أوباما في أفغانستان.. التخبط في المصيدة
13 محرم 1432
عبد الباقي خليفة

لم تستطع قوات الولايات المتحدة الأمريكية، المارينز، والقوات المحمولة جويا، ومشاة البحرية ، والتحالف العسكري الدولي مع الولايات المتحدة، الذي أصبح 49 دولة بعد أن كان 43 فقط، بتعبيرأوباما نفسه، أن يوفر له زيارة معلنة وطبيعية في نهاية سنة دامية للأمريكان وحلفائهم، حيث وصل عدد القتلى حتى نهاية نوفمبرمن هذا العام إلى نحو 700 قتيل.  وبعد 9 سنوات من وجود " أفضل جيش في العالم " ( حسب أوباما أيضا ) في أفغانستان، يدخل القائد الأعلى لأكبر جيش في العالم لبلاد الهندوكوش، متسللا كمهاجر غير شرعي، وفي ظروف يشعر فيها بأن الأخطار تحيط به من كل جانب. فأحوال الأمن وأجوائه، وليس الأحوال الجوية من منعت باراك حسين أوباما، من لقاء كرزاي. فلا أمن للزعماء في أفغانستان، حتى وإن كانوا من قادة أكبر دولة في الدحية الأرضية.  

الإحباط الأمريكي :
 في خطاب أوباما المرتجل أمام الجنود، حصلت عدة مواقف لم يلاحظها الكثيرون، سواء تعلق الأمر بأوباما، أوالجنود . فقد غلبت المشاعرالحقيقية للطرفين، الصورة الافتراضية التي حاولت الإدارة الأمريكية الايحاء بها من خلال الزيارة ، إذ غلب الواقع الموضوعي الذي كان صارخا رغم الأجواء المصطنعة التي بدت على الركح.

 

أوباما الخطيب المفوه، الذي دوخ الأمريكان مرتين، بخطابات حملته الانتخابية حول التغيير في المرة الأولى، وفشله في حل النزيف الأمريكي في أفغانستان، والذي أثر على قلب أمريكا في واشنطن ثانية ،حاول عبثا الظهور في أجواء احتفالية، ولكن وبسبب واقعيته كدارس للحقوق، لم يستطع أن يكون ميكافيليا بما فيه الكفاية ، أوممثلا على غرار رونالد ريغان، مما يعكس حالة شديدة من الاحباط المعقد ومتعدد المصادر، ملامح هزيمة تتشكل في أفغانستان، ونسبة بطالة تتصاعد لتتجاوز العام القادم نسبة 10 في المائة، وتخفيض قيمة الدولار، على أمل زيادة الاستهلاك، وبدون معطيات ، وشبح هزيمة مدوية في انتخابات الرئاسة 2012 م. إذا لم يتقن أوباما الدور جيدا في زيارته السرية لافغانستان، وكان الإرهاق النفسي واضحا، حتى إنه فقد موهبته العظيمة في الخطابة ، فكانت كلمته أو مصافحته مرتعشة بشكل لا مراء فيه . وقد زاد من الموقف التراجيدي، أن كلمته المرتجلة جاءت بعد زيارته للجنود الأمريكيين الجرحى، مما زاد الوضع تعقيدا والموقف التباسا . وأثر ذلك على مدلولات الكلمات القليلة التي تفوه بها ذلك الحقوقي الذي يجد نفسه في صراع بين العدالة وقذارة السياسة الأمريكية ودبلوماسيتها و، سي آي اييها.

 

 

كان الجنود في حالة اعياء، ولم يتجاوبوا مع الكلمات المتقطعة لأوباما. كان الأخير بمثابة محرك بدون بنزين، وكان الجنود كما لوكانوا جنودا مبدئيين تم ايقافهم لالقاء خطاب فيهم بعد مسيرة 9  سنوات بدون توقف، والسماء تمطر قذائفا وألغاما وموتا.
كان الجنود يدركون في أعماقهم، أن أوباما جاء لمواساتهم وتشجيعهم ، ثم يعود ليقضي كغيره من المسؤولين الأمريكان ليلة رأس السنة في البيت الأبيض، بينما يعودون هم لعنابرهم وهم لا يعرفون ما إذا كانوا سيعودون للولايات المتحدة، وهم يلفون العلم الأمريكي على رقابهم ، أويلتف العلم الامريكي على نعوشهم.
سألهم أوباما عما إذا كانوا "حراس خفر سواحل " يبدو أنه كان ثملا ، لقد أدرك الجنود أن مكانهم ليس أفغانستان، وإنما الحدود الأمريكية ، هناك.. بعيدا عن شعب مسكين عانى كثيرا من ويلات الحرب على مدى 40 عاما، ولم يعد يهاب الموت، ولم يعد له ما يخسره . إضافة إلى أن الأفغان لا يبكون على موتاهم، بل معظمهم لا يستطيع أن يبكي، ويتقبلون الموت، بردود أفعال باردة ، تثير العجب والاستغراب، ولا يضعون السكر في الشاي، كما يفعل أحزاب الشاي في أمريكا، فهم متعودون على المر.

 

 

تحدث أوباما عن" شكرالنعم" التي لا يشعر بها الجنود، كما لو كان يقول لهم ، أنتم تموتون من أجل حفنة من المتاجرين والمقامرين والمرابين والمستثرين على حساب الشعب الأمريكي من خلال المجتاجرة بأمن أمريكا، وحتى غير أمريكا . إذ أن الجنود الأمريكان في العراق وأفغانستان لا يخدمون المصالح الأمريكية، والدليل على ذلك أن ما يوصفون بالارهابيين، تزداد قوتهم ويزداد عددهم ، وتتنوع ضرباتهم ، وأماكن تواجدهم . ولم يتوقف سيل القتل في صفوف الأمريكان بل يزداد يوميا، وهو ما يدعو للبحث عن حلول أخرى غير الغزو والقتل ومحاولات الهيمنة واستعباد الشعوب الأخرى. لم تستطع أمريكا الانتقام لحادثة 11 سبتمبر، وإنما صنعت بدل 11 سبتمبر واحدة عشرات الحوادث وتسريبات ويكيليكس، 11 سبتمبر جديدة، والأزمة المالية قبلها 11 سبتمبر، وارتفاع نسبة البطالة 11 سبتمبر اجتماعية، وكلها ناتجة عن الطريقة الامريكية في الرد على 11 سبتمبر 2001 م .
لم يكن من العقل أبدا حل العقد عند العجز الأول في المحاولة الأولى أن يتم ضربها بالسيف ، فتلك الضربة تقطع الحبل المتعلق به، وتسقط المغامر مهما كان ، ومهما كانت قوته ومساحة المناورة لديه .

 

 

هزيمة الامبراطوريات :
لم تكن الحالة النفسية، وربما الصحية ، كما ذكرنا آنفا، ( كالارهاق، أو ربما تعاطى شيئا من الفودكا الروسية، أو حتى المرض العضوي ) للرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، الذي يذكرنا بيلتسين في آخر عهده ، تسمح له بأن يختار كلماته، وهو يتحدث عن ( عظمة ) أمريكا. وهذا مايجب أن نذكره به حتى لا يكون الوعي معكوسا. فقد استشهد الرئيس الخمسيني بكفاح الشعب الأمريكي ضد الهيمنة البريطانية في حروب الاستقلال قبل أكثر من ميئتي سنة . مذكرا الجنود بأن الثوار ألحقوا هزيمة بأكبر امبراطورية في ذلك الوقت ، والتي خلفتها الامبراطورية الامريكية التي لحقيت بدورها الهزيمة في فيتنام ، وتستعد بكل صلافة وفخر ، ويا للمفارقة، لتجرع الهزيمة في أفغانستان أيضا، فهذا هو مصير الامبراطوريات دائما، وفي كل الحقب التاريخية الماضية، فهناك نقطة تبدأ فيها الامبراطوريات بالتراجع ، وكان تراجع الامبراطوريتين البريطانية والروسية من نقطة أفغانستان ، ومن نفس النقطة تقع أمريكا مرة أخرى في المصيدة .

 

 

كان في خطاب أوباما، ما لم يستصغه الجنود، ولكن شعب أفغانستان يمكنه أن يستفيد منه، وهو قول أوباما بأن " الحرية لا تكتسب بالولادة، وإنما بالتضحيات " ففي الظروف الطبيعية فقط، يولد الناس أحرارا ، الأصل هو أن يولد الناس أحرارا، والاستثناء هو أن يولدوا وبلدانهم محتلة وعساكر الأجانب تعيث فيها فسادا .ولذلك يجب تقديم التضحيات من أجل تحرير الأوطان . فقد كتب على الكثيرمن الناس في أفغانستان والعراق وغيرها أن يولدوا في ظروف غير طبيعية ، وقدرهم كما يدعوهم إلى ذلك رئيس أكبر امبراطورية في العصر الحديث إلى تقديم التضحيات ، ولم يبق لهم سوى الاستجابة للتحديات، والاقبال على الملاحم التي كتبت عليهم دون رغبة منهم أو اختيار. ودائما هناك في جميع الأمم نخبة مستعدة للتضحية وتحمل المسؤولية لتحرير الأوطان .

 

لقد وصف أوباما، أفغانستان بأنها " أرض الهجمات " ويقصد 11 سبتمبر، كما لو أنه يبرر الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الأفغاني!!!. هل كان الأمريكان سيقبلون بإبادتهم لو استطاع اليابانيون فعل ذلك لأن واشنطن كانت أرض الإعداد لالقاء قنبلتي هيروشيما وناكازاكي؟!!! هل كان الفرنسيون يقبلون بالابادة بحق شعبهم لو استطاع الجزائريون فعل ذلك لأن باريس أرض الهجمات التي قتلت أكثر من 40 ألف جزائري أثناء التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر، فضلا عن أكثر من مليون شهيد أثناء جهاد التحرير؟!!! هل كان الألمان يقبلون الإبادة، لو استطاع اليهود ذلك ، لأن برلين أرض الإعداد لإبادة اليهود، ولحرب هتلر ضد بولندا وفرنسا وبقية الدول الاوروبية والعالم ؟!!!! وهل يقبل الايطاليون ، والاسبان، والبرتغاليون ، والهولنديون، وغيرهم الاحتلال وليس الإبادة لأنهم تسببوا في إبادة الملايين في افريقيا وآسيا لو استطاع الأفارقة والآسيويون  فعل ذلك ؟!!!

 

هل يقبل اليهود الإبادة لأن زعماءهم ارتكبوا جرائم صهيونية نازية بحق الشعب الفلسطيني، لو استطاع العالم ذلك ؟!!!
بقي القول إن المقاربة بين أحداث 11 سبمتبر، وجرائم الغرب في العالم، مقاربة ظالمة، فجميع الجرائم التي ارتكبت بحق الانسانية، مارسها أناس في موقع المسؤولية ومنتخبون من شعوبهم ، ولذلك سقطت دولهم وستسقط ،حتى هتلر، كان منتخبا من قبل الشعب الألماني، وشارون، وبيريز، والمرت، ونتن ياهو، وجورج بوش، وساركوزي، أيضا منتخبون، فهل انتخب الأفغان، أوالعراقيون، والعرب، والمسلمون من يحملون وزرهم سواء في واشنطن أو العواضم الاوروبية الأخرى ؟!!!