أنت هنا

ويكيليكس..والمكاييل المزدوجة
10 محرم 1432
موقع المسلم

هل لحرية التعبير حدود؟
سؤال لطالما أجاب عنه العقلاء قديماً وحديثاً بالإيجاب،وإن أطلق بعضهم على تلك الحدود لفظ:  القيود أو الضوابط.
صحيح أنهم يختلفون في تحديد ماهية الحدود ومداها وأبعادها،وتلك مسألة أخرى،فما يعنينا هنا اتفاقهم على المبدأ،بالرغم من تفاوت عقولهم واختلاف شرائعهم وتباين وجهاتهم وثقافاتهم...
الاستثناء الوحيد في التاريخ الإنساني هو الفكر الغربي في العصر الحديث،الذي وصل في تعصبه لحرية الرأي المنفلتة من عقالها تخوم اللا معقول،ثم اضطر صاغراً إلى ابتلاع شعاراته هذه مرتين مفصليتين،أولاهما: عقب انتصار الغرب الرأسمالي في شقه المنافق على شقه الآخر المتبجح بعنصريته العارية،فقد جرى منع كل رأي ينتقد اليهود والصهيونية تحت راية التصدي لثقافة الكراهية بعامة والعداء للسامية بخاصة

 

وأما الثانية فقد بدأت في الحادي عشر من سبتمبر 2001م،واتخذت خطّاً موازياً،هو مطاردة الإسلام ومصادرة الأصوات المنافحة عنه وعن أتباعه،بذريعة محاربة الإرهاب
ومنذ ذلك اليوم سار خط التحريم لمناقشة أي شيء يكدّر خاطر اليهود،وخط التحريض الرخيص على الإسلام والمسلمين،حتى أصبح التطاول على القرآن الكريم وامتهانه والافتراء على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم  وتجفيف العمل الخيري وملاحقة الحجاب وحظر المآذن  أصبح ذلك كله وجبة الغرب اليومية المفضلة،مضافاً إليه حماية المرتدين التافهين والمنصرين الوقحين...
فتلك حرية رأي مقدسة

 

بل إن الغرب المنافق كله وقف على قدميه حتى أكره حكومات كثيرة هنا وهناك على التراجع عن قرارها وضع حد لخدمة بلاكبيري التي تهدد الأمن القومي لبلدانها وتجعل أسرارها الكبرى في يد واشنطن وتل أبيب
ولننظر الآن على أحدث فصل من فصول سقوط أقنعة الغرب وادعاءاته الفارغة عن حرية التعبير بلا أدنى ضابط.وهو أقسى الفصول على قلوب القوم لأنه أتاهم على يد رجال منهم: بِيضٌ،غربيون،نصارى
لذلك تمت مطاردة جوليان أوسانج-مؤسس موقع ويكيليكس-في أنحاء الأرض الأربعة،وكأنه جرذ ينشر الطاعون،ثم فجأة اكتشفوا أن فتاتين في السويد تتهمانه باغتصابهما!
وتم توظيف ترسانة القوانين الغربية ضد الرجل وكأنها في دولة ديكتاتورية متخلفة في مجاهل إفريقيا،وسيق أوسانج إلى السجن البريطاني للنظر في أمر تسليمه على السويد،في ظل توقعات بأن استوكهولم سوف تسلّمه إلى غرمائه الأمريكان بالتحايل على القوانين السائدة في البلدين!!وتعنت القضاء الإنجليزي فرفض إطلاق الرجل بكفالة ضخمة ريثما يبت في قضية تسليمه.

 

فما الذي فعله أوسانج ما دامت أمريكا بجبروتها قد عجزت عن تكذيب أي مستند نشره من وثائقها؟
وإذا كان عمله جناية فكيف نشرت نيويورك تايمز جزءاً كبيراً من أكداس الوثائق السرية التي حصل عليها؟ولماذا لا تُلاحَق الصحيفة الأمريكية الرصينة ويلاحق ناقل"الكفر"؟
وهل الموقع يتحمل وزر العم سام الذي فشل في حماية أسراره الطازجة؟

 

وإذا أخذنا بنظرية المؤامرة التي تزعم أن أمريكا هي التي عمدت إلى تسريب خباياها المحرجة لها بناء على حسابات معينة،فهل يجوز في أي عدالة الاقتصاص من الأداة والعفو  عن الفاعل الأصلي؟
كلها أسئلة مشروعة وهي جديرة بالبحث والتأمل،إنما كل الذي يعنينا في هذه العجالة التركيز على أكذوبة الغرب الكبرى:تقديس حرية الرأي والتعبير!!وزيف القوانين وانتقائية التشريعات هناك بحسب المصالح والأهواء..
ولعل الأشد وضوحاً من  كل ما سلف، هو صدور مطالبات صريحة من مسؤولين غربيين بارزين بقتل أوسانج بلا محاكمة!!الغرب الذي يرفض دعوة الدول الإسلامية إلى صوغ ميثاق عالمي لمناهضة ثقافة البغضاء،ومحاسبة صانعي الكراهية أمام محاكم عادلة وبصورة شفافة