القيادات المهمة والمؤثرة فى تنظيم القاعدة التى قرر بوش ـ دون محاكمة ودون دليل ـ أنها مسؤولة عن التفجيرات، لتدمير كل تنظيم القاعدة وإقصاء نظام طالبان الذي يدعم ويعطي الملاذ الآمن للقاعدة. الولايات المتحدة بمذهب بوش أعلنت أنها لن تميز بين "المنظمات الإرهابية" والدول أو الحكومات التي تؤويها.. فهل تحقق لها ما تريد؟ هل قبضت على بن لادن وقيادات القاعدة وحاكمتهم؟ هل أقصت طالبان التى تسيطر الآن ميدانيا على 80% من الأراضى الأفغانية؟! وهل كانت هذه هى أهدافها الحقيقية؟!.

 

 

الأهداف الحقيقية

بالطبع لم تكن هناك علاقة بين الأسباب المعلنة والأهداف والأسباب الحقيقية لهذا العدوان الإجرامى.

 

فقد نشر مقال في مارس 2001 فى "جينس" Jane's الموقع الإعلامي للجيش والمخابرات الأمريكية، يؤكد أن الولايات المتحدة كانت قد خططت واتخذت التدابير للعدوان قبل ستة أشهر من 11 سبتمبر 2001، ووفقا "لجينس" أعطت واشنطن معلومات لتحالف الشمال، كما رتبت دعم لوجستي، كجزء من إجراءات متفق عليها مع الهند وإيران وروسيا ضد نظام طالبان الأفغاني، ومع طاجكستان وأزبكستان لإستخدمهما كقواعد.

 

كما أفادت NBC في مايو 2002 أن التوجيه الرئاسي للأمن القومي قدم قبل يومين من 11 سبتمبر 2001، وكان قد أقر أساسا نفس خطة الحرب التي وضعها موضع التنفيذ البيت الأبيض والCIA والبنتاجون بعد هجمات 11 سبتمبر.

 

إن الأهداف الحقيقية للعدوان لا تكمن أصلا فى الداخل الأفغانى بقدر ما هى أهداف تشمل الإقليم بكامله وتتجاوزه إلى آفاق لعبة توزيع خريطة القوى بين الدول القوية فى العالم، فتطويق إيران القوة الإقليمية الصاعدة ذات التحالفات والمصالح المهمة مع الروس والصينيين، ووضعها تحت السيطرة، والتواجد العسكري المباشر على حدود العمالقة الثلاثة: الصين والهند وروسيا، والاقتراب من نفط بحر قزوين، وتحقيق القدرة الفعلية على مراقبة وإخضاع القوة النووية الباكستانية لضمان بقائها قيدا على مالكها، ومنع تمدد النفوذ الطالبانى إلى باكستان النووية.. هذه كانت الأسباب الحقيقية للعدوان، الذى كان سيحدث سواء لسبب وقوع حادثة الحادى عشر من سبتمبر أو بدونها.

 

طبقا لتقرير 2004 للجنة الحزبين المشكلة للتحقيق في حادثة 11/9 أنه قبل يوم من هجمات 11 سبتمبر 2001 وافقت إدارة بوش على خطة للإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان بالقوة إذا رفض تسليم أسامة بن لادن وذلك في 10 سبتمبر فى اجتماع قمة مسؤولي الأمن القومي لإدارة بوش.

 

الأمر إذن لا علاقة له بما سمى فى دعاية العدوان بالحرب على الإرهاب، بل ولا علاقة له بتفجير البرجين، بل والأرجح هو أن تفجير البرجين هو الذى يشير إلى علاقة بين مخططيه الحقيقيين ومنفذيه، والعدوان الذى ما يزال مستمرا على الشعب الأفغانى.

 

 

مؤشرات النصر النهائى للمجاهدين

تؤكد تصريحات أوباما، والتى أثارت كارازاى أفغانستان، أن الغزو قد دحر وأن قواته ستنسحب بعد أقل من عام، كما يؤكد تقرير أمريكي شاركت فيه حوالي 50 شخصية من العلماء وصناع السياسية في الولايات المتحدة وجرى تصنيفه على أنه الخطة "ب" بالنسبة للرئيس باراك أوباما، أن الحرب في أفغانستان قد أعطت نتائج عكسية، وبالتالي يتعين تقليص عدد القوات والأهداف في تلك البلاد، وتأتي الدراسة "التقرير" بعد دعوة وجهها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، من اجل تغيير الاستراتيجية في افغانستان، لتركز على ناشطي القاعدة وخفض عدد القوات بدلا من اتباع محاولات فاشلة في بناء الدولة.

 

وأوضح التقرير صراحة أن الولايات المتحدة ليست بحاجة لهزيمة طالبان التي وصفت بأنها حركة ذات أهداف محلية، وليس من المحتمل أن تستعيد سيطرتها على أفغانستان.

 

وبدل أن تواصل الولايات المتحدة تصعيد عملياتها الحربية في أفغانستان، رأى التقرير أن لواشنطن مصلحتين حيويتين اثنتين فقط في تلك المنطقة: منع أفغانستان من التقهقر كي لا تصبح ملاذا لمتطرفي القاعدة، وضمان سلامة الأسلحة النووية الباكستانية.

 

وقال "ماثيو هوه"، مدير المجموعة التي أعدت التقرير وأطلق عليها اسم مجموعة دراسة أفغانستان: "ما دأبنا على فعله لسنوات عدة ليس فاشلا وحسب، بل قد أعطى نتائج عكسية."

 

وأضاف "هوه"، الذي استقال العام الماضي من موقع كان يشغله في وزارة الخارجية بسبب خلافات بشأن السياسة حيال أفغانستان: "نحن بحاجة إلى تقديم بديل آخر إلى المكتب البيضاوي."

 

وذكر التقرير أن الحرب في أفغانستان تكلف دافعي الضراب الأمريكيين 100 مليار دولار أمريكي كل عام، أي أكثر بسبع مرات من قيمة الناتج القومي لأفغانستان.

 

وفى مواجهة هذه اللغة الإنسحابية التى بلورها تصريح أوباما ببدء سحب القوات فى يولي القادم، يقول الملا عمر قائد طالبان في رسالته بمناسبة انتهاء شهر رمضان "أن الخبراء الاستراتيجيين الذين يقفون وراء الحرب في أفغانستان المستمرة منذ تسع سنوات أدركوا أنهم يواجهون “فشلآ كاملآ”".

 

وأضاف “ان انتصار الامة الاسلامية على الغزاة الكفرة بات وشيكا الآن”، واضاف “ان هؤلاء الخبراء العسكريين الذين وضعوا استراتيجيات غزو افغانستان، او الذين يسعون حاليا إلى وضع استراتيجيات اخرى، يقرون بانفسهم أن استراتيجياتهم فاشلة”.
وفى صورة للسيناريو المكرر للحروب الأمريكية الفاشلة بدأت القوى المهيمنة على المصالح فى التركيبة الأمريكية فى ممارسة وسائل الضغط وصناعة الرأى العام المواتى لعملية الإنسحاب، فقد سرب موقع متخصص في نشر المعلومات والتقارير السرية، 92 ألف "وثيقة سرية" للجيش الأمريكي، عن ست سنوات من الحرب في أفغانستان، رسمت صورة سوداء للوضع الميداني هناك، وتحوي تفاصيل مخزية عن حالات لم يبلغ عنها من عمليات قتل للمدنيين الأفغان، ووجود قوة خاصة لمطاردة قادة طالبان لقتلهم وتصفيتهم وأسرهم من دون محاكمة. وأشارت التقارير إلى أن القوة الأمريكية تفتقد غالبا الموارد والاهتمام، وهي تحارب طالبان التي تنمو قوتها بشكل أكبر وتزداد ضرباتها المميتة كل عام، كما أن الولايات المتحدة تخفي أدلة عن حصول طالبان على صواريخ أرض- جو، وتحدثت الوثائق أيضا عن قيام باكستان "بإذكاء التمرد" هناك، ومشاركة دول إقليمية أخرى، في السر، في الحملة ضد القوات الأجنبية عبر تزويد حركة طالبان بالمال والسلاح والتدريب.

 

مع نهاية شهر رمضان الماضي كانت خسائر قوات العدوان الغربى على أفغانستان فى ثمانية شهور من العام الحالى قد فاقت إجمالى الخسائر فى العام الماضى كله، وبتغيير القائد العام لقوات العدوان يقدم العدو برهانا على الفشل فى حربه على مدى تسع سنوات، والأهم.. أنه بينما بدأت صفوف المعتدين فى التفكك والإنفراط والإختلاف، فقد حققت طالبان هدفا عزيزا بتوحيد صفوف المجاهدين للعدوان الغربى تحت قيادتها، وهو شرط ضرورى لحسم الصراع فى المرحلة القادمة، كما أنه شرط وضرورة لمرحلة ما بعد إنجاز مهمة التحرير، كما حققت طالبان والفصائل المجاهدة نقلة نوعية فى تكتيكات القتال، فانتقلت من حالة المواجهة الكثيفة فى مناطق تمركزها، إلى فتح رقعة المواجهة لتشمل معظم إن لم يكن كل أرجاء البلاد، كما إعتمدت فى المواجهة على عمليات تقوم بها خلايا صغيرة العدد على مراكز تجمعات العدو ومناطق قوته، عمليات خاطفة كثيفة النيران على أعداد كبيرة من الأعداء، مستخدمة أسلحة طورها المجاهدون وبعض الأسلحة الحديثة أرض جو، التى صنعت فارقا نوعيا فى نقطة تفوق العدو، وهى إستراتيجية منهكة للعدو لإتساع مساحة المواجهة، ولعدم وجود منطقة خلفية آمنة "منطقة خضراء" يستطيع أن يستريح فيها أو يؤمن قوات إمداد إستراتيجية قادرة على التحرك السريع.

 

وقد بدت نتائج هذه الإستراتيجية فى شهررمضان الكريم الفائت فقد، رفع مقتل خمسة جنود أميركيين في أفغانستان عدد قتلى التحالف الدولي إلى 29 في خمسة أيام، كما أكد البريطانيون، الحليف الأساسى للأمريكيين فى العدوان على إلتزامه بالإنسحاب الكامل من الأراضى الأفغانية بحلول 2015، وهو موقف سيتكرر كثيرا فى صفوف الحلفاء الآخرين وإن يكن حسب توقعاتنا بشكل أسرع.

 

وتأتي الخسائر الجديدة بعد يوم من الإعلان عن مصرع سبعة جنود أميركيين، ليرتفع قتلى الجيش الأميركي هذا الشهر إلى 55، وإلى 485 عدد قتلى التحالف الدولي منذ بداية العام، مقابل 521 لعام 2009 كله.

 

كما أعلنت منظمة "أوكسفام البريطانية للإغاثة" مقتل ثلاثة من موظفيها الأفغان بانفجار في منطقة جبلية بالشمال.

 

وقد توقع أوباما أن يواجه التحالف الدولي -الذي اقترب تعداده من 150 ألف جندي بينهم مائة ألف أميركي- "معارك قاسية جدا"، ودعاه إلى أن يتهيأ لأحداث تزرع "الحزن".

 

إنه وبحق عام الحسم فى أفغانستان، عام إندحار العدوان وإنتصار المجاهدين، عام التحرر وتراجع المخطط الأمريكى فى وسط أسيا عموما وليس فقط فى أفغانستان.

 

 

ماذا يجب على طالبان.. مهام ما بعد الاستقلال

إن النصر الحاسم على العدوان لا يتوقف وحسب على تكبيد العدو خسائر لا يستطيع تحملها، أو تجعل تكلفة العدوان أعلى من العوائد المتوقعة منه، فالنصر ليس عسكريا وحسب.. بل هو سياسى وإجتماعى وثقافى أيضا، ولابد من إكتساب الدروس من إخفاقات الماضى، لقد كانت طالبان صاحبة السلطة فى أفغانستان، ولكنها لم تحتفظ بهذه السلطة طويلا.. لإخفاقها فى حسابات الواقع الداخلى والإقليمى والدولى.

 

فانطلاقا من المبادئ العقيدية لابد من وضع برنامج سياسى قادر على جمع قوى هذا المجتمع القبلى التكوين، والذى تكونت فيه عبر عقدين وأكثر من الإحتلال الروسى ثم الأمريكى، قوى مناوئة للدولة المستقلة، وهو ما يقتضى تقديم بعض الأمور على بعضها الآخر، لدرء الضرر، المقدم على تحقيق المكاسب، كما أن الخريطة الإقليمية شديدة التعقيد وتحتاج إلى معالجة حكيمة ومتبصرة، للتناقضات والتقاطعات بين القوى الإقليمية.. روسيا، باكستان، الهند، إيران، الصين، وكذلك بينها وبين القوى العالمية المتداخلة.. أمريكا، أوروبا.

 

إن توليف المعادلة الناجعة للداخل الأفغانى والتى ستلعب دورا حاسما فى توجه باكستان السياسى فى الإقليم، وتحقيق وحدة الشعب الأفغانى وإطلاق طاقاته، هما العنصران الحاسمان فى تحقيق النصر النهائى على مشروع الغزو الأمريكى الغربى.. وهو كذلك ما يكسب سلطة المجاهدين مشروعية سياسية وإجتماعية مستمرة بعد إنجاز مهمة التحرير.

 

كما أن قراءة الواقع الإقليمى والدولى قراءة متبصرة هى التى تصنع الإطار الحامى اللازم للسلطة الوليدة حتى تقوم الدولة الأفغانية القوية، وليس هناك مناخا عالميا أكثر مواتاة من الآن لتحقيق هذا الهدف، فحالة السيولة السياسية العالمية، والصراعات بين القوى العالمية والقوى الإقليمية، وتصاعد دور القوى الإقليمية فى الصراع الدولى نتيجة للسيولة السياسية السائدة، كلها عناصر إيجابية مسهلة للمهمة الصعبة فى الواقع القبلى الأفغانى بتراثه وأحماله الناتجة عن حالة الإحتلال المتكررة، وفى واقع مرير ومتراجع، لدور فعال للأمة الإسلامية التى لم تجد حتى الآن الإطار الجامع الفاعل المجمع لطاقاتها وقوتها وإرادتها.