عمل السيدة خديجة حجة عليكم لا حجة لكم !
13 محرم 1432
هويدا فواز الفايز

  لا يختلف اثنان على أهمية عمل المرأة ومشاركتها في تنمية مجتمعها وخدمة دينها ووطنها ، ولكن المؤتمرين في مؤتمرهم غير الواقعي المعنون بـ (واقعية مشاركة المرأة في التنمية الوطنية) يريدون إلغاء دور فئة كبيرة من نساء المجتمع في هذه التنمية وحصرها فقط في وظائف يجبرون المرأة المحتاجة من خلالها على الخروج من بيتها ومملكتها والهرولة المضطربة من أجل وظيفةغير لائقة بها ولا بحجابها وفطرتها وأخلاقها.

 

  وأول دور ألغاه هؤلاء وتعامَوا عنه هو دور الأمهات وربات البيوت اللائي خرّجن رجالات الدولة من قضاة ووزراء وعلماء ودعاة وأطباء ومعلمين ومهندسين ما كان لبلدنا ولا لأي بلد القيام والنهوض بدونهم، أم أن هذا الدور عطّل التنمية ووقف عثرة أمام تطورهم المنشود؟! لماذا الانتقاص من العمل الأساسي والدور السامي للمرأة؟! هل من النزاهة عدم الاعتراف بذلك إلا إذا كان الأمر يستدعي خروجها من بيتها برغم ما يعنيه هذا من تقصير في دورها داخل بيتها؟ ومن المعلوم والمؤكَّد أن هذا الدور ليس يسيرًا ولا قصيرًا، بل هو أصعب وألزم مهمة ملقاة على عاتق المرأة (التربية ورعاية بيتها).

 

ومن العجيب أن يصدر من أستاذة في علم الاجتماع بجامعة الملك سعود مثل الدكتورة والكاتبة عزيزة المانع قولها في جريدة المدينة (الثلاثاء 24 ذي الحجة 1431هـ): [نريد أمثال السيدة خديجة بنت خويلد وليس ربة المنزل المحصور دورها في تربية الأطفال فقط]، وما أشد التناقض بين طرفي العبارة! وما هذا التحقير والتقليل من شأن تربية الأطفال وهي الرعية التي ستُسأل عنها أمام الله يوم القيامة؟! وهل لديك دليل على أن السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ تركت أبناءها وخرجت من بيتها تسعى في تجارتها؟! هل تركت ذرية محمد "صلى الله عليه وسلم" في البيت وخرجت لما هو ـ كما ترين ـ أهم منهم أعني عملها بالتجارة وتلميع اسمها في بند سيدات الأعمال؟!  ثم لا خلاف أيضًا على أن أهم أسباب انحراف الأجيال هو عدم الاهتمام والرعاية الكافيين للأبناء والبنات، والحوادث اليومية وما يبُث عبر وسائل الأعلام خير شاهد، فهل نريد إصلاح الخلل بخلل أوسع منه فيتسع الخرق على الراقع؟! أليس هذا التقصير في التربية هو الذي يؤدي إلى انحرف الشباب والشابات ووقوعهم في المعاصي والزنا الذي يدعي هؤلاء أن المرأة إن لم تعمل كاشيرة ـ وعلى شاكلة الكاشيرة ـ ستقع في الزنا!

 

  ثم أين هؤلاء المؤتمرون من قضية بطالة الشباب والشابات وسعودة الوظائف واستقدام العمالة ؟ أليس في خروج المرأة ـ كما يريدون ـ ازدياد الاحتياج إلى الخادمات أم ستتفتق قريحتهم عن توظيف السعوديات خادمات، ربما من باب (سعودة مهنة الخادمة)! فهل تريدون حل مشكلة ـ زعمتموها ـ أم تريدون إضافة المزيد من الكوارث إلى مجتمعنا!!

 

  أمّا التمسح باسم أم المؤمنين الطاهرة خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ فهذه قضية عظمى خاصة نسبة أمور لا أساس لها من الصحة إليها ليدعموا زورًا وبهتانًا قضيتهم. وبداية أقول : الحمد لله الذي وضع الميزان وشرع الحساب، فكلٌ مسؤول عن قوله وعمله، وستُسألون عن كل فرية زعمتموها في شخص زوج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . هل عملت السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ بالتجارة؟ نعم . عملت بالتجارة. ولكن القضية بهذا الإيراد دون توضيح الكيفية ما هو إلا حق أريد به باطلا. ولو صدق هؤلاء في هدفهم لوقفوا هنيهة وراجعوا أنفسهم فما من أحد لديه ذرة من علم بالسيرة النبوية إلا ويعلم كيف تعرفت السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ بالرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ!! نعم . الأمانة . الأمانة في أدائه تجارتها، وكانت ـ رضي الله عنها ـ قبل ذلك تستأجر الرجال من أجل تجارتها، ((وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم)) "1" .

 

((كانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها أرملة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال ليتجروا بمالها، فلما بلغها عن محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ صدق حديثه، وعظم أمانته؟ وكرم أخلاقه، عرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار، فقبل وسافر معه غلامها ميسرة)) . "2" .

 

((وقد شغلت نفسها .... بالنظر إلى مالها، وقررت أن تستثمره وتنميه بالعدل والحلال من خلال مهنة التجارة التي دأبت قريش على الامتهان بها . ولعل هذه المهنة تُناسب الرجال دون النساء، فلم يكن في استطاعة خديجة أن تخرج على رأس تجارتها ومالها، ولكنها كانت تستعين بالرجال لكي يعملوا في تجارتها فتأجرهم لهذا الغرض)) "3" . ((وكانت ترفل في ثوب العز والرفاهية , وسادت وساد قومها , وكثر مالها , ونزلت إلى مجال العمل والتجارة , وكثر الطلاب والراغبون فيها وكان لها مما احترفته مالا يمنعها أن تتصل بالرجال , وأن تقحم نفسها معهم في أمور التجارة ولكن ذلك لم يحصل , فلم تضع عينها

 

على سيد من سادة قريش , ولم تشترك معهم في أمور تتصل بالتجارة , ولم تتخذ من التجارة ذريعة للاتصال بهم  ولتقوية الروابط بينها وبين الرجال من مكة أو غير مكة , لكنها رضي الله عنها اتخذت لها طريقًا جادًا بعيدًا عن طريق الأهواء والرغبات , فلقد كانت تجارتها كثيرة ومتنوعة , ولم تتصل بتجار قومها , وكانوا كلهم تجارًا , ولم تشترك معهم في اجتماع خاص أو عام , ولم تسر في ركابهم , وإنما كان يقوم بأمور التجارة عبيدها , وعلى رأسهم مولاها المخلص ميسرة(((
"4"  أم لدى هؤلاء ما يثبت أنها ـ رضي الله عنها ـ بعد زواج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها خرجت للتجارة بنفسها ؟! هل سنسمع مجددًا تلك الشنشنة والطنطنة بالاستشهاد بعمل السيدة خديجة لتبرير الدعوة لخروج المرأة للعمل؟! مع التذكير بأنها ـ رضي الله عنها ـ ماتت قبل الهجرة، وشُرع الحجاب في العام الخامس أو السادس من الهجرة. سبحان الله! وإن صدق هؤلاء فيما زعموا من الاقتداء بالسيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ فهل نتوقع منهم ومنهن الاقتداء بباقي أمهات المؤمنين حينما أسرعن بطاعة الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستجبن لأوامر الحجاب والحشمة بمجرد نزول الأمر الإلهي بذلك؟!
 

 

  هل معنى ما سبق الاعتراض على خروج المرأة للعمل؟
طبعًا .. لا . ولكن ، ليكن في حدود الضوابط الشرعية التي تحافظ على عفاف وحشمة وحجاب المرأة المسلمة، في عمل مناسب لها ولطبيعتها التي ميزها بها الله ـ سبحانه وتعالى، وليس أدل على أن قضيتهم مفتعلة من استمرار خروج كثير من النساء إلى أعمالهن سواء في مجال التربية والتعليم أو الطب أو التجارة كالمشاغل النسائية وصالونات التجميل ولم يعترض أحد على ذلك، لماذا؟ لأنه لم يخرج علينا ـ كما هو حادث الآن ـ من يقرن خروج المرأة بالاختلاط والسفور والتبرج والإلحاح على قيادة المرأة للسيارة (وكل هذا حدث في المؤتمر)، وهذا مفتي الديار مدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة الدكتور أحمد قاسم الغامدي يقول في جريدة المدينة (الأربعاء 25 ذي الحجة 1431هـ): [أنا لا أرى في قيادة المرأة للسيارة أي مشكلة،
وليس هناك أي نص صريح في القرآن والسنة يحرم هذا، وأنما أي رفض أو تحريم فهو اجتهادي ونظرية افتراضية فقط لا غير، بالإضافة إلى أن هذا الأمر راجع لأولياء الأمور في البلاد فهم الذين يمنعونه أو يجيزونه] .. ألم يعلم هذا أن ((ولي الأمر)) قصر الفتوى على هيئة كبار العلماء؟!! لماذا لا يُعاقَب على هذا التصريح؟!!!
 

 

  وعلى هامش تصريحات المؤتمرين مما ورد في جريدة المدينة (الثلاثاء 24ذي الحجة 1431هـ):   [أكد الدكتور طارق الحبيب أن القوامة لا تعتمد على جنس معين إذ إن هناك نساء قادرات على تحمل المسؤولية.]   وأين قوله تعالى: 'الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ...' (النساء:34)، وهل يغير تحمل المرأة للمسؤولية أو تخلي الرجل عن مسؤوليته ، هل يغير من الحقيقة التي تقررها الآية القرآنية ؟!   [ونادى الحبيب في الجلسة بضرورة استخراج رخصة للزواج كما للقيادة رخصة وتكون رخصة "قيادة الحياة الأسرية" قابلة للتجديد كل 5 سنوات تجدد ويكون تجديدها بأخذ دورات على حسب المتغيرات الحياتية.]  طيب ... وما عقوبة مَنْ لم يحصل عليها؟ وما عقوبة مَنْ لم يجددها أو فشل في الدورة؟ ما قيمة المخالفة؟!     [وأكد الدكتور الحبيب "أن السبب الحقيقي في تراجع دور المرأة هو المرأة نفسها، فالسابقات من الصحابيات والتابعيات قصرن في المطالبة في المحافظة على حقوق المرأة الذي كان مفتوحا على مصراعيه في عهد النبوة .]

 

  يكفي قول الذي لا ينطق عن الهوى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) .. هل الخيرية مفصلة: نساء ورجال ؟
   [من جانبه وفي محاضرته التي حملت عنوان الآثار الفكرية الناتجة عن مساهمة المرأة في المجتمع، أوضح إبراهيم البليهي الكاتب والمفكر الإسلامي وعضو مجلس الشورى: إن من رؤيتي لعدد الحاضرات اليوم من السيدات الذي يفوق عدد الرجال هو عبارة عن إدراك المرأة مشكلتها الحالية التي تكمن في اعترافها بالفشل حقا وليس المهم الفشل بحد ذاته.]
  الحمد لله .. اعتراف بالحق، والحمد لله أن نساء المملكة أجمعهن ما عدا (1100 الألف والمائة امرأة اللاتي حضرن المؤتمر) لم يكن من الحاضرات الفاشلات كما وصفهن إبراهيم البليهي!
 

 


  وختامًا
... دعوة إلى التفكر في آيات كريمات من قول الحق ـ عز وجل : ـ  (ليحملوا أوزارهم كاملةً يومَ القيامةِ ومن أوزارِ الذين يضلونهم بغيرِ علم ألا ساءَ ما يزِرون. قد مكرَ الذين من قبلِهم فأتى اللهُ بُنيانهم من القواعدِ فخرَّ عليهم السقفُ من فوقِهم وأتاهم الله من حيثُ لا يشعرون) "النحل 25 ـ 26" .
ـ (وإذا أردنا أن نهلكَ قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القولُ فدمَّرناها تدميرًا) "الإسراء 16" .
 ـ (واتَّقوا فتنةً لا تُصيبَنَّ الذين ظلموا منكم خاصَّة واعلموا أنَّ الله شديدُ العقاب) "الأنفال 25" .
ـ (إنَّ في ذلك لذكرى لمَنْ كانَ له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيد) "ق 37".
 

 

التوثيق :
"1" السيرة النبوية لابن هشام ـ ج1 ص100.
"2" السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور علي محمد محمد الصلابي ص73.
"3" أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ـ للأستاذ عبد المنعم الهاشمي ص15وص16.
"4" أم المؤمنين خديجة بنت خويلد المثل الأعلى لنساء العالمين ـ لإبراهيم محمد حسن الجمل ص10.