استشارات أون لاين.. حلول علمية أم فضائح علنية! 2-2
10 محرم 1432
جمال عرفة

مشكلة مواقع الاستشارات- أو بعضها بشكل أدق ممن اتبع سياسة أكثر حرية في نشر الاستشارات دون حجب المزعج أو الصارخ منها – أنها تنشر من حيث لا تدري ثقافة أخرى أكثر خطورة تتعلق بنشر ما يمكن أن نسميه "فضائح الاستشارات".. فليس صحيحاً ما يروجه بعض الشباب الفاسدين من أن كل الفتيات مثلاً لهن علاقات غير شرعية مع الجنس الآخر، وليس صحيحاً أن المجتمعات العربية والإسلامية تزخر بالفساد والانحلال، فهؤلاء قلة مهما حاولوا الترويج لهذا للدفاع عن فسادهم، وهنا تكمن المشكلة، إذ إن الكثير من فتياتنا البريئات العفيفات الطاهرات ممن هن أشبه بصفحة ناصعة البياض، أو فتياننا الأبرياء، يطلعون على مشاكل واستشارات هؤلاء الفتيات والشباب الذين لهم ولهن مشاكل خاصة تتعلق بالجنس أو العلاقة الخاصة فيتصورون أنهم نشاز في المجتمع وكأنهم في كوكب آخر وأن هذه المنكرات أمور عادية فيبدأ التجرؤ على الانحراف تدريجياً.

 

أذكر فتاة مبدعة كانت تعاني من تسلط صديقات السوء عليها ومنعها من الكلام في اللقاءات العامة والاستحواذ على الكلام في حين أنها تعاني من مشكلة الاندماج في المجتمعات وتخشى الحديث وتتصور أن كل كلمة قد تقولها ستجعل الجميع ينظرون لها باستغراب في حين أنها تعترف أن صديقاتها يتحدثن في أمور تافهة وحديثهن لا يليق ويعبر عن جهلهن ولكنها لا تستطيع مجاراتهن في هذا الحديث لخلل أو عيب في التواصل الاجتماعي، ولهذا السبب لا تقدر أصلاً على مفاتحة طبيب نفسي في هذا الأمر، وعندما وجدت ضالتها في الاستشارات عبر الإنترنت عن بعد والتي بدأت في مدها بدروس التقوية النفسية للثقة بالنفس كانت سعيدة جداً ورويداً رويداً أصبحت هي صاحبة الكلمة في اللقاءات وانزوت صديقاتها ذوات الثقافة الضحلة أمام قوة حجتها وحديثها الشائق بعدما زالت منها الرهبة!.

 

والكثير من الشبان والفتيات يروون قصصاً عجيبة عن تأثرهم بقرناء السوء أو يحاولون تقليد غيرهم في قصص الحب والغرام الحرام بدعاوى مختلفة تتشبه بالتقاليد الأوربية في علاقات الصداقة أو المصاحبة بين الشاب والفتاة، في حين أن من الضروري حجب هذه المشاكل الصارخة وعدم الرد عليها علناً والاكتفاء بإرسال الرد على بريد صاحب الاستشارة ما دام النشر ليس له طائل سوى تعميم الخطيئة والترويج لها وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا،سواء أأدرك الموقع ذالك أم جهله!.

 

وإلا فما الذي سيجنيه الشباب مثلاً من قراءة قصة فتاة عاشرت شاباً معاشرة الأزواج وظلت تذهب إليه من وراء أهلها حتى اكتشفت أنها ليست سوى واحدة من عشرات يزني بهن هذا الشاب المنحل فأدركت مصيبها واستفاقت وبدأت في الالتزام وقبول عروض الزواج من شباب آخرين جادين!؟.. أليس نشر هذه المشاكل يدفع الشباب للتشكك في كل فتاة أو يتصور أن الكثير من الفتيات يفعلن مثل صاحبة المشكلة؟

 

والحقيقة أنه مما يساعد في حرف مواقع الاستشارات عن مهمتها النبيلة، اكتشاف تورط بعض الاستشاريين ضعاف النفس في علاقات مع فتيات يعانين من مشاكل ويلجأن لهؤلاء المستشارين خصوصاً في المواقع الصغيرة أو غير المنظمة، التي لا يحكمها نظام إداري صارم في تلقي الشكاوى والرد عليها، وهو ما نتج عنه انحرافات وممارسات شائنة مثل طلب البعض هواتف فتيات أو الوقوع في حبهن أو استغلال مشكلاتهن وربما ابتزازهن في حالات قليلة جداً، وخصوصاً أن صاحب الاستشارة – ولا سيما النفسية منها- يتعلق بصورة كبيرة بمستشاره ويعتبره طوق النجاة له ويستجيب لمطالبه الأمر الذي يوقعه أحياناً في مشكلات عويصة.

 

ولا ننسى هنا التحذير من غياب الخبرة وعدم الدراسة الكافية في من يتصدى للإجابة على الاستشارات وهو ما قد ينتج عنه نصائح خاطئة أحياناً تُدَمّر صاحب الاستشارة وتوجهه وجهة خاطئة، وعدم وجود مراجعة للاستشارات من قبل مستويات أعلى من المستشارين أو أكثر من مستشار خصوصا في المشاكل الحرجة بما يضمن ردوداً علمية وافية لا تؤدي لضرر لصاحب الاستشارة، واعتماد بعض المستشارين أسلوب النصح وتقمص دور المعلم والملقن لصاحب الاستشارة واستعراض عضلاته في سرد أمور علمية ومصطلحات غير مفهومة لا تهم صاحب الشكوى ما يضيع الغرض من الاستشارة ولا يفيد طالب النصح!.

 

ولهذا من الضروري لنجاح أقسام الاستشارات ضمان سرية معلومات صاحب الشكوى وعدم السماح بأي شكل من أشكال التواصل معه إلا عبر الإنترنت والحرص على عرض المشكلة على المستشار بدون معلومات عن صاحبها والاحتفاظ بها لدى إدارة الموقع لمعاودة إرسال الاستشارة إليه. كما ينبغي الحرص على ذكر تخصصات المستشارين العلمية ووضوح أسماء ومعلوماتهم حتى لا تكون الإجابات من مجاهيل بل من خبراء يثق صاحب الاستشارة في علمهم وقدرتهم على الرد، والحرص على متابعة صاحب الاستشارة والتعرف على رد فعله إزاء الاستشارة، أي التواصل معه لمعرفة هل أفادته الاستشارة أم لا؟ ولماذا؟ كي يؤخذ هذا في الحسبان ضمن حسابات التقييم.